مشهدان متناقضان على مساحة جغرافية لا تتعدى بضع كيلومترات. الأول في الجنوب، الذي يعيش أسوأ أيامه منذ أن قررت اسرائيل الردّ بشراسة غير متناهية على عمليات "المقاومة الاسلامية" إسنادًا لأهل غزة، الذين يتعرضون بدورهم لأبشع أنواع الإبادات الجماعية.
أما المشهد الثاني فهو في منطقة غير بعيدة نسبيًا عن الجنوب الواقع بين "سندان" عمليات الاسناد وبين المطرقة الاسرائيلية.


في المشهد الأول نرى أبناء الجنوب يلجأون زرافات زرافات إلى المناطق التي لا تزال تُعتبر آمنة نسبيًا. وفي الثاني، نرى اناسًا تغصّ بهم الطريق الوحيد، الذي يربط الساحل بمركز التزلج في منطقة كفردبيان وفقرا، حتى أن كثيرين منهم لم يستطيعوا الوصول وبقوا في أماكنهم مسمّرين لساعات طويلة.
هذان المشهدان المتناقضان في الشكل وفي الجوهر يختصران المشهد السياسي العام في لبنان. ففي الأول ثمة من يؤمن بأنه يقف في وجه الأطماع الإسرائيلية، التي لا حدود لها، لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل، وهي تريد جرّ لبنان واللبنانيين، أو قسم منهم إلى حرب لا يريدونها، ولكنهم لا يخشونها في الوقت ذاته، وهم مستعدون لأن يستشهدوا، وقد سقط منهم ما يزيد عن مئتي شهيد حتى الآن، سواء أكان "على طريق القدس" أو الطريق التي تؤدي إلى ما يحقّق غاياتهم القريبة والبعيدة، والتي لها ارتباطات محلية وإقليمية معًا. 
أمّا في المشهد الثاني فثمة أناس لا يريدون الحرب لأن معظمهم خَبِروا ما جرّته الحروب الداخلية والخارجية عليهم من ويلات ومصائب وكوارث، وهم لا يريدون العودة إلى تلك الأيام، لأنهم يعتبرون أن الحياة هي هبة من الخالق، ويجب بالتالي عدم التفريط بها، خصوصًا إذا كان الموت لا يخدم أي قضية يؤمنون بأنها تستحق التضحية من أجلها، وهم الذين ضحّوا كثيرًا عندما كان الخطر يهدّد وجودهم ومستقبلهم، فكانت لهم وقفات عز وبطولة.
فهذا المشهد السياسي بتناقضاته النافرة لن يقتصر الجدل فيه على أحقية فتح جبهة الجنوب نصرة لغزة وأهلها، وقد سبق أن طُرح سؤال عمن سيساند لبنان إن فُرضت عليه الحرب، وهو الذي يساند قضية هي من أولى واجبات القوى التي هي أكثر قدرة من لبنان، عسكريًا وإمكانات، بل يشمل كل فاصلة من فواصل الحياة السياسية، خصوصًا أن الأطراف اللبنانيين المختلفين على كل شيء تقريبًا في السياسة أولًا، وفي طريقة عيشهم ثانيًا. وهذا ما يفسرّ التناقض في مشهدي الجنوب وكفردبيان أو أي منطقة لبنانية أخرى يسعى أهلها إلى أن تكون حياتهم طبيعية بكل مندرجاتها البيئية والثقافية وحتى العقائدية الحزبية والدينية.
وبهذا التناقض بين مشهدين لا تباعد بينهما سوى كيلومترات قليلة في وطن لا تتعدّى مساحته مساحة مدينة واحدة في كندا أو أميركا يُعاد طرح مسألة الاستراتيجية الدفاعية، التي بقي الحديث عنها معلقًّا منذ أن عُقدت آخر طاولة حوار، والتي كانت أشبه بـ "حوار الطرشان"، لأن من كان جالسًا إليها من الأفرقاء اللبنانيين، وكانوا جميعهم ممثلين فيها، لم يلتزموا حتى بما تمّ التوافق عليه، وبقي قديم الخلافات على قدمه، وبقي قرار "الحرب والسلم" في يد "حزب الله". وهذا ما عقّد الأمور الخلافية الأخرى أكثر مما هي معقدّة في الأساس. ومن بين الأمور التي يختلف عليها اللبنانيون، أو لا يتوافقون عليها، إخراج لبنان من دوامة الشغور الرئاسي، مع أنهم يعرفون أن عدم انتخاب رئيس للجمهورية في هذا الظرف العصيب والصعب والخطير الذي يمر به البلد هو أكثر من قاتل، خصوصًا بما يرمز إليه موقع هذا الرئيس في الحياة السياسية، التي لا يمكن أن تنتظم دورتها في غيابه. فمن دون رئيس للجمهورية على رأس السلطات الدستورية لا حلول مرتقبة لأي مشكلة من بين مشاكل كثيرة تتراكم مع كل إشراقة شمس. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

“اليونيفيل” تدعو لانسحاب اسرائيل وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب

23 ديسمبر، 2024

بغداد/المسلة: دعت بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل)، اليوم الاثنين، جميع الأطراف الفاعلة في جنوب لبنان، إلى “التوقف عن انتهاك القرار 1701 والامتناع عن أي أعمال من شأنها أن تعرض للخطر وقف الأعمال العدائية والاستقرار الهش السائد حاليا”.

وقالت بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، في بيان لها، إن رئيسها وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو، اجتمع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، وقائد الجيش العماد جوزاف عون، خلال زيارته لجنوب لبنان.

وأشار البيان إلى أن رئيس البعثة رفقة رئيس الحكومة اللبنانية وقائد الجيش، قاموا بزيارة بلدة الخيام، التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، وانتشر الجيش اللبناني بدعم من اليونيفيل، لافتًا إلى أن بعثة اليونيفيل “تحث بقوة على تسريع التقدم في انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وانتشار الجيش اللبناني فيه”.

وأكدت اليونيفيل أن “البعثة ستواصل رصد انتهاكات القرار 1701 والإبلاغ عنها”، مشددة على ضرورة دعم العودة إلى وقف الأعمال العدائية.

وفي الشهر الماضي، دخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ، وبعد بدء دخول الاتفاق حيز التنفيذ، انطلق نازحون لبنانيون للعودة إلى قراهم ومدنهم في الجنوب، حسبما ذكرت وسائل إعلام لبنانية.

وشنّت إسرائيل هجمات عدة، منذ ذلك الوقت رغم سريان الاتفاق، فيما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل شخص على الأقل، جراء غارة إسرائيلية على بلدة مرجعيون جنوبي لبنان.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • «يونيفيل»: انتهاكات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان «انتهاك للقرار 1701»
  • ○ من الذي خدع حميدتي ؟
  • سوريا.. ضبابية المشهد طاغية ومخيم الهول أحد الأسباب الـ 7 التي تستدعي القلق
  • سوريا.. ضبابية المشهد طاغية ومخيم الهول أحد الأسباب الـ 7 التي تستدعي القلق - عاجل
  • الشاهد جيل ثورة ديسمبر الذي هزم انقلاب 25 أكتوبر 2021 بلا انحناء
  • ما الذي تخشاه دول عالمية وإقليمية من الوضع الجديد بسوريا؟
  • على أنغام يلا تنام... شاهدوا كيف فجّر جنود العدوّ منازل في الجنوب
  • أزمة لصناع المحتوى.. يوتيوب تشن حملة على الفيديوهات التي تحمل عناوين مثيرة للانتباه
  • لتسريع انسحابها من الجنوب..لبنان يدعو باريس وواشنطن للضغط على اسرائيل
  • “اليونيفيل” تدعو لانسحاب اسرائيل وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب