بيروت– تتنامى "الحرب المصغرة" بين إسرائيل وحزب الله على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وامتدت مساحة النار نحو العمق اللبناني، كاسرة الكثير من قواعد الاشتباك، وسجل آخر ذلك الاثنين، حيث أغارت إسرائيل ولأول مرة منذ بداية الحرب وحتى منذ حرب يوليو/تموز 2006 على مدينة بعلبك شرق لبنان.

وبعدما بات القصف الإسرائيلي جنوب لبنان ومحيطه يطال أحيانا مدنيين وقرى مأهولة ومنشآت وبنى تحتية، جاء تصعيد الاثنين مشحونا بالدلالات حول قدرة الطرفين التدميرية والعسكرية.

وكانت البداية مع إسقاط حزب الله لمسيرة إسرائيلية من طراز متطور من نوع "هرمز 450" بصاروخ أرض-جو فوق منطقة إقليم التفاح، الواقعة على بعد نحو 20 كيلومترا من الحدود. وهو ما أشار، وفق مراقبين، إلى استعراض حزب الله لعينة من قدراته العسكرية وتحديدا الجوية.

وعلى الإثر، شن الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات في بعلبك شرق لبنان، وقال الجيش إن غاراته استهدفت منظومة دفاع جوية تابعة للحزب، ردا على إسقاط مسيرتها، وهو ما لم يؤكده الأخير، لكنه أعلن عن "استشهاد اثنين" من عناصره. ولم تمض ساعات، حتى أطلق حزب الله وابلا من نحو 60 صاروخا نحو مقر قيادة فرقة عسكرية إسرائيلية في الجولان، ردا على غارات بعلبك.

وتبدو إسرائيل، في الآونة الأخيرة، عازمة على ضرب أهداف لحزب الله ومنشآت وبنى تحتية، خارج الجنوب، تزامنا مع تصريحات إسرائيلية تصعيدية، جاء آخرها على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي قال "بحال التوصل إلى هدنة مؤقتة بين إسرائيل وحركة حماس، فلن تشمل المواجهات مع حزب الله في الجنوب اللبناني".

ويُذكّر ضرب بعلبك، باستهداف غارتين إسرائيليتين قبل نحو أسبوع، لمعملين في مدينة الغازية الملاصقة لصيدا على أوتوستراد الجنوب الرئيسي، وكذلك للمرة الأولى منذ بدء الحرب.

وقبل أيام، نشرت منصات إسرائيلية فيديو يدعي وجود مواقع صواريخ لحزب الله في جبيل كسروان بجبل لبنان، وهو ما نفته وزارة الطاقة اللبنانية سريعا. يأتي ذلك فيما تتعمد إسرائيل استهداف المدنيين في لبنان، آخرها ارتكاب مجزرة في مدينتي النبطية والصوانة، راح ضحيتها نحو 15 مدنيا، بينهم نساء وأطفال.

دخان يتصاعد من مواقع إسرائيلية في الجليل الأعلى بعد تعرضها لقصف صاروخي من جنوب لبنان (الجزيرة)  كسر قواعد الاشتباك

يعتبر كثيرون أن ما يسجله حزب الله من ضربات عسكرية نوعية، يشكل استفزازا كبيرا لإسرائيل التي وضعت هدف إبعاد حزب الله من جنوب الليطاني، شرطا لوقف ضرباتها على لبنان ولإعادة أكثر من 100 ألف مستوطن إلى الشمال. في حين يقول حزب الله، على لسان أمينه العام حسن نصر الله، إن الكلمة للميدان، وإن مصير الجنوب كجبهة إسناد لحركة حماس مرتبط بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان أن ضرب إسرائيل لبعلبك سبقه خروقات جغرافية كبيرة طالت ساحات عدة في الساحل اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت والغازية وإقليم التفاح والنبطية وجزين وغيرها.

ويرى في حديث للجزيرة نت أن كسر إسرائيل لقواعد الاشتباك مع حزب الله يصب في هدفين:

التفاوض بالنار تزامنا مع تكثيف عدوانه على غزة والاجتماع الرباعي في باريس بحثا عن اتفاق حول هدنة محتملة. محاولة الذهاب لنصف حرب مفتوحة جنوب لبنان، للضغط على حزب الله من جهة، وللإيحاء للمستوطنين في الشمال بأن للجيش الإسرائيلي اليد العليا في حمايتهم ومعاقبة من يهدد أمنهم.

ويعتقد شومان أن ما يشهده لبنان راهنا يضعه بمرحلة شديدة الخطورة، خصوصا أن إسرائيل برأيه، تمهد لضرب أهداف عديدة على كامل الجغرافيا اللبنانية، وهو ما تجلى في بعلبك، وقبلها في الغازية والنبطية، ونشر فيديو مزيف عن موقع عسكري للحزب في جبيل.

ويضيف "ضرب إسرائيل أيضا لأحياء سكنية بأكملها، كما يحصل في بلدة بليدا الحدودية مثلا، وضرب البنية الصناعية والزراعية والخدماتية جنوب لبنان ومحيطه، يعني أن لدى إسرائيل قائمة أهداف أخرى أكثر حساسية وخطورة بالمرحلة المقبلة".

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة للجزيرة نت إن استهداف إسرائيل لحزب الله في بعلبك، وعلى مسافة نحو 100 كيلومتر شمال الحدود، يتعدى إطار الرد على إسقاط المسيرة الإسرائيلية. ويجد معطيات التدرج بالتصعيد ترجمة للتهديدات الإسرائيلية، التي تعكس رغبة برفع مستوى العنف، لحل "معضلة" وضع إسرائيل عند الحدود الشمالية.

وللتذكير، كانت مخاوف إسرائيل قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تتمحور حول الخطر الآتي من الشمال وليس من الجنوب، وفق حمادة الذي لفت إلى أن سيناريو الاختراق البري كان محتملا في الجليل، إلى أن انفجرت مفاجأة "طوفان الأقصى" بغلاف غزة.

وبما أن الجبهة مفتوحة والحرب مستمرة بغزة، قد تجد إسرائيل، حسب المتحدث ذاته، "فرصة سانحة لمواجهة خطر حزب الله، لأن قدراته الهائلة عسكريا وبشريا، تشكل هاجسها الأكبر، وإلا لشنت حربا شاملة على لبنان من اليوم التالي لطوفان الأقصى".

بين الحرب والدبلوماسية

يجد توفيق شومان أن ثمة سباقا محموما بين الحرب والدبلوماسية، في غزة ولبنان أيضا، معتبرا أن الأيام القادمة ستكون فاصلة وحساسة، وقد تصعد إسرائيل هجماتها وترتكب المزيد من المجازر تزامنا مع تكثيف الضربات الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين باليمن.

ورغم مباحثات باريس، يعتبر شومان أن الهدنة لن تتحقق طالما تواصل واشنطن دعمها الكبير والفاعل لإسرائيل، دبلوماسيا وعسكريا.

في المقابل، يرى علي حمادة أن الحرب الشاملة في لبنان ما زالت مستبعدة، مرجحا احتمال توسيع إسرائيل لضرباتها وبنك أهدافها الذي قد يصل حتى شمال لبنان.

كما يعتبر المحلل نفسه أن على حزب الله ضغطا كبيرا، بعدما خسر أكثر من 220 عنصرا عسكريا، إضافة للأضرار الهائلة بالمناطق الحدودية التي أضحت ساحة حرب مفتوحة، وتسببت بتهجير عشرات الآلاف من سكانها.

لذا، يرجح حمادة أن تتحول الضربات شمالي الليطاني إلى روتين إسرائيلي يومي. ويقول "ضربة بعلبك تشير بكل بساطة إلى أن إسرائيل بدأت البحث عن أهداف لحزب الله خارج نطاق الجنوب".

ومع ذلك، يرى حمادة أن للدبلوماسية دائما مكانها، لكن اللافت بحسبه، عدم ربط اجتماعات باريس بين مصير الحرب في غزة والوضع عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية، مذكرا أن حركة الوفود الغربية أصبحت شبه معدومة في بيروت، بعدما رفض حزب الله مناقشة المقترح الفرنسي وآلية تطبيق القرار 1701 قبل وقف الحرب في غزة.

ويضيف "ثمة قناعة ربما لدى الفرنسيين والأميركيين باستحالة إقناع حزب الله بضبط التوتر ووقف ضرباته، مما يفاقم خطر الانزلاق التدريجي نحو الحرب، من حيث لا يدري الطرفان، طالما أن الكلمة للميدان، كما قال نصر الله".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حزب الله من جنوب لبنان لحزب الله وهو ما

إقرأ أيضاً:

القائمة السوداء تحاصر إسرائيل

تستدعي الوقائع الحادثة اليوم فى الأراضى الفلسطينية على ضوء جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، تستدعى لنا اليوم الذي بادرت فيه الأمم المتحدة وقررت إدراج الكيان الصهيونى فى القائمة السوداء بسبب جرائم الحرب التى ترتكبها فى الأراضي الفلسطينية. كما أدان الأمين العام للأمم المتحدة الهجوم الإسرائيلى على المدارس التابعة للأونروا، أما مسؤول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، فدعا إلى إجراء تحقيق حول هذه الوقائع. فى المقابل بادر مجلس الحرب فى إسرائيل كما اعتاد دوما وطلب ضمانات أمريكية تسمح للجيش الإسرائيلى بمواصلة القتال ضد حماس فى قطاع غزة.

يحمد لمصر الجهد الكبير الذي تضطلع به دعما للفلسطينيين، فلقد كثف الوفد الأمنى المصرى اتصالاته من أجل دفع المسار التفاوضى فى اتجاه وقف إطلاق النار. بيد أن إسرائيل ماضية فى غلوائها، وفى تكثيف عملياتها وفى حرب الإبادة التي تشنها على القطاع، وتستمر فى ارتكاب المجازر ضد العائلات الفلسطينية ليرتفع عدد ضحايا الحرب إلى ما يزيد على خمسين ألف شهيد، وآلاف المصابين. وكانت وزارة الصحة الفلسطينية فى غزة قد أطلقت تحذيرا ونداء استغاثة عاجلا للمجتمع الدولي لإنقاذ المنظومة الصحية ووقف حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل عمدا ومع سبق الإصرار حيث أبادت فى حربها البشر والحجر. وقالت "كارين هوستر" من منظمة أطباء بلا حدود في قطاع غزة: "رائحة الدم فى غزة لا تطاق. هناك أشخاص ممددون فى كل مكان على الأرض، وفى الخارج نقلت الجثامين فى أكياس بلاستيك. الوضع لا يُحتمل".

فى الوقت نفسه حولت شرطة الاحتلال القدس إلى ثكنة عسكرية، إذ تم نشر أكثر من ثلاثة آلاف عنصر أمني فى البلدة القديمة ومحيطها بذريعة تأمين مسيرة الأعلام الخاصة بالمستوطنين لا سيما عند بوابات الأقصى والبلدة القديمة فى القدس المحتلة. وقام مئات المستوطنين باقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك فى مدينة القدس المحتلة بحماية شرطة الاحتلال، وذلك بالتزامن مع توافد الآلاف منهم للمدينة مع مسيرة الأعلام الاستفزازية التي انطلقت من القدس الغربية مرورا بباب العامود حتى حائط " البراق" بمشاركة آلاف المستوطنين. وقالت مصادر محلية إن نحو 800 مستعمر دخلوا ضمن مجموعات من جهة باب المغاربة ونفذت جولات استفزازية، وأدت طقوسا تلمودية في باحاته. وقام أحد حاخامات المستعمرين باقتحام المسجد الأقصى. ولهذا بادر مسؤول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى ودعا إلى إجراء تحقيق مستقل فى عمليات قصف إسرائيل مدارس تابعة للمنظمة ( الأونروا) مجددا التأكيد على أن العنف والمعاناة لا يزال هو الواقع الوحيد لمئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء. كما ندد ( جوتيريش) أمين عام الأمم المتحدة بالقصف الإسرائيلي معتبرا أنه يعد مثالا مرعبا جديدا على الثمن الذي يدفعه المدنيون.

وفى واشنطن وقع الرئيس الأمريكي وقادة 16 دولة فى أوروبا وأمريكا اللاتينية على بيان يطالب حركة حماس بقبول اتفاق الهدنة مع إسرائيل. وقد دعت الولايات المتحدة قادة إسرائيل وحماس إلى تقديم أى تنازلات ضرورية من أجل إبرام هذا الاتفاق وتوفير الراحة بالنسبة لأسر الرهائن. وكان الرئيس الأمريكي قد اقترح اتفاقا لوقف إطلاق النار فى غزة، بيد أنه بدا وكأنه اقتراح صورى لا قبل له بالتنفيذ. إذ لا بد من الحصول على التزامات مكتوبة تتعلق بالهدنة. وقد بادر زعيم حماس فى غزة وأبلغ الوسطاء بأنه لن يقبل اتفاقا مع إسرائيل إلا بوقف دائم لإطلاق النار. كما شدد على أن الحركة لن تلقى السلاح ولن توقع على أى مقترح لا يتضمن ذلك.

مقالات مشابهة

  • الرئيس اللبناني يؤكد أن سحب سلاح حزب الله "حساس" ورهن توافر "الظروف"  
  • تصعيد في الجنوب.. هل هو ردّ إسرائيل على خطاب الشيخ قاسم؟!
  • القائمة السوداء تحاصر إسرائيل
  • جنوب لبنان.. إسرائيل تغتال القيادي بحزب الله حسين نصر وتكشف دوره
  • قتيلان بقصف إسرائيلي على لبنان وتصريحات لعون حول سلاح حزب الله
  • بضربة استخباراتية.. إسرائيل تعلن اغتيال قيادي في حزب الله
  • ‏الدفاع المدني اللبناني: 4 قتلى و4 جرحى إثر انفجار جسم من مخلفات الحرب داخل آلية للجيش جنوب البلاد
  • الزراعة تكشف.. هذا جديد ملف تلوث مياه الري في بعلبك
  • عون: الشعب اللبناني لا يريد الحرب.. ننتظر الظروف المناسبة لحصر السلاح
  • الحلبي يكشف دلالات التدريب الجوي العسكري المصري الصيني.. فيديو