موتى على قيد الحياة!
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
مدرين المكتومية
أكاد أجزم بأنَّ الوتيرة المتسارعة التي تتطوَّر بها التقنيات من حولنا، تضع إنسانيتنا على المحك؛ فما بين ذكاء اصطناعي، وروبوتات، وتكنولوجيا حيوية، وأتمتة، وحوسبة كمية، ومواد متقدمة، تعاجلنا الحياة بجُملة فرص نعم، ولكن تباغتنا بمجموعة واسعة من التحديات من شأنها إحداث تحولات جذرية في الطريقة التي نعيش بها.
إنه عصر "الإغراق المعلوماتي".. عصرٌ تُخيِّم تبعاته على عالم نحياه، فتؤرِّق مزاجاتنا وتسلب هدوء أرواحنا؛ فلا تكاد تفتح هاتفك إلا وترى كمًّا هائلاً من الأخبار التي تصيبك بالانزعاج والتوتر؛ ولا أعني هنا تلك التي تمس مبادئنا وعروبتنا وقوميتنا وإنسانيتنا التي نتشاركها مع العالم من حولنا، ولكن ما أعنيه توافه الأمور التي لا تمت لنا بصلة ولا تضيف لنا جديدًا يُذكر، لكننا بسبب التقنيات المتسارعة أصبحنا نعيش بين أحداثها بسطحية تامة دون عُمق في التحليل، واقتناء المفيد والتخلي عن غيره، أصحبنا مُتلقين لكل شيء بغثه وسمينه، شراهة استهلاك المعلومات لدينا رفعت أدرينالين الشَّرَه بالحصول على كل شيء وتداول كل شيء، دون وعي حقيقي بماهية الأشياء وأهميتها، أو حتى الإضافة التي ستقدمها لنا.. نتعامل في اليوم مع مئات المواضيع المطروحة في الداخل والخارج، دون أن نضع لأنفسنا حدودًا نبني معها قدرتنا بالتركيز على ما يهمنا ويعنينا فقط.
وبين هذه وتلك، نصل طريقًا مسدودًا، مطالبين فيه بإعادة النظر، ومساءلة أنفسنا بل وإلزامها أنْ نكون أكثر صِدقًا في تقصِّي المعلومة، واستهلاك التقنية، ومعرفة وتحليل ما وراء كل ما نسمع ونرى، دون الوقوف فقط عند مرحلة التلقي والتداول؛ علينا أن نُراجع أنفسنا لنستعيد قدرتنا على التحكم في التعاطي مع ما يدور حولنا؛ فهناك الكثير مما نعيشه ليس حقيقيًّا، نحن أنفسنا في كثير من الأحيان نُغرِق في الأوهام، نعتقد أنَّ ما نفكر فيه صحيح، وما يدور في خيالاتنا واقع، لكننا في الحقيقة لا نقرأ إلا عقول الآخرين، عقول أناس يُمرِّرون من خلالنا مشاعرهم وأفكارهم ونظرتهم للأشياء، وتحليلاتهم الشخصية التي قد تكون مبنية على العاطفة.
... إنَّ الأشخاص بطبيعتهم ما هم إلا حصاد عوالمهم، وبيئاتهم المختلفة، وما نحن جميعًا سوى رسائل؛ كل واحدة منها تأتي إلينا بما خلفته السنون والأعوام، فنؤثِّر ونتأثَّر، ونتماهى مع حيواتنا فلا ننسى أن لدينا الوقت الكافي لنُعطي فرصة لنكون على الأقل أمام اكتشاف الآخر، واكتشاف كل ما يمرِّرونه لنا. علينا في هذه الحياة أن نَحْيَا على النحو الذي يضمن لنا الحفاظ على إنسانيتنا، لكن في الوقت نفسه نصون أنفسنا ونبتعد عن كل ما يُعيق تقدمنا؛ فالحياة قصيرة ولا تستحق أن نرتكب أفعالا تهدِّدها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
معرض الكتاب يناقش دور الأطباء في الحياة السياسية والاجتماعية
شهدت إحدى قاعات معرض الكتاب، مناقشة كتاب «دور الأطباء في الحياة السياسية والاجتماعية في النصف الأول من القرن العشرين»، تأليف الدكتورة خلود حسني، وفي حضور الدكتور نبيل الطوخي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة المنيا، وأدار المناقشة العميد الدكتور أحمد المتولي، مدرس التاريخ العسكري بالأكاديمية العسكرية.
دور الأطباء في الحياة السياسية والاجتماعيةبدأ أحمد المتولي، حديثه في الندوة، بإشادة عن الموضوع الذي يتناوله الكتاب، وبالجهد البحثي المبذول فيه، ورأى أنه أحد أوائل الدراسات التي ألقت الضوء على دور الأطباء سياسيا واجتماعيا في هذه الفترة المهمة من تاريخ مصر.
تحدثت خلود حسني، عن فكرة الكتاب، موضحة أن معظم الدراسات السابقة كانت تلقي الضوء على تطور الطب نفسه، أو على المؤسسات الطبية بعينها، ولم تتناول دور الأطباء في المشهد السياسي والاجتماعي المصري.
وأشارت إلى أن الاحتلال البريطاني كان له دور مؤثر على مدرسة الطب المصرية، في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث سيطر الأطباء الإنجليز على عملية التعليم الطبي، وفرضوا أساليبهم الخاصة في التدريس والممارسة، وفي فترة ثورة 1919، كان للأطباء دورًا مهمًا في الحراك الوطني، إذ شاركوا في المظاهرات والاحتجاجات، وساهموا في تقديم الدعم الطبي للمصابين خلال الثورة، انضموا للأحزاب السياسية، مثل الحزب الوطني وحزب الوفد.
بعض النماذج البارزة من الأطباءاستعرضت الباحثة بعض النماذج البارزة من الأطباء الذين كان لهم دور في الحياة المصرية، خلال النصف الأول من القرن العشرين، مثل الدكتور علي باشا إبراهيم، الذي كان أول عميد مصري لـ كلية الطب، وساهم في تطوير التخصصات الجراحية المختلفة، والدكتور محجوب ثابت، الذي كان يُعرف بـ«خطيب ثورة 1919»، نظرًا لدوره البارز في دعم الحركة الوطنية، إضافة إلى الدكتور حامد الوالي، الذي استكمل دراسته في ألمانيا، وأسهم في إدخال العديد من التقنيات الحديثة إلى المجال الطبي المصري.
قالت حسني الأطباء شاركوا أيضا في انطلاق العديد من المشاريع الوطنية، مثل مشروع القرش، الذي كان يهدف إلى جمع تبرعات لإنشاء مصانع وطنية مصرية، وإبرام المعاهدات الصحية الدولية، كان الأطباء دور كبير في توعية المواطنين بأهميتها، بالإضافة إلى موقف الأطباء الواضح والداعم تجاه القضية الفلسطينية، وإرسالهم لفرق طبيبة إلى قطاع غزة، وتبرعهم لتوفير سيارات الإسعاف ومعدات طبيبة من أموالهم الخاصة.
دور المرأة في مجال الطبوأشارت الكاتبة خلود حسني إلى دور المرأة في مجال الطب، مستكملة أن أحمد لطفي السيد، كان أول من سمح بدخول الفتيات إلى كلية الطب، مما فتح المجال أمام الطبيبات للمشاركة في تطوير المجال الطبي، مؤكدة أن بعض الطبيبات كن ناشطات سياسيًا، مثل زوجة علي باشا إبراهيم، التي شاركت في المظاهرات للمطالبة بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه.