لجريدة عمان:
2025-04-14@19:41:21 GMT

يوميّات: عيش العدوان على غزة «ج 6»

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

كان لقراءة كتاب «صخرة سيزيف» بالغ الأثر في حياتي. أتذكر أنني وقبل نحو عشر سنوات كنتُ ببراءة لا نظير لها، أفكرُ في الاختلافات بين فلسفة كامو وجان بول سارتر، أعقد المقارنات اللانهائية بينهما، وأحاول أن أعرف الفرق بين العبث وبين نظيره غير المسمى في رؤى كامو. قرأتُ الغثيان والغريب كعملين يواجهان بعضهما رغم أنهما ينطلقان من فداحة العيش، وكنتُ أتحسسُ مسدسي كلما ذكر أحدهم تفضيله لطرف دون الآخر.

يُستحضر الاثنان في الوقت نفسه، مثل فريقي «ديربي» جماهيري.

أخذت وقتًا طويلًا حتى أتغير، لم تعد هذه أسئلتي، فكرتُ بالتزامات كامو السياسية، في موقفه من استعمار فرنسا للجزائر وسرقتها لثرواتها، فكرتُ في سارتر الذي حاول تطويع فلسفته كي لا تصبح فرديةً بالمطلق، بعد أن هاجمه الاشتراكيون حول عدمية أطروحاته وشراسة فردانيتها أمام «النحن» التي كانوا يحاولون تأليفها في الستينيات، آخر معاقل مواجهة رعونة هذا العالم.

لكنني اليوم لا أتذكر -ومع كل ما يحدث- إلا فكرة تلمعُ في رأسي كل الأوقات. حديث كامو عن سبب العصابة التي توضع على العين عند تنفيذ الإعدام على المحكومين به في كتابه «صخرة سيزيف». إن من أشكال الرحمة قبل آخرةِ المعدمين الوشيكة، أن يُحجب العالم عنهم، أن تتم تعميتهم، إذ إن ما يواجهونه هو الأبدية. وكم هو قاس أن تكون في مواجهة ضارية معها، أن تراها رابضة هناك أمامك بانتظار تلقفك لتصبح نغمة فيها، نغمة في جوقة لانهائية. أفكرُ الآن وبعد كل هذه السنين أن العالم الذي أعيش فيه، وضعني على كرسي إعدامه دون حتى رحمة تلك العصابة، ليس هذا فحسب، بل قال لي ولغيري انظروا لأبديتكم، متماسكة، ولا شك حولها، لا تسيل، ولا توقف العالم للحظة حتى يحدق فيها.

إن ما يحدث في غزة الآن في هذه اللحظات، أبديةُ هذا العالم، نهاية تاريخه، إنها الحقيقة الكبرى في زمن ما بعد الحداثة الذي وخلال عقود قال لنا إنه ما من حقائق! وإن العالم تم تذريره (من ذرة) أو هو ذريٌ في الأصل، إذن لماذا يبدو أننا أمام نتيجة تبدو كما لو أن كل الطرق كانت تأخذنا إليها؟

لا أستطيع حتى التفكير بما سيعنيه هذا الصمت عن الإبادة التي يتعرض لها الغزّي اليوم في المستقبل القريب، إذ لا مستقبل قريب ولا بعيد، يبدو أن التاريخ قد توقف حقا، وأن الزمن لا يتقدم ولا يعود، بل انحبس في هذه اللحظة.

لا أستطيع التواصل مع أصدقائي في غزة، لم أعد أتحدث إليهم، توقفتُ عن متابعة الأخبار، تركتُ هاتفي الذي يشعرني أن معدل استهلاكي له وصل للحد الأدنى منذ بداية استخدامي للهاتف الذكي قبل نحو ١٢ عاما، تركتُ علاجي الدوائي إذ لا عافية أبدًا، وبتُ أكره وأحقد على الكتاب الذين يقولون إن ثمة سلوى في أي شيء حتى وإن كان ذلك في القراءة. قصصتُ شعري قصيرًا للغاية، قصصته مثلما تفعل النساء المنكوبات -(راجعوا فصل جز الشعر من كتاب في أثر عنايات الزيات لإيمان مرسال)- وبعد هذا كله، قلتُ لأقرب صديقاتي، أنا مختلفة الآن، لكنني أثق بأنك ستفهمين هذا جيدا، وستغفرين، فأي شيء أصعب من هذا الذي نشاهده، أو لم نعد نشاهده لكن ما زال هناك، حيث الدماء تسيل والناس يموتون من الجوع والأوبئة.

وأنا أتمشى في معرض مسقط الدولي للكتاب هذه الأيام وأضعُ قناعي الذي يسقط أحيانا على الرغم مني، نتوقفُ أنا ومن أقابلهم عن الكلام عندما نبدأ بالحديث عن مشاريع مؤجلة، حلقة بودكاست كان من المفترض أن يتم نشرها مثلا، ونقول: «لكن ما يحدث في غزة.....الخ» جميعنا إذن نضع أقنعتنا، التي لا أعرف متى سنقرر أننا من سينزعها نهائيا وسينهار من أجل العدالة وإيقاف هذه الكارثة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الأبيض تحت القصف المستمر: رعب يومي وموت يلاحق السكان رغم “فك الحصار”

حالة محزنة من فقدان الامان والخوف الدائم تحت وطأة دوي الانفجارات، وسقوط القذائف على منازل المواطنين الابرياء وأماكن تجمعاتهم من أسواق ومدارس ظلت تعيشها مدينة الأبيض ذات الموقع الاستراتيجي عسكريا واقتصاديا (588 كلم جنوب غرب العاصمة السودانية الخرطوم)، وذات المكانة المرموقة في الحياة الثقافية السودانية اذ تمثل المدينة احد رموز

منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
المصدر : صحيفة التغيير الإلكترونية
حالة محزنة من فقدان الامان والخوف الدائم تحت وطأة دوي الانفجارات، وسقوط القذائف على منازل المواطنين الابرياء وأماكن تجمعاتهم من أسواق ومدارس ظلت تعيشها مدينة الأبيض ذات الموقع الاستراتيجي عسكريا واقتصاديا (588 كلم جنوب غرب العاصمة السودانية الخرطوم)، وذات المكانة المرموقة في الحياة الثقافية السودانية اذ تمثل المدينة احد رموز التمدن والحيوية في مجالات السياسة والأدب والفن.


لم يكن موت خمسة افراد من اسرة واحدة نتيجة قصف مدفعي اول مآسي المدينة او آخرها! بل كان احد يوميات الحرب هناك!
فقد أفاد شهود عيان «التغيير» أن قوات الدعم السريع أعادت القصف العشوائي يوم الثلاثاء 9 أبريل 2024 على مدينة الأبيض. ووفقا لمصدر تحدث لـ«التغيير» سقطت قذيفة مدفعية على منزل في أحد أحياء المدينة مما أدى إلى مقتل خمسة مدنيين من أسرة واحدة.
اصوات الانفجارات بديلا للآذان في رمضان
مع اقتراب موعد الإفطار في احد ايام شهر رمضان تقول أم الهادي لـ " التغيير" إنها جلست داخل مطبخها تراقب صينية الطعام الفارغة أمامها و لم تكن تفكر في الجوع بل في ذلك الصوت الذي باتت تعرفه جيدا " التدوين " الذي كان انفجاره الأول يعني أن القصف بدأ حيث يهتز المكان، وفي تلك اللحظة تحبس المرأة أنفاسها و تضغط على أيادي أطفالها المرتجفين بجانبها و تنتظر حتى يهدر الانفجار و تلتصق بالجدار، لم تصلها القذيفة هذه المرة لكنها تعلم أن شخصا آخر ربما لم يكن محظوظا مثلها!
ما تمر به أم الهادي هو حال جميع سكان مدينة الأبيض التي لم يعد الخوف والفزع فيها امرا طارئا، بل جزء من الحياة اليومية حتى في شهر رمضان إذ أصبح القصف العشوائي جزءا من طقوس الإفطار! حيث تحولت الموائد إلى ملاجئ! و أدعية الإفطار هي النجاة من سقوط قذيفة مجهولة!.
تعيش الأبيض حالة من الخوف و الهلع تحت وابل القصف المستمر كما تصف المواطنة " ت. ف" المشهد، وتضيف في حديثها لـ " التغيير " شهد شهر رمضان الماضي (الذي وافق مارس 2024) تسعة أيام متتالية من التدمير المباشر للأحياء السكنية بأسلحة فتاكة حصدت أرواح الكثيرين وألقت بالبقية بين جريح يعاني إصابات مروعة وفاقدٍ لأحد أطرافه.
و تمضى في الحديث أنه في الأيام الأربعة الأولى من رمضان تزامن القصف مع أذان المغرب و كأنه يترصد لحظة الإفطار ليحرم الناس من لحظات السكينة ، ثم امتد ليشمل أوقات متفرقة يضرب هنا تارة وهناك تارة أخرى وكأن منفذيه ينتظرون تأكيد إصابة الهدف قبل أن يغيروا اتجاههم على حد تعبيرها .
و يؤكد الشاب " م. ن" أن الأيام الأخيرة كانت الأكثر رعبا منذ اندلاع الحرب ويقول لـ " التغيير " أن قوات الدعم السريع لم تتوقف عن قصف المدينة ليلا و نهارا و كأنها تسعى لانتزاع فرحتهم حتى بعد أن تمكن الجيش من فك الحصار المفروض على المدينة منذ مايو 2023.
النزوح وبيع العقارات فرارا من مدينة الموت!
و كانت قوات الدعم السريع قد فرضت حصارين على المدينة، كان الأول قصير الأمد بينما استمر الثاني نحو ستة أشهر و خلال تلك الفترة بسطت سيطرتها على مدينتي الرهد وأم روابة الواقعتين على الطريق الرابط بين الأبيض وكوستي بولاية النيل الأبيض غير أن الجيش السوداني تمكن في نهاية ديسمبر 2023 من فك الحصار عن هذا الطريق مما أعاد شريان الحياة إلى المدينة لكنه لم يوقف معاناة سكانها مع القصف المستمر.
ويشير المواطن " ع.س " أنه على الرغم من فداحة القصف لم تشهد المدينة موجات نزوح واسعة فالضربات تأتي من كل الاتجاهات دون نمط واضح تارة من الجنوب وأخرى من الغرب وبشكل متقطع يجعل من المستحيل التنبؤ بالمكان التالي.
ويضيف في حديثه لـ " التغيير " أنه مع أن قوة "الصياد" العسكرية متمركزة داخل الأبيض إلا أنها لم تتحرك ولم يسمع سوى رد محدود من الجيش مرتين لا ثالث لهما وسط تعتيم على تفاصيل الاستهداف وكأن السكان وحدهم من عليهم تحمل العواقب حتى محاولة تحديد أماكن القصف أصبحت تعرض صاحبها لخطر الاستجواب بتهمة التعاون.
و على الرغم من هذا الوضع المأساوي تسير الحياة في المدينة بنمطها المعتاد في مشهد يثير الدهشة فالمدارس تواصل دوامها و الأسواق تعج بالناس و التجمعات الرمضانية للإفطار كما لو أن الموت لا يحيط بهم من كل جانب و لكن مع بداية القصف يتحول الجميع إلى حالة ترقب ينتظرون على من يكون الدور في الموت او الاصابة هذه المرة ثم يهرعون لإنقاذ الجرحى و دفن الموتى و كأنهم اعتادوا هذا الواقع المرير .
أما عن المناطق المستهدفة تشير " ت. ف " إلى أن معظمها مناطق بها وجود عسكري داخل الأحياء سواء في مدارس أو مراكز صحية أو حتى عمارات سكنية مثل " عمارة عبد الظاهر " حيث يبيت العسكريون ليلا . و تضيف بأن هذا لا يبرر سقوط هذا الكم من المدنيين الأبرياء فدخول متحرك “الصياد” إلى الأبيض لم يكن سوى امتداد للحرب في كردفان التي لم تكتف بخنق المدينة اقتصاديا بل أصبحت اليوم تزهق أرواح أهلها بلا سبب.
و من جانبه يصف " ن. ع" كيف تحولت حياة سكان الأبيض إلى توتر دائم “الناس بقت متنشنة” يقولها وهو يروي ل " التغيير " كيف بات الجميع يدرك أن القصف قادم لكنه لا يعرف متى وأين حتى الإفطار الرمضاني لم يعد لحظة طمأنينة، بل سباقا مع الزمن “سريع سريع، الضرب ممكن يبدأ في أي لحظة.
حالة من النزوح الداخلي بدأت تتشكل حيث يفر السكان من الأحياء الأكثر استهدافا إلى أماكن أخرى أقل تعرضا للقصف بينما لجأ البعض إلى مغادرة المدينة بالكامل بحثا عن الأمان. ووسط هذا الخراب تنشط حركة بيع العقارات كما بدأت الأسواق تستعيد حركتها بسبب توفر البضائع لكن هذا التحسن الاقتصادي لم يخفف من وقع الصدمة التي يعيشها الناس.
و يروي " ن.ع" لحظة عالقة في ذهنه حينما سمع صوت قذيفة تقترب دون أن يعرف وجهتها الجميع يصمت يترقب ثم يأتي الانفجار ليكسر هذا الهدوء القاتل. “تشوف مرة كبيرة وقعت في الأرض وراجل مسن قعد من الصدمة وصراخ الأطفال يملأ المكان في تلك اللحظات لا يملك أحد سوى أن يتمتم: “الحمد لله، أنا بخير”، قبل أن يأتي الخبر التالي: “سقطت في المكان الفلاني، وأصابت كذا شخص”.
هكذا تسير الحياة في الأبيض هذه الايام بين انتظار القذيفة التالية ومحاولة البقاء على قيد الحياة، في مشهد لم تعرفه المدينة منذ اندلاع الحرب.
وتعيش مدينة الأبيض ظروفا صعبة في ظل تطور العمليات العسكرية وتدهور الأوضاع المعيشية في وقت يطالب فيه المواطنون بتدخل عاجل لرفع المعاناة وتوفير الاحتياجات الأساسية.
ومع اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى في 15 أبريل 2023، شهدت المدينة مواجهات عسكرية دامية بين طرفي القتال ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وسط المدنيين جراء القصف العشوائي المتبادل.
ومنذ ذلك التاريخ تحاول قوات الدعم السريع فرض سيطرتها الكاملة على الأبيض فيما يواصل الجيش حماية قيادة الفرقة الخامسة مشاة والمواقع الاستراتيجية الواقعة بالمنطقة .
وتتمتع المدينة بموقع استراتيجي في غرب البلاد حيث تضم أكبر سوق لمحصول الصمغ العربي على مستوى العالم وأسواقا أخرى للمحاصيل والماشية إلى جانب ارتباطها بطريق الصادرات الرابط بين ولايات غرب السودان المختلفة.


SilenceKills #الصمت يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع في السودان لايحتمل التأجيل #StandWithSudan #ساندواالسودان #SudanMediaForum

   

مقالات مشابهة

  • تيلستار.. القمر الصناعي الذي غيّر شكل كرة القدم
  • بيان يومي حول الأوضاع في الأصابعة.. آخر حصيلة للأضرار
  • منظمة “إنسان”: استهداف المصانع يعكس مستوى الانحطاط الذي وصل إليه العدوان الأمريكي
  • فوائد مذهلة لتناول الخضروات يوميًا
  • وزارة الخارجية: المملكة تدين بأشد العبارات الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصفها المستشفى المعمداني في قطاع غزة
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين الهجمات التي تعرّضت لها مخيمات النازحين حول مدينة الفاشر بالسودان
  • لن تصدق .. تناول هذه الخضراوات يوميًا يحميك من مرض خطير
  • الأبيض تحت القصف المستمر: رعب يومي وموت يلاحق السكان رغم “فك الحصار”
  • رابطةُ العالم الإسلامي تُدين أوامر الإغلاق التي أصدرتها إسرائيل بحق ستّ مدارس لوكالة “الأونروا” في القدس المحتلة
  • رابطةُ العالم الإسلامي تُدين أوامر الإغلاق التي أصدرتها إسرائيل بحق 6 مدارس لـ “الأونروا” في القدس المحتلة