ناتالي دونليفي كامبل -

وستان آدامز -

في أكتوبر الماضي، تخلى الممثل التجاري للولايات المتحدة عن مطلبه الذي طالما نادى به فيما يتعلق بأحكام منظمة التجارة العالمية لحماية تدفقات البيانات عبر الحدود، ومنع التوطين القسري للبيانات، وحماية شفرات المصدر، ومنع البلدان من التمييز ضد المنتجات الرقمية على أساس البلد المصدر.

وكان ذلك التحول السياسي صادما: فهو يشكل خطرا على استمرارية شبكة الإنترنت المفتوحة، وعلى كل ما تتيحه من تبادل للمعرفة، وتعاون عالمي، وتجارة عبر الحدود.

ويقول الممثل التجاري الأمريكي أن تغيير موقفه كان ضروريا بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن أحكام التجارة يمكن أن تعيق قدرة الكونجرس الأمريكي على الاستجابة للدعوات المطالبة بتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى والذكاء الاصطناعي. ولكن الاتفاقيات التجارية تتضمن بالفعل أحكاما استثنائية لمعالجة مخاوف مشروعة تتعلق بالسياسة العامة، وقد أصدر الكونغرس نفسه أبحاثاً تظهر أن الاتفاقيات التجارية لا يمكنها أن تعيق طموحاته السياسية. وبعبارة بسيطة، تستطيع الولايات المتحدة تنظيم قطاعها الرقمي دون التخلي عن دورها الحاسم باعتبارها نصيرة للإنترنت المفتوح، شأنها في ذلك شأن الدول الأخرى المشاركة في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. إن العواقب المحتملة للتحول في السياسة الأمريكية بعيدة المدى بقدر ما هي خطيرة. إذ طالما كان الخوف من الإضرار بالعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة سبباً في ردع الجهات الفاعلة الأخرى عن فرض حدود وطنية على الإنترنت. والآن، ليس هناك إلا القليل مما يدعو المنجذبين لفكرة اعتماد «السيادة الرقمية» وسيلة لضمان الالتزام بقوانينهم في العالَم الرقمي لمقاومتها. وكلما زاد عدد الجدران الرقمية، زاد ابتعاد الأجزاء المنعزلة عن جوهر الإنترنت. وتحاول العديد من البلدان بالفعل تكرار النهج الصيني الصارم في إدارة البيانات. فعلى سبيل المثال، يجبر قانون حماية البيانات في رواندا الشركات على تخزين البيانات داخل حدودها ما لم تسمح هيئة الأمن السيبراني بخلاف ذلك- مما يجعل البيانات الشخصية متاحة للسلطات المعروفة باستخدام البيانات التي تحصل عليها من الرسائل الخاصة لملاحقة المعارضين. وفي الوقت نفسه، يفكر عدد متزايد من البلدان الديمقراطية في وضع قواعد تنظيمية قد تخلف، في غياب ضمانات قوية لتدفقات البيانات عبر الحدود، تأثيرا مماثلا يتمثل في عرقلة الوصول إلى شبكة إنترنت مفتوحة حقا. وبدون التزام قوي من الولايات المتحدة والدول الأعضاء التسعين في منظمة التجارة العالمية المشارِكة في مبادرة التجارة الإلكترونية المشتركة بتنفيذ التدابير الضرورية المتعلقة بحماية الإنترنت، فإن أن العديد من البلدان- بما في ذلك أكثر من 100 دولة نامية لا تملك نهجًا لإدارة البيانات- قد تقتنع فعلا باختيار مسار تنظيمي يبتعد كل البعد عن شبكة الإنترنت المفتوحة. ومع وضع المزيد من الحواجز أمام تدفق المعلومات، يتزايد خطر إلحاق الضرر بالأشخاص والشركات والبلدان. فلنأخذ على سبيل المثال تفويضات توطين البيانات، التي قد تتطلب تخزين أو جمع أو معالجة كل المعلومات المتعلقة بالمواطنين أو المقيمين داخل الحدود المادية لبلادهم. إن هذه التفويضات لا تحمي خصوصية الفرد وأمنه، بل تعرضها للخطر.

فبادئ ذي بدء، قد تجعل هذه التفويضات البيانات أكثر عرضة للمُصادرة المباشرة من جانب السلطات التي لا تحترم حقوق الإنسان. فعلى مدار العقد الماضي، تلقت مؤسسة ويكيميديا- وهي المنظمة غير الربحية التي تدير «ويكيبيديا»، الموسوعة الإلكترونية المجانية التي أنشأها وأدارها محررون متطوعون من جميع أنحاء العالم- عشرات الطلبات للحصول على بيانات المستخدمين كل عام، وكانت العديد منها إما ضعيفة من حيث الأسس القانونية، أوليس لها أي أساس من هذه الأسس على الإطلاق .

وعلى سبيل المثال، كانت هناك حالات سعت فيها حكومة أو فرد ثري إلى إخفاء معلومات عامة دقيقة، بل إلى اتخاذ إجراءات انتقامية ضد المتطوع الذي نشرها. وترفض مؤسسة «ويكيميديا» مثل هذه الطلبات، ولكن متطلبات توطين البيانات يمكن أن تزيد من صعوبة هذا الأمر، حيث تضطلع الحكومات بقدر أكبر من السيطرة على المعلومات المخزنة داخل حدودها. ثم هناك العواقب الاقتصادية. إن إنشاء مرافق لجمع البيانات وتخزينها في بلدان في مختلف أنحاء العالم سيكون مكلفا، بل باهظ التكلفة لدرجة أن ذلك قد يشكل خطرا يهدد الجدوى الاقتصادية للكيانات غير الربحية والتجارية على حد سواء. وسيواجه صغار الفاعلين صعوبة في التنافس مع منصات التكنولوجيا العالمية الكبرى. وأخيرا، إن إرغام الخدمات القائمة على الإنترنت على إنشاء مراكز بيانات متعددة وإضافية في بلدان مختلفة من شأنه أن يخلق نقاط ضعف أمنية جديدة، مما يجعل المعلومات الشخصية ومعلومات الشركات الحساسة أكثر عرضة لخطر التطفل وانتهاك البيانات. ويمكن أيضًا إعاقة وصول الأشخاص إلى المعلومات. وفي أعقاب إعلان الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي، سارع وزراء مجموعة السبع إلى إعادة التأكيد على التزامهم بفتح التجارة الرقمية والأسواق الرقمية، ودعمهم لمبادرة التدفق الحر للبيانات مع ضمان الثقة، التي تشجع الأساليب المنسقة لإدارة الخصوصية والبيانات في ظل تزايد الحمائية الرقمية. ولكن مجموعة السبع، بمفردها، غير مجهزة تجهيزا كافيا لمواجهة السياسات المضللة والجهود ذات الدوافع الجيوسياسية التي يمكن أن تؤدي إلى تقسيم الإنترنت تقسيما جذريا. ومن أجل إبقاء شبكة إنترنت مفتوحة ومتصلة وآمنة على مستوى العالم، يتعين على جميع البلدان- بما في ذلك الولايات المتحدة، بما تتمتع به من نفوذ عالمي دائم- أن تعيد التأكيد على دعمها القوي للسياسات التي تقوم عليها هذه الشبكة. ولكن الجهود المتواصلة اللازمة لمنع التراجع العالمي للإنترنت لا تقتصر على المفاوضات التجارية فقط. إذ يتعين على الناس في كل مكان أن يحُثوا قادتهم على حماية الإنترنت من تدابير السيادة الرقمية العدوانية المتخذة في المبادرة المشتركة لمنظمة التجارة العالمية بشأن مفاوضات التجارة الإلكترونية، وفي المشاركات الدولية الأخرى، وعلى المستوى المحلي. ويجب على صانعي السياسات الذين يتخذون القرارات أو يصممون التشريعات أن يجتهدوا في تقييم التأثيرات المحتملة على تدفقات البيانات عبر الإنترنت ومنع الإضرار بانفتاح الإنترنت. وإلى حد ما، يواجه الإنترنت تحديات بسبب ما حققه من نجاح. فقد أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا لدرجة أننا لا نقدره حق تقديره. ولكن حفاظ الإنترنت على ما يتميز به من خصائص اليوم ليس مضمونًا على الإطلاق. وفقط بتضافر الجهود العالمية، يمكننا ضمان عدم تجزؤ شبكة الإنترنت وافتقارها للتدابير الأمنية، وخضوعها لسيطرة الحكومات والشركات على نحو متزايد.

ناتالي دونليفي كامبل مديرة أولى لشؤون الحكومة والشؤون التنظيمية في أمريكا الشمالية في جمعية الإنترنت.

ستان آدامز كبير أخصائيي السياسة العامة لأمريكا الشمالية في مؤسسة ويكيميديا.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التجارة العالمیة الولایات المتحدة شبکة الإنترنت

إقرأ أيضاً:

بحضور حمدان بن محمد.. موانئ دبي العالمية تعلن البدء في بناء «بهارات مارت»

بحضور سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، و بيوش غويال، وزير التجارة والصناعة الهندي، أعلنت مجموعة موانئ دبي العالمية «دي بي ورلد» البدء في تشييد «بهارات مارت»، السوق العالمي الذي يربط أعمال الشركات بعضها ببعض، ويدعم تجارة التجزئة والجملة في دبي، ويوفر منصّة تجارية عالمية المستوى للمصنّعين والمصدّرين الهنود، تمكنّهم من الوصول إلى الأسواق العالمية.

وكشفت موانئ دبي العالمية عن المجسم الافتراضي للمشروع الجديد المُقرر افتتاحه بنهاية العام 2026، حيث يمثّل البدء في أعمال بناء السوق الجديد تمهيداً لإضافة نوعية تحويلية تُعيد تعريف الروابط التجارية العالمية بين الهند والشرق الأوسط، وغيرهما من مناطق العالم.

وفي هذه المناسبة، قال سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم: «استثمرت دبي في بنية تحتية عالمية المستوى وأسست شبكة نقل واتصال فعالة تربطها بكل أنحاء العالم.. القدرات اللوجستية المتقدمة التي تتمتع بها دبي تجعلها شريكاً قادراً على تقديم قيمة مضافة حقيقية للهند في سعيها لتوسعة تجارتها العالمية. ومع النمو الكبير في حجم التجارة البينية، وازدهار أعمال أكثر من 2300 شركة هندية في المنطقة الحرة في جبل علي، سيعزز بهارات مارت الشراكة الاقتصادية مع الهند.»

من جانبه، أشاد  وزير التجارة والصناعة الهندي بالأثر المتوقع للسوق الجديدة، وقال: «بهارات مارت مشروع تحويلي أطلقته مجموعة موانئ دبي العالمية، ويحمل إمكاناتٍ هائلة، ونتطلع إلى اكتمال أعمال الإنشاء. وستضمن جهود»دي بي ورلد«في تطوير الممر التجاري الافتراضي بين الهند ودولة الإمارات الارتقاء بالتبادل التجاري إلى آفاقٍ جديدة، تماشياً مع أهداف اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين. كما نُقدّر جهود المجموعة في بناء آفاقٍ وفرصٍ جديدة تُمكّن الشركات الهندية متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من الوصول إلى الأسواق الأفريقية».

وقال سلطان أحمد بن سليّم، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية «دي بي ورلد»: «تهدف دولة الإمارات والهند للوصول بتجارتهما البينية غير النفطية إلى 100 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2030، وسيكون بهارات مارت محركًا رئيسياً في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي. ونحن نؤكد التزام موانئ دبي العالمية بتعزيز حركة التجارة من خلال تطوير بنية تحتية لوجستية عالمية المستوى، وفتح أسواق جديدة، ودعم النمو الاقتصادي المستدام».
ويمتد «بهارات مارت» على مساحة 2.7 مليون قدم مربع، تغطي مرحلته الأولى 1.3 مليون قدم مربع، وسيُشكل مركزًا تجاريًا رئيسيًا للشركات الهندية متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. ويتميز بموقع استراتيجي في المنطقة الحرة لجبل علي (جافزا).

وسيضم السوق 1500 صالة عرض، وأكثر من 700 ألف قدم مربع من المستودعات الحديثة، ووحدات الصناعات الخفيفة، ومساحات مكتبية، وقاعات للاجتماعات، مع مساحة مخصصة لشركات رائدات الأعمال من الهند.

ويقع «بهارات مارت» على بُعد 11 كيلومترًا فقط من ميناء جبل علي، و15 كيلومترًا من مطار آل مكتوم الدولي، وعلى مقربة من شبكة قطارات الاتحاد، ما يوفر للشركات الهندية وصولًا سلساً إلى شبكة لوجستية متعددة الأنماط. ومن خلال منظومة جبل علي، سيتمكن المصدرون من الوصول إلى 150 وجهة بحرية وجوية، بالإضافة إلى روابط مع أكثر من 300 مدينة حول العالم، ما يعزز وصولهم إلى الأسواق ويزيد من كفاءتهم.

وتواصل «جافزا» لعب دور رئيسي في التجارة الثنائية بين دولة الإمارات و الهند، حيث تستضيف المنطقة الحرة أكثر من 2300 شركة هندية، بعد تأسيس 283 شركة هندية جديدة في عام 2024، بزيادة قدرها 15% على أساس سنوي، ما يسهم في تعزيز مكانة دبي كمركز تجاري عالمي حيوي.
 

الصورة

مقالات مشابهة

  • بحضور حمدان بن محمد.. موانئ دبي العالمية تعلن البدء في بناء «بهارات مارت»
  • إيلون ماسك يوسع شبكة ستارلينك في أفريقيا
  • منظمة التجارة العالمية: التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين تشكل خطرًا
  • حرب الرسوم.. تصعيد المواجهة بين بكين وواشنطن والتجارة العالمية تحذر من العواقب!
  • منتدى تكنولوجيا التجارة في أبوظبي يستشرف مستقبل التجارة العالمية
  • منظمة التجارة العالمية: نتوقع انخفاض حجم التجارة بين أمريكا والصين بنسبة 80%
  • منظمة التجارة العالمية تحذر من عواقب تقسيم الاقتصاد العالمي إلى كتلتين
  • “التجارة العالمية”: التبادل بين الصين والولايات المتحدة قد يتراجع بنسبة 80 بالمائة
  • الصين تقدم شكوى لمنظمة التجارة العالمية بشأن رسوم ترامب
  • الرسوم الجمركية المتبادلة التي تفرضها الولايات المتحدة ستضرّ بالآخرين ونفسها أخيرًا