عربي21:
2025-03-20@18:20:55 GMT

قطب المقاومة والأمة القطب.. قاموس المقاومة (15)

تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT

لا أدري لماذا توارد على ذهني ونحن نمر بهذه الأيام المرتبطة بفعل مقاومة الأمة (قطب المقاومة)؛ ذلك المفهوم الذي صكّته الأستاذة القديرة مني أبو الفضل "أم الفضل" حول الأمة القطب. إن تسكين المقاومة القطب في حاضنتها الأمة القطب؛ يعني أنه لا بد لهذه المقاومة أن تستلهم معنى الأمة الموصوفة بالخيرية والوسطية: "كنتم خير أمة أخرجت للناس"؛ الخيرية المشروطة بحق الإيمان والفعل الحضاري المقترن به ضمن فاعلياته الحضارية والعمرانية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"؛ واقتران ذلك بالوصف الثاني "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا".



من هذين الوصفين كانت الأمة؛ التي جعلت من قطب المقاومة فيها المفعم بنفسية المجاهد وثقافة الجهاد؛ ذروة سنام الإسلام وأسمى وأرقى درجات الفاعلية في الأمة القطب، "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ".. جعلت المقاومة المجاهدة للعدوان والظلم والاحتلال والطغيان منتدبة عنها؛ للقيام بأشرف مهمة وأمانة في خير أمة ورسالة.

الأمة القطب وقطب المقاومة هما قُطْبُ الرحى بضم القاف وفتحها وكسرها
الأمة القطب وقطب المقاومة هما قُطْبُ الرحى بضم القاف وفتحها وكسرها. والقُطْبُ كوكب بين الجدي والفرقدين يدور عليه الفلك، قال الزهري: وهو صغير أبيض لا يبرح مكانه أبدا وإنما شبه بـ"قطب الرحى". وقُطْبُ القوم سيدهم الذي يدور عليه أمرهم، وصاحب الجيش قطب رحى الحرب، وجاء القوم قاطِبَةً أي جميعا، وهو اسم يدل على العموم.

القُطْب المحور القائمُ المثبَّتُ، والقطب هو القائد الرئيس، سيد القوم الذي يدور عليه أمره، ملاك الشيء ومدار تبنى عليه القبلة وتحدد البوصلة. وقال ابن فارس: "والقاف والطاء والباء أصل صحيح يدل على الجمع، يقال جاءت العرب قاطبة، إذا جاءت بأجمعها". وقطب القوم سيدهم، وفلان قطب بني فلان، أي سيدهم الذي يدور عليه أمرهم، والأقطاب أوتاد، واستقطب الأمرُ اهْتمامَه: اجتذبَه، جعله يهتمّ به دون سواه، واستقطب الناسَ: جمعهم إليه وصار لهم مرجعا وقطبا، وأقْطَبَ القومُ: اجتمعوا، واستقطب الآراءَ: جمعها حول رأيه وركَّزها عليه، واستقطب شُعاعا ضَوْئيّا: أخضعه للاسْتَقطاب، جمع أجزاءَه في ناحِيَة واحدة.

ومن معاني اللغة وواقع الدنيا فإنّ العالم اليوم هُوَ أحوج مَا يكون إلى نموذج الأمّة القطب، ولكن كيف يمكن لهذا النموذج أن يقدم وأهله غائبون يعيشون أفرادا وشتاتا وجماعات في غيبة وعي وغفلة مقام، ولا يدرون أهم جزء من أمّة ذات تمايز وتفرد أم هم أشلاء عصب متفرقة؟ ولهذا فإنّ بناء الوعي والتأصيل له إن هُوَ إلّا جزء أساسيّ من جملة التدارك والاستدراك لتقديم الأمّة نموذجا لأنفسنا أولا قبل أن نقدمه للعالم.

إن من مقتضيات مفهوم الأمة في الإسلام ترتيب الأولويات، ومنهج التعامل مع الحياة الدنيا، وتحديد العلاقة مع الآخرين، ووضع برنامج عملي لعمارة الأرض.

والأمة من الأم وهو القصد، ومن ثم ارتبطت بالتوحيد وهي وعاء الرسالة الخاتمة؛ فليست الدولة في الإسلام مدارا للأمّة قياما وتطورا وامتدادا وضمورا، ولكن الأمّة تدور مع العقيدة، والعقيدة هِيَ منطلق بقاء الأمّة؛ نشأة وتواصلا وحضانة ومناعة، وطالما أنّ هناك قرآنا فهناك أمّة، وتبقى تلك الأمّة بخصائصها الأصيلة ودورات تنشئتها المنيعة هِيَ الوعاء البشريّ المحكم للقرآن الكريم.. ولو كما يقول المناطقة موجودة بالقوة ولو بقت هذه الأمّة متمثلة في فرد مثل إبراهيم عليه السلام: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتا لِّلَّهِ حَنِيفا".

إنّنا يمكن أن نتمثل الأمّة القطب في عالم الموجبات على أنّها الأمّة الوسط، وسط المعمورة المأهولة بقيم الحق التي هِيَ قوام العمارة وبقدر فعاليتها يكون الترجيح لكفة الصلاح على الفساد في لون العمارة، فعليها يعتمد المجال الاجتماعيّ العمرانيّ في تحقيق التوازن فيما بين الأمم والحضارات. إنّنا ما لم نعد أنفسنا لمواجهة واقعنا السياسيّ المعاصر كجزء من واقع حضاريّ أشمل، على مستوى التحدي الفكريّ للعصر، وعلى مستوى التحدي المعرفيّ لمصادرنا التأسيسيّة ذاتها، فلن يتسنى لنا استرداد فاعليّتنا وحضورنا التاريخيّ، وما لم نستحضر النموذج في قلوبنا وعقولنا أولا فلن يتم تفعيله في الواقع. وبداية المجتهد في هذا السبيل هُوَ التأهيل النفسي لإعادة صياغة عقولنا وبناء مدركاتنا؛ من خلال إعادة قراءة لأصولنا وتمحيص مصادرنا وربطها بواقعناولكن كيف يتأتى لها ذلك ما لم تكن على مستوى من التمكن في فنون العصر ووسائله ومسائله، بحيث تجمع ما بين القيم العليا التي تمثلها والتي منها منشؤها وبها مناطها، وبين الوسائط الماديّة التي تهيئ لها من سنن السببيّة: فيكون لها الحضور التاريخيّ الَّذِي من خلاله تحقق مقتضيات الشهادة بين الأمم على نحو مَا ذكرنا.

فالخصائص التكوينيّة والوظيفيّة للأمّة الوسط من شأنها أن تنعكس على طبيعة حضورها التاريخيّ في كل مرحلة أو حقبة من هذا الحضور، ليجمع بين الفاعليّة والمعياريّة أو بين شروط التمكين ومعايير التقويم، وذلك في كافّة أبعاد هذا الحضور ومجالاته.

ومجمل القول أنّ التأصيل للأمّة كواقع حي اقتضى بنا الانتقال في النظر والتنظير مَا بين الظاهرة تاريخا ومفهوما، لنعيد قراءة الواقع في ضوء الهدى القرآنيّ، ونستخلص من الأمّة الوسط، ملامح "الأمّة القطب"؛ وأنّ العلاقة بين الأمّة الجماعة والأمّة الجامعة علاقة الناظم بالنظم (لو جاز التعبير).

المهم؛ إنّنا ما لم نعد أنفسنا لمواجهة واقعنا السياسيّ المعاصر كجزء من واقع حضاريّ أشمل، على مستوى التحدي الفكريّ للعصر، وعلى مستوى التحدي المعرفيّ لمصادرنا التأسيسيّة ذاتها، فلن يتسنى لنا استرداد فاعليّتنا وحضورنا التاريخيّ، وما لم نستحضر النموذج في قلوبنا وعقولنا أولا فلن يتم تفعيله في الواقع. وبداية المجتهد في هذا السبيل هُوَ التأهيل النفسي لإعادة صياغة عقولنا وبناء مدركاتنا؛ من خلال إعادة قراءة لأصولنا وتمحيص مصادرنا وربطها بواقعنا على نحو مَا قدمنا، حتى نكون في موقع التمكّن القادر على العطاء والأداء، وإلّا فلن يكون لنا الدور المنشود، ففاقد الشيء لا يعطيه.

فقـد شهدت الأمـة فعلا وقائع تأسيسية ومدونات سجلها التاريخ ووثقها شهود عيان، سواء كان ذلك في صحيفة المدينة أو وقائع المبايعة أو عهود الأمان، فجاءت الروابط العاقدة والملزمة في الجماعة الأمـة خير نموذج لنسق من المثالية الواقعية؛ منطق الوسطية في الأمة التي تجمع المتناثرات وتجمع المشترك وتجمع الأبعاد المختلفة للحياة. هذه الوسطية التي لا تعني مكانا وسطا بين أطراف متباعدة ولا تعني وسطا حسابيا تطرح من قيمة وتضيف الى أخرى لاستخلاص فضيلة بين متفاضلات، ولكنها الوسطية التي تعرّف من منطلق التوحيد حيث يتكامل المثال والقيم والفكر والواقع المعاش الذي تتنزل فيه القيم والفكر والمثال.

وبعد النظر والتفاعل مع العناصر التكوينية الحيوية والتركيبية لهذه الأمة الخاصة، وجدت أن أقرب صفة أستطيع أن أسندها لهذه الأمة هي صفة القطبية التي مكنت الأمة من الاستقطاب ومن القابلية والقدرة على التجميع حولها لشتى القبائل والشعوب. هذه الأمة صاحبة رسالة لا تقوم على عرف أو لون أو إقليم، ولكن تقوم على دعوة ورسالة تحمل طاقة إشعاعية تمد من خلال التاريخ وتجمع القبائل والشعوب والألسنة المختلفة المتنوعة، إنها الأمة القطب التي تستوعب وتدمج دون أن تزيل خصوصيات الأمم وتضيع ملامحها؛ وتجمع وتوحد وفي نفس الوقت تعمل على الإثراء والمحافظة على التعدد.

يرى البعض أن الأمة غائبة ومنشغلة عما يحدث في غزة، وتغض الطرف عما يعانيه أهل غزة من القتل والجوع والتجويع والحصار دون أي رد فعل مناسب أو مكافئ للحدث، وأن حالة الخذلان باتت ظاهرة بيّنة واضحة لا تحتاج لدليل. إن هذا الحدث الجليل وضع الأمة على المحك في خياراتها ومصائرها
إن مُعامل ومعادل الاستقطاب في الأمة هو القطب الذي يشير إلى معاني الجامعية والفاعلية؛ القطب الجامع؛ قطب الرحى والقطب الفاعل الذي يستثمر كل فاعليات الأمة، وهنا تكون المقاومة أعظم جهاز فيها بما يؤديه من أدوار وفعاليات. المقاومة القطب على شاكلة الأمة القطب؛ فاعليات قطب المقاومة تدافع عن شرف الأمة وعزتها وكرامتها وتفيض على الأمة بإحياء جديد يمكن لقطبيتها وخيريتها ووسطيتها، وكذا الأمة تفيض على مقاومتها بالاحتضان والحماية والاستعداد والاستمداد في استطراق حال القوة ومقاومتها، "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".

ولعل كل ذلك يدفعنا الى سؤال مشروع: ماذا أضاف طوفان الأقصى في تشخيص حال الأمة؟ الأمة ما هو حالها؟ الأمة ما هي مواصفاتها؟ كثير من الناس في إطار طوفان الأقصى يتأمل حال الأمة ويتساءل عن هذه الحالة من الخذلان، أو التراجع الحضاري، سمها ما شئت، ولكن هي حالة من حالات الغياب أو التغييب للأمة في مشهد طوفان الأقصى.

قد يرى البعض أن الأمة غائبة ومنشغلة عما يحدث في غزة، وتغض الطرف عما يعانيه أهل غزة من القتل والجوع والتجويع والحصار دون أي رد فعل مناسب أو مكافئ للحدث، وأن حالة الخذلان باتت ظاهرة بيّنة واضحة لا تحتاج لدليل. إن هذا الحدث الجليل وضع الأمة على المحك في خياراتها ومصائرها، وعليها أن تختار بين الأمة القطب بمواصفاتها؛ وقطب الجهاد والمقاومة بأفعالها وأدوارها؛ الأمة الشاهدة بشهودها؛ أمة الخيرية والوسطية بشروطها؛ وإما أن نختار بين أمة الغثائية منزوعة الفاعلية والكرامة والمكانة؛ فمتى يتحول طوفان الأقصى إلى طوفان الأمة؟

twitter.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأمة المقاومة المقاومة الأمة مفاهيم طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على مستوى التحدی طوفان الأقصى هذه الأم بین الأم ة القطب ة التی الأم ة

إقرأ أيضاً:

الميز القداسي بين رئيسي حزب الأمة اللواء والإمام (4)

يحرص قادة الأحزاب في الدنيا على التواصل المستمر مع العضوية عن طريق اللقاءات الجماهيرية المباشرة أو عقد مؤتمرات تنشيطية سنوية أو نصف سنوية ، خوفاً من أن يصيب العضوية الخمول ، خير شاهد على ما نقول ما حدث لحزب الوفد في مصر ، حيث كان ملء السمع والبصر ، يكاد يكون الهرم الرابع لدى المصريين - لو رشح الوفد حجراً لانتخابناهوش - لكن بعد انقلابين ،ثلاثة على الحكم في مصر استمرت عشرات السنين ، تعرض الحزب في ظل القبضة الشمولية إلى محاربة قاسية حتى كاد أن يتلاشى ، هذه التجارب العملية، ينكرها قادة حزب الأمة ، بمغالطة للنفس على نهج الأغنية أغالط نفسي في اصرار أقول يمكن انا الما جيت ، يصر قادة حزب الأمة القومي إن عضويته وعقارب الساعة متوقفة عند نتيجة انتخابات 1986م ،هكذا لسان حال رباح الصادق ومريم الصادق ونسيبهما الأمين العام الواثق البرير ، اذ اتفق الثلاثة على أن حزب الأمة القومي عصي على التصدع ، مهما ارتفع وزن الذين خرجوا عنه ، ما يحمد لمريم عادت بقول : إن قيادات تمثل مناطق معينة ،ظهرت في كينيا مما يؤكد وجود مشكلة يجب معالجتها .

نعم كانت للحزب عضوية جعلته يكون الحزب رقم1 في آخر عملية انتخابية ، لكن اليوم قد حصل للعضوية إهمال بعد الانقلاب على حكومة الحزب ،إذ لم يتاح لرئيسه زيارة مناطق نفوذه في غرب السودان إلا بعد 30عاماً ، لا ننكر وجود قيود لا ارادية تمنع التواصل بين القيادة والقاعدة ، منها اعتقال الزعيم أو وضعه في الإقامة الجبرية ومرات هجرته ، المؤكد طول الغياب قد أفضى إلى تكاسل في حماس بعض العضوية والبعض الآخر ذهب إلى العشاء مع يزيد ،ولديه الرغبة في الصلاة خلف علي إن لم يحد عن قضايا جهوية تمسهم .

عوٌض الله الحزب فور انقلاب الإنقاذ ، بتسخير كوادر طلابية للحزب ،ساهمت في انضمام طلائع نيرة للحزب ، بدلاً عن الجماهير ذات الوعي المتدني - أستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير .
نشط الطلاب الأنصار حزب الأمة وسط طلاب الجامعات السودانية بخطاب مستنير يخاطب قضايا الطلاب وقضايا السودان ، بشكل يختلف عن خاطب خارج أسوار الجامعات على رأس هؤلاء الكادر الخطابي أو برنجي خطباء أركان النقاش محمد حسن التعايشي ، فكان الطرح مقبول وسط المحيط الطلابي مما ساهم في تنصيب كوادر الحزب على رئاسة ما لا يقل 12اتحاد جامعة من جملة 15جامعة منذ 2003م وحتى 2011م أجريت انتخابات وسط الطلاب ، فيها قدر من النزاهة .

عانى طلاب الحزب من تبرير أخطاء الحزب في خارج حرم الجامعات ، مثل الأسرية الطاغية المتمثلة في الأب رئيس وجميع بناته وبنيه أعضاء في المكتب السياسي ، بجانب شغل مناصب منها مساعد الرئيس ونائب الرئيس بالإضافة إلى تقلد أزواج البنات إلى مناصب سياسية علياء في الحزب .

درج رئيس الحزب على احتفال بعيد ميلاده بمهرجان باذخ ،في وقت ترزخ عضوية الحزب في إقليمي دارفور وجبال النوبة تحت نيران الطيران العسكري .

لما بلغ الضيق من تبرير عيد الميلاد مرحلة حرجة ، سألني أحد كوادر الحزب التعايشي متى نتخلص من عبء عيد الميلاد ؟ قلت له بسخرية عندما يبلغ الإمام عمر السبعين ، فعلاً آخر احتفال كبير أقامه الإمام في جامعة الأحفاد عند اخماده الشمعة السبعين ويقال المرأة يتوقف عمرها عند الأربعين عام والرجل عند الستين ، من بعد ذلك لا يحبذ أحدهما سيرة سنين العمر .

اللحية الحمراء على وجه الصادق هي أيضا كانت محل تبرير من الطلاب ، يفهمها الجميع بأنها هروب من بياض الكبر، بالمقابل لا يخشى غريمه دكتور الترابي عليه الرحمة بياض لحيته ، يوزع شيخ بسمات ،ضحاكته في وجه الجميع ، بأسنان كأنها تستمد البياض من نصاعة اللحية .
علاوة على ما سبق عانى الطلاب في ايجاد تبرير لتناقضات الإمام عند الكلام ، فهو في يوم داعم لتحول المدني الديمقراطي ولكن تحول ما ليبرالي ديمقراطي ، يوم ثاني هو مع التحول مدني عن طريق ما يسمى بالدولة المدنية، يرفض العلمانية في خطاب وفي خطاب لاحق هو ضد تديين السياسة .

في ذات يوم حضر السيد الصادق منتدى عن الديمقراطية، نظمه نادي مدريد - هو منتدى مثل منتدى قناديل بالضعين ولكن تضخيم الأشياء من سمات الزعيم ، في المحفل سلم الزعيم لوزير خارجية إسرائيل وقتها شمعون بيريز صفاحاً ،تلك الصورة تسربت من الصحافة الإسرائيلية إلى صحف الخرطوم ، على إثر ذلك قامت حملة دعائية مضادة، لم يتحملها الزعيم ، ليبرير الحكاية بأنه تفاجأ بشمعون يمد اليه يده ولم يشأ احراجه برفض المصافحة ، أما داخل الجامعات فقد نشأ تحالف بين أهل الهوس الديني ضم أنصار السنة وطلاب اسلاميين و مَن ساندهم ، اتفقوا على حظر نشاط الطلاب الأنصار في الجامعات السودانية على جناية الصادق المهدي أي -المصافحة-
نجحوا في ذلك نوع ما ما عدا جامعتي الخرطوم وجوبا لكونهما أكبر من هذه الأوهام .

أتفقنا على كسر الحظر من جامعة القراءن الكريم بإقامة ركن نقاش ، راجعنا أسلحتنا البيضاء فوجدناها عشرين طوقاً وهو قفل باب قوي إن استخدم كسلاح ونحو 15 سكيناً ، الطرف الآخر حشد نحو مائة كادر مسلحين بالشيخ ،تتطاقش ذقونهم ، في مقر الوحدة الجهادية على مقربة من الركن ، كنا في انتظار بعض الكوادر الخطابية لبداية الركن ولكن بدأ زحف الوحدة الجهادية نحو الركن رويدا رويدا، خشينا من تاخير المواجهة ، قد يضاعف عدد المهاجمين ، في تلك اللحظة تقدمت إلى وسط الركن وأنا أشعر بالزهو ، عندما تلفت يمنى ويسرى ، رأيت مجموعة من أبناء البقارة من حولي ،محيطين بي مثل سوار حول معصم ،شققنا الصفوف وانا أنشد : قادرون على الخروج في الشوارع ، قادرون على المعارك والصدام لقد تدبرنا الأمور جميعها وحشدنا الضؤ في وجه الظلام ، لنا مطالب لن نعودوا بدونها وجميعنا يقوي على حمل الحسام .

ثم قفزت على الكرسي الموضوع على منتصف الدائرة مخاطباً الحضور ،
رئيس حزب الأمة القومي هو الوحيد من دول العالم الثالث الذي دعي لمؤتمر يتحدث عن الديمقراطية، الوحيد المؤهل لذلك ، لأنه آخر رئيس ديمقراطي حكم في السودان ،ففي أجواء الديمقراطية ووجودك وسط رجال العالم الأول لا يعقل أن تمتنع عن مصافحة زملاءك في مؤتمر تسامح يدعو لقبول الآخر ، لم يفعل الإمام غير أتباع منهج الرسول عليه الصلاة والسلام الذي لبى دعوة وجبة كوارع من يهودي ،تسأئلت هل الرسول لم يسلم على اليهودي قبل ولوج الدار ؟ لما شعرت أن هذا المنطق مقبول ،أردفت هؤلاء تجار الدين لا يهمهم أصل الدين ،بقدر الاهتمام بالفروع مثل آيات النكاح ، لو كنت مكان الإمام لسلمت على شمعون على طريقة الخلايجة مع تمثيل الحكاية ، غرق الحاضرون في ضحك هستيري .
هكذا كسرنا الحظر بفشل العدو على مواجهتنا ثم تحركنا إلى أقرب مقهى لتقييم الركن.
على منتصف الطريق سمعت مَن ينادي علي باسم التعايشي من الخلف ،توقفت استجابة للنداء ،بعد برهة من الزمن لحقني أربعة طلاب سمان ، قلت لهم انا ما التعايشي ، كان الطلاب في الجامعات غير الخرطوم ، كثيراً ما يخلطون بيني والتعايشي قالوا لي سيدكم ما قال كدا.

..... نواصل

trikobasher@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • الميز القداسي بين رئيسي حزب الأمة اللواء والإمام (4)
  • يوم الفرقان في مواجهة الطغيان
  • الأمة العربية.. موت يتجدد وصمت يطول
  • التجديد الذي تحتاجه الأمة لإصلاح واقعها وأزماتها
  • نظام جديد يهدد جليد القطب الشمالي وينذر بنهايته عام 2050
  • الأم المثالية بجنوب سيناء: زوجي كان معيشني هانم.. وبكيت عليه خمس سنوات
  • على خطى شفيع الأمة..
  • أصبح من المتأخر منع ذلك..القطب الشمالي سيكون خاليًا من الجليد بصيف عام 2050
  • فعالية ثقافية في الصافية بذكرى غزوة بدر واستشهاد الإمام علي عليه السلام
  • "تهديد واعتداء".. استغاثة من علماء معزولين في القطب الجنوبي!