يا أدعياء صناعة الوعي: أخرجوا من صمتكم المريب!
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
فضيلي جمّاع
للحرب وجه واحد منذ أن عرف الإنسان الحياة على ظهر هذا الكوكب – الوجه البشع. قد تتفاوت بشاعة الحروب بتفاوت درجات الدمار . لكن تبقى المحصلة واحدة. أسوأ ما فيها: موت الأبرياء الذين لا ناقة لهم في إشعال أتون الحرب ولا جمل. ومن سيئات محصلة الحرب أنّ من أشعلوا أوارها يتصافحون ذات يوم بحجة أن الواجب الوطني (كما في حالة السودان ) أو الضرورة الإنسانية ومصلحة الشعوب -كما في الحروب الإقليمية – قضت أن تغلب الحكمة وأن تقف الحرب.
وما يجري في السودان منذ عشرة أشهر ليس بدعاً ولا هو بالجديد في تاريخ عسكر السودان. فمتى كثر السلاح واكتظت الميادين والساحات بطوابير العسكر.. ومتى كثرت صفقات السلاح فاعلم أن حرباً ما تلوح في الأفق. وهذا ما سبق هذه الحرب والكل نيام!
في تاريخ أمتنا الحديثة – أعني منذ بزوغ فجر الإستقلال حتى تاريخ كتابة هذه السطور – يفوق عدد سنوات الحرب والموت والدمار سنوات الإستقرار أضعافاً مضاعفة. فمن بين 68 عاماً من الإستقلال فاق عدد السنوات التي ملأ فيها سماواتنا أزيز الطيران الحربي وهدير المدافع وجلالات الجيش – فاق عدد سنوات منظومة الدمار العسكرية سنوات الطمأنينة والهدوء عشرات المرات. إنّ مأساة المآسي أن كل ذلك الحشد وكل تلك الحروب كانت ولما تزل ضد عدو واحد هو الشعب السوداني. تصوروا جيشاً لم يشهر البندقية مرة واحدة في وجه عدو أجنبي! ورغما عن كل ذلك نسمع اليوم صراخ حلاقيم بعض المغفلين وهم يرددون: (جيش واحد شعب واحد !)
أريد في هذه الخاطرة أن ألفت الإنتباه إلى أمر أرى من الضرورة الإنتباه له. لقد لاحظت طوال أشهر هذه الحرب التي كادت تدخل عامها الثاني أن تعامل الكثيرين معها – وأعني بالكثيرين هنا من يرجى أن يصنعوا الوعي – لاحظت أن تعامل هؤلاء مع الحرب ظل تعاملاً أقل ما يوصف به الإصطفاف سرا أو علنا مع هذا الفيلق أو ذاك. ليس هذا فحسب ، بل إنّ العويل والبكاء على البيت والمدينة التي نزحوا منها ظل رأس القضية. وكأن جيش السودان لم يحرق مئات القرى ويعتدي على المدنيين العزل ويغتصب ويقتل دون رحمة ما كانت حصيلته في الجنوب – سابقاً – فوق المليونين، وأباد ثلاثمائة ألف في دار فور . وحصب أطفال الكهوف في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق بالقنابل وبالبراميل المتفجرة. ذكر هذا الملف لا يعني طبعا أن ما حدث في عاصمة البلاد بمدنها الثلاثة وفي الجزيرة أمر ينبغي تجاهله أو تصغير شأنه. لكن – والخطاب موجه لأدعياء الكتابة والثقافة والساسة الذين يبدو أن عينهم ما تزال على حصتهم من كيكة السلطة أكبر من هم ضحايا هذه الحروب.. هنالك صمت رهيب. يحدث قصف بالطائرات مرارا وتكرارا في غرب ووسط وشرق دار فور لمدنيين أبرياء ولا تطلع إدانة للجيش الذي يعرف القاصي والداني أنه مجرد مليشيا كيزانية يقودها ضباط مؤدلجون ويوجه الحرب أمراء حزب يعرف قادته أن وقف الحرب يعني زوال حلم الأخوان المسلمين بالعودة للسلطة إلى الأبد. ثم تقطع رؤوس شباب مدنيين في طريقهم إلى مدينتهم (ود الحداد في الحزيرة).. يقطعها عسكر الجيش – جيش الكيزان ويلوحون بها دون مراعاة لحرمة الموت.. والساسة والمثقفون صامتون. ثم إن جيش الكيزان في حيرته الآن يقوم بحشد وعسكرة الأطفال ليخوضوا الحرب دفاعا عمن تنعم أسرهم وأبناؤهم في بلاد الدنيا برخو العيش ونعيمه. متى تقوم عصبة من الساسة والحقوقيين برفع شكوى للمنظومة الدولية لتجريم مليشيا كيزانية ترتكب أفظع الجرائم في حق الشعب السوداني باسم جيش وطني لا وجود له منذ سطا الأخوان المسلمون على السلطة بليل عام 1989م؟
نصيحة أخيرة لمن زحموا الآفاق من قبل بأنهم حقوقيون ومثقفون وساسة حريصون على السودان وشعب السودان.. أخرجوا من صمتكم المريب. لقد صمتم عن الكلام عن جرائم الجيش منذ العام 1955 حتى انفصل الجنوب. ولم يقل (لا) سوى القليل منكم في حرب الجيش على إنسان الهامش العريض. واليوم يقف بعضكم مع جيش الكيزان بحجة أنه جيش وطني يخوض حرباً ضد مرتزقة قدموا من تشاد والنيجر. إستحوا.. فالدعم السريع صنيعة جيشكم وابن صلبه. ولأنه شق عصا الطاعة فإن الجيش في حيرته يعلنها صريحة أن الكتائب والمليشيات الكيزانية ( كتائب البراء وغيرها) جزء لا يتجزأ منه.
فلنقل لا للحرب .. ولتقم الجبهة المدنية العريضة أيا كان اسمها ليعلم الكل أن شعبنا الذي صنع ثورة ديسمبر التي بهرت العالم لا يزال واعياً وضد الحرب والدمار.. وضد من يحلمون بالعودة للحكم فوق ظهر دبابة!
لندن- 27 فبراير 2024
الوسومفضيلي جماعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
سودان أبو القدح
عندما كان نظام البشير و الكيزان من خلفه في السودان يحذر أو يتوعَّد أو يهدد بأن سُقوطه يعني أن يُستباح السودان علَّه كان صادق! لكنهم كانوا يخوِّفوننا من حملة السلاح من الحركات المسلحة التي كانوا في حرب معها. ليتجلى أن من إستباح السودان بعد سقوطهم كانت تلك المليشيات التي صنعوها هم و غرسوها فينا من الجنجويد!
فهل هذا يعني أن نظام البشير هم من إستباحنا!
و سؤال أن أين اختفى الثعلب الشيخ علي عثمان طه؟ أليس هو بمثابة كبير و مفتي و مرشد جماعة القصر ما بعد المفاصلة مع شيخهم الترابي؟
لماذا لم يظهر له أي تصريح أو تعليق أو حتى الشماتة فيما حدث و يحدث للسودان من استباحة؟!
حتى قائد جناح الصقور نافع لم نسمع له من إفادة؟
الحقيقة التي أضرَّت بسودان ما بعد الثورة و أصابته في مقتل كانت متمثلة في ضعف شخصية رئيس الوزراء المختار الدكتور حمدوك و تواجده بين خبث و دهاء أكثر قيادة قوى الحرية و التغيير من حوله. تلك القيادات المدنية التي حاولت التلاعب بالعسكر و زعيم الجنجويد في سبيل الإنتقام من الكيزان كلهم فتسببوا دون قصد أو تعمد منهم في إشعال فتيل الحرب بين الجيش و الدعم السريع!
عندما تفكر في أن قيادة الجيش قبل البرهان سمحت للدعم أن يتمدد و جاء عبد الفتاح فاتحاً لها البلاد كلها و رافعاً من قدر زعيمها ثم نتذكر تصريحات البرهان و من معه من قادة الجيش كباشي و العطا و الحسين و إبراهيم و غيرهم في المدح و الثناء بل التغزل في حميدتي و قبلهم البشير فعلها و هو يعلن أنه هو حمياته الخاصه نستغرب أن كيف إنقلبت المحبة بينهم إلى حرب الخاسر فيها هو السودان و شعبه أولاً و أخيراً!
الإستغراب الذي يجعلك زاهداً في أن تصدق حقيقة أن الحق هو الذي اختلفوا جميعاً عليه!
فهم شركاء كانوا من قبل جميعاً في السلطة ثم اختلفوا على السلطة ليتقاتوا فيها! و إن ظن البعض أن المشكلة كانت في فترة دمج المليشيات في الجيش و مصير زعيمها فهل كان الأمر يستحق و يستدعي إشعال الحرب في السودان و استباحة أهله و تعريضه للتمزق و التقسَّم؟!
و طول فترة الحرب نفسها و ما أحدثته قيادات الفرق و المناطق من انسحابات و تسليم بلا دفاع عنها في أولها و تفرج باقي القطاعات و الولايات على سقوط الولايات جاراتها و اشتعال الحرب و العدوان و التقتيل و هتك الأعراض و السرقة على أهلهم فيها بينما ظلوا يُعلنون جاهزيتهم لصد أي عدوان عليهم و عليهم فقط!
و لماذا يساند و يدعم شيطان العرب ابن زايد أبو ظبي مليشيات التتار و الجنجويد في حربها على السودان؟
ماذا يريد هذا العاهر من شعب السودان؟
و أي جبروت يعيشه هذا الواهم يجعله يتدخل بأموال شعبه يصرفها يشتري بها الذمم الرخيصة و الأنظمة الأرخص من دول و مجالس و تنظيمات و هيئات يجعلها ضد السودان؟!
و لماذا قادة الجيش و هم من بعدها ظلوا يؤكدون أن السودان يخوض حرباً عليه من جهات عدة إقليمية و دولية لماذا لم يردوا الصاع صاعين على تلك الجهات و الدول؟! نعم لماذا لم يشعلوا الحرب عليهم أيضاً و ينقلوها لتشملهم و ليذوقوا نيرانها و معنى أن تتعرض الشعوب المسالمة للغدر و الإستباحة؟!
لماذا استرخص قادة حركات قحت و تقدم و قادة الجيش أن يستباح السودان دماء و أرواح و أعراض و أموال و أرض شعبه بواسطة مليشيات من جنجويد كلهم شاركوا في صناعتها و تمجيدها و مصافحتها و الجلوس معها و الأكل بل و النوم معها!
لماذا يريدون منا جميعاً من كيزان و قحت و جنجويد و دعامة و قيادة جيش أن نصدق أنهم هم وحدهم من يخافون على السودان و شعبه و يعرفون حريصون على مصلحته؟!
إذا من الذي استباح السودان إذاً!
****
(مع نفسك)
و الرجال مواقف؛ نعم الرجال.
و المقاومة في غزة تضرب للبشرية و الإنسانية و التاريخ أنموذج الرجولة الحق و البسالة و التضحية.
غزة العزة و فلسطين التي نحبها لأنها فلسطين الحياة.
و يا شعب فلسطين الأبي العزيز الكريم الثابت الصامد نشتاقكم في الله.
*
يومها و طوال أيام حرب التطهير في غزة و لأهلها تجلت للعالم عورات الصهاينة من غرب و عجم و عرب بأفعالهم قبل أقوالهم. من غلق للحدود لخنق غزة و إسقاط للمعونات من الجو و إطلاق التصاريح من تنديد و لطم و شجب و قهر لشعوبهم و منع للتظاهر أو حتى حمل الأعلام أو لبسها.
و منهم من كان يسدد عن طيب خاطر فواتيرها الحرب و يرسل الدعم بضائع و سلاحاً إلى حليفه الغاصب القاتل الصهيون.
كان أكثرهم ينتظر سقوط المقاومة في غزة و هم من حمقهم أو خبثهم أو هو جهلهم أو سوء عملهم و نياتهم لا يعلمون أن المقاومة هناك هي الحياة.
و يعيش الشهداء و تنتصر المقاومة.
*
الخيانة لا تصنع منك بطل و لا رجل. و العرب الأنظمة فيها من الخونة طوال التاريخ ما يضحك و يبكيك و يفجعك!
أنصاف رجال و أشباههم تبيع أعراض أهلها و شعوبها و أوطانها في سبيل كراسي الحكم و عروش السلطة. بل و تبيع نفسها إن تطلب منها أو إشترط عليها أو توجب!
أنظمة من الكرتون تنتفخ فيها السلطة بالبطش و القهر و الطغيان حتى من الفجر تتفجر!
أتعرفون كيف تميزون الخونة من بيننا؟
نعم من عجزوا عن إنقاذ إخوتنا و أهلنا في الإسلام و في العروبة و في الإنسانية في كل مكان و إن كان خلف حدودهم و جوارها و حتى داخلها و إن كانوا من لحمهم و دمهم!
لن تخلدك في الحياة خيانتك. ستموت حتماً و إن هربت منا فهناك الحساب يا الضعيف ينتظرك.
و في فلسطين “منظمة” لحركة تحكم و على زعاماتها قبل زعاماتنا صهاينة خونة!
*
و نكتب أن استباحة السودان ما كانت لتحدث لو لم يك في السودان الخونة.
و نرسل التعليقات هنا و هناك نسجلها رسائل من كتابات و قصاصات و خواطر سنوات لنا كنا نحذر! تعبنا.
و جموع كانت ترد بسباب و التشكيك و الجدل و الشتائم. و صدقت “مدننا” فماذا نحن من الكتابة إستفدنا!
لأنا في زمن لا يرى و يسمع و يحترم إلا القوة. و القوة مال أو جاه أو سلطة من سلاح و جماعه.
و التاريخ شاهد على أن كل من وثق في من لا أصل له و لا فصل غدر به و استباحه و خانه!
قادة الجيش الذين سلموا أمانة السودان و أهلهم لصعاليك مليشيات الجنجويد بعد أن كبرهم قائد الجيش الساقط عمر البشير فتمرد قطاع الطرق طمعاً من زعيمهم في السلطة و بتحريض من شيطان العرب و تحريش من بعض قاصري العقل و النظر و النخوة من جموع قحت و استباحوا دماء و أعراض أهل السودان لأنهم مقاطيع أصل لا نسب و لا أم و أخت لا أهل و لا بلد لهم.
القادة الذين تهاونوا من قبل في قلع جذور تلك المليشيات المغروسة في أرض السودان كالسرطان كرهاً و غصباً. و الذين تأخروا عن إطلاق لجام قوات الشعب السودانية المسلحة و أسودها لتفترس المطاليق الرعاع أولئك. ثم يتنادون بيننا أن الحرب فرضت عليهم فرضاً و غدراً! نفس القادة الذين تعاجزوا عن الرد على داعمي التمرد و في أرضهم و عند أهلهم و العين بالعين و الدم بالدم و “العرض” و في القصاص حياة.
لكن الله سبحانه موجود و بعونه السودان ينتصر.
*
مرارات كثيرة كتبنا عنها و شاركنا بها و سجلناها هنا و هناك في صحيفة “الراكوبة” و “سودانايل” و موقع “سودانيز أونلاين” و تواجد كان يغلق في كل مرة في تويتر!
كلمة حق و شهادة في الله كانت ؛
لكن… الحمد لله على كل حال.
فالإسلام يعود غريباً؛
و طوبى للغرباء.
mhmh18@windowslive.com
محمد حسن مصطفى