مؤشر حرية الصحافة العالمي ((World Press Freedom Index يقارن مستوى الحرية التي يتمتع بها الصحفيون والعاملون في الإعلام في (180) دولة حول العالم. هذا المؤشر تعده منظمة مراسلون بلا حدود ((Reporters Without Borders والتي تتخذ من فرنسا مقرًا لها. حيث عرفت المنظمة حرية الصحافة بأنها: المقدرة التي يتمكن منها الصحفيون سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي من اختيار الأخبار وإنتاجها ونشرها لتحقيق «المصلحة العامة» بشكل مستقل عن التدخلات السياسية والاقتصادية والقانونية وفي غياب التهديدات لسلامتهم الجسدية والعقلية.

يتم جمع بيانات مؤشر حرية الصحافة بطريقة كمية من واقع استطلاعات الرأي ونوعية من تحليل الآراء لمجموعة الخبراء أغلبهم من الصحفيين والباحثين والأكاديميين. تم تقسيم أسئلة استطلاع الرأي (الاستبيان) إلى خمسة أقسام: السياق السياسي، الإطار القانوني، السياق الاقتصادي، السياق الاجتماعي والثقافي وأخيرًا الجانب الأمني. الاستبيان يتكون من (100) درجة، وبالتالي كلما ارتفعت الدرجة الإجمالية التي تحصل عليها الدولة ارتفع ترتيبها بالمؤشر والعكس صحيح. المحصلة النهائية لنتائج درجات المؤشر تم تحديدها أيضًا بخمسة مستويات: المستوى الأول (85 إلى 100) درجة يدل بأن الحرية الصحفية جيدة، والمستوى الثاني (70 إلى 85) تصنف حرية الصحافة بأنها مقبولة، وهكذا حتى المستوى الخامس (0 إلى 40) درجة وتصنف الدولة أو الإقليم بأن حرية الصحافة بها وصلت لمرحلة خطيرة. تقدمت سلطنة عمان (8) مراتب في مؤشر حرية الصحافة، لتصل للترتيب (155) عالميا في عام (2023) ولتحافظ على المستوى الرابع خليجيا، حيث جاءت دولة قطر في الترتيب (105) عالميا والأولى خليجيا، كما حلت مملكة البحرين السادس خليجيا وحصولها على الترتيب (171) عالميا.

وما يهمنا هو الشأن الوطني، فنحن نرى بأن نتائج المؤشر لا تتناسب مع الجهود المستمرة والتي تُبذل في كل ما يتعلق بحرية الصحافة. هناك تشريعات واضحة بالنظام الأساسي للدولة تكفل حرية التعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة أو أية وسيلة في نطاق القانون، كما أن ذات النظام أفرد مادة مستقلة تتعلق بالصحافة. وبالتالي عندما تسن القوانين فلا تترك الحرية تتقاذفها رياح الانحلال الفكري فنحن مجتمع متعايش مع قيمه وعاداته وثقافته الإسلامية. وبالتالي لا أحد يريد لهذا المجتمع المتآلف مع كافة العقائد بأن تترك فضاءات حرية الصحافة لتتجاوز سنن الكون كما هو مشاهد في الدول الغربية. فعلى سبيل المثال، في فرنسا ونيذرلاند والسويد وكثير من تلك الدول، أصبحت الحرية عندهم تنال من المقدسات ومن الأنبياء والكتب السماوية بحجة حرية الرأي والتعبير الذي تتشدق بها. هذا التجاوز بتلك الدول والتي أكثرها صُنفت ضمن المراتب المتقدمة في مؤشر حرية الصحافة، يحدث بسبب غياب العقيدة، والفراغ الاجتماعي، والرغبة نحو تغيير الجنس ليكون الذكر مثل الأنثى تحت الغطاء الزائف للمثلية الجنسية، والحركات النسوية. ووصل حدهم ليضيفوا المثلية بالاتفاقيات مع الدول التي ترغب في فتح مجالات للتعايش الإنساني والاقتصادي معهم. هذا المستوى الهابط من تسييس حرية التعبير وحرية الصحافة والتي أصبحت بلا حدود غير مرغوب بها في كثير من دول العالم التي تمنع دخول هكذا مستوى من الانحلال الأخلاقي. نعم في وطننا المتسامح سلطنة عمان، هذا مرفوض مهما علا أو قل مؤشر حرية الصحافة، فقيمنا ومبادئنا أعلى من تقييم منظمة مراسلون بلا حدود.

هذا التقييم غير المنصف الذي حصلت عليه سلطنة عمان في (2023)، يلاحظ بأن المنظمة ما انفكت وتتغنى بالأحداث الصحفية التي حدثت قبل ما يزيد على ثماني سنوات، والأخبار التي لا تزال باقية في موقعها الإلكتروني حتى اليوم، فنرى بأن تلك الجريدة التي تم إغلاقها كانت تتمتع بحرية صحفية لما كان يُكتب ويُنشر قياسًا بالجرائد الأخرى وكانت تتناول قضايا مجتمعية، ولها مساحات واسعة من النقد في المجالات الاقتصادية، وقضايا الفساد «إن وجدت». ولكن عندما حادت عن الطريق ولم يكن سرد الأخبار ونشرها يتوافق مع مبدأ «المصلحة العامة» الذي ذكرته منظمة مراسلون بلا حدود في تعريفها لحرية الصحافة، وجب التدخل لحماية الوطن وحفاظًا على الرأي المعتدل في إنتاج الأخبار.

وإذا سألت منظمة مراسلون بلا حدود عن الصحافة العمانية، فإن تاريخها موغل في القدم، ولعل المطبعة السلطانية في زنجبار تعتبر من أقدم النماذج في نشر العلم والصحافة والكتابة التي غطت الشرق الأفريقي في عهد السلطان برغش بن سعيد. تلك المطبعة التي أنشأت في (1882م) استمرت تثري العلم والعلماء في مناطق كثيرة حول العالم، حتى أتت عليها أيادي الظلم والطغيان فتم هدمها في عام (1964م). الشيء الآخر كيف تحكمون على سلطنة عمان في هذا المؤشر؟ وصفحتها ناصعة البياض في وجود (صفر) محتجز من العاملين بالصحافة والإعلام، بينما في المقابل هناك دول تحتجز عددًا من الصحفيين، وتحصل على ترتيب أفضل، وسجل تلك الدول سيئ جدًا في حرية الرأي وحرية الصحافة. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع أحدًا من مواطني تلك الدول التصريح بدعمه في حق الشعب الفلسطيني، ونضاله الشريف، أو حمل العلم الفلسطيني وإلا تعرض للمساءلة القانونية.

ما لكم كيف تحكمون، ليحتل الكيان الإسرائيلي الغاشم مرتبة متقدمة عنه لدولة فلسطين المحتلة في تقييم مؤشر حرية الصحافة رغم الجرائم المتعمدة بحق الصحفيين. تلك الجرائم النكراء التي استدعت قيام منظمة مراسلون بلا حدود تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لحالات (7) من الصحفيين الفلسطينيين (مثبت بالأدلة) الذين قتلوا عمدًا في غزة للفترة من 22 أكتوبر إلى 15 ديسمبر (2023)، مع العلم بأن عدد الصحفيين الذين قتلتهم دولة الاحتلال الإسرائيلي يصل عددهم إلى (66) صحفيا. ذلك التقييم لا ينصف دولة فلسطين في مؤشر حرية الصحافة بل يتنافى مع أبسط معايير الشفافية والعدالة. إلى هذه المهزلة وصلت الأمور بحيث لا يستطيع الذين يعطون الرأي المحايد والمستقل من معرفة وبيان الحقيقة، وإظهارها للإنسانية والقول إن دولة الاحتلال لا تستحق تلك المرتبة. ورغمًا عن ذلك التقييم، فإن هناك ارتفاعًا في مؤشر حرية الصحافة لدولة فلسطين بـ (+12) مرتبة في (2023) لتحصل على الترتيب (156) عالميا. في المقابل دولة الاحتلال تتراجع (-11) مرتبة لتكون في الترتيب (97).

ما هي حرية الصحافة؟ أيتها الدول التي تتربع في المستوى «الجيد» في مؤشر حرية الصحافة لسنوات طويلة، والعالم يشاهد تصرف القنوات الفضائية التابعة لتلك الدول، وهي تعارض حرية الرأي الآخر، ويصل بعضها إلى طرد الضيوف بمجرد أن قال الحقيقة الصائبة: بأن حركة حماس ليست إرهابية. مع أن هذا الرأي ذهبت إليه منظمة الأمم المتحدة، بأن حماس حركة سياسية وليست إرهابية. فأنتم من تنادون بالحرية والديمقراطية، وما تقوم بها دولكم وساساتكم يصل إلى مستوى حمايتكم للإرهاب الإسرائيلي، الذي سوف يكتبه التاريخ بأن عصرًا من تصادم الحضارات تحفرونه بأيديكم فاعتبروا يا أولي الألباب إن كنتم تعقلون.

في السياق نفسه، أين المراسلون والصحفيون، أما آن لكم أن تراجعوا تقييمكم لآلة الإرهاب الأمريكي والتي منحتموها المرتبة (45) عالميا في مؤشر حرية الصحافة. الولايات المتحدة الأمريكية وللمرة الثالثة لا ترغب بوقف المجازر الدموية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح. صحيح أن من يقتل الصحفيين هم الكيان الصهيوني، ولكن الأهم من يسانده على ذلك وينشر الفوضى في العالم هي أمريكا. هذه العرقلة من الجانب الأمريكي الذي يمتلك حق النقض الفيتو يسهم مباشرة في منح الاحتلال الضوء الأخضر في قتل عدد كبير من الصحفيين من بداية حرب غزة وحتى اليوم. ولأن هذا الاستكبار العالمي وصل لمرحلة خطيرة كان لازمًا من وزير خارجية سلطنة عمان أن يطالب مثلما طلب غيره منذ سنوات، بأن يتم تعطيل حق النقض «الفيتو» الذي تستخدمه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والتي لا يهمها حماية الناس ومنع الحروب، وإنما تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية والتوسعية. تلك الدول تتغاضى عن حق الشعب الفلسطيني ولا يحرك لها ساكن ليس فقط في إطالة أمد الحرب، بل إن الحرية وصلت لتصريح بعض من ساساتهم باستباحة قتل الأطفال في غياب وصمت العالم أجمع. فأين أنتم ذاهبون أيها المراسلون، نعم إلى مرحلة بلا حدود، وفي غياب المصداقية في تقييم مؤشر حرية الصحافة للدول، ومنها سلطنة عمان التي ترى بأن المحافظة على المبادئ والوقوف مع الحق أفضل مما تنشرون.

ولكن في الجانب الآخر، أعتقد أنه من الخطأ أن نلقي اللوم كله على منظمة مراسلون بلا حدود في المستوى الذي حصلنا عليه. نحن بحاجة للتساؤل ماذا عملنا للارتقاء بمؤشر حرية الصحافة إلى المستوى الذي نراه يتوافق مع التطلعات الوطنية، وما الوسائل التي يتبعها الصحفي العماني في نشر الأخبار، وهل لدينا مراسلون بالقنوات الفضائية العالمية من أجل إيصال الرسالة السامية لسلطنة عمان في الملتقيات والمنتديات والمؤتمرات الحوارية المتعلقة بالصحافة. أيضًا ما الدور المتوقع من «الجمعية العمانية للصحفيين»؟ هل هناك رضا عن النهج والسياسات التي تتبعها في إيجاد بيئة عمل وخطط مدروسة من تأهيل الصحفيين العمانيين ليكونوا فاعلين على المستويَين الوطني والخارجي. نحن بحاجة للخروج من الصندوق الرتيب للصحافة إلى فضاءات تنويرية فكرية تلامس العقول الشابة التي أصبحت لا تهتم بما يُكتب أو يُنشر؛ لأنه لا يضيف لهم أية معرفة علمية أو اجتماعية أو اقتصادية إلا ما نذر. نريد حراكًا وتفاعلاً مستمرًا في أرجاء محافظات سلطنة عمان لتوصيل الجهود الوطنية في التنمية بأسلوب تحليلي يراعي جميع مكونات المجتمع. نريد جهودًا من الصحفيين العمانيين ليقوموا بالدفاع عن سلطنة عمان وإرثها الحضاري بأسلوب من الشفافية والمصداقية، وبهذا سوف تظل مبادئنا أنقى من تقييم مؤشر الصحافة العالمي.

حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الصحفیین

إقرأ أيضاً:

محمد التابعي.. أمير الصحافة المصرية الذي أسقطت مقالاته الظلم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تمر اليوم ذكرى رحيل أمير الصحافة المصرية محمد التابعى، والذى يُعد احد أبرز الشخصيات المؤثرة فى مجال الصحافة والسياسية المصرية، حيث رحل فى مثل هذا اليوم 24 ديسمبر عام 1976.

ولد محمد التابعى محمد وهبة في الـ18 من مايو عام 1896 في السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، والتحق بالمدرسة الأميرية الابتدائية في المنصورة، وحصل على شهادة الابتدائية عام 1912، ثم انتقل إلى المدرسة السعيدية الثانوية في القاهرة، ومنها إلى مدرسة محرم بك الداخلية في الإسكندرية، وحصل على التوجيهية عام 1917، التحق بكلية الحقوق بالجامعة الأهلية.

بدأ "التابعى" رحلته مع  قراءة الكتب والمسرحيات المترجمة، مبكرًا، ثم انقطع عن الدراسة، وعمِل موظفًا في وزارة التموين في السويس، ثم في مصلحة السجون، وساعده تمكنه من اللغة الإنجليزية أن يعمل مترجمًا في سكرتارية مجلس النواب، ثم عاد لدراسة الحقوق وتخرج عام 1923.

رحلته فى بلاط صاحبة الجلالة 

 عمل أمير الصحافة المصرية، ناقدا فنيا في جريدة الإجيبشيان جازيت، فى بداية رحلته الصحفية،  وكان يُوَقِّع مقالاته باسم مستعار، وكانت تلك الخطوة الشرارة لبوابة الشهرة، فكتب مقالاً عن مسرحية "غادة الكاميليا"، الذي نشره في الأهرام، ثم أصبح يكتب في جرائد ومجلات عديدة بينها "الأهرام، والإجبيشيان جازيت، وأبو الهول، والنظام، والسياسة".

وتولى "التابعى" في عام 1928،  شؤون مجلة روزاليوسف، وذلك بعدما سافرت فاطمة اليوسف إلى أمريكا، والذى أضاف لها طابعا سياسيًا، بعدما كانت مجلة فنية وأدبية، فزادت نسبة توزيعها وزاع سيطه إلى أن البائعون يروجون للمجلة باسمه، وظل يكتب مقالات سياسية نقدية قوية، تسببت العديد منها فى إقالة وزراء، وظل رئيس تحريرها لمدة 6 سنوات.

مؤلفاته

لم يكتفى أمير الصحافة المصرية بكتابة المقالات فقط، بل عكف على تأليف كتب تأخذ طابع السيرة الذاتية، منها "من أسرار الساسة والسياسة، بعض مَن عرفت، أسمهان تروي قصتها، ألوان من القصص، عندما نحب، لماذا قُتل؟، جريمة الموسم، رسائل وأسرار، حكايات من الشرق والغرب، 3 قصص في كتاب واحد، ختام القصة، ليلة نام فيها الشيطان، قصة القصة والمؤلف، أحببت قاتلة، صالة النجوم".

هؤلاء كتبوا عنه

لم يترك الكتاب المعروفين رحلة "التابعى" الاستثنائية تمضى دون توثيق،  فكتب عن حياته وسيرته الذاتيه  بعض الكُتاب أبرزها: "سيرته الذاتية في جزأين بقلم الكاتب الصحفي الراحل صبري أبو المجد، ومن أوراق أمير الصحافة بقلم الكاتب الصحفي محمود صلاح، كما ألّف عنه حنفي المحلاوي كتاب غراميات عاشق بلاط صاحبة الجلالة، ويحكي عن أشهر غراميات التابعي في مصر وفي أوروبا".

رحيل أمير الصحافة المصرية

رحل "التابعى" بعدما تعرض الأزمات صحية ومادية، فى السبعين من عمره، فى 24 من ديسمبر 1976، بالدقهلية مسقط رأسه.

مقالات مشابهة

  • بوتين : دول رابطة الدول المستقلة حققت نموا اقتصاديا أعلى من المتوسط العالمي
  • صناعة الصحافة.. وتحديات الابتكار التخريبي
  • محمد التابعي.. أمير الصحافة المصرية الذي أسقطت مقالاته الظلم
  • حصاد المؤشر العالمي للفتوى لعام 2024.. تقديم ما يقرب من 50 إصدارًا
  • ائتلاف حقوقي يستندر التضييق والحصار على الصحفيين والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان
  • تركيا تدرس تعديل أسعار بعض السلع التي تدخل في حساب مؤشر التضخم
  • ماجستير عن "دور الصحافة الإنسانية فى مصر" بجامعة أسيوط
  • هل تستطيع الصين قيادة التحول العالمي في مجال الطاقة؟
  • سفير سلطنة عمان يحتفي باللغة العربية في يومها العالمي: "لغتنا بحر من الإبداع"
  • بالفيديو .. خديجة بن قنة: حين أستعد للظهور على الشاشة لا أملك حرية اختيار ملابسي