رئيس جامعة الأزهر يدعو لتأسيس هيئة تتولى تسجيل وتخليد مآثر أعلام الأزهر
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن المؤتمر الثالث لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، بعنوان «نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن رؤية واقعية استشرافية»؛ يحمل عنوانًا مميزًا لأن الأزهر الشريف نسيج واحد، يسقى بماء واحد، وهيئاته ومؤسساته كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، قامت علومه ومناهجه في مجملها حول مائدة واحدة هي القرآن والسنة، ولغاية واحدة، هي القيام على شرف خدمة القرآن والسنة، بعلوم العقل والنقل؛ وإذا كانت المادة واحدة، والغاية واحدة؛ فإن الشراكة التي ينادي بها هذا المؤتمر شراكة محققة بلا ريب.
وأضاف خلال المؤتمر الذي يعقد اليوم بمركز الأزهر للمؤتمرات بالقاهرة، أن الجامع الأزهر الشريف هو المشكاة التي نبعت منها هذه المؤسسات والهيات، منه كان انطلاقها، وإليه تأرز كل المحاسن، وكم له من أيادٍ على مصر وعلى العالم كله، وإذا كان النيل هبة الله لمصر؛ فإن الأزهر الشريف هبة الله لمصر وللعالم كله، والحمد لله الذي جعل الأزهر الشريف كبعة للعلماء ومهوى لأفئدة الدارسين والعلماء، يفدون إليه زرافات ووحدانا، يقودهم الحرص على تحصيل علومه والأخذ عن شيوخه وأعلامه الذين ملأوا طباق الأرض علما وطبقت شهرتهم الخافقين.
واستعرض داود رؤية جامعة الأزهر ودورها في هذه الشراكة الأزهرية وفي صناعة الوعي الفكري الذي يشكل وجدان الأمة، ولا أقول إنه يشكل وجدان الأزهريين فحسب؛ وإذا كان قطاع المعاهد الأزهرية هو كما أسميه دائما "بيت الأزهر الكبير" لأنه ما من أزهري إلا وفيه درج، ومن عشه خرج، وعلى يد شيوخه شب، ومن فيض علمهم نهل وعب؛ فإن جامعة الأزهر هي للأزهر ومؤسساته درة التاج وقلادة الجيد وآية التجويد، هي ولادة العلماء التي لا ينقطع نسلها، ولا يجف على مدى الزمان مدادها، ولا تزال صفحات العلم تحدثنا عن أعلام جامعة الأزهر في كل مجال.
وتابع رئيس جامعة الأزهر الحديث عن أعلام الجامعة وقال: إذا رُمتَ إحصاءهم فكأنما رمت إحصاء نجوم السماء، ولا يزال هذا التاريخ لعلماء الأزهر جامعا وجامعة ينادي أن تنهض له هيئة أزهرية لتسجيله وتخليد مآثره ومفاخره، وكتابة الموسوعة الذهبية في تراجم أعلام الأزهر، التي ترجم المرحوم الدكتور محمد رجب البيومي سير بعض أعلام نهضتها المعاصرة، ولا يزال المجهول في هذا التاريخ أكثر من المعلوم، وما أحرى بأقسام التاريخ في جامعتنا الغراء جامعة الأزهر أن تنهض لهذا العمل الجليل الذي هو دين في رقابنا؛ وقد علمونا أن الكريم لا يموت وعليه دين من ديون المروءة، وما صنعه المرحوم الدكتور محمد رجب البيومي يمكن أن يكون لهذه الهيئة رائدا وإمامًا؛ فقد قدم الشيخ الجليل نمطا عذبا رائقا في الترجمة منحه من نفحة نفسه ما أضاف إليه حياة إلى الحياة.
وأوضح أن الجامعة حرصت في رؤيتها على المحافظة على ربط الأجيال بتراثها للقضاء على القطيعة المعرفية، لأن تغييب الأجيال عن علوم أمتها وثقافتها أضر بها من كل جانب، ويقيني أن مفردات تراثنا صالحة لأن تكتب آلاف المرات، ويجد كل كاتب فيها شيئا جديدا، بل أشياء جديدة، يضيفها إليها؛ فيُتريها ويُخْصِبها برحيق عقله، ويجعل لها سَمْتًا خاصًا يُسَوغ نسبتها إليه؛ لأنها بصمته وجهده وجهاده وكفاحه على مر الأيام والليالي في قراءة هذه المقررات والأصول التي هي متون العلوم.
وأشار د/ سلامة داود إلى أن هذه المقررات التي هي متون العُلوم يَنْبَغِيذ المحافظة عليها، وحُسْنُ النَّظَرِ فيها، وعَرْضُها لكل جيل بما يُناسب لغتَهُ وفكره وثقافته وطريقة تفكيره؛ حتى لا يَجِدَ الجِيْلُ قَطِيعَةً بَيْنَ هذه الأصول العلمية والواقع الذي يعيشه، فَيَحْدُثَ الفِصَامُ والقَطِيعَةُ بَيْنَ علومنا التي نُدَرِّسُها لأبنائنا في معاهد العلم والواقع الذي يَعِيشُونَهُ ويُكَابِدُونَهُ؛ ومِنْ ثُمَّ كان عَرْضُ العلوم بلغة جديدة وفكر جديدٍ يُناسب العصر فريضة على أهل كُلِّ عِلْمٍ في كُلِّ عَصْرٍ ومِصْرٍ، تَسْقِيهَا عُقُولُهُمْ فَتُنْبِتُ منها أشجارًا جديدة، وتخرج منها ثمارًا جديدة، والفِكْر الحَي كلما مَخَضَتْهُ العُقُولُ أَخْرَجَتْ زبدته، وبهذا تحيا عُلُومُنا ولا تكون جامدة هامدة في زمن تحرك فيه كُل شيء.
وأكد أن الاجتهاد في استنبات المعرفة الجديدة من متون العلوم هو سبيل تطويرها وتجديدها؛ وأن تبني الأمة حاضرها بعقولها وأفكارها وسواعدها، لا أن تعيش على استيراد المعرفة من غيرها؛ فتعيش في ذل العجز الفكري والثقافي، وتَرْضَى وتَقْنَع به، كما رَضِيت وقنعت باستيراد ما به قوام معيشتها حتى استوردت طعامها وشرابها؛ ولذا كان الحرص على أُصُول كُل عِلْمٍ مَعَ الجِد والاجتهاد في تجديده هو السبيل إلى أن تحيا هذه الأمة كريمة عزيزة؛ لا أن تعيش ذليلة عاجزة في كل شيء، حتى في فكرها وثقافتها، تجتاحها رياح التغريب الهوج التي غَزَتْ كثيرًا من دور العلم والثقافة في بلادنا، فصارت علومنا في كثير من معاهدنا غَرِيبةً أَعْجَمِيةً، إِنَّ المحافظين على أُصولِ عُلومنا وثوابتها مع التجديد والاجتهاد وعَرْضِها بِمَا يُنَاسِبُ كُلَّ زمانٍ كالمرابطين على الثغور لحماية أرضنا وعرضنا.
وقال إن السلوك السوي والمَسْلَكَ المَرْضِي هو أن نربي أجيالنا على عُلُومِنا؛ ولا نغيبهم عنها؛ ثم نجتهد في تجديدها بما يناسب لغة كُل زمان وفكره وثقافته ووعيه، ولا نَرفض أَن تَنْظُرَ فيما انتهى إليه غيرنا، ولكن بَعْدَ أن نبني الجيل على ثقافته وأصوله وعلومه ومعارفه، فتنبت أجيالنا في منابتها وتستقي من معارفها، وقديما قال زُهَيْرُ بنُ أَبِي سُلْمَى: وهل يُنْبِتُ الخَطِيَّ إِلَّا وَشِيْجَهُ، وَتُعْرَسُ إِلَّا في منابتها النخل؟
وبيَّن أن الجامعة رأت -لذلك- في عهدها الجديد إحياء كتب التراث في سنوات التعليم وقراءتها ومدارستها في المجالس العلمية بأقسامها المختلفة؛ لأن حياة العلم في مدارسته، فسمع لهذه المدارسات -بحمد الله- دوي كدوي النحل. ولم تكتف جامعة الأزهر بالعلوم العربية والشرعية التي لها فيها الريادة وإليها تثنى الركب وتنحط عندها الرتب، والتي منحت علماء الدنيا في هذه العلوم ألقابهم ورتبهم، على حد قول الشاعر: مَنَحْتُكَ أَلْقَابَ الْعُلا فَادْعُنِي بِاسْمِي · فَمَا تَخْفِضُ الأَلْقَابُ حُرًّا وَلا تُسْمِي.
واستطرد داود بالقول إن الجامعة لم تكتف في ماضيها المجيد وحاضرها السعيد بهذه العلوم بل ضمت جناحيها على العلوم العملية من الطب والصيدلة والهندسة والعلوم والزراعة والتجارة.. إلى آخر هذه العلوم، وأسست في هذه العلوم وبنت فأعلت البناء حتى صارت التصنيفات العالمية للجامعات قائمة على هذه العلوم وحدها، وضرب علماء الجامعة فيها أروع الأمثلة وصاروا في كل تخصص يشار إليهم بالبنان، وجامعة الأزهر بحمد الله تعالى بدأت عامها هذا مع إشراقته الجديدة وهي الأولى على جميع الجامعات المصرية الحكومية حسب تصنيف التايمز الدولي.
واختتم رئيس جامعة الأزهر كلمته بأن شراكة جامعة الأزهر لقطاعات الأزهر وهيئاته ومؤسساته شراكة قوية؛ لأن هذه الهيئات والمؤسسات في قطاع المعاهد ومجمع البحوث الإسلامية ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية على أكتاف خريجي جامعة الأزهر تقوم وبعلمائه وأعلامه تنهض، وهي تفتح ذراعيها دائما لتدريب الأئمة والوعاظ والدعاة والمعلمين.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: رئيس جامعة الازهر إعلام الأزهر الدكتور سلامة داود كلية الدعوة الإسلامية نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن رئیس جامعة الأزهر الأزهر الشریف هذه العلوم الذی ی
إقرأ أيضاً:
رئيس حكومة بنجلاديش: الدراسة بالأزهر تمنح الطلاب نظرة ثاقبة على العالم
ألقى محمد يونس، رئيس الحكومة المؤقتة لبنجلاديش، والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006، اليوم الخميس، محاضرة عامة، من رحاب الأزهر الشريف، بمركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر، بحضور الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر، ولفيف من قيادات الجامعة والقيادات السياسية والدبلوماسية، وجموع من طلاب بنجلاديش الدارسين في الأزهر.
وأعرب رئيس حكومة بنجلاديش، عن شعوره بسعادة بالغة لتواجده في رحاب الأزهر الشريف ووسط طلابه وأساتذته، قائلا: «شرف عظيم أن أحضر إلى مؤسسة الأزهر العريقة، فكلما زرت مصر كنت أنظر إلى الأزهر من بعيد، إنها خبرة لا تضاهيها خبرة حصلت عليها من قبل»، مشيدًا بتمكن الأزهر ونجاحه في رعاية تلك الأعداد الهائلة من الأكاديميين والطلاب المصريين والوافدين، موجهًا تحية خاصة لطلاب بلاده الدارسين بالأزهر، قائلا لهم: «دراستكم بالأزهر تتيح لكم نظرة ثاقبة على العالم والإنسانية جمعاء».
كلمة رئيس الحكومة المؤقتة لبنجلاديشوقال رئيس حكومة بنجلاديش: «في طفولتي، كان والدي يحكي لي ولإخوتي عن جامعة الأزهر كمرتكز علمي جوهري في الشرق، وليس كمجرد مؤسسة للتعليم العالي؛ وارتحل المئات من منطقتنا إلى هذه المؤسسة العظيمة طلبا للعلم. وبالنسبة لي، تمثل جامعة الأزهر تجسيداً للاستنارة، والتعاطف، والوئام، والتسامح، والشمول، وهي المفاهيم الجوهرية لدينا نحن المسلمين، وكذلك لدى الإنسانية جمعاء، وفي ذلك يتجاوز الأزهر الحدود التقليدية للدراسات الإسلامية».
وأضاف: «نحن ننظر إلى الأزهر كبوتقة لمذاهب عدة؛ تشمل الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي. ولطالما تمسك الأزهر بقيم العدالة والمساواة والبحث الفكري، والتي جذبت الناس إلى الإسلام في سنواته الأولى، كما سعى إلى إلهام روح البحث خارج نطاق الدين، وتعزيز تلك الروح»، مؤكدًا أن تأثير الأزهر في بنجلاديش قد امتد على نطاق واسع منذ زمن بعيد، حين جلب العلماء الذين تخرجوا من الأزهر التصوف إلى بنغلاديش، والذي هو جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والروحي، قائلا: «حتى يومنا هذا، تحظى آراء علماء الأزهر بتقدير كبير في بنغلاديش، وما تزال تسهم في تشكيل الخطاب الديني والاجتماعي المعاصر».
تجربة في مساعدة الفقراءوتحدث رئيس حكومة بنجلاديش عن تجربته في مساعدة فقراء في بلاده وتوفير المساعدات الإنسانية لهم بشكل مستدام، ومحاولاته لإقناع البنوك والمصارف لإعطاء قروض ميسرة للفقراء وعدم اقتصارها على المستثمرين فقط، داعيا الشباب للتفكير الجاد والبحث عن الحلول والطرق الأقرب لمساعدة الناس والفقراء، مؤكدا أنها مسألة مهمة ينبغي مراعاتها والحرص على تطبيقها، ومسؤولية جسيمة تقع على عاتق الشباب لإحداث التغيير الإيجابي والتقدم المنشود.
وتابع رئيس حكومة بنجلاديش، أنه حان الوقت لاتخاذ موقع جديد لنا في هذا العالم، في ضوء قيم الإسلام ومبادئه، والتفاعل ثانية مع العالم ونحن متحدون، قائلا: «أتطلع إلى الأزهر لقيادة التحول الضروري في مجتمعاتنا، حيث أن رسالته الجامعة فكريا وأخلاقيا وروحيا يمكن أن تلهم المسلمين في جميع أنحاء العالم وكذلك الإنسانية جمعاء لتبني حضارة متوازنة ومتجانسة»، مؤكدًا: «نعيش في وقت يجب أن تتوجه فيها المساعي البشرية نحو البحث عن العدل والتصالح وعن نظام عالمي مُنصِف تمثل روح التعاطف الإنساني فيه أولوية تتغلب على روح الانتقام والظلم والمنظورات الضيقة للنظام العالمي».
وأكد رئيس حكومة بنجلاديش، أن قتل حوالي 45,000 فلسطيني في المجزرة المستمرة في غزة على مدار 14 شهراً يُعد تذكيراً مخيفا بمحدودية المعايير والمؤسسات الدولية، قائلًا: «لابد أن نوقف آلام الفلسطينيين ونتكاتف من أجلهم»، موضحا أن المفاهيم المغلوطة تنتشر في كثير من أنحاء العالم، وتتكاثر المعلومات المضللة، وتتفوق الأساطير تتفوق على الحقائق، وأنه غالباً ما يقع الإسلام والمسلمين ضحايا للتشويه والصور السلبية، وأن كل هذه الأزمات تشير في النهاية إلى أزمة أعمق فيما يتعلق بفهمنا للتعاطف أو للافتقار إليه.
ودعا رئيس حكومة بنجلاديش، إلى التفكير في كيفية تجديد نظام التعليم في العالم الإسلامي، ووضع الأكاديميين والباحثين والمفكرين المسلمين في طليعة الثورة العلمية والتقنية، قائلًا: «نحن بحاجة إلى تعزيز التعاون بين دول العالم الإسلامي، وكذلك إلى التفاعل النشط مع الدائرة الأوسع للمعارف العالمية».