يوميّات: عيش العدوان على غزة «ج 6»
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
كان لقراءة كتاب «صخرة سيزيف» بالغ الأثر في حياتي. أتذكر أنني وقبل نحو عشر سنوات كنتُ ببراءة لا نظير لها، أفكرُ في الاختلافات بين فلسفة كامو وجان بول سارتر، أعقد المقارنات اللانهائية بينهما، وأحاول أن أعرف الفرق بين العبث وبين نظيره غير المسمى في رؤى كامو. قرأتُ الغثيان والغريب كعملين يواجهان بعضهما رغم أنهما ينطلقان من فداحة العيش، وكنتُ أتحسسُ مسدسي كلما ذكر أحدهم تفضيله لطرف دون الآخر.
أخذت وقتًا طويلًا حتى أتغير، لم تعد هذه أسئلتي، فكرتُ بالتزامات كامو السياسية، في موقفه من استعمار فرنسا للجزائر وسرقتها لثرواتها، فكرتُ في سارتر الذي حاول تطويع فلسفته كي لا تصبح فرديةً بالمطلق، بعد أن هاجمه الاشتراكيون حول عدمية أطروحاته وشراسة فردانيتها أمام «النحن» التي كانوا يحاولون تأليفها في الستينيات، آخر معاقل مواجهة رعونة هذا العالم.
لكنني اليوم لا أتذكر -ومع كل ما يحدث- إلا فكرة تلمعُ في رأسي كل الأوقات. حديث كامو عن سبب العصابة التي توضع على العين عند تنفيذ الإعدام على المحكومين به في كتابه «صخرة سيزيف». إن من أشكال الرحمة قبل آخرةِ المعدمين الوشيكة، أن يُحجب العالم عنهم، أن تتم تعميتهم، إذ إن ما يواجهونه هو الأبدية. وكم هو قاس أن تكون في مواجهة ضارية معها، أن تراها رابضة هناك أمامك بانتظار تلقفك لتصبح نغمة فيها، نغمة في جوقة لانهائية. أفكرُ الآن وبعد كل هذه السنين أن العالم الذي أعيش فيه، وضعني على كرسي إعدامه دون حتى رحمة تلك العصابة، ليس هذا فحسب، بل قال لي ولغيري انظروا لأبديتكم، متماسكة، ولا شك حولها، لا تسيل، ولا توقف العالم للحظة حتى يحدق فيها.
إن ما يحدث في غزة الآن في هذه اللحظات، أبديةُ هذا العالم، نهاية تاريخه، إنها الحقيقة الكبرى في زمن ما بعد الحداثة الذي وخلال عقود قال لنا إنه ما من حقائق! وإن العالم تم تذريره (من ذرة) أو هو ذريٌ في الأصل، إذن لماذا يبدو أننا أمام نتيجة تبدو كما لو أن كل الطرق كانت تأخذنا إليها؟
لا أستطيع حتى التفكير بما سيعنيه هذا الصمت عن الإبادة التي يتعرض لها الغزّي اليوم في المستقبل القريب، إذ لا مستقبل قريب ولا بعيد، يبدو أن التاريخ قد توقف حقا، وأن الزمن لا يتقدم ولا يعود، بل انحبس في هذه اللحظة.
لا أستطيع التواصل مع أصدقائي في غزة، لم أعد أتحدث إليهم، توقفتُ عن متابعة الأخبار، تركتُ هاتفي الذي يشعرني أن معدل استهلاكي له وصل للحد الأدنى منذ بداية استخدامي للهاتف الذكي قبل نحو ١٢ عاما، تركتُ علاجي الدوائي إذ لا عافية أبدًا، وبتُ أكره وأحقد على الكتاب الذين يقولون إن ثمة سلوى في أي شيء حتى وإن كان ذلك في القراءة. قصصتُ شعري قصيرًا للغاية، قصصته مثلما تفعل النساء المنكوبات -(راجعوا فصل جز الشعر من كتاب في أثر عنايات الزيات لإيمان مرسال)- وبعد هذا كله، قلتُ لأقرب صديقاتي، أنا مختلفة الآن، لكنني أثق بأنك ستفهمين هذا جيدا، وستغفرين، فأي شيء أصعب من هذا الذي نشاهده، أو لم نعد نشاهده لكن ما زال هناك، حيث الدماء تسيل والناس يموتون من الجوع والأوبئة.
وأنا أتمشى في معرض مسقط الدولي للكتاب هذه الأيام وأضعُ قناعي الذي يسقط أحيانا على الرغم مني، نتوقفُ أنا ومن أقابلهم عن الكلام عندما نبدأ بالحديث عن مشاريع مؤجلة، حلقة بودكاست كان من المفترض أن يتم نشرها مثلا، ونقول: «لكن ما يحدث في غزة.....الخ» جميعنا إذن نضع أقنعتنا، التي لا أعرف متى سنقرر أننا من سينزعها نهائيا وسينهار من أجل العدالة وإيقاف هذه الكارثة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وزير الأوقاف يطالب قادة الأديان بالعمل الضاغط والمكثف لوقف العدوان على فلسطين ولبنان
ألقى الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف كلمة في الجلسة الافتتاحية للقمة العالمية لقادة ورموز الأديان من أجل المناخ، والتي تنعقد في باكو عاصمة أذربيجان برعاية فخامة الرئيس إلهام علييف تحت شعار: "الأديان العالمية من أجل كوكب أخضر".
وفي بداية كلمته توجه الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف لجميع الحضور بالتحية والإجلال، مؤكدًا على الأهمية الكبيرة للمؤتمر، وأن جمهورية أذربيجان قد وفقت في اختيار عنوانه " الأديان العالمية من أجل كوكب أخضر"، ضمن القمة العالمية لقادة الأديان، والتي تنعقد على هامش مؤتمر 29 COP والذي يأتي على إثر نسختين سابقتين، الأولى كانت cop27 في مصر، و الثانية كانت cop28 في الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
وأضاف وزير الأوقاف أنه تتوالى هذه القمم والفعاليات التي تحتشد فيها حكومات ومؤسسات العالم من أجل التأكيد على قضية بالغة الأهمية والخطورة، تتناول مصير كل إنسان على وجه الأرض، ألا وهي قضية التغير المناخي، والإجراءات والتدابير التي ينبغي أن نحتشد من أجل القيام بها لضمان مستقبل آمنٍ للإنسان على ظهر هذا الكوكب.
وأضاف:" نظرنا كمسلمين لقضية البيئة ينطلق من أن الإضرار بها لا يهدد الإنسان حاليا فقط، بل يهدد الأجيال القادمة، وهنا ينبغي أن نواجه معا كل صور الإسراف والعدوان على موارد الكوكب، وأن نواجه معا أسباب تغير المناخ، وصور التلوث وأن نحمي الموارد الطبيعية.
وأشار إلى حديث القرآن الكريم المستفيض عن الحدائق ذات البهجة وعن الزرع والثمار والجبال وعن البحار والسحب والأمطار وعن الرياح، وإلى تأكيد الشرع الشريف على أن كل هذه المكونات أمانة في يد الإنسان، وذكر فضيلته حديثا نبويا شريفا للرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وهو يتحدث عن أحد الجبال في المدينة المنورة، فيقول: "إن هذا الجبل يحبنا، ونحبه" ليبين أن رؤية الإسلام لتعامل الإنسان مع البيئة يأتي من منطلق الحب، وليس من باب التعامل المعتاد.
وأضاف، أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث في عدد من الأحاديث عن أمور عجيبة يذكر فيها أن: " سبعة يجري للعبد أجرهن من بعد موته وهو في قبره : "من علم علما، أو كرى نهرا، أو حفر بئرا ، أو غرس نخلا ، أو بنى مسجدا ، أو ورث مصحفا ، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته "، وفي هذا الحديث يجعل النبي صلى الله عليه وسلم من يغرس شجرة واحدة، ينزل في نظر الإنسان المسلم من الإجلال والتقدير والاحترام المنزلة التي ينزلها بناء المسجد الذي هو بيت الله وموطن العبادة
ويحدثنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً"
ودعا كل قادة الأديان في العالم أن تتضافر جهودهم على حماية البيئة وعلى احترام الأكوان وعلى إكرام الإنسان وعلى إطفاء نيران الحروب، وإذا تواصينا معًا بهذه الوصايا وانطلقنا إلى تفعيل برامج العمل التي تحتشد عليها كل مؤسساتنا على اختلاف أدياننا ومعتقداتنا وعلى اختلاف دولنا وبهذا الكم التي تشهده القاعة اليوم، إذا انطلقنا إلى تفعيل مؤسساتنا جميعًا من أجل إطلاق برامج عمل طويلة الأمد تنمّي وعي الإنسان وتنيره وتثقفه بمثل هذه المعطيات فإن هذا يبشر بخير كبير فيما يتعلق بقضية المناخ، مؤكدًا أن إطفاء نيران الحروب واجب شديد الأهمية والتزام ينبغي أن نسعى جميعًا لتحقيقه وهو إطفاء نيران الحروب في العالم أجمع ويأتي في القلب من ذلك مطالبة القمة الموقرة.
وطالب الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري قادة الأديان في العالم جميعًا للعمل الضاغط والمكثف من أجل وقف العدوان على أشقائنا في فلسطين ولبنان، وأن أرض الكنانة مصر بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ترى أنه لا حل لقضية أشقائنا في فلسطين ولمواجهة كل صور القهر الذي يعانونه إلا بإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1976م وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي ختام كلمته توجه وزير الأوقاف للقمة الموقرة ولكافة الجهود المبذولة في العالم من أج لحماية موارد الكوكب والتنمية المستدامة ومن أجل حفظ الأجيال القادمة في أن ينشأوا في كوكب آمن، متمنيًا لجميع الحاضرين كل السداد