الجغرافيا ... خطاب القوة في السلم والحرب !.
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
فيما اكد المفكر الصيني سون تسي قبل نحو 2500سنة في كتابه ( فن الحرب ) ( إن أولئك الذين لا يعرفون أحوال الجبال والغابات والأودية الخطرة والسبخات والمستنقعات لا يمكنهم قيادة جيش ) , وهذا خير دليل على الدور الذي من الممكن أن تمثله الجغرافيا للحرب .
-الاستراتيجية الكبرى
لقد سيطرت الجغرافيا على الفكر العسكري للغرب طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وحتي منتصف القرن العشرين , وكانت تشكل عامل مشترك للفكر الاستراتيجي العسكري للقوى الكبرى في العالم .
ولأجل أن تؤدي الجغرافيا دورها فقد قامت المدارس والكليات العسكرية الكبرى بتدريس الجغرافيا الحربية وأصولها وقواعدها وهذا الأمر يعكس أهمية العلوم الجغرافيا للأغراض العسكرية .
وخلال الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, ظهرت الجغرافيا العسكرية تحت اسم ( الاستراتيجية الكبرى ) حيث تم تطبيقها على الأهداف الوطنية .
وبرزت أول حاجة رسمية ملحة للجغرافيا العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى , واستخدمت في تعليم القادة والجنود المهارات الأساسية لتحليل التضاريس .
وعندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية , قدم الجغرافيون الأمريكيون من جديد دعما كبيرا لجهود الحرب .
ففي عام 1943م . كان هناك نحو 300 جغرافي يعملون في واشنطن في مكتب الخدمات الاستراتيجية ووزارة الحرب وشعبة الاستخبارات وفي قسم خرائط الجيش .
- أقوى الحلفاء روسيا
حتى يومنا هذا لا تزال تمثل قوة برية غير آمنة ومترامية الاطراف والتي كانت ضحية لغزوات منذ ما قبل تلك التي شنتها جحافل المغول في القرن الثالث عشر الميلادي والتي لا تمتلك من الحلفاء سوى الزمن وبُعد المسافة والطقس , كما تتوق إلى وصول أكثر إلى البحر .
وبسبب عدم وجود عوائق جغرافية خطيرة بين أوروبا ومنطقة الأورال فإن أوروبا الشرقية وعل الرغم من انهيار الحدود المصطنعة المتمثلة في جدار برلين , لا تزال تتعرض للتهديد من قبل روسيا كما كانت كذلك منذ قرون - وهذا ما لعبت عليه امريكا بتوسع حلف الناتو فيها - .
وايضا أن القلق على الحدود الألمانية كان يمثل مصدر إزعاج لفرنسا كما كان ذلك في زمن لويس الرابع عشر وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية .
في الواقع ان الجغرافيا تمثل مقدمة لمسار الأحداث الإنسانية ذاتها وليس من قبيل المصادفة أن الحضارة الأوروبية لها جذور مهمة في جزيرة كريت وجزر كيكلادس اليونانية وبسبب وضعها كجزر محمية طوال قرون ضد ويلات الغزاة مما سمح لها بالازدهار .
فأكثر ما تمثله الجغرافيا من حقيقة محورية للتاريخ الاوروبي من كون ألمانيا قوة قارية وبريطانيا العظمي جزيرة .
ألمانيا تواجه كلا من الشرق والغرب في غياب سلاسل جبلية تحميها مما يصيبها بعديد من العلل من السياسة العسكرية إلى النزعة الناشئة إلى السلم من أجل أن تتكيف مع موقعها الخطير .
اما بريطانيا من الناحية الأخرى فلكونها مؤمنة ضمن حدودها فقد تمكنت من تطوير نظام ديمقراطي قبل جيرانها وإقامة علاقة خاصة عبر الأطلسي مع الولايات المتحدة .
ومن جهة أخرى عندما ننظر إلى سيناريوهات تقسيم البلدان في القرن العشرين مثل ألمانيا وفيتنام واليمن وكوريا يتضح أنه مهما طال التقسيم فإن قوى الوحدة الوطنية ستنتصر في نهاية المطاف بطريقة غير مخطط لها وأحيانا عميقة ومتسارعة الخطى .
لتسود قوى الثقافة والجغرافيا فالحدود التي يصنعها البشر والتي لا توافق مع منطقة من الحدود الطبيعية تكون غير حصينة .
-خطاب القوة
في عام 1942م وخلال الحرب العالمية الثانية كتب الاستاذ بجامعة ييل نيكولاس سبيكمان وهو منظر استراتيجي أمريكي - هولندي بارز من حقبة أوائل الحرب العالمية الثانية أن ( الجغرافيا لا تجادل .... و هي العامل الأكثر أهمية في السياسة الخارجية للدول , لأنها أكثر ديمومة , يأتي الوزراء ويذهبون , وحتى الطغاة يموتون , لكن السلاسل الجبلية تظل راسخة في مكانها .
إن جورج واشنطن الذي دافع عن ثلاثة عشرة ولاية بجيش غير نظامي , قد خلفة فرانكلين روزفلت الذي كانت تحت تصرفه موارد قارة بأسرها , لكن المحيط الأطلسي استمر في فصل أوروبا عن الولايات المتحدة , كما أن موانئ نهر سانت لورنس مازالت تغلق بسبب الجليد في فصل الشتاء) .
وعلى الرغم من احداث الحادي عشر من سبتمبر فلا يزال المحيط الأطلسي مهما وفي الواقع ان المحيط الأطلسي هو ما يعلن سياسة خارجية وعسكرية مختلفة للولايات المتحدة الامريكية .
ولماذا اكتسبت الصين أهمية أكبر من البرازيل ؟ بسبب الموقع الجغرافي فحتى لو افترضنا أنها تحظى بالمستوى نفسة من النمو الاقتصادي مثل الصين وأن سكانها متساوون في العدد , فإن البرازيل لا تمتلك خطوط الاتصال البحرية الرئيسية التي تربط القارات والمحيطات مثلما تفعل الصين التي تطل على غرب المحيط الهادي وتمتلك عمقا بريا يصل إلى آسيا الوسطى الغنية بالنفط والغاز الطبيعي انا البرازيل فتمتلك افضلية نسبية أقل فهي نقع معزولة في امريكا الجنوبية منبوذة جغرافيا غن مساحات اليابسة الأخرى .
ولماذا ظلت افريقيا بمثل هذا الفقر على الرغم من ان افريقيا هي ثاني اكبر قارة من حيث الحجم حيث تبلغ مساحتها خمسة اضعاف مساحة اوروبا , فإن طول سواحلها الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى يزيد قليلا على ربع طول السواحل الاوروبية إلى ذلك يفتقر هذا الساحل إلى وجود عديد من الموانئ الطبيعية الجيدة باستثناء موانئ شرق أفريقيا التي تشهد حركة تجارية قوية مع بلدان الجزيرة العربية والهند .
-هيمنة امريكا
فيما وضح المؤرخ جون كيغان ( إن أمريكا وبريطانيا لا يمكنهما امتلاك زمام الريادة في مجال الحريات سوى لأن البحر حماهما ) , إن النزعة العسكرية والبراغماتية لأوروبا القارية خلال منتصف القرن العشرين والتي طالما شعر الأمريكان بتفوقهم عليها كانت نتيجة للجغرافيا . فقد ظلت الدول والإمبراطوريات المتنافسة ملاصقة بعضها لبعض ضمن قارة مزدحمة .
ولم يكن في وسع الدول الأوروبية مطلقا أن تنسحب إلى ما وراء البحار في حالة وقوع خطأ في حساباتها العسكرية .
وبالتالي فلم يكن من الممكن أن ترتكز سياستها الخارجية على الأخلاقيات الأممية , كما أنها ظلت مسلحة بشكل جيد في مواجهة بعضها البعض حتى سقطت فريسة للهيمنة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية .
فالمحيطين منحا أمريكا وصولا مباشرا إلى اثنين من الشرايين الرئيسية للسياسة والتجارة في العالم : أوروبا عبر المحيط الأطلسي وشرق آسيا عبر المحيط الهادي .
ومع ذلك فالمحيطان نفسيهما عن طريق عزل امريكا عن القارات الأخرى بآلاف الأميال خاصة في الصراعات والحروب العالمية . وحينما بدأ غزو العراق يظهر باعتبار قضية في تسعينيات القرن العشرين عندما كان ينُظر إلى الجيش الأمريكي باعتباره لا يُقهر في مقابل قوى التاريخ والجغرافيا -ضحية للجغرافيا كتب عالم جامعة جونز هوبكنز (ياكوب غريجل ) أن الجغرافيا قد ( نُسيت لكنها لم تُهزم ).
اما كولن غراي الذي عمل لفترة طويلة كمستشار للحكومتين البريطانية والأمريكية عن الاستراتيجية العسكرية فكتب قائلا : ( إن إلغاء التكنولوجيا للجغرافيا يتضمن ما يكفي تماما لأن يُطلق عليه اسم مغالطة معقولة , ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب , فكما رأينا في العراق وأفغانستان يتطلب ممارسة النفوذ أو السيطرة المستمرة .... فالوجود المادي لأفراد مسلحين في المنطقة ) , بمعني أن أي شخص يعتقد حقا أن الجغرافيا قد تضاءلت أهميتها بصورة محورية هو شديد الجهل بالخدمات اللوجستية العسكرية .
وفي تحليل مستبصر على نحو لافت للنظر , والذي نشر في عام 1999م كتب المؤرخ العسكري الامريكي ( وليامسون موراي) إن القرن الجديد الذي يوشك على البدء من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة تواجه مرة أخرى ( الواقع الجغرافي القاسي) المفروض من قبل المحيطين , مما يقيد ويزيد على نحو مذهل من تكلفة نشر قواتنا البرية في أماكن بعيدة .
وفي حين يمكن إنهاء بعض الحروب ومهام الإنقاذ بسرعة عن طريق الإغارة المحمولة جوا , فحتى في تلك العمليات تتسم التضاريس بأهميتها . تُحدد التضاريس وتيرة وطريقة القتال .
ونشبت حرب الفوكلاند في العام 1982م ببطء بسبب البيئة البحرية , في حين عملت الصحارى المسطحة للكويت والعراق في حرب الخليج في العام 1991م على تضخم تأثير القوة الجوية , على الرغم من أن السيطرة على مساحة شاسعة وعالية الكثافة السكانية في العراق إبان حرب الخليج الثانية أظهرت حدود القوة الجوية , وبالتالي جعلت القوات الأمريكية ضحية للجغرافيا.
-حسم المعارك
يمكن للطائرات أن تقوم بالقصف , لكنها لا تستطيع نقل البضائع بكميات كبيرة ولا ممارسة السيطرة على الأرض) . وفي كثير من الحالات تتطلب الطائرات وجود قواعد قريبة بشكل معقول . وحتي في عصر الصواريخ البالستية العابرة للقارات والقنابل النووية , لا تزال الجغرافيا مهمة .
كما أشار لذلك (هانز مورغنثاو) مدرس في قسم العلوم السياسية بجامعة شيكاغو ليس في وسع الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم مثل إسرائيل وبريطانيا وفرنسا وإيران أن تتحمل نفس المستوى من العقاب الذي تتحمله الدول القارية الحجم مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين , وبالتالي فهي تفتقر إلى المصداقية المطلوبة في تهديداتها النووية .
وهذا يعني أنه يتعين على دول صغيرة تقع وسط خصوم لها , مثل إسرائيل أن تكون سلبية بصفة خاصة , أو عدوانية على وجه الخصوص , من أجل أن تظل على قيد الحياة . وذلك في المقام الأول هو مسألة تتعلق بالجغرافيا ) .
فيما اكد ( كارل هاوتز هوفر 1869- 1946م) على ضرورة أن تبدأ الدول الصغيرة المساحة بشن الحرب الهجومية لا الدفاعية , وحذرا من فتح جبهتي قتال والاكتفاء على جبهة واحدة وذلك لمنع تشتيت الجهد العسكري , ومحاصرة المدن عوضا عن الهجوم عليها .
ورغم أهمية التدريب الجيد والقيادة الناجحة وتفوق الأسلحة والمذهب العسكري في كسب المعارك , إلا أن الجغرافيا لها تأثير كبير على النتيجة الحاسمة للحرب .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة الولایات المتحدة المحیط الأطلسی القرن العشرین الرغم من
إقرأ أيضاً:
«الصحة العالمية»: الظروف في مستشفى كمال عدوان «مروعة»
جنيف (وكالات)
أخبار ذات صلة «الفارس الشهم 3» تقدم أغطية شتوية لمرضى «ناصر الطبي» مقتل 12 ألفاً و799 طالباً فلسطينياً منذ بدء الحربأعلنت منظمة الصحة العالمية أن فريقاً إنسانياً زار، خلال نهاية الأسبوع، مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة ووجد ظروفاً مروعة.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عبر منصة «إكس»، إنه بعد محاولات متعددة، تمكنت وكالة الصحة التابعة للأمم المتحدة وشركاؤها من الوصول إلى المنشأة قبل يومين، وسط أعمال عدائية وانفجارات في محيط المستشفى أثناء المهمة.
وأضاف أن الفريق سلم خمسة آلاف لتر من الوقود والأغذية والأدوية، ونقل ثلاثة مرضى وستة مرافقين إلى مستشفى الشفاء الرئيسي في القطاع الفلسطيني.
يعد مستشفى كمال عدوان أحد آخر المرافق الطبية العاملة في شمال القطاع الذي مزقته الحرب، وقد حذّرت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق من هذا الشهر من أنه يقدم الحد الأدنى من الخدمات.
وقالت الوكالة إن الجهود المبذولة لتسليم الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها تعرقلت مراراً.
وحذّر تيدروس من أن الأعمال العدائية تركت المستشفى من دون موظفين متخصصين في الرعاية الجراحية ورعاية الأمومة، مضيفاً أن الهجمات أسفرت عن مزيد من الأضرار في المنشأة وإمداداتها من الأكسجين والكهرباء. وقال إن الظروف في المستشفى مروعة بكل بساطة، مضيفاً نطالب «بحماية الرعاية الصحية، ووقف هذه الجحيم! أوقفوا إطلاق النار!».