جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-23@17:37:45 GMT

حينما تفكر عُمان بصوت مسموع

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

حينما تفكر عُمان بصوت مسموع

 

 

د.سلطان بن خميس الخروصي *

Sultankamis@gmail.com

هناك مثل عربي يقول: "اجلد السرج لكي تحمل الحصان على التفكير"، ويقول الفيلسوف الألماني كارل يونج: "التفكير صعب، لذلك فإن معظم الناس يطلقون الأحكام"؛ فالتفكير بعمق وخبرة ومسؤولية هو عملة نادرة في كثير من مواقف الحياة في عصرنا الحالي، بينما التسرّع والاندفاعية كثيرا ما تخلق جوَّا مشحوناّ وعواقب وخيمة لا يُحمد عقباها؛ بل قد تكون نابعة من فلسفة عدوانية أو جهل وقلة خبرة وعدم الاستفادة من التجارب، وإن أعظم نماذج التفكير هي التي تكون على مستوى رفيع يتجسّد في الدول وسياساتها ونماذج تعاملها مع متغيرات المرحلة وكثرة الضجيج.

وفي الآونة الأخيرة، برزت مجموعة من مرتزقة الأقلام وأشباه المثقفين وشذرٌ من الصحف الصفراء ليس في جعبتها إلا التشكيك في قيمة عُمان السياسية والإستراتيجية مستشهدة ببعض فتات التقارير الصحفية البالية، متاجرة بالكثير من قضايا العمق العربي والإسلامي، ومستعِرة بحفنة من الدولارات وبيع الذمم أو متربِّعة على عرش الصمت القاتل في غير موضعه، فنجد من يسيل مداد قلمه المأجور للتشكيك في موقف من دخل أهلها الإسلام طواعية دون إكراه في قضية فلسطين، وتارة في إلحاق تهمة دعم الحركات الراديكالية في اليمين والعراق وغيرها، وأخرى في تجريد شخصيات عُمانية في أصلها وفرعها، ومرات عديدة في تقزيم التنمية العمرانية والتطاول في البنيان والمرافق الترفيهية وغيرها في سبيل تقزيم هذا القطر العالمي الأشم، ومحاولة في غرس ثقافة الانهزامية وتقزيم الدور العُماني المشهود، وفي مقالنا هذا نضيء لهم نذرٌ يسير عن ماهية فلسفة الحياد العُماني والمواقف المسؤولة تجاه الكثير من قضايا الأمة، لنزيل الغمامة والغشاوة عن أعينهم السمِلة، ونُلقِّم أفواههم شذرا من تُراب عُمان العظيمة، ونُضيء بمكنونات الفكر العُماني قلوبهم وأفكارهم السمجة المكفهرة بالحقد والضلال والجهل، ولن نغور في التاريخ العُماني الضارب في القدم بل سنكتفي بعهدها الحديث الزاهر خلال خمسة عقود ونيف.

فحينما ضجَّ العرب وزمجروا بخيانة مصر للقضية الفلسطينية بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد في 1978م ودعوا بعضهم البعض لمقاطعتها ومحاصرتها كان صوت الحكمة والمسؤولية في عُمان يرفض هذا السلوك ويُعزِّز من قيمة السلام والتفاهم، وفي العام 1979م وإبان غزو السوفييت لأفغانستان هبَّت الدول العربية بوجه عام والخليجية بشكل خاص لدعوات الاستخبارات الأمريكية الكاذبة بإرسال خيرة شبابها لقتال السوفييت ونُصرة المسلمين وأصبحت أمريكا حينها شيخ الفتوى فطحنت رحى الحرب مئات الألوف من الشباب الواعد ليكونوا بعد حين شوكة في خاصرة دولها بل ويصبحوا منبوذين وملاحقين من قبل أنظمتهم السياسية، في وقت دعت عُمان إلى عقد مؤتمر سلام وعملت على جمع تبرعات إنسانية لبناء المستشفيات والمدارس والمنازل، وفي حرب الثمان سنوات الطاحنة بين إيران والعراق (1980- 1988م) هبَّت الدول العربية وبالأخص الخليجية منها بأموالها وجيوشها للوقوف في وجه من يختلف عنها مذهبيا دون الاهتمام بقيمة استقرار دول الجوار والمنطقة بينما رفضت عُمان المشاركة في هذه الحرب العبثية الفوضوية لأي طرف أو استخدام أراضيها لتحقيق مصالح للحرب، وفي العام 1984م تقدمت سلطنة عُمان لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي لتشكيل قوة خليجية مكونة من 100 ألف مقاتل لحماية المصالح الخليجية والتقليل من الاعتماد على القواعد الأجنبية لكن المقترح رُفض من الأشقاء في الخليج!، وفي العام 1990م وحينما غزا العراق الكويت وتشكَّل الحلف العربي بدعم أمريكي – أوروبي لتحرير الكويت ومقاتلة العراق وفرض الحصار عليه لاحقا لسنوات طويلة كان الرفض العُماني بالمشاركة في صراع الأشقاء حاضرا وبقوة؛ حيث قام وزير خارجيتها بزيارة الرئيس صدام حسين من أجل إيجاد حل دبلوماسي يوقف شبح الحرب الطاحنة، وفي العام 1994م وبعد تفكك يوغسلافيا وقيام المتشددين بإبادة المسلمين فيها أرسل العرب شبابها القادمين من أفغانستان وبإيعاز أمريكي للدفاع عن المسلمين بفتوى الكونجرس الأمريكي بينما أخذت عُمان على عاتقها جمع التبرعات الإنسانية دون المشاركة في هذه الحرب العبثية، وفي العام 1998م قامت القوات الأمريكية بقصف العراق فيما عرف بعملية ( ثعلب الصحراء) وفتحت الدول العربية مطاراتها وموانئها للدعم اللوجستي بينما رفضت عُمان أن يكون برها وبحرها وسماؤها جسر عبور للموت والقتل.

وفي أحداث سبتمبر من العام 2001م، وبعد تدمير برجي التجارة العالمي في أمريكا، كانت القوائم تُظهِرُ تورُّط أغلب الدول العربية بينما خلت من أي اسم عُماني، وتقود الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2002م تحالفا دوليا لتدمير أفغانستان بذريعة مقاتلة حركة طالبان وبدعم عربي كبير بينما امتنعت عُمان عن المشاركة إلا للأمور الإنسانية والإغاثية. وفي العام 2003م اجتاحت واستباحت أمريكا العراق ولا يزال الدعم العربي قويا وعُمان خارج النص في هذه الحرب المجنونة. وفي العام 2006 يجتاح الكيان الصهيوني لبنان وسورية أمام صمت ودعم عربي واستنكار وإدانة عُمانية صريحة. وفي العام 2017م وحينما فُرض الحصار والمقاطعة على قطر بسطت عُمان ذراعيها واحتضنتها بدافع الأخوة والمحبة. وفي العام 2019م وحينما أعلن ترامب نيته نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في إشارة لتصفية القضية وغلق هذا الملف رغم أنف العرب كان موقف الدول العربية الاستنكار والاستهجان بينما أعلنت عُمان عن موقفها الرافض لتصفية قضية الوجود للعمق العربي والإسلامي بل وتعلن فتح سفارة لها في رام الله كإشارة واضحة بحق الدولة للفلسطينيين رغم استهجان الكيان الصهيوني وأمريكا ودولا عربية متواطئة. وفي العام 2023م حيث طوفان الأقصى الذي أسمع العالم أنين الفلسطينيين وحقهم المسلوب طوال سبعة عقود ونيف وأمام الإبادة الصريحة للحياة في غزة خصوصا وفلسطين عموما وسكوت الدول العربية وصمِّ آذان علمائها ومثقفيها وكتَّابها وشعرائها كان الموقف العُماني واضحا وصريحا بمنع الطائرات الصهيونية من المرور بأجوائها والمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب والحرية المطلقة للمواطنين في الخروج بالمظاهرات والمقاطعة الشعبية للشركات والمنتجات الداعمة لهذا الجرم، وإقامة صلاة الغائب حتى هذه الساعة دبر كل صلاة جمعة، والدعاء والنصرة بالمال والمواقف السياسية والدبلوماسية.

إن كل ما تقدم ذكره وما خفي أعظم يشي بجزء كبير من العمق السياسي والإستراتيجي والإنساني للموقف العُماني المسؤول والمتوقد بالحكمة والخبرة؛ فلا يمكن أن تُغطًّى الشمس بغربال، ولا يمكن لتاريخ عُمان ومواقفها المشرِّفة أن تُختزل ويُقيِّمها صغار القوم وشراذمة القلم والفكر وتُجَّار الحروب والذمم.

* باحث وكاتب

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

العراق يطلب دورة غير عادية لجامعة الدول العربية بعد التهديدات الإسرائيلية

سرايا - أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أن جمهورية العراق طلبت رسمياً عقد دورة غير عادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين في أقرب وقت ممكن؛ لمناقشة مذكرة رئيس مجلس الأمن الدولي بشأن ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي بزيادة وتيرة وشدة الهجمات عليه عبر الأراضي العراقية منذ أيلول/ سبتمبر الماضي والهادفة لجر المنطقة إلى حرب إقليمية أوسع.

وأكد السفير حسام زكي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، في بيان، أن الجامعة تلقت المذكرة العراقية وتم تعميمها على الدول العربية الأعضاء للتشاور بشأن تحديد موعد مقترح.

وأضاف السفير زكي، أن عدة دول أيدت الطلب العراقى وبناء عليه سيتم تحديد الموعد فى ضوء المشاورات بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، واليمن باعتبارها الرئيس الحالي لدورة مجلس جامعة الدول العربية، للاتفاق على تحديد الموعد.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1698  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 22-11-2024 02:23 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
موزة ملصقة بشريط بيعت بالملايين .. تعرف على من اشتراها بعد ماكدونالدز .. الجزر يتسبب بوفاة واحدة وعشرات الإصابات بأميركا أثناء عمله في قبو .. سباك يعثر على كنز "ذهبي" إيلون ماسك ينتقد قانونًا مقترحًا في أستراليا! "مسبوقة بالأمطار" .. موجة برد سيبيرية... أردني غاضب يدهس عمه وابنته في الشارع .. وهذه... المحكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق... أثناء اجتماعه بهوكشتاين .. هكذا تلقى نتنياهو خبر... الإدارة المحلية: 75% من موازنة البلديات رواتب... استشهاد ثلاثة أشخاص في غارات على جنوب لبناناختارها ترامب لتولي وزارة العدل .. من هي بام بوندي؟رئيس وزراء هنغاريا: سأضمن عدم تنفيذ مذكرة الاعتقال...مفاوضات لوقف إطلاق النار لمدة 42 يوماترامب يخطط لمعاقبة "الجنائية الدولية" بعد...وقف النار في لبنان .. هذا ما سمعه هوكستين من قادة...نحو 6200 لاجئ غادروا الأردن منذ مطلع العام لإعادة...كوريا الشمالية تحذر من حرب نوويةغارات تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية بعد إنذار... إعلامي يكشف واقعة غريبة ليحيى الفخراني وفاة الفنان المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض زوج نوال الكويتية يبارك لها يوضح سبب نجاحها بعد وعكته الصحية .. أول ظهور لـ علي جابر في ”آرابز... مريم أوزرلي تعود إلى الشاشة بعد 11 عامًا بدور العشيقة مفاجأة مدوية .. ميسي يعود إلى برشلونة غوارديولا يجدد عقده مع مانشستر سيتي لمدة عامين اللاعب العربي الأكثر تسجيلا للأهداف في عام 2024 الأردن يستضيف دورة الألعاب الرياضية العربية عام 2035 ما هو المرض الذي يعاني منه بيكهام .. وليس له علاج؟ امرأة تقتل 14 صديقة بالسم .. هكذا كشف أمرها سيدة أميركية تتعرض لعملية احتيال .. ما علاقة إيلون ماسك؟ بمبلغ خيالي .. بيع "أغلى موزة في العالم" قتل والدته ووالده وأخته .. متهم يكسر جدار غرفة التحقيق ويحاول الهروب لا يوجد له علاج .. ما هو المرض الذي يعاني منه بيكهام؟ أثناء عمله في قبو .. سباك يعثر على كنز "ذهبي" بيع موزة وشريط لاصق بـ6.2 ملايين دولار مرض دماغي غامض يثير رعبا في كندا .. والسلطات تتدخل بطريقة دفنه .. البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون الملياردير الهندي جوتام أداني متهم في قضية رشوة بقيمة 265 مليون دولار

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • محافظة القاهرة تشارك في الاجتماع الإقليمي للمدن الإبداعية في الدول العربية
  • اجتماع طارئ للجامعة العربية غدا لبحث التهديدات الإسرائيلية ضد العراق
  • اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية لبحث التهديدات الإسرائيلية ضد العراق
  • بالصور.. جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أول جامعة خاصة تُدعى رسمياً لمقر جامعة الدول العربية
  • العراق يطلب عقد دورة غير عادية لمجلس جامعة الدول العربية لمواجهة تهديدات إسرائيلية ضده
  • العراق يطلب دورة غير عادية لجامعة الدول العربية بعد التهديدات الإسرائيلية
  • سلطنةُ عُمان تُشارك في اجتماع تعزيز التعاون لمكافحة المخدرات بين الدول العربية
  • اليمن توقع على اتفاقية تنظيم نقل البضائع على الطرق البرية بين الدول العربية
  • اليمن يوقع على "اتفاقية تنظيم نقل البضائع على الطرق البرية بين الدول العربية"
  • الخيارات العربية فى غزة ولبنان!