واشنطن -(د ب أ) – يقول المحلل السياسي الدكتور إميل أفدالياني، أستاذ العلاقات الدولية بالحامعة الأوروبية، ومدير دراسات الشرق الأوسط بمركز أبحاث جيوكيس في جورجيا، إنه منذ بدء غزو روسيا واسع النطاق لأوكرانيا، ترفض جورجيا الانضمام للعقوبات ضد موسكو، ولم تنتقدها علانية رغم تصرفاتها في أوكرانيا. وكان رد فعل روسيا إزاء ذلك الإعلان في أيار/ مايو الماضي استئناف الرحلات المباشرة بين الدولتين وإلغاء متطلبات التأشيرات المفروضة على مواطني جورجيا.

وأشاد المسؤولون الروس مرارا وتكرارا بحكومة جورجيا لحفاظها على نهج بناء يليق بدولة ذات سيادة، وزاد حجم التجارة الثنائية. وكانت صادرات جورجيا لروسيا زادت في عام 2022 بنسبة 8ر6% إلى 652 مليون دولار، بينما ارتفعت الواردات بنسبة 79% إلى 8ر1 مليار دولار، وهو أعلى مستوى خلال الستة عشر عاما الماضية. ويضيف أفدالياني في تقرير نشره موقع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أن تصرفات جورجيا تبدو غبر منطقية بوجه خاص باعتبار أن العلاقات بين الدولتين لم تكن سهلة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، خاصة بعد عام 2008، عندما قامت روسيا بغزو أراضيها. واحتفظت موسكو بالفعل بالسيطرة على أكثر من 20% من أراضي جورجيا منذ ذلك الحين مع إقامة قواعد عسكرية في منطقتي أبخازا وأوسيتيا الجنوبية، الانفصاليتين عن جورجيا. يأتي هذا التقدم في العلاقات مع روسيا في الوقت الذي ساءت فيه علاقات تبليسي مع شركائها الغربيين التقليديين. وتشهد الانتقادات المتبادلة تزايدا، وهناك شكوك حول تقدم جورجيا بالنسبة لمعظم التوصيات الاثنتى عشرة التي حددها الاتحاد الأوروبي كي تنال وضع دولة مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي. ويقول أفدالياني إن دوافع حكومة جورجيا وراء هذا التحسن في العلاقات مع موسكو متنوعة، لكن أحد العوامل الرئيسية يتمثل في الأهمية الإقليمية المتزايدة لجورجيا. فالحرب المطولة في أوكرانيا أرغمت الاتحاد الأوروبي على إعادة تقييم اعتماده على روسيا في الحصول على الطاقة، وفي مجال التجارة، ودفعته إلى البحث عن طرق بديلة يمكنه من خلالها الوصول إلى الصين ووسط آسيا. ويبدو أن طريق الممر الأوسط الذي يمر عبر جورجيا هو الخيار الأكثر ملائمة. ونظرا لأن جورجيا هي الجسر البري الأقصر بين الاتحاد الأوروبي والصين، زاد الاتحاد الأوروبي من وجوده في جنوب القوقاز من خلال مشروعات موقعة حديثا مع أذربيجان وجورجيا، في مجالي الغاز والبنية الأساسية. ونتيجة لذلك، اكتسبت جورجيا أهمية جغرافية سياسية أكثر كثيرا مما كانت تتمتع به قبل بدء الحرب في أوكرانيا. وهناك احتمال بأن تستغل جورجيا أيضا احتمال التقارب مع روسيا كأسلوب تفاوضي عند التعامل مع الشركاء الأوروبيين المترددين. ومع ذلك، ليس من قبيل الصواب تصوير جورجيا على أنها في طريقها لتصبح دولة موالية لروسيا، حيث إن تبليسي تعتقد أن روسيا سوف تبقى في مستنقع أوكرانيا لسنوات، إن لم يكن لعقود. ووسط هذا الاضطراب الواضح، تضاءل نفوذ روسيا في جنوب القوقاز، مما أتاح لدول فاعلة أخرى – خاصة تركيا وإيران- مساحة أكبر للمناورة. وقد أنهى غزو أوكرانيا عهد ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتسبب في النهاية الفعلية للهيمنة الروسية التامة في جنوب القوقاز. ويرى أفدالياني أن هذا يعني المزيد من الفرص لاتخاذ جورجيا خطوات أكثر جسارة في السياسة الخارجية واستغلال الضعف الروسي. ومن المتوقع إمكانية أن تدفع موسكو أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية- إلى القيام ببعض المبادرات التصالحية تجاه تبليسي، والتي من شأنها أن تمثل ما يشبه حسما محتملا للخلاف. ويمكن أن تشمل هذه المبادرات تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وباقي جورجيا، وحتى بعض الاتصالات السياسية الطفيفة مع تبليسي. وهناك خطوة أخرى يمكن أن تتمثل في تسهيل حرية الحركة بين السكان المحليين، والحد من عمليات اختطاف القوات الروسية- الأوسيتية الرعايا الجورجيين. وفي الحقيقة، تعتمد تقديرات تبليسي على إدراك أن لدى جورجيا الآن ما يمكن أن تقدمه لروسيا أكثر مما كانت تفعل قبل2022، مما يزيد من قيمتها ونفوذها لدى موسكو. ومن مصلحة روسيا أن تظل الحدود مع جورجيا مفتوحة، حيث يساعد ذلك في توفير طريق لروسيا إلى تركيا وأرمينيا. وثانيا، يعني تحسين العلاقات مع جورجيا بالنسبة لروسيا أن العلاقات بين جورجيا والاتحاد الأوروبي يمكن أن تزداد ركودا: وهو ما سيؤدى إلى تضاؤل النفوذ الغربي في المنطقة. وثالثا، يمكن أن تلعب جورجيا بورقة حلف شمال الأطلسي( ناتو)، من خلال اضمحلال طلب الانضمام لعضويته. وهناك اعتبار آخر، وهو أن تبليسي ترى أن المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا تبدو غير كافية لإنهاء الحرب، بينما نجحت روسيا في الاحتفاظ بسيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد. ويعتقد المسؤولون في جورجيا أن ميزان القوة يتحول لصالح روسيا، وأن توسع الناتو هو الذي أدى إلى اندلاع الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن هذه الحسابات الجيوسياسية محفوفة أيضا بخطر احتمال أن تكون خاطئة مما سيكون له تأثيرات دائمة على جورجيا ورعاتها في الغرب. وليس من الواضح تماما ما إذا كانت روسيا – سواء أصبحت غير مستقرة بصورة متزايدة أو منتصرة- ستكون مفيدة لأمن جورجيا وسعيها لإعادة تكامل أراضيها. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لأي تحول طفيف نحو تحسين العلاقات مع روسيا أن يزيد من تباعد تبليسي عن الغرب. وإذا ما رفض الاتحاد الأوروبي منح جورجيا وضع الدولة المرشحة للانضمام إليه فى وقت لاحق من هذا العام، يمكن أن يصبح ميل جورجيا للمزيد من التقارب مع روسيا أكثر وضوحا. واختتم أفدالياني تقريره بالقول إن أي تطبيع للعلاقات بين تبليسي وموسكو سوف يفضي في نهاية المطاف إلى قضية وحدة أراضي جورجيا. ومن المعروف أن روسيا أعربت على الدوام عن عدم استعدادها لتقديم أي تنازلات في هذا الصدد. كما أنها ليست مستعدة للتنازل طواعية عن أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية حال هزيمتها في أوكرانيا. وفي الوقت الراهن، يتمثل أفضل رهان بالنسب لجورجيا في الابحار ما بين روسيا التي تزداد خطورة، والغرب، الذي يتوسع تدريجيا جهة الشرق، لكن ليس بالسرعة الكافية لتطويق جورجيا البعيدة جغرافيا قبل أن تتعرض للتهديد مرة أخرى من جانب روسيا.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فی أوکرانیا العلاقات مع مع روسیا روسیا فی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

روسيا تقترب من مدينة بوكروفسك الاستراتيجية شرقي أوكرانيا

الثورة /وكالات

أكدت وكالة «رويترز» أنّ القوات الروسية تعمل ببطء على تشديد الخناق حول مدينة بوكروفسك في شرق أوكرانيا، والتي تعدّ مركزاً لوجستياً رئيسياً تتعرّض خطوط إمداده الرئيسية للتهديد.
ورأت الوكالة أنّ تطويق المدينة أو سقوطها قد يضع روسيا في موقف قوي لشنّ هجمات في عدة اتجاهات في الشرق وزيادة الضغط على كييف في مرحلة حاسمة من الحرب.
وأشارت إلى أنّ الحياة في بوكروفسك قاتمة. فوفقاً لحاكم المنطقة، لم يتبقَ سوى 7000 ساكن من إجمالي عدد السكان قبل الحرب، والذي بلغ 60 ألف نسمة، وقد أغلق مكتب البريد الأخير مؤخّراً ـ والآن، يتمّ تسليم البريد بواسطة شاحنات مدرّعة.
وفي الأيام القليلة الماضية، وفقاً للوكالة، وصلت قوات موسكو إلى خط السكك الحديدية الرئيسي المؤدّي إلى المدينة من أهم مركز لوجستي في شرق أوكرانيا؛ مدينة دنيبرو.
وقال نائب قائد اللواء الهجومي رقم 59 في أوكرانيا الذي يقاتل على جبهة بوكروفسك: «الوضع صعب بشكل عام. العدو يهاجم باستمرار سيراً على الأقدام».
وقال الضابط: «العدو (روسيا) لديه أعداد أكبر بكثير من المشاة، وهاجم في مجموعات صغيرة، وكان مستعداً لتكبّد خسائر بشرية عالية للغاية، واستغلّ بمهارة الطبيعة وظروف الطقس منخفضة الرؤية لإخفاء نفسه من الطائرات من دون طيار».
وقال مايكل كوفمان، وهو زميل بارز في مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي» في واشنطن، إن طرق العبور في بوكروفسك تعني أن القوات الروسية قد تستخدمها كنقطة انطلاق للهجوم شمالاً أو غرباً في حال سقطت.
وأضاف كوفمان: «هذا يهيّئ القوات الروسية لتقدّم محتمل نحو منطقة دنيبروبيتروفسك… خلف خطوط المواجهة، حيث يقومون ببناء وإصلاح خطوط السكك الحديدية. وبعد ذلك، يمكنهم تحسين لوجستياتهم الخاصة، وهذا يمكّنهم من المضي قدماً نحو الغرب».
وأشارت «رويترز» إلى أنّ اتصال بوكروفسك بالطرق والسكك الحديدية جعل منها مركز إمداد مهماً لقسم كبير من خط المواجهة في أوكرانيا، على الرغم من أن تهديد المدفعية والطائرات من دون طيار الروسية في الأشهر الأخيرة حدّ من هذه الوظيفة.
وأكدت أنّ سيطرة موسكو على جزء من هذه المنطقة قد يعزّز موقفها في المفاوضات المستقبلية، في ظلّ ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الجانبين للتوصّل إلى اتفاق سلام.

مقالات مشابهة

  • تصعيد جوي.. أوكرانيا تعلن إسقاط 40 طائرة مسيرة أطلقتها روسيا
  • روسيا: ما قامت به أوكرانيا من استهداف مدرسة داخلية يعتبر جريمة حرب
  • أوكرانيا تتهم روسيا بقصف مدرسة في كورسك
  • ترامب يكشف عن"مناقشات جادة" تجري مع روسيا بشأن أوكرانيا فهل تضع الحرب أوزارها؟
  • روسيا تعلن إحراز تقدم في جبهات القتال داخل أوكرانيا
  • أوكرانيا: روسيا تحتفظ بـ 8 سفن في البحرين الأسود والمتوسط
  • روسيا تقترب من مدينة بوكروفسك الاستراتيجية شرقي أوكرانيا
  • أوكرانيا تعلن تدمير منشأة عسكرية في روسيا
  • روسيا تعلن تحقيق تقدم ميداني جديد في أوكرانيا
  • محلل سياسي: العلاقات المصرية العراقية تشهد نقلة نوعية