مسقط- الرؤية

أعلنت وزارة التراث والسياحة مؤخرا عن أحدث إصداراتها البحثية العلمية بعنوان "قلهات.. ميناء عُماني في العصور الوسطى: من الأطلال إلى اليونسكو"، من تأليف البروفيسورة أكسيل روغيل مع مساهماتٍ متخصصة في الكتاب لعددٍ من علماء الآثار الدوليين.

ويعد كتاب قلهات المجلد رقم 11 ضمن سلسلة إصدارات التراث الأثري العُماني AHO وتمت طباعته بالتزامن في نسختين طبق الأصل الأولى منهما يتم تسويقها وتوزيعها دوليا بالتعاون مع دار آركيوبرس العالمية ومقرها أكسفورد بالمملكة المتحدة، والطبعة الثانية صدرت في سلطنة عُمان قبيل انطلاق الدورة الحالية لمعرض مسقط الدولي للكتاب 2024.

ويتناول هذا الإصدار العلمي الشامل، التاريخ العريق لمدينة قلهات الساحلية التي تعود نشأتها للقرون الوسطى، وتعتبر واحدةً من أهم المواقع الأثرية في سلطنة عُمان، وظل يكتنفها الغموض منذ فترة طويلة حتى أطلقت الوزارة مبادرةً بحثية كبرى في العام 2008.

ويتوزع المحتوى العلمي لهذا المجلد على 11 فصلا تم بحثها بدقة ومنهجية وتغطي جوانب مختلفة من تاريخ قلهات وتراثها الأثري، فبين صعود وسقوط المدينة الساحلية العُمانية مرورا بمبانيها شديدة التحصين والتخطيط الحضري المعقد في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، يتعمق البحث في ماضي المدينة ويقدم فهمًا شاملاً لتطورها.

كما يتضمن البحث مسوحاتٍ سطحية وحفرياتٍ تكشف عن التخطيط والتسلسل الزمني والأحياء المختلفة للمدينة. وتشمل المكتشفات وعمليات التنقيب على عدد من المعالم البارزة كالمساجد والتحصينات وأنظمة المياه والأنشطة الاقتصادية التي ترسم صورة حية لثروة المدينة وطابعها العالمي.

ومؤلفة الكتاب هي البروفيسورة أكسيل روغيل، عضوة المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) وقادت فريق عمل هذا المشروع الطموح بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة، حيث تم تسليط الضوء بصورة غير مسبوقة على تاريخ هذه المدينة الأثرية الساحلية.

وأسهمت خبرة البروفيسورة روغيل وأعمالها المتخصصة في تاريخ التجارة في منطقة شرق العالم الإسلامي والمحيط الهندي وتحديدا في مدن الموانئ خلال العصور الوسطى، في جلب منظورٍ فريدٍ لهذا البحث، كما أن هذا التعاون النوعي المشترك بين الوزارة والبروفيسورة روغيل لم يعزز الفهم لقلهات فحسب، بل أسهم أيضًا في إدراجها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" في العام 2018.

وكتاب "قلهات.. ميناء عُماني في العصور الوسطى: من الأطلال إلى اليونسكو" متوفر في جناح وزارة التراث والسياحة (رقم 3J 3K) بمعرض مسقط الدولي للكتاب 2024م.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: ع مانی

إقرأ أيضاً:

المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة

 

 

د. حامد بن عبدالله البلوشي

shinas2020@yahoo.com

 

منذ فجر التاريخ، كان المُعلِّم شُعلة مُتقدة تنير دروب الإنسانية، وحاملًا لمشاعل الحكمة والمعرفة في أروقة الحياة. لم يكن المُعلِّم مجرد ناقل للعلوم، أو شارحًا للدروس، بل كان بانيًا للعقول، وصانعًا للأجيال، ومرشدًا للإنسان في رحلة البحث عن الحقيقة.

وعلى مر العصور، تواترت الثقافات والحضارات على تعظيم شأن المُعلِّم؛ إذ أدركت الأمم المتعاقبة أن التقدُّم لا يبنى إلّا على أساس متين من العلم والمعرفة، وركائز راسخة من الثقافة والفكر، وأن المُعلِّم هو الأساس الذي تستند إليه دعائم التقدم والرقي.

في مختلف بقاع الأرض، وعلى مدار التاريخ، كان المُعلِّم موضع إجلال وتقدير، فاليونانيون القدماء رأوا فيه فيلسوفًا يُنير العقول، والصينيون وضعوه في مصاف الحكماء، أما العرب، فقد جعلوه حامل راية العلم، وسفير الفضيلة، ولا تزال الدول المُتقدِّمة تكرم المُعلِّم، وتقيم له أيامًا تُخلِّد فيها إنجازاته، وترفع مكانته بين أفراد المجتمع.

لقد أتى الإسلام مُعليًا شأن العلم، ومُجلًّا لمكانة المُعلِّم؛ إذ كان أول ما نزل من الوحي قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، إعلانًا صريحًا بأن المعرفة هي المدخل الأول لنور الهداية. وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11). وقد كان الرسول ﷺ نفسه مُعلِّما للبشرية، هاديا ودليلا، يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ حيث قال ﷺ: "إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا ولكن بعثني مُعلِّما وميسرًا". وهو القائل: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على مُعلِّم الناس الخير".

لقد حفلت صفحات التاريخ بأعلام كانوا منارات علم تهدي الحائرين، ومُعلِّمين صنعوا أجيالًا من العلماء، وأصحاب فكر بنوا عقولًا وشيدوا حضارات، ومن أمثال هؤلاء ابن سينا الذي مزج الطب بالحكمة، ولم يكتف بأن يكون طبيبًا حاذقًا، وعالمًا نابغًا، بل أضاف إلى ذلك كونه مُعلِّمًا رائدًا، ينقل علمه لطلابه ومريديه، ويترك بصمات خالدة ظلَّ أثرها على مدار التاريخ، والخليل بن أحمد الفراهيدي المولود في أرض عُمان المباركة، والذي وضع أُسس علم العَروض. كما وضع أسس التفكير المنهجي لطلابه الذين كان على رأسهم سِيبَوِيه إمام النحو، وباني أصوله، وأحد أعظم النُحاة المسلمين. كما لا ننسى العديد من الأئمة العُمانيين الذين حملوا لواء التعليم، وأثروا الحضارة الإسلامية بفكرهم النير، ونقلوا العلم إلى أجيال متتابعة، فكانوا مثالًا للمُعلِّم الذي يُسخِّر علمه لخدمة البشرية؛ كالإمام الفقيه جابر بن زيد، والإمام العلّامة والشاعر والمؤرخ الموسوعي نور الدين السالمي، والأصولي المحقق الإمام سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، وغيرهم الكثير.

ولقد أدركت سلطنة عُمان، منذ انطلاقة نهضتها الحديثة، أن بناء الإنسان هو اللبنة الأساسية في بناء الوطن، وكان التعليم هو المحور الأول لهذا البناء، والمُعلِّم هو حجر الأساس. ولذا، لم تبخل السلطنة في دعم المُعلِّم، تأهيلا، وتدريبا، وتمكينا، ليكون على قدر المسؤولية في صناعة الأجيال الواعدة.

وكان السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قائدًا مُستنيرًا، أدرك أن نهضة عُمان لن تتحقق إلا بالعِلم، فوجَّه جهوده لبناء منظومة تعليمية متكاملة، وأولى المُعلِّم اهتمامًا خاصًا. ومن أقواله التي خلدها التاريخ: "إننا نعيش عصر العلم ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينا بأنَّ العلم والعمل الجادَ هما معا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية"، وهذا تأكيد على أن العلم هو أساس النهضة، والمُعلِّم هو الركن المتين لها.

وعلى خطى السلطان قابوس -رحمه الله- جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ليؤكد أن التعليم سيظل الركيزة الأولى للنهوض بالوطن. وقد أولى جلالته -أبقاه الله- التعليم اهتمامًا كبيرًا، إيمانًا منه بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي. ومن أقواله: "وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة".

إنَّ المُعلِّم ليس مجرد ناقل للمعرفة؛ بل هو مهندس العقول، ومؤسس القيم، وصانع الحضارات. فبكلماته تتفتح الأذهان، وبحكمته تتغير المسارات، وبصبره يبني جيلا قادرا على النهوض بالمجتمع، وهو الذي يزرع بذور الطموح في نفوس طلابه، ويرويها بحب العلم، ويصقلها بالتجربة، حتى تثمر علماء ومفكرين يرفعون راية أوطانهم عاليا.

وأقل ما يمكن أن نقدمه للمُعلِّم هو الاحترام والتقدير، وأن نُوَفِّر له بيئة تمكنه من أداء رسالته السامية. ومن الواجب علينا أن نكرم المُعلِّم معنويا وماديّا، وأن نمنحه المكانة التي يستحقها في المجتمع، حتى يؤدي رسالته النبيلة بكل حب وإخلاص.

وعلى الرغم من مكانته الرفيعة، إلّا أن المُعلِّم يواجه العديد من التحديات، منها التطور السريع في أساليب التعليم، وضغوط العمل، ومتطلبات العصر الرقمي. والتي تحاول وزارة التربية والتعليم جاهدة وفق إمكانياتها المتاحة، وعبر مؤسساتها التعليمية، إلى دعمه بالتدريب والتطوير المستمر، واللحاق بركب التقدم، وتوفير بيئة تعليمية تحفّزه على الإبداع، وتضمن له حياة كريمة.

إنَّ المُعلِّم هو النبراس الذي يُضيء لنا دروب المعرفة، وهو الباني الذي يُشيّد صروح الأمل، وهو الجسر الذي نعبُر عليه إلى المستقبل.

وفي يوم المُعلِّم العُماني، نقف جميعًا إجلالًا وتقديرًا له، شاكرين جهوده، سائلين الله -عز وجل- له التوفيق والسداد ليواصل رسالته السامية في بناء الأجيال والمساهمة في بناء نهضة عُمان المتجددة نحو غدٍ أكثر إشراقًا.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية

مقالات مشابهة

  • يوم المعلم العُماني.. استثمار مُستدام
  • المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة
  • «النعماني» يفتتح المؤتمر العلمي السنوي الأول لطب الأطفال بجامعة سوهاج
  • العصيمي: تراجع قوة الموجة الباردة
  • ماكينة ماجيك كات أحدث إصدارات مجموعة شركات أيمن حامد سليمان
  • «ابن الكيزاني.. يا من يتيه على الزمان بحسنه».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • وزير الثقافة يبحث التعاون لإنتاج مستنسخات فنية للحفاظ على التراث
  • «ابن الكيزاني.. يا من يتيه على الزمان بحسنه».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • تعرف على أقوى إصدارات رولز رويس من السيارات الكهربائية
  • شاهد أحدث تصوير جوي لمشروع استكمال وتطوير ميناء السخنة