مشروع تعاون بين المكتبة الوطنية ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة لصون المخطوطات الإسلامية حول العالم
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
وقعت مكتبة قطر الوطنية ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، اتفاقا لمشروع بحثي مشترك يهدف إلى إنشاء منهجية مبتكرة تمكن أخصائيي الترميم في جميع أنحاء العالم من صون كنوز التراث الإسلامي من الوثائق والمخطوطات من خطر التدهور.
وأوضحت مكتبة قطر الوطنية في بيان لها اليوم، أن هذا الاتفاق يرسخ دور دولة قطر الريادي في صون المخطوطات الإسلامية والمحافظة عليها، ويتسق مع نهج التخصصات المتعددة الذي تطبقه مؤسسة قطر، حيث سيساهم المشروع في تعزيز فهم طبيعة الحبر القديم المستخدم في المخطوطات وعملية إنتاج الأصباغ ومسارات تجارة الأصباغ النادرة التي كانت مستخدمة في القرن العاشر الميلادي والعصور اللاحقة.
وسوف يمتد تأثير هذا التعاون أيضا إلى المؤرخين العاملين في هذا المجال وعلماء المخطوطات، حيث سيسفر عن إبرام شراكات وتكوين شبكات تعاون بحثية جديدة، لا سيما في الدول الآسيوية مثل إيران وماليزيا وإندونيسيا.
وفي إطار هذا الاتفاق، سيتعاون مختبر الحفظ والصيانة في المكتبة ومركز التآكل في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة لإجراء التجارب وابتكار منهجيات وطرق جديدة لتثبيت الأحبار والأصباغ المصنوعة من المعادن والمستخدمة في زخارف المخطوطات الإسلامية القديمة.
ويقود هذا التعاون المشترك إلى فهم أفضل لعملية التدهور، بما يمكن معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة ومكتبة قطر الوطنية، بصفتها مركز /الإفلا/ الإقليمي لصون المواد التراثية والحفاظ عليها في الشرق الأوسط، من ابتكار المنهجيات والطرق التي توقف عملية التدهور وتساعد في حفظ الوثائق التاريخية المهمة.
وتعليقا على هذه المبادرة، أكدت السيدة هوسم تان، المدير التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية، أن المشروع يجسد القيم التي تتبناها المكتبة منذ تأسيسها، وقالت:" تعزز الاتفاقية دور المكتبة في صون تراث المنطقة ومكانتها بصفتها مؤسسة ملتزمة بتعزيز الابتكار والتعلم المستمر، وهي القيم التي تشكل جوهر رسالتنا".
ومن جهته أوضح مكسيم نصرة، رئيس قسم صيانة مقتنيات المكتبة والمحافظة عليها، أن المشروع يتعامل مع تحديات فريدة من نوعها، لكنه سيجلب في الوقت نفسه فوائد كبيرة للمشاركين والمعنيين بهذا المجال.. مشيرا إلى أن انتشار استخدام الأحبار المعدنية وغيرها من المكونات الأخرى الخاصة، والاستخدام المكثف لصبغ الزنجار في الرسم والزخرفة في المخطوطات الإسلامية أدى إلى ظهور تحديات فريدة في المخطوطات الإسلامية تختلف عن تلك التي تواجهها المخطوطات الغربية.
وقال إن هذا المشروع التعاوني يهدف إلى إيجاد منهجية وقائية للمخطوطات الإسلامية التاريخية، لا تعود بالنفع على مكتبة قطر الوطنية فقط، بل أيضا على المؤسسات العالمية التي تمتلك وثائق التراث الإسلامي القيمة".
وحول هذا التعاون، علق الدكتور طارق الأنصاري، المدير التنفيذي بالإنابة لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، قائلا:" يفخر معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة بالمساهمة في ابتكار منهجية تؤدي إلى حماية هذه المخطوطات التي لا تقدر بثمن.. مشيرا إلى أن هذا التعاون سيمكننا من قيادة الجهود الرامية إلى فهم عملية التدهور، والتخفيف من آثارها، وضمان الحفاظ على تراثنا العريق والفريد وصونه للأجيال القادمة".
ومن جانبها قالت الدكتورة حنان فرحات، مدير أبحاث أول بمركز التآكل بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة:" يؤثر التآكل على كل شيء في حياتنا، ومن ذلك الوثائق التراثية. سيتمكن علماؤنا عبر التعاون مع مكتبة قطر الوطنية من فهم آليات تحلل الحبر الحديدي، وابتكار المنهجيات والوسائل لإبطاء هذا التحلل، والحفاظ على هذه المخطوطات القيمة. وتكمن أهمية هذا التعاون في أنه يجمع بين العلم والفن والتراث".
جدير بالذكر أن المشروع بدأ بالفعل وأقيمت في إطاره ورشة عمل في مكتبة قطر الوطنية لمدة 5 أيام بمشاركة خبراء من المكتبة ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة.
يشار إلى أن الحبر الحديدي غير المستقر يمثل أحد العوامل الأساسية وراء العملية الكيميائية المسؤولة عن تدهور الوثائق التراثية، الأمر الذي يؤثر على ربع المخطوطات الإسلامية حول العالم. وبالرغم من هذا التأثير الفادح لم تكن هذه العملية موضع تركيز الكثير من البحوث العلمية، إذ نشرت فقط أقل من 20 ورقة علمية حول استخدام الحبر الحديدي في المخطوطات العربية.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: مكتبة قطر الوطنية
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.