مرت 11 سنة على انطلاق "مشروع" الفيلم المصري "رحلة 404″، إذ بدأ الأمر عام 2013 حين اقتصر المشاركون بالعمل على مؤلفه ومخرجه وبطلته، قبل أن تُفاجئهم منى زكي بخبر حملها، مما تسبب في التأجيل لفترة.

تكرر التأجيل بعدها لعدة سنوات ولأسباب مختلفة، نضج خلالها صانعوه وأُعيدت كتابة الفيلم أكثر من مرة بما يتلاءم مع التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري.

ومع كل تغيير بات المنتجون يخشون المشاركة، تارة لأن الحبكة ذات فلسفة خاصة، وتارة لتعثّر الإنتاج في ظل الظروف السياسية خلال العقد الأخير، إلى أن جاء محمد حفظي وانتصر لـ"رحلة 404″، وتُحسب له الجرأة على خوض المغامرات الإنتاجية لصالح السينما العربية.

بين الغواية والغفران

يحكي الفيلم قصة غادة (منى زكي) المُثقلة بالذنوب والشعور بالذنب مما اقترفته بالماضي، لكنها تقرر التوبة والذهاب في رحلة حج، إيمانا منها بأن هذا هو الطريق الذي عليها أن تسلكه لتلقى الله وتطهّر روحها.

لم تحسب غادة حساب الاختبارات الشديدة الصعوبة التي تفرضها الحياة، إذ تعرّضت لأزمة مالية وأصبح البحث بين أشباح حياتها القديمة السبيل الوحيد للحل. تجد البطلة نفسها أمام عدة خيارات تعتمد في غالبيتها على اقتراف ذنب ترفضه، ومع ذلك تظل حتى آخر لحظة تجاهد شياطينها وشياطين الإنس من حولها على أمل عدم العودة إلى ارتكاب ما تابت عنه.

الممثلة المصرية منى زكي بدور غادة في فيلم "رحلة 404" (مواقع التواصل الإجتماعي)

"أنا رايحة أحج بس مش ثابتة" تأتي تلك الجملة على لسان غادة بالنصف الثاني من الفيلم، بما يؤكد الحياد الذي حرص أصحاب العمل على التسلّح به وتقديم حبكة دون أحكام أو جلادين، إذ تقترف جميع الشخصيات الخطايا، كلٌ بطريقته، حتى العلاقات التي قد نظنها مقدسة أو يُفترض بها الإيثار والتضحية تظهر ملوثة ومفخخة.

ورغم أن غادة الوحيدة التي تابت بوضوح وبدت الأكثر تمسكا بالشعرة التي تفصلها عن استحقاق غضب الله، فإن الشخصيات الأخرى حاربت ضد طواحينها الخاصة، وبقي شعورها بالذنب مُتقدا على الدوام.

وهنا تأتي براعة الحكاية، إذ يجد المشاهد نفسه مجبرا أن يرى بعين لا تعرف القسوة، لأنه يدرك جيدا كم يخطئ أحيانا، وجميعنا نتعشّم أن يمنحنا الله قبسا من نور هدايته وفيضا من عفوه وغفرانه.

الانتصار للدراما

ليست القصة وحدها سر نجاح "رحلة 404″، إذ امتلك العمل مقومات فنية أخرى ساعدت على تميزه، أهمها مستوى التمثيل الذي قدمه الأبطال، على رأسهم منى زكي التي باتت موهبتها أكبر من أن يتم تجاهلها أو إرجاعها إلى ضربة حظ، يليها محمد فراج ومحمد ممدوح على قلة مشاهدهم.

كذلك نجح خالد الصاوي بالخروج من عباءة الاستسهال والتكرار التي اشتهر بها مؤخرا، أما شيرين رضا فرغم أنها لم تقدم دورا جديدا، لكنها لعبته بهدوء ناضج، كذلك استطاع كل من حسن العدل وعارفة عبد الرسول وسماء إبراهيم لفت الأنظار خلال المشاهد التي ظهروا بها.

الحوار أيضا كان عاملا رئيسيا في نجاح الفيلم، فمن جهة اتسم بالسلاسة والعفوية، ومن جهة أخرى كان ملائما للشخصيات والانفعالات، والأهم أنه بدا حقيقيا وذا خصوصية بعيدا عن لغة العشوائيات أو إقحام مفردات أجنبية وهو ما صارت الأعمال السينمائية تعتمد عليه كثيرا.

أما الموسيقى التصويرية لسعاد بشناق، فاعتمدت على الوتريات للتعبير عن انفعالات الشخصية الرئيسية وحالات التخبط التي ظلت تعتريها حتى النهاية.

وبالطبع برع هاني خليفة في الإخراج، خاصة مع ما عُرف عنه من اهتمام بالتفاصيل والتركيز على خلجات الأبطال ولغة العيون والجسد واللجوء إلى الرمزيات البصرية الواضحة، ويُحسب له عدم اللجوء إلى الفلاش باك لتقديم تفسيرات أو تبريرات لماض الشخصيات، إذ قرر فعل ذلك عبر السرد الدرامي.

نجاح غير متوقع بشباك التذاكر

ورغم عدم اعتيادية الحكاية وابتعاد العمل عن الاستسهال والحبكات التي تعتمد على الكوميديا أو الأكشن وما شابه من القصص التي تعرف كيف تستقطب الجمهور نحو شباك التذاكر، فإن "رحلة 404" أثبت ولاء المتفرج للأعمال الجادة التي تخاطب فكره ووجدانه.

ليس في مصر وحسب، بل حتى في السعودية، فالعمل الذي طُرح في آخر موسم إجازة منتصف العام وخاض المنافسة متأخرا، استطاع أن يجني حتى الآن 18 مليون جنيه مصري، و3.5 ملايين ريال سعودي مُتصدرا شباك التذاكر السعودي، وفقا لبيانات الهيئة العامة لتنظيم الإعلام.

فخ السينما النظيفة

ويؤكد نجاح "رحلة 404" إمكانية الرهان على وعي المشاهد وحقيقة كونه لا يلهث خلف الأفكار المُعلّبة والمستحدثة، أو الأجنبية الهجينة، أو حتى الأفكار التي طالما كانت وقودا للتيار الذي فرض سيطرته على السينما المصرية منذ أواخر التسعينيات.

أسيء استغلال شعار "السينما النظيفة" في كثير من الأحيان، فأصبحت الأفلام القوية التي يميل صانعوها إلى نكء خبايا الواقع المُعاش نادرة، وهو ما حجّم بدوره القدرات التمثيلية للفنانين وحصرهم في منطقة هشة لا تصنع تاريخا حقيقيا، بدليل أن المحاولات القليلة للتمرّد من قبل البعض هي ما أثمر عن أهم أعمالهم، إذا أخذنا منى زكي مثالا سنجد أن أهم أدوارها -على سبيل المثال لا الحصر- في أفلام "سهر الليالي"، و"دم الغزال"، و"احكي يا شهرزاد"، وأخيرا "رحلة 404".

الملصق الدعائي لفيلم "رحلة 404" (الجزيرة)

كما لم يسلم "رحلة 404" من حواف مقص الرقابة الذي عطّل خروج الفيلم إلى النور، إذ كان من المقرر مشاركته بالمسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر عام 2022 تحت عنوان "القاهرة- مكة" قبل أن يُمنع عرضه لاعتراضات رقابية، وهو ما استدعى إعادة الكتابة وإجراء عديد من التعديلات بل وإعادة تصوير كثير من المشاهد أيضا، وحتى عنوان الفيلم تم تغييره.

وبمشاهدة العمل يمكن استشعار وقوع الجمل الحوارية تحت وطأة المقصلة الرقابية أيضا، بالإضافة إلى النهاية التي بدت مربكة كونها جاءت على قدر فج من المباشرة بما لا يتناسب مع باقي العمل أو المنهج الذي يعتنقه صانعوه سينمائيا، مما جعلها الحلقة الأضعف سواء لما بها من رسائل مباشرة أو لحدوث انفراجات كبرى فجأة وصحوة ضمير لأكثر من شخصية في الدقائق الأخيرة.

"رحلة 404" دراما اجتماعية مُلهمة جديرة بالمشاهدة ربما أكثر من مرة لهضمها بمزاج رائق وحفاوة تليق بعمل مصري تفوّق بمسافة شاسعة على جميع الأفلام التي صدرت السنوات الأخيرة، وفقا للبعض.

الفيلم بطولة منى زكي، وشيرين رضا، ومحمد فراج، ومحمد ممدوح، وخالد الصاوي، ومحمد علاء، وحسن العدل، وجيهان الشماشرجي مع عودة مميزة لنادية شكري. كتبه محمد رجاء، وأخرجه هاني خليفة الذي يعود به للسينما بعد غياب دام 9 سنوات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: منى زکی رحلة 404

إقرأ أيضاً:

رئيس إقليم القناة يفاجئ مستشفى سلام بورسعيد بجولة مرور مسائية

فاجأ الدكتور مصطفى شعبان رئيس إقليم القناة للهيئة العامة للرعاية الصحية والمشرف العام على فرع هيئة الرعاية الصحية بمحافظة بورسعيد مستشفى السلام الدولى التابعة لهيئة الرعاية الصحية تفقد خلالها نظام التسجيل الإليكتروني بالمستشفى .

بورسعيد .. المشدد 3 سنوات لتاجر ملابس عرض الحشيش علي ضابط المشدد 6 سنوات لصاحب فاترينة بحرفيين بورسعيد يبيع المخدرات بورسعيد .. إزالة 3 حالات بناء مخالف على أرض زراعية فى منطقة الرضوان

جاءت جولة رئيس أقليم القناة و المشرف على بورسعيد تنفيذا لتوجيهات الدكتور أحمد السبكي رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية والمشرف العام على مشروع التأمين الصحي الشامل بتكثيف جولات المرور التفقدية علي  جميع المنشآت.
 

بجولة مرور مسائية رئيس إقليم القناة يفاجئ مستشفى سلام بورسعيد 

 

وتفقد الأقسام الداخلية ومستوي الخدمة الطبية المقدمة للحالات، ثم تفقد غرف الجناح الفندقي بالمستشفى .

رئيس الرعاية الصحية يفاجئ سلام بورسعيد 1000125901 1000125902 1000125903 1000125904 1000125905

واختتم المشرف على رعاية بورسعيد الصحية  بتفقد اقسام العناية والطوارئ .

كانت الجولة في إطار العديد من الجولات التفقدية التي يقوم بها رئيس إقليم القناة و المشرف على بورسعيد للإطمئنان علي مستوي الخدمة الطبية المقدمة  للوصول إلي أعلي نسب رضاء للمنتفعين حيث تعتبر مستشفي السلام أحد الصروح الطبية المميزة التابعة لهيئة الرعاية الصحية بمحافظة بورسعيد.

مقالات مشابهة

  • 40 عاما من الانتظار.. سر تأجيل تنفيذ حكم إعدام أشهر قاتل في بنسيلفانيا؟
  • أبوالنصر يفاجئ العاملين بهندستي ري مركز وشرق أسيوط
  • محمد رمضان يفاجئ أشرف داري بهذا الطلب
  • "خوخة السينما".. ذكرى رحيل خيرية أحمد التي أضحكتنا بـ"يا خراشي" و"ده مش شغل الستات"!
  • بعد قطع العلاقات..أردوغان يفاجئ إسرائيل بأول ضربة موجعة
  • في ذكرى ميلاده.. أحمد زكي إمبراطور السينما المصرية الذي لا ينسى
  • رحلة 3 طالبات إلى منتجع سياحي تتحول مأساة
  • عيد ميلاد أحمد حلمي: رحلة فنية ملهمة وعلاقة مميزة
  • رئيس إقليم القناة يفاجئ مستشفى سلام بورسعيد بجولة مرور مسائية
  • "بيلبورد" توثق رحلة نجاح الملحن مدين بعد دخول شيرين موسوعة جينيس بأغنية «كلام عنيه»