المجاعة هي جوع شديد طويل الأمد يصيب نسبة كبيرة من السكان في بلد أو منطقة ما، تتسبب في الوفاة نتيجة لارتفاع معدلات سوء التغذية الحادة بين الأفراد.

ويرجع حدوث المجاعات لسببين رئيسيين:

الأول: ناتج عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير والجفاف والبرد غير الموسمي وتفشي الحشرات وأمراض النباتات، وغيرها.

والثاني: بشري بفعل الحروب والاعتداءات، وتأتي الحروب في المركز الأول المتسبب والأكثر شيوعا في حدوث المجاعات، إذ ينتج عنها إتلاف للمحاصيل عن قصد أو نتيجة القتال، أو قطع الطرق وتعطيل خطوط الإمداد ومنع وصول الطعام وتوزيعه من قبل المقاتلين.

العلاقة بين المجاعة ونقص الغذاء

الفرضية التي كانت سائدة في حدوث المجاعات حتى ثمانينيات القرن الماضي هي انخفاض إنتاج الغذاء، مما دفع إلى عدم تصنيف المجاعات التي يلازمها هذا النقص بأنها "مجاعات" إلا بعد وقوعها بوقت طويل وتفاقم الوضع.

وفي أواخر القرن الـ20، أجرى الاقتصادي الهندي، أمارتيا سين، دراسة حول المجاعات محاولا دحض فرضية العلاقة الطردية بين انخفاض إنتاج الغذاء وحدوث المجاعات. وأثبت أن السبب الأقرب للمجاعات هو ما سماه "فشل الاستحقاق"، وأن حدوث المجاعة ليس بالضرورة ناتجا عن انخفاض في إنتاج الغذاء.

ويقصد بمفهوم "الاستحقاق" هنا حق الإنسان في الحصول على القدر الكافي من السلع والخدمات والقدرة على الاختيار فيما بينها. ويتوقف "استحقاق" الشخص على عدة عوامل من بينها تغير أسعار السلع أو فرض قوانين جديدة أو إصابة المحاصيل الزراعية بالآفات أو تعطيل توزيع الطعام بسبب الحرب، ومن ثم فيمكن أن تتعرض إحدى شرائح المجتمع للمجاعة دون أن يكون هناك نقص في الغذاء.

فعلى سبيل المثال تعتبر مجاعة البنغال 1943 دليلا على هذه الفرضية، إذ على الرغم من انخفاض إنتاج الغذاء عام 1943 فإن نسبته كانت مرتفعة قليلا عن سنوات ماضية أخرى، فقد ارتفع إنتاج الغذاء عام 1943 بنسبة 13% عما كان عليه عام 1941.

ويعد السبب الرئيسي لحدوث مجاعة البنغال 1943 التضخم الناتج عن الحرب، إذ ارتفعت أسعار الحبوب الزراعية بنسبة 300% مقابل زيادة 30% فقط في أجور العمال الزراعيين، مما أدى إلى تضرر هذه الطبقة من العمال بصورة بالغة، ومات كثيرون بسبب الجوع، وبينما اجتاحت المجاعة ريف البنغال، لم تتأثر عاصمة البنغال الغربية كولكاتا بالدرجة نفسها.

أبرز المجاعات حول العالم مجاعة روسيا 1912

بدأت المجاعة نتيجة لكارثة طبيعية بفعل الجفاف الشديد، لكن مشاركة روسيا في أوائل القرن العشرين في الحرب العالمية الأولى وعدد من الحروب الأهلية دفع إلى تفاقم الوضع ووقوع مجاعة شديدة.

ونتج عن الحرب التي استمرت 4 سنوات (1914-1918) الإضرار بالممتلكات وفرض حصار اقتصادي والاستيلاء القسري على الأراضي الزراعية والمحاصيل بمقابل زهيد يعطى للمزارعين.

وأدت هذه التداعيات إلى انخفاض معدلات الإنتاج ونقص الغذاء بفعل الجفاف الشديد، إذ بلغت المجاعة ذروتها، وأودت بحياة 5 ملايين من السكان.

مشهد لأطفال ضحايا المجاعة في روسيا عام 1921 (أسوشيتد برس) مجاعة الشام 1915

أصابت مجاعة الشام خلال الحرب العالمية الأولى، وخاصة مناطق واسعة من سوريا، والتي كانت تشمل ولاية حلب وبيروت وسكان جبل لبنان.

صادرت الحكومة الأملاك والأراضي الزراعية والمحاصيل لخدمة المجهود الحربي، كما فر الكثير من المزارعين الشباب من أراضيهم هربا من الخدمة العسكرية.

وأودت المجاعة بحياة ما يقرب من ثلث سكان جبل لبنان وما بين 60 ألفا و80 ألف نسمة في مدينة حلب.

مجاعة البنغال 1943

تعد مجاعة البنغال واحدة من أسوأ الكوارث في الهند وجنوب آسيا في القرن العشرين، وكانت الهند حينها تحت الحكم البريطاني.

عقب سقوط ميانمار وسنغافورة في أيدي اليابان خلال الحرب العالمية الثانية عام 1942، توقفت صادرات الأرز من هاتين الدولتين. وتسبب الإعصار الذي حدث في أكتوبر/تشرين الأول 1942 في إتلاف محصول الأرز، وبعد ذلك توقفت واردات الأرز من ميانمار إلى الهند، وكانت تمثل نسبة 15%، إضافة إلى فقدان صادرات الأرز من البنغال إلى سريلانكا.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن تلك الأسباب لم تدفع بشكل أساسي إلى حدوث مجاعة البنغال في الهند البريطانية، إذ كان المحصول كافيا للشعب البنغالي، لكن ظروف الحرب هي التي دفعت إلى تحول الوضع إلى مجاعة كارثية.

فقد خزنت القوات الاستعمارية البريطانية المواد الغذائية لتزويد القوات المقاتلة بها خوفا من الغزو الياباني، كما صدرت القوارب والعربات والأفيال، مما أضر بالصيادين والعمال البنغاليين ومنعهم من استئناف تجارتهم التي تمثل مصدر دخل رئيسي لهم.

كل هذه السياسات أضرت بالبلاد وأدت إلى ارتفاع نسب التضخم بصورة كبيرة إلى جانب فشل الحكومة في توفير المساعدات الإغاثية، مما دفع إلى وقوع مجاعة كارثية أثرت على أكثر من 58% من الأسر الريفية.

واستمرت هذه المجاعة 8 أشهر (من مارس/آذار حتى أكتوبر/تشرين الأول 1943) وامتدت آثارها عدة أشهر أخرى، وأودت بحياة حوالي 3 ملايين شخص نتيجة لسوء التغذية وتفشي الأمراض والأوبئة.

مجاعة المغرب 1944

وقعت المجاعة إبان الاستعمار الفرنسي للمغرب الذي نهب خيرات البلاد، وسميت هذه السنة "عام الجوع"، وكذا عام "البون" (القسيمة) لأن الاستعمار فرض التزود بالمواد الغذائية عبر قسائم شراء محدودة. واستمرت المجاعة عاما كاملا.

فرض الاستعمار نظام الحماية على البلاد وارتكب أبشع الجرائم بحق المغاربة، واستنزف ثروات البلاد وسخرها لصالح المجهود الحربي، ووضع ملكية الأراضي الزراعية في يد المستعمرين الفرنسيين، وفرض سياسة التقشف على أصحاب الأراضي الأصليين.

ولم تكن حصص التموين التي فرضها الاستعمار تسد حاجة الناس، ودفع هذا الوضع كثيرين في عدة مناطق إلى أكل بعض الحشائش والنباتات وكذا الجراد. وخلفت هذه المجاعة نحو 50 ألف قتيل وأورثت أمراضا وأوبئة.

مجاعة فيتنام 1945

دخل الجيش الياباني فيتنام الشمالية والوسطى عام 1940 باتفاق مع الاستعمار الفرنسي، مما أدى إلى خضوع فيتنام لاستعمار مزدوج.

خلال الاستعمار الفرنسي كان الجوع يصيب فيتنام، ولكن لم يصل إلى ذروته إلا بدخول الاستعمار الياباني، الذي دفع إلى وقوع مجاعة شديدة أصابت نحو 32 مقاطعة.

عام 1945 دمر الاستعمار الياباني مزارع الأرز لصالح زراعة نبات الجوت العشبي وإنتاج مواد تخدم جيشه على حساب الشعب الفيتنامي، كما خزن اليابانيون الأرز للاستهلاك المحلي واستخدامه وقودا لمحطات الطاقة.

وأدت المجاعة في فيتنام إلى وفاة نحو مليوني شخص وفق تقديرات محلية، بينما تقدر وثائق دولية عدد الضحايا بمليون شخص، أي ما نحو 8% من إجمالي السكان.

مجاعة الصومال 1992

تعد الصومال من أكثر الدول عرضة للمجاعات بشكل مستمر، نظرا لطبيعة مناخها الجاف والصحراوي وندرة سقوط الأمطار، مما يدفع إلى نفوق الكثير من المواشي وتلف العديد من المحاصيل الزراعية وقلة توافر المياه في الأنهار والآبار.

لكنها لم تسلم أيضا من تعرضها للمجاعات بفعل الحروب الأهلية المتكررة والصراعات المسلحة، والفوضى المتكررة في البلاد، مما يحول دون إقامة حكومة قوية مستقرة تسهم في وضع إستراتيجية قوية لتنمية البلاد.

ففي عام 1992 وقعت مجاعة تعد من أقسى المجاعات في القرن العشرين، أدخلت الصومال في حرب أهلية قاسية عقب الإطاحة بنظام الرئيس محمد سياد بري على يد أمراء الحرب العشائريين، وسرعان ما انزلقت البلد في مجاعة، ونفقت آلاف المواشي وتفشت الأمراض، ولقي على إثرها نحو 300 ألف شخص مصرعهم.

أحد ضحايا المجاعة التي تسببت فيها الحروب في الهند بداية القرن العشرين (غيتي)

هذه الكارثة دفعت الولايات المتحدة الأميركية وعدة دول إلى إرسال قوات عسكرية بموجب قرار أممي تحت عنوان حملة "إعادة الأمل" لحماية المواطنين والإشراف على وصول مواد الإغاثة الغذائية والطبية إليهم.

وفي نهاية عام 2016 حذرت الأمم المتحدة من مخاطر وقوع مجاعة قاسية بالبلاد، وقدرت أن نحو نصف السكان يحتاجون إلى دعم عاجل لتجنب آثار الجفاف الشديد الواقع بالبلاد وقتها.

مجاعة السودان 1998

في عام 1998 دفعت الحرب في السودان (وخاصة في جنوب السودان قبل أن ينفصل ويصبح دولة عام 2011) إلى وقوع مجاعة أدت إلى وفاة الآلاف من السكان. وواجه أطراف النزاع (الحكومة السودانية والمليشيات المسلحة المعارضة لها) تهما بالمساهمة في تفاقم الأزمة بسبب نهب الغذاء ومنع وصول المساعدات الإغاثية إلى الشعب.

وتعرضت البلاد لموجة جفاف شرسة وتأخر هطول الأمطار واشتدت المجاعة، مما أدى إلى وفاة نحو 70 ألف شخص ونزوح أكثر من 72 ألفا من المناطق الريفية.

وفي السنة نفسها، قدرت الأمم المتحدة أن نحو 2.5 مليون شخص في جنوب السودان (من إجمالي عدد سكان السودان المقدر بنحو 27 مليونا) معرضون لخطر المجاعة.

وفي عام 2017 أعلنت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي، أن أجزاء من جنوب السودان تعاني من مجاعة شديدة جراء الحرب الأهلية والصراع المستمر في المنطقة والأزمات الاقتصادية المتوالية وارتفاع أسعار الغذاء وانخفاض الإنتاج الزراعي وارتفاع نسب التضخم، التي تجاوزت نسبة 800%.

مجاعة السودان 2023

منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 اندلع قتال عنيف في السودان بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان مما أودى بحياة أكثر من 15 ألف شخص وتسبب بنزوح أكثر من 8 ملايين، وهي إحدى عمليات النزوح الكبرى في العالم.

وواجه نحو 25 مليون شخص خطر المجاعة بسبب نقص الغذاء والماء، وعانى نحو 18 مليون شخص الجوع الحاد وانعدام الأمن الغذائي الحاد، من بينهم 5 ملايين في حالة خطرة.

كما عانى نحو 3.5 ملايين طفل من سوء التغذية، وارتفعت معدلات سوء التغذية ووجد السودانيون أنفسهم على حافة كارثة إنسانية مع مرور الوقت. ودفع سوء الأوضاع إلى تفشي الأمراض المعدية والأوبئة، وتم الإبلاغ عن تفشي أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا.

وحذرت منظمات دولية من تفاقم الأوضاع وتكرار وقوع مجاعة شرسة كتلك التي ضربت السودان في سنوات سابقة.

مجاعة قطاع غزة 2023

عانى قطاع غزة من مجاعة شرسة بسبب العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ شدد الاحتلال منذ بداية الحرب الحصار -الذي كان قد فرضه من قبل على القطاع منذ 2007- مما أدى إلى نفاد جميع المواد الغذائية.

وإضافة إلى تجاوز حصيلة الشهداء جراء القصف والتوغل البري حاجز 29 ألف شهيد منذ بدء الحرب -أغلبهم من النساء والأطفال- فإن الاحتلال الإسرائيلي قرر فرض حصار خانق واستخدم سلاح التجويع ضد الفلسطينيين في غزة.

وقد بلغت الأزمة الإنسانية أقصى ذروتها في شمال القطاع ثم امتدت إلى جنوبه، وعانى السكان من النقص الشديد في الغذاء ومياه الشرب (حتى الملوثة منها) وذلك بعد قطع الاحتلال إمدادات المياه ونقص الوقود الذي أدى إلى إغلاق الآبار.

كما أغلقت المخابز بسبب النقص الشديد في الوقود والدقيق، واعتمد سكان القطاع على تناول المعلبات منذ بداية الحرب لسد جوعهم على الرغم من ندرتها، ولجؤوا إلى طحن أعلاف الحيوانات، وحتى هذه الأعلاف نفدت، كما امتد الجوع الشديد إلى الحيوانات وأدى إلى نفوق الكثير منها.

ووفقا لمؤشرات اليونيسيف ومنظمات دولية فإن حوالي 90% من الأطفال دون سن الخامسة في القطاع مصابون بمرض معد أو أكثر، وحذرت من ارتفاع شديد في الوفيات بين الأطفال مع استمرار الحرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القرن العشرین إنتاج الغذاء سوء التغذیة مما أدى إلى أکثر من دفع إلى

إقرأ أيضاً:

كيف اعترض بايدن طريق مكافحة المجاعة في غزة؟

ترجمة: أحمد شافعي -

في استجابته لحرب غزة على مدى أكثر من 8 أشهر، بدا الرئيس بايدن في كثير من الأحيان ضعيفا - منزعجا من الخسائر الإنسانية دون أن يتصرف بحزم للحد منها.

ولكنه بدا في حالة واحدة حاسما على غير المعهود: بعد أن زعمت إسرائيل أن موظفين في وكالة تابعة للأمم المتحدة ممن لهم دور جوهري في الجهود المبذولة لتجنب المجاعة في غزة هم متورطون في الإرهاب، سارع بايدن إلى تعليق تمويل الوكالة. ثم قام الكونجرس بتمديد تجميد التمويل.

ومع ذلك، يبدو الآن أن بايدن أنهى ذلك، إذ ثبت أن الأساس الواقعي الذي قامت عليه الاتهامات الموجهة إلى الوكالة غير يقيني. ويؤلمني أنه في إطار سعي ضال للإرغام على المحاسبة، يبدو أن الولايات المتحدة قد تسببت في مزيد من البؤس لشعب جائع.

يضغط السياسيون الإسرائيليون المنتمون إلى اليمين المتطرف من أجل إلغاء الوكالة المعنية، وهي وكالة الأونروا، أي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي توفر المدارس والعيادات وغيرها من الخدمات في المنطقة. فقد أجيز بسهولة في القراءة الأولى مشروع قانون في البرلمان الإسرائيلي يقضي بحظر الأونروا باعتبارها منظمة إرهابية، ما أدى إلى إدانة دولية. إذ وصفت منظمة (أطباء بلا حدود) هذه الخطوة بأنها «هجوم شنيع على المساعدات الإنسانية»، ووصف الاتحاد الأوروبي الأونروا بأنها «ضرورية ولا يمكن استبدالها».

وقد قضيت يوما في الضفة الغربية مع فريق من الأونروا، معظمه في مخيم الجلزون للاجئين، فتبين لي بوضوح أن الوكالة تقدم خدمات صحية وتعليمية ضرورية، وأنها في مأزق. وقد قال فيليب لازاريني، مسؤول الشؤون الإنسانية السويسري الإيطالي الذي يقود الوكالة إن «الأونروا تترنح تحت وطأة هجمات متواصلة». وحذر من أنها قد «تنهار» على نحو «يزرع بذور الكراهية والاستياء والصراع في المستقبل».

بدت الأرض المحيطة بمقر وكالة الأمم المتحدة في القدس الشرقية متفحمة من جراء هجوم متظاهرين إسرائيليين عنيفين على المجمع وإضرامهم النار فيه مرتين. وخلال الهجمتين العمديتين كان حشد المتظاهرين يهتفون بالعبرية، «فلتحترق الأمم المتحدة».

وبينما كنت في سيارة تابعة للأونروا، منعتنا نقطة تفتيش إسرائيلية من المرور وأعادتنا أدراجنا بينما سمحت لسيارات أخرى بالمرور. وقامت إسرائيل بتأخير تأشيرات دخول مسؤولي الأونروا، أي بمنعهم عمليا من أداء عملهم. والأكثر مأساوية هو أن ما يقرب من مائتين من العاملين في مجال الإغاثة في الأونروا قد لقوا مصرعهم من جراء التفجيرات وإطلاق النار في غزة.

وطالما كانت إسرائيل عدائية تجاه الأونروا، لكن الاتهامات ارتفعت إلى مستوى جديد بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إن «الأونروا هي حماس بوجه آخر».

في يناير، زعم مسؤولون إسرائيليون أن 12 من موظفي الوكالة البالغ عددهم 30 ألف موظف شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل. واستجابت الأونروا على نحو مسؤول: فصلت عشرة من موظفيها المتهمين (إذ لقي الاثنان الآخران مصرعهما)، ودعت إلى إجراء تحقيقات مستقلة وكررت «إدانتها بأشد العبارات الممكنة للهجمات البغيضة التي وقعت في السابع من أكتوبر».

وجهت إسرائيل اتهامات أخرى، منها أن حوالي 10% من موظفي الأونروا البالغ عددهم ثلاثة عشر ألف موظف في غزة هم أعضاء في حماس وأن مدارس الأونروا تحرض على الكراهية. وزعمت الحكومة الإسرائيلية في تصريح لها أن «الأونروا في غزة لا يمكن إصلاحها».

ومنذ ذلك الحين، تم إجراء تحقيقين مستقلين، يشيران إلى وجود نمط من الاتهامات الإسرائيلية الجامحة للأونروا والعجز عن دعم هذه الاتهامات بأدلة ذات شأن. وقد أوصى أحد التحقيقين، بقيادة وزير خارجية فرنسي سابق، بإجراء إصلاحات، لكنه برأ الأونروا من الاتهامات بالتواطؤ مع حماس وأضاف أنه «لا غنى عن الأونروا ولا بديل لها» وبأنها «محورية في تقديم المساعدات الإنسانية التي يتوقف عليها إنقاذ الحياة». أما التحقيق الآخر فنظر في أمر الموظفين الاثني عشر الذين يفترض أنهم انضموا إلى هجوم حماس، وتبين له عدم وجود أدلة كافية ضد أربعة منهم ولا يزال التحقيق مستمرا مع الثمانية الآخرين، فضلا عن ستة غيرهم متهمين منذ ذلك الحين.

أشار المحققون إلى أن الأمم المتحدة تقدم قوائم بأسماء جميع موظفيها في غزة إلى إسرائيل. وإذا كانت عمليات فحص الخلفية التي تجريها الأمم المتحدة قد فشلت في الكشف عن مقاتلي حماس، فإن الاستخبارات الإسرائيلية أيضا لم ترصدهم.

من المؤكد أن لدى أحد كبار شخصيات الأونروا علاقات عسكرية، لكنها ليست مع حماس، فمدير الأونروا في غزة، وهو سكوت أندرسون، أمريكي تقاعد من الجيش الأمريكي بعد 21 عاما من العمل.

في زياراتي للضفة الغربية وغزة على مدار السنين، بدت الأونروا بالنسبة لي قوة للحد من الاضطرابات، وليس لتأجيجها. فمدارسها هي أحد أسباب حصول الفلسطينيين على تعليم جيد نسبيا في العالم العربي. وبرامجها تعمل على تمكين النساء، وتساعد رواتبها على إبقاء الاقتصاد الفلسطيني واقفا على قدميه.

خلال هذه الزيارة، قالت لي منار بشارات، منسقة الأونروا في مخيم الجلزون للاجئين إن «الأونروا تساعد ماليا، وتوفر التعليم والأدوية وتجعل المنطقة أكثر استقرارا... وإذا لم يكن لدينا مدارس تابعة للأونروا، فسيكون ذلك كابوسا للجميع».

في منطقة شديدة الاستقطاب، وأغلبية موظفيها من الفلسطينيين، حاولت الأونروا التمسك بمبادئ الحياد. فموظفو الصحة العامة في الأونروا أخبروني أنهم يأخذون بجدية التعليمات بعدم التعليق علنا على السياسة حتى في صفحات فيسبوكهم الخاصة بهم.

وفي ضوء أن الأونروا تبدو قوة استقرار، فمن الصعب أن نرى الحملة الإسرائيلية المناهضة لها إلا باعتبارها مجرد جهد إضافي لإسكات أصوات الفلسطينيين. وهكذا يرى لازاريني الحملة المناهضة للمنظمة التي يديرها.

لقد قال لي «إن هناك، في نهاية المطاف، هدفا سياسيا لتجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين، وإضعاف تطلعاتهم المستقبلية إلى تقرير المصير... وهي أيضا وسيلة لتقويض الحل السياسي القائم على الدولتين».

من الصعب على المنظمات الإنسانية التنقل في أماكن مثل غزة التي تديرها حماس، وقد رأيت على مدار السنين تحديات مماثلة في كوريا الشمالية والسودان وإثيوبيا وجنوب السودان والكونغو. هناك مشكلة تتمثل في استغلال المجرمين للجهود الإنسانية.

وبالمثل، يجدر بنا طرح أسئلة محددة حول الأونروا: هل من المنطقي أن تكون هناك وكالة منفصلة تدعم اللاجئين الفلسطينيين في حين أن هناك أيضا وكالة تابعة للأمم المتحدة تدعم الجميع؟ هل ينبغي لوكالة أنشئت بصفة مؤقتة منذ 75 عاما أن تستمر إلى أجل غير مسمى لخدمة أحفاد اللاجئين؟ هل هذه محاباة لمجموعة واحدة من النازحين، هي مجموعة الفلسطينيين، في حين أن آخرين من السودان أو جنوب السودان أو إريتريا يكونون في بعض الأحيان أسوأ حالا؟

لكن حملة التحرش التي يشنها اليمين المتطرف في إسرائيل على الأونروا لا تكتفي بأسئلة مخلصة. فعلى إسرائيل إما أن تقدم الأدلة على سوء السلوك أو أن تعرض عن الأمر.

قد يكون من المفهوم أن يهدف الإسرائيليون، المصدومون نفسيا من هجوم السابع من أكتوبر، إلى تدمير وكالة تابعة للأمم المتحدة تخدم الفلسطينيين. لكن هذا لن يساعد إسرائيل أو أي جهة أخرى، كما أن وقف الولايات المتحدة تمويل الأونروا يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في الأراضي المحتلة.

لذا يجب أن يعترف بايدن بخطئه. وبينما تهدد المجاعة غزة، ينبغي أن تدعم الولايات المتحدة الوكالة التي يقع دورها في قلب الجهود الرامية إلى مكافحة المجاعة، لا أن تقوضها.

نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2001

خدمة نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • صوبا.. قرية مقدسية من عهد الرومان هجرها الاحتلال الإسرائيلي
  • إسماعيل مرتجى.. قارئ غزي صدح بالقرآن في المسجد الأقصى
  • لابيد: الحروب الطويلة لا تصلح لنا
  • لابيد: الحروب الطويلة لا تصلح لنا ويجب إبرام صفقة لإعادة الأسرى
  • كيف اعترض بايدن طريق مكافحة المجاعة في غزة؟
  • سفير الاتحاد الأوروبي بالسودان: لابد من تجنب مزيد من المجاعة والمعاناة
  • وزير الخارجية يحذر من مجاعة وشيكة في السودان
  • وزير الخارجية يحذر من مجاعة وشيكة في السودان (فيديو)
  • المجاعة حولته لهيكل عظمي.. مأساة فلسطيني انخفض وزنه إلى 11 كيلو (فيديو)
  • رئيسا مصر والصومال يؤكدان رفض الإجراءات الأحادية في القرن الأفريقي