معرض مسقط للكتاب.. نافذة على الماضي والحاضر والمستقبل
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
يؤكد استمرار المعارض الدولية السنوية للكتاب، ومنها معرض مسقط الدولي للكتاب الذي انطلق في العاصمة العُمانية الأسبوع الماضي، أن مستقبل وسيلة نقل وتبادل المعرفة والمشاعر والمعلومات والمهارات الأولي في تاريخ البشرية ما زال آمنا حتى في عصر انتشار المنصات الرقمية، وأن الكتاب كمنتج ثقافي ما زال قادرا على البقاء لفترات تاريخية أطول حتى في ظل تغير اهتمامات الأجيال الجديدة، خاصة أبناء الجيل الرقمي الذين يميلون أكثر لشغل أوقات فراغهم أمام شاشات هواتفهم الذكية وأجهزة الحاسب الآلي وشبكات التواصل الاجتماعي.
ويقف معرض مسقط الدولي للكتاب ومثيله من المعارض المهمة شاهدا على بقاء الثقافة الورقية التي تنبأ البعض منذ سنوات بنهايتها بعد أن يتحول الناس إلى الشاشات الوامضة ويتخلون عن المنصات الورقية. وتمثل تلك المعارض، التي يطالب البعض بتوقفها واستبدالها بمعارض رقمية تفاعلية، عاملا مهما من عوامل استمرار وازدهار صناعة الكتاب في العالم، إلى جانب عوامل أخرى مثل التوسع في التعليم الجامعي وقبل الجامعي، وبالتالي استمرار وتزايد الحاجة البشرية إلى مزيد من الكتب لأغراض التعليم والتدريس، والطابع التجاري لشركات النشر وسعيها إلى تحقيق أرباح وبالتالي تطويرها أنواعا عديدة من الكتب وملاحقة التطورات التكنولوجية في الإنتاج، ورخص أسعار مستلزمات إنتاج الكتاب من ورق وأحبار وطباعة نتيجة التطور الصناعي والتجاري في العالم، بالإضافة إلي استمرار تدخل الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني مثل جمعيات واتحادات ونقابات الكتاب والأدباء لدعم صناعة الكتاب في غالبية دول العالم، لإدراكها أهمية الكتب كنوافذ تطل من خلالها الشعوب على العالم وعلى الماضي والحاضر والمستقبل.
ورغم المنافسة الشديدة التي لقيها ويلقاها الكتاب الورقي من نظيره الرقمي الذي يمكن قراءته على شاشات قارئات الكتب وأجهزة الكمبيوتر والآيباد والهواتف الذكية، وكذلك من وسائل الإعلام الأكثر جماهيرية مثل التليفزيون والصحف والمجلات والراديو ومواقع الويب وشبكات التواصل الاجتماعي، فإنه لا زال يمثل للكثيرين الوسيلة الأكثر احتراما نظرا لطبيعته الخاصة كأداة ثقافية، ووسيلة للإعلام ونقل المعارف والتعليم والتسلية. ويتميز الكتاب بأنه يخاطب النخبة المثقفة والمؤثرة في المجتمع. ولذلك يقال «إن تأثير الكتاب يتخطى حدود حجم توزيعه الفعلي لأنه يؤثر في النخبة التي تتولى صنع القرار». ويلعب الكتاب دورا مؤثرا ومتميزا في نقل التراث الحضاري والثقافي بين الأجيال، ويساهم في التغيير الاجتماعي. ورغم أن كل وسائل الإعلام تؤدي الوظائف الثقافية بدرجات متفاوتة، فإن الكتب تمثل قوة ثقافية كبيرة، كونها تمثل مرايا للثقافة الوطنية، ومحركا من محركات التغير الثقافي والاجتماعي، ومستودعات ثقافية مهمة، ووسائل ممتعة للتسلية والهروب.
وقد نجحت شركات نشر الكتب في العالم وفي الدول العربية إلى حد ما في الاستفادة من الثورة الرقمية وتطويعها لخدمة صناعة الكتاب، وأصبحت تنتج نسخا رقمية متعددة من الكتاب الواحد، إلى جانب النسخ الورقية، وإتاحتها للبيع الفوري عبر تطبيقات خدمات بيع الكتب أو على مواقعها على شبكة الويب، حيث يستطيع المشتري تحديد النسخة التي يرغب في الحصول عليها؛ ورقية كانت أم رقمية.
ولعل ما يجعل للدورات الجديدة من معرض مسقط الدولي للكتاب أهمية أكبر، التطورات الإيجابية التي تشهدها صناعة الكتاب في عُمان، والتي نتج عنها زيادة كبيرة في عدد الكتب المنتجة سنويا داخل السلطنة، إذ أشارت إحصاءات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى نمو عدد الكتب المنشورة خلال عام 2020 بنسبة 115 بالمائة ليصل إلى 1049 كتابا، مقارنة بأرقام العام 2016، وأرقام منظمة اليونسكو التي قدرت عدد الكتب المنشورة بسبعة كتب فقط في عام 2011. والواقع أن هذه الزيادة الكبيرة في عدد الكتب في عُمان، بالإضافة إلى الزيادة الملموسة في عدد دور النشر، تعود في جزء منها إلى استمرار وتطور معرض مسقط الدولي للكتاب، الذي يمثل عاملا مشجعا لأطراف صناعة الكتاب من مؤلفين وكتاب وشركات نشر وشركات توزيع على إنتاج المزيد من الكتب للاستفادة من السوق الجيد للكتاب في السلطنة من جانب، وزيادة القدرة الشرائية الكافية لاقتناء الكتب والاحتفاظ بها، والتوسع في التعليم، وافتتاح المزيد من المدارس وجامعات والكليات الجديدة.
ورغم شكوى أطراف صناعة واستهلاك الكتاب الورقي في معرض مسقط الدولي للكتاب، فإن حرصهم جميعا على التواجد في المعرض وإقبالهم عليه، يؤكد أن هذه الشكاوى لم تحل دون نجاح المعرض الذي بلغ عدد زواره العام الماضي نحو 358 ألف شخص، وهو عدد كبير نسبة إلى عدد سكان عُمان. صحيح أن رواد المعرض يشتكون من ارتفاع أسعار الكتب، ومع ذلك لم يتوقفوا عن الذهاب للمعرض وشراء الكتب، وصحيح أيضا أن الناشرين يشتكون من انخفاض عائدات البيع، وانصراف الناس والمؤسسات عن شراء الكتب، ومع ذلك فإنهم يحرصون في كل عام على التواجد في المعرض، وهو ما يؤكد أنهم يحققون أرباحا كبيرة منه. والواقع أن دور شركات النشر في صناعة الكتاب لا يقل أهمية عن دور المؤلفين. فالناشر يتحمل المخاطرة باستثمار أمواله في تحويل النص المؤلف إلى كتاب وتوزيعه جماهيريا، وتحقيق أرباح له وللمؤلف وجميع المشاركين في الإنتاج والتوزيع. وبسبب هذه المخاطرة يحجم الناشرون عن نشر الكتب التي لا يعتقدون أنها ستحقق ربحا. ولذلك تتدخل الحكومات في مختلف بلدان العالم في سوق إنتاج ونشر وتوزيع الكتب من خلال وزارات الثقافة ووزارات الإعلام والإدارات الحكومية المعنية، تشجيعا لنشر المعارف من ناحية والتحكم فيما تقرأه الشعوب من ناحية أخرى. ويعتمد الناشرون في توزيع الكتب على معارضهم الخاصة وعلى محال بيع الكتب ومعارض الكتب.
أما المؤلفون والكتاب الذين يشتكون من عدم حصولهم على حقوقهم المادية من الناشرين، فانهم لا يتوقفون عن الإبداع والتأليف، والتعامل ربما مع نفس الناشرين الذين يجأرون بالشكوى منهم.
هكذا إذن تبدو الصورة في كل عام في معرض مسقط الدولي للكتاب، الذي يشهد نقلات تنظيمية مهمة وناجحة في السنوات الأخيرة، وفي كل معرض من معارض الكتب التي تحرص الدول على إقامتها لإظهار اهتمامها بالثقافة والآداب والفنون والعلوم، والتي أصبحت علامة من علامات السيادة الوطنية والخصوصية الثقافية التي تتباهى بها الدول، حتى وإن كانت لا تدر عائدات مباشرة وعلى المدى القصير. وكشاهد من أهلها يمكن أن أزعم أن معرض مسقط الدولي للكتاب الذي دخل عامه الثامن والعشرين بهوية جديدة ويستمر حتى الثاني من مارس القادم، سوف يبقي دليلا على حرص سلطنة عُمان على تعزيز الثقافة الوطنية ودعم نشر المعارف والعلوم بين أبنائها والمقيمين على أرضها، في ظل الاهتمام السامي من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- بالثقافة والآداب والفنون والعلوم، ذلك الاهتمام الكبير الذي عززه قرار إنشاء مجمع عمان الثقافي، والذي من المنتظر أن يضم ثلاثة صروح ثقافية رئيسية وهي؛ المسرح الوطني، والمكتبة الوطنية، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، بالإضافة إلى ثماني مرافق إضافية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معرض مسقط الدولی للکتاب صناعة الکتاب عدد الکتب
إقرأ أيضاً:
افتتاح معرض الكتاب الدائم بمقر جامعة الأزهر.. صور
افتتح الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، بمقر الجامعة في مدينة نصر، معرض الكتاب الدائم لبيع مطبوعات الأزهر الشريف؛ حرصًا على رؤية الأزهر الشريف في ضبط الوعي وتقويم روافد الثقافة.
يأتي المعرض برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر، وبحضور الدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، والدكتور محمد فكري خضر، نائب رئيس الجامعة لفرع البنات، والأستاذ محمد عبد الخالق، أمين عام الجامعة، والأمناء المساعدين لمجمع البحوث الإسلامية؛ وذلك في إطار التعاون بين المجمع والجامعة؛ لتيسير إتاحة إصدارات الأزهر الشريف لطلاب العلم والباحثين.
كما تمَّ خلال الافتتاح تدشين مقر لجنة الفتوى في حرم الجامعة بمدينة نصر؛ لتقديم خدمات الإفتاء للطلاب والعاملين بالجامعة، والإجابة عن استفساراتهم بما يعكس المنهج الأزهري الوسطي الرصين.
وأوضح الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن افتتاح مركز الكتاب الدائم يتيح للطلاب والباحثين الوصول السهل والميسر إلى جميع إصدارات الأزهر الشريف التي تعكس المبادئ الأصيلة في الدعوة إلى العلم، والفكر المعتدل، ونشر القيم الإنسانية، كما أن وجود مثل هذا المنفذ من شأنه أن يشجع الطلاب على القراءة والاطلاع، ودعم معارفهم في جانب العلوم الشرعية.
وبيَّن رئيس الجامعة أنَّ مقر لجنة الفتوى الجديد في جامعة الأزهر يعد خطوة مهمة نحو حرص مؤسسة الأزهر الشريف جامعًا وجامعةً على تقديم الفتوى المنضبطة التي تعكس روح الشريعة الإسلامية السمحة إلى الطلاب، ويواكب متطلبات العصر في تقديم الإرشاد الديني بطريقة علمية تسهم في الحفاظ على المجتمع من الانحراف الفكري، وأنه جارٍ التوسع في افتتاح فروع أخرى في فرع البنات والوجهين البحري والقبلي.
وقال الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية: إن افتتاح مركز الكتاب الدائم لمجمع البحوث الإسلامية في جامعة الأزهر يُعدُّ خطوة مهمة في سبيل تعزيز الفكر الصحيح القائم على الوسطية والاعتدال، موضحًا أن افتتاح هذا المعرض الدائم يمثِّل نافذة جديدة تتيح للطلاب والباحثين الوصول إلى إصدارات الأزهر الشريف الموثوقة (القديمة والصادرة حديثًا) التي تتسم بالوسطية والاعتدال.
وبيَّن أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أنَّ تدشين مقر لجنة الفتوى بجامعة الأزهر على هامش المعرض يأتي لتقديم خدمة إفتائية متميزة لمنسوبي الجامعة، مبنيَّة على أسس علمية رصينة، وضبط الوعي نحو صناعة الأمن الفكري، وتحصينهم من الانزلاق نحو الإلحاد، والانفلات من ضوابط الفهم فيما يخص التحديات التي تواجه المنطقة.
وفي نهاية الافتتاح تم توزيع مجموعة من الكتب والعدد الأخير لمجلة الأزهر بالمجان على الحضور من الطلاب والعاملين بالجامعة.