جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-27@13:10:58 GMT

هواجس ما بعد "الطوفان"

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

هواجس ما بعد 'الطوفان'

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.con

تبدُو الشعوب في حالات تاريخية تشبه جغرافياتها المتباعدة؛ حيث لا تلتقي سوى عبر حدود سياسية أو مُسطَّحات مائية قد لات عني شيئا عند الكثير من الناس، لكنَّ حُكم التاريخ في مفاصله الحادة أن تذوب تلك الفواصل والمساحات الجغرافية ليتشكل العالم قسرا وفق هوى التاريخ، في لحظة فارقة تشبه اليقظة الجمعية للناس كافة، تلك اليقظة التي تُملِي عليهم ممارسة التفكير القسري الواحد والتقليد المحاكاة.

فتقليد المحاكاة بين البشر جعل تجارب إقليمية كثيرة عبر التاريخ الإنساني، تعبر الحدود والأجيال لتشكل هاجسا إنسانيا مشتركا، وعقلا جمعيا واحدا يُمثل نقلة فكرية وتجربة إنسانية يمكن البناء عليها والانطلاق من خلالها.

فالثورة الفرنسية -كمثال- لم تُشكِّل يومًا موروثًا للفرنسيين وحدهم، بل اعتبرتْ ولغاية اليوم رصيدًا إنسانيًّا، نقل الإنسانية المعاصرة من زمن إلى آخر وعلى أكثر من صعيد، كما شكَّلت الثورة البلشفية صدى إنسانيًّا كبيرًا تسبَّب في نشوء وعي إنساني جمعي بأهمية الحديث عن فواجع الطبقية.

التاريخ الإنساني حَمَل الكثير من التجارب والنماذج التي خرجتْ من رحم الإقليم إلى ساحات الأنسنة بفضائها الواسع، والتي لا يمكن حصرها في مقال وعلى عُجالة.

"طوفان الأقصى" ظاهريًّا محصور في إقليم عربي يعرف تاريخيًّا بإقليم الشام، وفي جغرافية ضيقة مختصرة تسمى قطاع غزة، ولكن قرَّاء التاريخ يصنفونه كحدث إنساني عاصف، سيحدث الكثير من الارتدادت والنتائج على جميع الصعد الإقليمية والدولية.

ومن أقرب الأدلة والقرائن على شيوع "الطوفان"، وسريان مفعوله عبر الحدود والأجيال، هو حجم التداعيات الهائلة التي أحدثها حول العالم، وجعل منه حدثا إنسانيا مشتركا في القارات الخمس، وكأنَّ فلسطين أرضٌ اغتصبت اليوم وليس منذ سبعة عقود ونيف.

وفي تاريخنا العربي القريب جدا، شكَّل احتلال فلسطين عام 1948م المِفصَل الأهم في الدفع بقيام ثورة 23 يوليو 1952م، وكان من أهم أسباب الثورة وعلى رأس أولوياتها.

كما شكَّل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ثم العدوان الأممي عليها عبر الكيان الصهيوني في الخامس من يونيو 1967م، دافعا قويا لأحداث عربية جسيمة، كثورة 14 يوليو 1958م بالعراق، وثورة الفاتح من سبتمبر 1969م في ليبيا.

ورغم أنَّ عرب زماننا لا يقرأون التاريخ، ولا يقيمون وزنا لنظرية التقليد والمحاكاة في حياة الشعوب وتجاربها، إلا أنَّ العدو يرسم إستراتيجياته الدقيقة في حروبه معنا وفق نبض التاريخ وسيرورته.

لذا؛ نتذكر أنَّ الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، حين أخبره وزير خارجيته هنري كيسنجر بأنَّ جولدا مائير رئيسة حكومة العدو الصهيوني ووزير دفاعها موشي دايان رفضا قرار وقف إطلاق النار في حرب أكتوبر 1973م، رفع نيكسون سماعة الهاتف وقال لجولدا مائير: "جولدا، فعلنا كل شيء لكم، وقدمنا كل دعم لكم، وآن الأوان أن تحتكموا للعقل وتقبلوا بقرار وقف إطلاق النار، تذكري جولدا بأن معارك عام 1948م هي من أتت بجمال عبدالناصر، ونحن لسنا على استعداد اليوم لخروج عبدالناصر جديد بفعل تعنتكم"!!!

تعنت نتنياهو اليوم وجرائمه في غزة لن تمر مرور الكرام، لا على الصعيد الداخلي الفلسطيني، ولا على الصعيد العربي، ولا على الصعيد الإسلامي، ولا على الصعيد العالمي. فقتال العدو اليوم وغدا لن يكون على صعيد جبهات عسكرية ولا استخباراتية ولا سياسية، بل على صعيد وعي وعقل وفكر، كي يُسحق ويمحو أي أثر للطوفان في عقول عرب اليوم وعرب الغد، كي يمرر الهزيمة على العقل العربي، ويخترق من خلاله التطبيع والاستسلام والخنوع.

وبالشكر تدوم النعم...،

--------------------

قبل اللقاء: الغرب حريص جدا على كي الوعي وتغييبه، وحصار العقل العربي كي لا ينعم بفضيلة التقليد والمحاكاة لتاريخه القديم والأوسط والحديث، كي لا يتحصَّن بثوابته وينعم بفضائل موروثه الحضاري الغني، ولا انتصارات أبنائه.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بعد هروب حاملة الطائرات لينكولن.. لمن البحر العربي اليوم؟

 

جاءت حاملة الطائرات آيزنهاور ترافقها قطع حربية أمريكية وغربية متعددة مصحوبة بهالة إعلامية طالما استخدمتها واشنطن ضد خصومها، والمؤلم أن حلفاءها في المنطقة روّجوا وهلّلوا للوجود العسكري الأمريكي أكثر من البيت الأبيض ومتحدثه والبنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية.
جاءت واشنطن ومعها فخر أسلحتها الاستراتيجية ومقدمة بحريتها النارية محاولة عسكرة البحر الأحمر، ومتخذة من إسناد اليمن لفلسطين ذريعة وأسلوباً للتغرير بمجتمعها ومجتمع المحيط العربي ولتنفيذ هدفها المتمثل بالدفاع عن الصهيونية العالمية.
جاءت واشنطن وهي تنوي ارتكاب خطأ استراتيجي لا يقل عن الخطأ الذي ارتكبه نتنياهو ومتطرفو الكيان، وحشدت ليس الرأي العام فحسب بل أدواتها في المنطقة والعالم، وكان أن تعثرت سريعاً في أول مهماتها العدوانية.
لقد انتهج اليمن مدرسة عسكرية خاصة في التعامل والتعاطي مع الأساطيل الأمريكية ومع الوضع العسكري الداخلي بكل تشعباته، هذه المدرسة هي التي دفعت بواشنطن إلى تخصيص مراكز أبحاث خاصة ووحدات في أجهزة استخباراتها تسلط الضوء على اليمن، وتفعّل كل مقدراتها للنيل من البلد الجغرافي الحساس والمهم اليمن العنيد المفعم بالخبرة العسكرية الشجاعة.
لقد بدأ اليمن مدرسته العسكرية بالعنف العسكري، إن صح التعبير، ومنذ الوهلة الأولى لم يتدرج في طريقته الدفاعية وهو يعلم أن هذه الحرب قد تطول وقد تكون حرب استنزاف طويلة الأمد، لكنه لم يغرق في هذه الحسابات بل أخرج ما لديه من قدرات وصفع بها واشنطن، وبعد كل صفعة على خد العدو كان الجيش اليمني يرسل رسائل النار إلى الأدوات في المنطقة والداخل والكيان المجرم، أن أي إشغال أو حرب ضد اليمن لا يمكن أن تحرفه عن استهداف العمق الإسرائيلي ولو كان بحجم أمريكا وأساطيلها.
نعم، أثبت اليمن لعدوّه قبل صديقه أن لديه مدرسته العسكرية الخاصة التي ينطلق منها، فبدلاً من حرب استنزاف طويلة والغرق في الحسابات، كانت الضربات الكبرى في بداية المعركة البحرية، وكان الاستهداف لأمريكا في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب مستمراً ومتنامياً وبدقة صدمت العدو ودفعته إلى الهروب والعودة إلى مرابض حاملاته.
إن أسلوب الزخم العسكري اليمني أثبت فاعليته في حرب الطوفان، فهربت “آيزنهاور” وعين الصين وروسيا ترقبانها، فضلاً عن عين اليمن التي لم تغفُ دقيقة واحدة في رصدها واستهدافها وإشغالها، وهذا ما جعل طاقم حاملة الطائرات “آيزنهاور” يقول إن الزخم العسكري اليمني نوعي ومخيف ومتقدم.
ولأن اليمن يرى أن كل الخطوط الحمر قد تم نسفها من قبل العدو في فلسطين، ودمر كل جسر يمكن البناء عليه، ولم يتبق على جسد بايدن أي شيء لستره، بل خلع كل الأقنعة وكل الأزياء التي كانت أمريكا طيلة تاريخها تحاول إظهارها أنها بلد الحريات والإنصاف وبلد الإنسان بكل ألوانه وأشكاله، كان لا بد من الرد بالمثل فكانت مدرسة اليمن العسكرية هي الدقيقة والقوية والفعالة في مواجهة الغطرسة الأمريكية في المنطقة، بل يمكن البناء على أن مدرسة اليمن العسكرية هزمت ما يسمى بتحالف الازدهار، وهزمت أيضاً معه الكيان وأسقطت بعض المشاريع التي كان العدو يخطط للقيام بها اليوم أو يخطط لتنفيذها مستقبلاً.
لقد أسقطت هذه المدرسة والزخم العسكري النوعي والدقيق مشروع واشنطن العسكري، ودفعت بواشنطن الى إعادة التجربة من خلال إرسال حاملة طائرات جديدة حملت اسم “إبراهام لينكولن”، والتي أتت بعد هروب رفيقتها “آيزنهاور” ولكنها تمركزت هذه المرة في البحر العربي، بعيداً إلى حد ما عن حدود اليمن البحرية.
مع ذلك، اعتقد العدو أن تمركز حاملة طائراته في البحر العربي سينقذها من زخم صواريخ اليمن وطائراته المسيرة، وقام الأسطول الأمريكي بتنفيذ عدة عمليات في العمق اليمني، دفع إلى التعامل معه عسكرياً فكانت الضربات المتتالية.
والمذهل في المعركة البحرية الطاحنة، أن العدو درس أسلوب اليمن العسكري، وكشف نوع الأسلحة المستخدمة ضد أساطيله ودرس التوقيت والدقة والمدى والأسلوب والقرار، ونقل كل المعطيات بعد هروبه ومغادرته إلى الأسطول الجديد “إبراهام” ومع كل ذلك، كان الفشل الصادم هو ما حدث.
فبعد العدوان المستمر على اليمن من قبل الطائرات الأمريكية والبريطانية، قرر اليمن إعادة التعامل بمدرسته العسكرية الخاصة، زخم عسكري مصحوب بنوعية الضربات ودقتها، فجهز صواريخه وطائراته وأسلحته التي لم تستطع الأقمار الصناعية ولا الاستخبارات الأمريكية اكتشافها وتحييدها ورصد تموضع الأسطول الأمريكي في البحرين الأحمر والعربي، واكتشف مخططاً لاستهداف اليمن بشكل واسع وغير مسبوق فقام بعملية نوعية أقل ما توصف بأنها ملحمة عسكرية عاشها العدو وأدرك خطورة هذا البلد وشعبه وقائده.
لقد أطلقت حاملة الطائرات الأمريكية “أبراهام” أسراباً من الطائرات الحربية للقيام بهجوم واسع يستهدف عدة محافظات يمنية فقام الجيش اليمني بعملية استباقية متصدياً للطائرات الأمريكية، واستقبلت “أبراهام” ما يقرب من 29 صاروخاً باليستياً وبحرياً وطائرة مسيرة، في عملية مرهقة ومعقدة وغير مسبوقة ضد القوات الموجودة فوق هذا الأسطول، توزعت مصادر النيران لهذه العملية وفقاً للتخطيط الزمني السريع الذي اتخذه الجيش اليمني وبنى عليه وانطلق من خلاله، لتستمر المناورة العسكرية مع هذا الأسطول ما يقرب من ثماني ساعات متتالية، وفقاً للمتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، وهذا ما دفع بحاملة الطائرات إلى التراجع والهروب.
هذه العملية شكلت صدمة لقيادة الأسطول العسكري، ودفعت به إلى إعادة حساباته العسكرية ومعها إعادة حاملة الطائرات “أبراهام” إلى مربضها، وفقاً لما نشره المعهد البحري الأمريكي الذي أكد أن “يو إس إس أبراهام لينكولن” غادرت الشرق الأوسط بعد دخولها منطقة الأسطول السابع الأمريكي تاركة الشرق الأوسط من دون حاملة طائرات للمرة الثانية فقط خلال أكثر من عام، وقد تكشف الأيام المقبلة تفاصيل هزيمة هذه الأساطيل وقوة اليمن العسكرية والشعبية.
وخلاصة لما سبق، يرى خبراء عسكريون أن مدرسة اليمن العسكرية بدأت معركتها بتقديم بعض الأوراق العسكرية الاستراتيجية واستخدامها في الوقت المبكر، ما قد يمثل حلاً وردعاً حقيقياً للعدو وقد تفشل مخططاته، مع دراسة احتمال كل خيارات الحرب والاستعداد لها، وفقاً للتجارب ومعطيات الميدان والتكنولوجيا الحديثة للعدو وللجيش أيضاً.
كما أن استخدام الزخم العسكري في بدايات المعركة، خصوصاً مع عدو لم يعتد على الخسارة، هو أحد الحلول العسكرية وإحدى الخطوات المهمة لمعنويات الجيش والشعب ولمعنويات العدو وأدواته ولقياس نبض الحرب.
لقد نجحت مدرسة اليمن العسكرية في هزيمة الأساطيل الأمريكية، وقد يرى البعض أن الحديث عن انتصار كهذا سابق لأوانه، إلا أن من يعرف الجيش اليمني ويدرس جيداً مسار هذه المعركة يصل إلى نتيجة أن اليمن انتصر فعلاً، وما يزال يملك الكثير والكثير من الخيارات والأساليب العسكرية، خصوصاً أن لغة السلاح هي اللغة التي تعم المنطقة بأسرها ويجب التعامل معها بالمثل، وصنعاء ترى أن تقديرها للخيار العسكري في التعامل مع أمريكا والكيان هو التقدير والطريقة الدقيقة وهو أسلوب ومنهج مصدره مدرسة قرآنية لا بشرية عسكرية خالصة، وهذا أيضاً ما يدركه تماماً البيت الأبيض وعجز عن التعامل معه وإيقافه ويراه اليمن أن أدق منهج يمكن السير عليه دائماً هو منهج ومدرسة: عين على القرآن وعين على الأحداث”.

مقالات مشابهة

  • «الطوفان المصري» يُغرق المنافسين في «أبطال أفريقيا»!
  • التاريخ يفتح أبوابه أمام الفرعون.. إنجاز جديد ينتظر صلاح أمام ريال مدريد اليوم
  • اليوم.. طقس بارد ونشاط للرياح والعظمى بالقاهرة 20 درجة
  • مكانة طوفان الأقصى في قلب النموذج الانتفاضي.. قاموس المقاومة (54)
  • الهيئة 302: "أونروا" ترتكب مجزرة إنسانيّة بحق عدد من موظفيها بالقدس
  • عقلانية المقاومة تردع وحشية العدو
  • «دخل الربيع يضحك» .. واقع إنساني خاص وتنوع بين قصص الحب والالالم
  • بالفيديو.. مدير معهد فلسطين: سلوك "بن جفير" مع المعتقلين غير إنساني وغير مسئول
  • لو مسافر الصعيد.. مواعيد القطارات اليوم الإثنين 25 نوفمبر 2024 من القاهرة إلى أسوان
  • بعد هروب حاملة الطائرات لينكولن.. لمن البحر العربي اليوم؟