عربي21:
2024-07-03@17:12:40 GMT

زمن المراجعات الشجاعة

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

لا نتكلم بلغة الوجوب على أحد فلم نؤت الحكمة، ولكننا نرى الفكر العربي محتاجا إلى صعود ربوة النهضة الفكرية من جديد، وعسى أن لا يكون صعودا مثل صعود سيزيف. لقد أشرنا في ورقة سابقة إلى أهمية الخروج من تحت رؤية الغرب للعالم، والقائمة بالأساس على عدم الاعتراف بالمختلف والعمل على تذويبه في الذات الغربية المتسامية، وذلك خاصة في مستوى المقررات التعليمية والعالية منها بالتحديد.

فإعادة صناعة النخبة الحرة والمستقلة عن المناهج الغربية والمقررات التعليمية خطة أساسية فرضت نفسها بعد فضيحة الغرب في غزة، وهي آخر الفضائح الأخلاقية وليست الأولى.. من هنا يبدأ صعود الربوة من جديد وعسى.

تحالف المال والأكاديميا

حتى الذين لم يتخصصوا في الدراسات الخلدونية يحفظون لابن خلدون حكمته البالغة في علم النفس الاجتماعي: "المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب"، وقد يقن كثيرون من مثقفي العرب أنهم في وضع المغلوب المقتدي بمن غلبه. ولسنا أول من تفطّن أو نبّه، ولكن الخروج من وضع الهزيمة تأخر كثيرا والسبب البيّن أن وضع الهيمنة قد خلق طبقة مستفيدة من الهزيمة، وهي طبقة المناولين الاقتصاديين مع الشركات الغربية. فثروات هؤلاء التي بنوها بالمناولة مهددة بأية مراجعة للسياسات الاقتصادية، وخاصة ما يتعلق منها باتخاذ خطوات استقلالية كتغيير التحالفات الاقتصادية والأسواق سواء تصديرا أو استيرادا.

الخروج من وضع الهزيمة تأخر كثيرا والسبب البيّن أن وضع الهيمنة قد خلق طبقة مستفيدة من الهزيمة، وهي طبقة المناولين الاقتصاديين مع الشركات الغربية. فثروات هؤلاء التي بنوها بالمناولة مهددة بأية مراجعة للسياسات الاقتصادية، وخاصة ما يتعلق منها باتخاذ خطوات استقلالية كتغيير التحالفات الاقتصادية والأسواق سواء تصديرا أو استيرادا
هذا الطبقة تحكم الأقطار العربية مرة بواسطة ديمقراطية هشة وبالأحرى مزيفة، وأخرى بقوة البوط العسكري. وهي ترفض كل تغيير في الوضع، ولذلك وجدناها تحارب احتمالات الحرية والاستقلال التي جاء بها الربيع العربي، فارتدت بالناس إلى أزمان دكتاتورية أبشع من التي ثاروا عليها وحكمت مصالحها بالسلطة وأبَّدت وضع المغلوبين الأذلِّاء.

هنا حصل نوع من التحالف الصامت بين نخبة مغلوبة تفلح في القص واللصق لمقرراتها ودروسها، وغاية مناها الكتابة بلغة المحتل (إنجليزي أو فرنسي) والفوز بنشر مقال أو كتاب لدى دور النشر الغربية، وبين نخبة المال والأعمال التي تحكم مباشرة أو من وراء ستار وتمنع كل نقاش حقيقي في المراجعات الأكاديمية التي يمكن أن تؤدي إلى نشأة نخبة مستقلة ومتحررة من المثال الغربي.

هذا التحالف انتهى بالجامعات العربية إلى مدارس تخريج موظفين حدود إدراكهم برمجيات التجارة والتسويق، والبارع منهم يصل مرحلة التلاعب في البورصة بأموال ليست له، لكنه يسعى جاهدا في إثبات قدراته بتنمية رأس مال من يوظفه. لذلك لم نستغرب أن نسمع في أول حرب الطوفان من يسألنا منهم: لماذا يتعاركون مع إسرائيل؟ لقد لحست المقررات المدرسية عقول جيل كامل نسي حتى موقع فلسطين على الخارطة، وبرمج عقله على أن الغرب هو المثال المحتذى وهو الصواب المطلق.

وجب إسقاط المثال

لن يكون الأمر بسهولة الحديث عنه لكنه عمل ضروري، فالغالب ليس مثالا خيّرا أو قدوة كما أنه نموذج فاشل اقتصاديا إذ يستهدف الربح ويهمل الإنسان، والحيرة الآن قائمة في مستوى المدخل أو الخطوة الأولى؛ أين تكون ومن يخطوها ليفتح الطريق؟ هل يكون عمل النخب الأكاديمية سابقا أم النخب الاقتصادية والسياسية؟ أم تتضافر الجهود في وقت واحد فيقوم مشروع نهضة جديد مستقل ومتحرر بالخصوص من المثال الغربي المزيف؟

ونجد أن هذا السؤال نفسه ناتج عن فوضى التجارب النهضوية السابقة، فكأن المطلوب أن يتوقف التاريخ حتى نجد نقطة بداية ونشرع في العمل. إن التاريخ ليس قطارا يتوقف في محطات معينة، لذلك فإن هناك نقاط بداية متعددة في كل تخصص، وعلى كل من أسقط المثال الغربي من خياله أن يشرع في عمله بعقل متحرر. فالذي يصنع آلة بجهده ويروجها محليا وهو يعلم أن استيراد مثيل جاهز لها يدر عليه ربحا أكبر؛ يعتبر فردا متحررا ويعمل على المستقبل. إن جوهر حركة تحرر وطني طبقا لدروس غزة هو أولا التحرر من المثال الفاسد بالاعتماد على الذات.

مع ملاحظة مهمة يمكننا أن نستخرج من كتابات النهضة الأولى ومنذ نهاية القرن التاسع عشر كلاما مماثلا لهذا، لكن لماذا لم يتحول الكلام إلى مشروع نهضة حقيقي؟ لقد توفرت الإجابة؛ من يمنع غزة من النصر في حرب التحرير الآن هو من منع الكلام السليم أن يتحول إلى مشروع نهضة، أي أنها معركة تحرر مفتوحة أغفل الأولون بعض شروطها فظنوا أنهم مانعتهم دولهم من التبعية؛ فإذا دولهم التي فرحوا بها هي من تقودهم إلى هاوية وقد أذن موعد التحرير الشامل، فحرب الطوفان هي معركة تحرير شامل ومن لم يلتقط لحظتها لن يظفر بلحظة مماثلة زمنا طويلا. غزة أسقطت المثال الغربي المزيف، وعلى كل عربي يعي لحظة غزة أن يسقطه من عقله ويستأنف شروط النهضة.

ما أسهل التنظير

نعم من وراء حاسوب صغير نبني دولا كبيرة لكن الفعل غير ذلك، ويكفي أن نستحضر طول الأنفاق التي حفرتها المقاومة تحت غزة وعمقها وتشعبها؛ ونحسبها ضربات بالفأس والرفش ليلا ونهارا لنعرف الثمن الواجب دفعه في مشروع تحرر، هذا فضلا عن تصنيع سلاح من بارود في أماكن مغلقة لو انفجر منها إصبع ديناميت لفضحت عمل المقاوم كله.

إسقاط هذه المشاريع المزيفة للنهضة خطوة ضرورية لمسح الطاولة طبقا لفعل غزة ثم البناء على أرض نظيفة، إنها عملية إعادة إعمار فكري بإبعاد ركام تنظيرات فاشلة بعضها قومي وبعضها يساري وبعضها إسلامي غير حمساوي
بمثل هذا الجهد في كل مربع يمكن إطلاق معركة تحرير أفضل من معركة التحرر من الاستعمار المباشر في منتصف القرن العشرين. نقول أفضل لأن هذه المعركة تكون تسلحت الآن بمعرفة عظيمة، وهي أن الالتفاف على المعركة الأولى قد كان بقوى داخلية بلا مشروع وبلا وطنية وبلا أخلاق، وهي ما تزال تعيش بيننا وتعرض خدماتها على العدو لتحكم أبدا.

لقد قرأنا في العقود الماضية مشاريع نهوض عجيبة كتبت من وراء زجاج، وتشبّه أصحابها بالأنبياء لفرط يقينهم لكنها سقطت بموت كتابها أو بانفضاح ولائهم للسلطة التي يعارضونها أو يودون المزايدة عليها. وما كان أسهل شراء ذممهم وتمييع مشاريعهم براتب جيد، لقد شاركوا في احتلال بلدانهم بقطع النظر عن نواياهم المعلنة.

إن إسقاط هذه المشاريع المزيفة للنهضة خطوة ضرورية لمسح الطاولة طبقا لفعل غزة ثم البناء على أرض نظيفة، إنها عملية إعادة إعمار فكري بإبعاد ركام تنظيرات فاشلة بعضها قومي وبعضها يساري وبعضها إسلامي غير حمساوي.

لنحفر إذن بصبر ونصنع بصمت أدوات دفاع اقتصادي، ولنحرر الفكر من المثال الأخلاقي المزيف للغرب، ومهما كانت نقطة البداية فإنها روافد تنتهي إلى نهر كبير. ولنبدأ بجملة صغيرة: ما لم نفعل هذا سنندثر مثل كائنات غريبة ولدت في الخرافات وعاشت فيها ثم انتهت بنهاية الخرافة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه النهضة غزة المراجعات غزة النهضة العالم العربي التغيير مراجعات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من المثال

إقرأ أيضاً:

النائب حازم الجندي يهنئ الوزراء الجدد.. ويؤكد: يتمتعون بالخبرة والكفاء

هنأ المهندس حازم الجندي، عضو مجلس الشيوخ، الدكتور مصطفى مدبولي والوزراء الجدد، متمنيا لهم التوفيق والسداد فيما هو قادم، وشكر الوزراء الراحلين عن الحكومة على جهودهم خلال السنوات الماضية في التعامل مع القضايا والملفات التي أفرزتها الأوضاع المحلية، أو الأحداث الإقليمية والعالمية.

وقال «الجندي»، إنّ الوزراء الجدد يتمتعون بقدرٍ عالٍ من الكفاءة والخبرة في قطاعاتهم، وهو ما يبعث برسالة طمأنة إلى الشعب المصري، الذي ينتظر تغييرا حقيقيا في سياسات الحكومة الجديدة بما يتوافق مع أهداف الولاية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسي، وأيضًا مع تحديات المرحلة، مؤكدًا ضرورة أن تتمتع رؤية وخطط الحكومة بالمرونة اللازمة والتي تمكنها من التعامل مع متغيرات سياسة أو اقتصادية تشهدها مصر.

وأضاف عضو مجلس الشيوخ، أنّ الحكومة الجديدة لديها تحدي مهم وهو الحفاظ على أمن واستقرار الدولة في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من توترات، قد تدفع المنطقة إلى مزيد من العنف والصراعات التي يمكن أن تعرقل خطط التنمية التي تتبناها مصر ودول المنطقة، فضلا عن التحديات الاقتصادية لذلك فعلى الحكومة الجديدة العمل من أجل تحسين مستوى الخدمات للمواطنين وتعزيز الاستثمارات، ودفع القطاع الصناعي الذي يُعد قاطرة التنمية الحقيقية، من خلال تقديم حزمة من التسهيلات والتشريعات التي تخلق بيئة صناعية محفزة للاستثمار، والاستمرار في سياسات توطين الصناعة.

ودعا النائب حازم الجندي، الحكومة الجديدة أن تولى اهتماما غير عاديا بالقطاع السياحي باعتباره أحد أهم موارد مصر الاقتصادية، لذلك على الحكومة الجديدة المساهمة في رفع معدلات نمو السياحة المصرية، ووضعها على خريطة السياحة العالمية للوصول إلى أكبر عدد قياسي من السياح في فترة قصيرة، وهو ما يتطلب تحسين البنية التحتية، سواء كانت المتعلقة بعدد الغرف الفندقية، أو خطوط الطيران، ووسائل الاتصالات، ونظام التأشيرات، كذلك تحسين جودة الخدمات المقدمة للسائحين.

وشدد الجندي على ضرورة الاهتمام بالتصنيع الزراعي، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل، وخاصة الاستراتيجية، وكذلك إنشاء تجمعات للصناعات الزراعية ورفع القيمة الاقتصادية المضافة للمحاصيل الزراعية والموارد المائية المستخدمة، وزيادة الصادرات من المنتجات الزراعية المصنعة، وتعزيز البحث العلمي في مجالات تطوير الزراعة، وتشجيع مشروعات التصنيع الزراعي، مع حسم الموقف من التعدي على الأراضي الزراعية.

مقالات مشابهة

  • النائب حازم الجندي يهنئ الوزراء الجدد.. ويؤكد: يتمتعون بالخبرة والكفاء
  • القراي: جاتكم الشجاعة من وين تبقو جنجويد اكتر من الجنجويد ذاتهم؟
  • ماذا يريد المصريون من الحكومة الجديدة؟.. خبراء يتحدثون لـ "الفجر" عن أهم المطالب
  • «أبو الوفا»: ملف الصناعة على رأس أولويات الحكومة الجديدة
  • الموقف اليمني بقيادته الشجاعة أربك حساباتهم
  • الشجاعية … ميدان الشجاعة
  • سفير الاتحاد الأوروبي بالقاهرة: الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها مصر عززت ثقة المستثمرين
  • «برلمانية الوفد»: على الحكومة المرتقبة إيجاد أدوات التعامل مع التحديات
  • رئيس «غرفة القاهرة»: منتدى الأعمال المصري - اليوناني فرصة لدعم العلاقات الاقتصادية
  • الوقود الأكثر قذارة.. استقرار سوق الفحم رغم التقلبات الاقتصادية يثير القلق