تختفي ملامح فوزية الدغاري أسفل طبقة من غبار الرخام تنبعث من تحت نار آلة قطع وصقل لهذه المادة الصلبة، في ورشتها بأحد أحياء مدينة مدنين، جنوب شرقي تونس.

ما إن تقترب منها حتى تتجلى ملامح امرأة جادة صارمة لأن لها الرخام، فقطعته أشكالا مختلفة لكساء مطابخ وسلالم وأرضيات المنازل والساحات.

فوزية خاضت قصة تحدٍ وشقت طريقها وسط الصعوبات لإثبات الذات (الأناضول)

وحول قصتها مع الرخام تقول فوزية (50 عاما) إن "الحكاية كلها غرام، فعندما نُغرم بشيء، ويُقال لك إنك امرأة لا تستطيعين القيام به، تبدأ قصة التحدي وشق طريق الصعوبات لإثبات الذات".

وتضيف فوزية "كنت أحفظ المهنة بالعين، والشيء الذي لم أكن أقوم به أصبحت أقوم به، في نوع من التحدي".

وعن سبب عملها في مهنة تبدو ذكورية، توضح "أتيحت لي الفرصة للاقتراب من صناعة الرخام بحكم أنه شغل (عمل) زوجي، فأحببت هذا المشروع".

ملامح فوزية الدغاري تختفي أسفل طبقة من غبار الرخام تنبعث من تحت نار آلة قطع وصقل الرخام (الأناضول) صعوبات وحوادث

ولا تخلو مهنة تطويع الرخام من صعوبات، إذ تقول فوزية "هو عمل صعب، وتعرضت لحادثين خلال عملي، ذات مرة انقلبت عليَّ شاحنة، وفي أخرى سقطت عليَّ لوحة رخامية، فهذا العمل في العادة حكر على الرجال، لأنه يتطلب بنية قوية وشخصية قوية".

وبنبرات صوت واثقة، تزيد "أفتخر بنفسي لأنني غيرت عقلية كانت سائدة عندما دخلت الميدان منذ عام 1998، وكنت في البداية عندما أدخل بناية أو منشأة، يُقال لمرافقي أتيت بامرأة لأخذ القياسات.. إنها لا تعرف ولا نقبلها!".

"ولكن باللمسة الفنية التي تعطيها المرأة للعمل من خلال الزينة وغيرها أصبحت مقبولة والناس تشترط فوزية للعمل.. وأنا الآن أصمم أي عمل بأبعاده الثلاثية"، تستدرك فوزية مفتخرة.

فوزية تواصل عملها في ورشتها بمدينة مدنين جنوب شرقي تونس (الأناضول) عمل مضاعف

وبحسب فوزية، التي تعيل أسرتها، "يعتقد البعض أن عمل المرأة بالبيت فقط، ولكنهم لا يعرفون أن العمل في المنزل شاق جدا.. فهناك ترتيب البيت، وتربية الأطفال، وفي نفس الوقت العمل في الورشة هو عمل صعب، ولكن أردت فرض نفسي".

وتضيف "أبي -رحمه الله- كان يقول لي يا ابنتي لا تدخلي عملا لا تتقنيه، فلا بد أن أكون ماهرة، وعندما آخذ لوحة رخام لا بد أن أضبط قياساتي، ولا تكون بقايا زائدة تلقى في ركام النفايات".

فوزية: اللمسات الفنية لأعمالي والاستماع لرغبات الزبائن يجعلهم دائما يعودون إليّ (الأناضول)

أمضت فوزية 25 عاما من العمل في تطويع الرخام، لم تكن كلها سنوات ربح وفير، فقد "تعرضتُ لعدة خيبات خلال فترة الثورة (بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2010) وبعت جزءا من أدوات عملي"، كما تقول.

وتضيف متحسرة "كانت ورشتي كبيرة، لكن نتيجة ضغط الظروف المالية دون دعم ومع كساد السوق، اضطررت أن أعمل بطاحونة رحى للحبوب والبهارات لأخرج من الأزمة الاقتصادية التي وقعت فيها".

أما عن سر تميزها في تطويع الرخام، فتوضح أن "اللمسات الفنية لأعمالي نتيجة ذوق نسائي رفيع يتمتع بسعة البال والاستماع لرغبات الزبائن المتنوعة، مما يجعلهم دائما يعودون إليّ".

فوزية: أفتخر بنفسي لأنني غيرت عقلية كانت سائدة عندما دخلت الميدان منذ عام 1998(الأناضول) مهارات متنوعة

ولا تجيد فوزية تطويع الرخام فحسب، فهي كما تقول دائمة التعلم "عندما أجد فراغا أقوم بتدريبات لأتعلم حرفا أخرى، فقمت بالتدرب على تقطير الزيوت وصنع الصابون والألياف البصرية والمطهرات والتعليب".

وتتابع "حصلت على شهادات تثبت كفاءتي، ودرست عن بعد عبر الإنترنت، وحصلت على شهادات في التعامل مع كبار السن والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة".

وتفسر تعلمها المستمر والمتنوع بــ"الطموح والتحسب للصعوبات التي يمكن أن تعترض حرفا معينة، فيعمل الإنسان في الحرف التي تلقى رواجا في السوق".

حظيت فوزية بتكريم وإشادة بمستوى عملها في فرنسا في مجال الرخام (الأناضول)

وحظيت فوزية بتكريم وإشادة بمستوى عملها، إذ تقول "تم تكريمي في فرنسا في مجال الرخام، وهم يعملون بالليزر وضغط الماء، ولكنهم ثمّنوا عملي الذي يتم بوسائل بسيطة".

ومع ربع قرن من العمل ومواجهة تقلبات السوق، توجه فوزية رسالة للشباب الذي يطمح للهجرة، بقولها "كافح مع تونس، هناك (خارج تونس) لن تجد أباك وأمك، فأنت ولدت في هذا البلد، فإذا هاجرت أنت وأنا من سيعمر البلد؟ (…) علينا بمزيد الكفاح والعمل"، كما تختم حديثها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العمل فی

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تقول إن قوات الدعم السريع سودانية ارتكبت إبادة جماعية وتفرض عقوبات على زعماء الجماعة

يناير 7, 2025آخر تحديث: يناير 7, 2025

المستقلة/- قالت إدارة بايدن يوم الثلاثاء إن قوات الدعم السريع الشبه عسكرية السودانية ووكلائها يرتكبون إبادة جماعية في حرب أهلية مع جيش البلاد أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وفرضت عقوبات على زعيم المجموعة والشركات التابعة لها.

وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن الصراع، الذي بدأ منذ ما يقرب من عامين ويعتبر أكبر كارثة إنسانية حالية في العالم، تصاعد إلى ما هو أبعد من جرائم الحرب والتطهير العرقي التي اتخذها في ديسمبر 2023.

وقال بلينكن إنه بناءً على تقارير أحدث، وجد أن مجموعة قوات الدعم السريع ترتكب إبادة جماعية.

وقال بلينكن: “استمرت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في توجيه الهجمات ضد المدنيين. قتلت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بشكل منهجي الرجال والفتيان – حتى الرضع – على أساس عرقي، واستهدفت عمدًا النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة للاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي الوحشي”.

وقال في بيان “إن نفس هذه الميليشيات استهدفت المدنيين الفارين وقتلت الأبرياء الهاربين من الصراع ومنعت المدنيين المتبقين من الوصول إلى الإمدادات المنقذة للحياة”.

تحديد الإبادة الجماعية ليس له أي تداعيات قانونية في حد ذاته، لكنه كان مصحوبًا بإعلان وزارة الخزانة أن زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو موسى، المعروف أيضًا باسم حميدتي، كان مستهدفًا للعقوبات بالإضافة إلى سبع شركات مملوكة لقوات الدعم السريع في الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك شركة تتعامل مع الذهب المهرب على الأرجح من السودان.

واتُهمت الإمارات العربية المتحدة، وهي حليف للولايات المتحدة، مرارًا وتكرارًا بتسليح قوات الدعم السريع، وهو الأمر الذي نفته بشدة على الرغم من الأدلة التي تشير الى العكس.

بدأت قوات الدعم السريع والجيش السوداني في قتال بعضهما البعض في أبريل 2023. وأسفر صراعهما عن مقتل أكثر من 28000 شخص، وأجبر الملايين على الفرار من منازلهم وترك بعض العائلات تأكل العشب في محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة مع انتشار المجاعة في أجزاء من البلاد.

وتشير تقديرات أخرى إلى ارتفاع كبير في عدد القتلى في الحرب الأهلية.

وقال بلينكين إن تصميمه لم يكن يهدف إلى دعم أي من الجانبين في الصراع بل إلى تعزيز المساءلة عن جرائم الحرب وغيرها من الفظائع.

ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء أن قوات الدعم السريع مسؤولة بشكل مباشر عن الموقف.

 

مقالات مشابهة

  • بعد زلزال اليوم في أرضروم.. خبراء أتراك يحذرون من زلزل مدمر
  • مازال لمعركة طوفان الأقصى ما تقول…
  • الولايات المتحدة تقول إن قوات الدعم السريع سودانية ارتكبت إبادة جماعية وتفرض عقوبات على زعماء الجماعة
  • الرجل النموذج وتعلّقه بالقرية . . !
  • رئيس جمعية الرخام: قرار تشكيل مجموعات استشارية من القطاع الخاص يعزز النهوض بالاقتصاد
  • الحكومة التي تسيِّر دولاب العمل الآن لا علاقة للكيزان بها، بل هي حكومة الآتي (..)
  • ماذا تقول الأبراج عن حظك اليوم الإثنين 6 يناير 2025؟
  • وزير الخارجية التركي: القضاء على وحدات الشعب الكردية بات مسألة وقت
  • نائب يطالب بضرورة وجود قاعدة بيانات حقيقية لجميع المنشآت الثقافية
  • نيويورك تايمز: السوريون في دمشق يستعيدون حريتهم ومدينتهم