قال الدكتورمحمد الضويني، وكيل الأزهر، إن الاجتماع على «شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن» ومحاولة قراءة الواقع واستشراف المستقبل لهو من أوجب الواجبات الأزهرية؛ انطلاقا من أدوار الأزهر المتعددة، ومما لا شك فيه أن أعتى أمراض الأمم وأخطرها المرض الفكري، الذي يؤدي إما إلى التطرف الذي ينتج عنه الإرهاب بأنواعه، وإما إلى التفريط الذي ينتج عنه الانحلال الأخلاقي والإلحاد، وإما إلى التوقف والكسل الذي يؤخر الأمة، الأمر الذي يوجب على العلماء والمفكرين أن يعملوا بجد وبقوة لمواجهة هذا المرض العضال وحماية المجتمعات من خطورته.

المؤتمر الثالث لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة

وأوضح الدكتور الضويني خلال كلمته بالمؤتمر الثالث لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة والذي جاء تحت عنوان «نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن.. روية واقعية استشرافية»، أن هذا المؤتمر يجيء في وقت حساس من عمر الأمة، في ظل ما تتعرض له من محاولة تشويه تاريخها، وتزييف وعيها، وخداع شبابها، خاصة فيما يتعلق بحق الأمتين العربية والإسلامية في فلسطين، وإن التاريخ لا يغفر خطايا مجرمي الحرب، الذين لا يردهم دين ولا عرف ولا قانون، ولا يؤلمهم تفجير ولا هدم ولا قتل ولا موت، ولا يحكمهم عقل ولا فكر ولا قلب ولا مشاعر، وإن وعد الله لا يتخلف، «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ».

وبيّن وكيل الأزهر أن هذا المؤتمر خطوة في مسيرة جهود الأزهر الشريف التي تناقش قضايا الحياة المعاصرة في إطار شرعي يناسب الواقع المتغير، ولا يخرج في الوقت نفسه عن الأصول والثوابت، موضحا أن أحكام الشريعة التي تدور حول الضروريات الخمس، لا يتصور عمران مجتمع ولا صلاح أمور أفراده إلا بحفظها، ولا يتصور حفظها إلا في ظل وجود أمن، وخاصة الأمن الفكري.

وتابع أنه إذا كانت رسالة الأزهر تتضمن دراسة التراث الإسلامي، وإيضاحه، ونشره وما يستتبع ذلك من إجراء البحوث الرصينة والدراسات المنضبطة بالمنهجية العلمية، واقتفاء أثر السلف الصالح في الجد والمثابرة؛ فإنها رسالة سامية تناسب جلال الإسلام: عقيدة وشريعة وسلوكا، وقد تبلورت رسالة الأزهر عبر أجيال امتدت لأكثر من ألف عام؛ ليكون المرجعية العلمية الأولى لأهل السنة والجماعة في مصر وخارجها، في منهجية تتسم بالوسطية، وتجمع بين النقل والعقل، والتأويل المنضبط والتنزيه الواجب للذات العلية، واحترام كل مذاهب أهل السنة في العقائد والشرائع دون الاندفاع إلى تكفير أو تفسيق أو تبديع.

كلية الدعوة الإسلامية

وأضاف الدكتور الضويني أنه لا عجب إذا أن يكون الأزهر قبلة العلم لمن يفد إليه من بلاد العالم كافة من المسلمين، ولمن أراد الاهتداء إلى الدين القويم، وإذا كان الأزهر قد تصدى منذ نشأته للعلوم الإسلامية والعربية: تعليما ونشرا ومداسة، فضلا عن دوره في التكوين العلمي للدعاة وتطوير الخطاب الإسلامي في إطار من الحكمة والموعظة الحسنة، فإن من واجب الأزهريين المخلصين أن يتصدوا لحملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام من مغرض أو جاهل.

وأوضح وكيل الأزهر أنه تأتي أهمية هذا التجمع العلمي الذي تنظمه كلية الدعوة الإسلامية، والذي يعد أكثر وجوبا وإلحاحا في ظل الظروف الدقيقة التي تبحر فيها سفينة الأمة نحو مرفأ، يتيح لها الاستقرار والتقدم نحو بناء مستقبل أفضل، وما يعتريها من أنواء وأمواج عاتية، وقد أثبتت الظروف التي تمر بها أمتنا اليوم أن الأزهر الشريف ما زال يمثل ركيزة مهمة في صرح الأمة، تجده دائما ما ينهض للقيام بواجبه، وخاصة في الأوقات الحرجة؛ ليثبت أنه درع الأمة في وقت الشدة، وعلى كل الأزهريين أن يفخروا بانتمائهم لهذا الصرح العظيم.

وتابع الدكتور الضويني أنه ليحق لنا أن نفاخر بهذا الوعي العلمي والحراك المجتمعي الذي يقوم به الأزهر، حين يحاول وضع رؤية شرعية تواجه الانحراف بشقيه: التطرف الفكري والتطرف الأخلاقي، وتقف في وجه الأجندات الممولة والمشروعات الفكرية المنحرفة التي تسعي للنيل من إسلامنا الحنيف، فمنهج الشريعة الإسلامية لا ينتظر وقوع الأزمات، بل يحمي المجتمع من كثير منها بالقضاء على أسبابها، وهذا ليس غريبا على منهج يستمد مبادئه وأدواته من الدين الإسلامي الخاتم، الذي أراده الله لهداية البشرية جمعاء؛ ولذلك فإن الحرص على أحكام ديننا الإسلامي الحنيف يجنب المجتمع أزمات ومشكلات كثيرة.

وأردف أنه إذا كنا نفاخر بإسلامنا فإنما نفاخر بمنهجه المتكامل في الإصلاح، الذي يضمن مجتمعا متقدما حضاريا، ومنضبطا أخلاقيا، ونفاخر بعدالته التي تنتصر على الأزمات، وتخلص المجتمع من تداعياتها، ونفاخر بوعي أهله الذين استعصت هويتهم على الذوبان والاختراق، فهي هوية صلبة ثابتة، وإذا كان المنهج الإسلامي قادرا على مواجهة الأفكار الشائهة التي تضر بالمجتمع والتي تنشر الظلم والتطرف والانفلات؛ فإن الواجب علينا أن نتكاتف: أفرادا ومؤسسات؛ لنكون معا ضد أي انحراف يهدد الفكر، أو يزعزع الثوابت، أو يزيف التاريخ.

وأكد الدكتور الضويني أن رسالة الأزهر الشريف جامعا وجامعة هي تعزيز الوسطية والاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرف بجميع صوره وأشكاله، من أجل ترسيخ وحدة المسلمين مهما اختلفت مذاهبهم الفقهية والعقدية، وتباينت منازعهم الفكرية، وتوجهاتهم السياسية، ما داموا جميعا يسلمون بمرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولا يخرجون عن أطرها العامة. وهذا هو جوهر المدرسة الأزهرية. وإن من المهم أن تكون المؤسسات المعنية بتشكيل الوعي على دراية كافية بالتحديات التي تستهدف الدين، وإلمام جيد بتيارات التغريب التي تستهدف المجتمعات، والتي تشيع أنماطا معوجة من التفكير تخاطب في الإنسان غرائزه، وتثير شهواته، وتؤصل لانفلات سلوكي، وتحلل خلقي، وتشويش فكري.

واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه من المهم لمؤسساتنا المسئولة أن تفطن إلى المؤامرة التي تشغلهم عن أدوارهم بصراعات مدمرة حول قضايا ثانوية، ما كان لها أن تتحول إلى أسباب للنزاع والصراع والشقاق!، وإن الوصول إلى وعي فكري آمن فريضة دينية، وضرورة مجتمعية، ومسئولية تضامنية، يجب أن يسعى لتحقيقها الجميع، وأتوقع أن يخرج هذا المؤتمر برؤية واضحة وبرامج عملية تتعاون المؤسسات المسئولة على تنفيذها؛ لإيجاد هذه الحالة من الوعي الفكري الأمن، ولمواجهة هذه التحديات التي فرقت الأمة، وعطلتها عن دورها في قيادة ركب الحضارة الإنسانية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأزهر جامعة الأزهر الضويني وكيل الأزهر الدعوة الإسلامیة الدکتور الضوینی وکیل الأزهر

إقرأ أيضاً:

الأمين المساعد لـ البحوث الإسلامية: العداء للأمَّة عمره أكثر من أربعة عشر قرنا

قال الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلاميَّة، إنَّ العداءَ للأمَّة الإسلاميَّة ليس وليدَ اليومِ، ولا ابنَ الأمسِ القريبِ، وإنَّما هو عداءٌ قديمٌ عمرُه أربعةَ عشرَ قرنًا أو يزيد، منذ خُتمت رسالاتُ السَّماءِ بسيِّدِنا محمَّدٍ، وهو عداءٌ لا ينقطعُ، بل مستمرٌّ، ومتلوِّنٌ، بدأ بعداوةٍ صَريحةٍ في المجتمعين المكِّيِّ والمدنيِّ، ومرَّ بعداءٍ صُلبٍ اعتمدَ على قوَّةِ السِّلاحِ كما كان في الحروبِ الصَّليبيَّةِ، وانتهى إلى تغريبٍ ناعمٍ، وهو أخطرُ أنواعِ العداءِ المعاصرِ.

مرصد الأزهر يطلق دعوة لاعتماد ميثاق أخلاقي عالمي للإعلامالكرسي فارغ.. أول صور من مناقشة رسالة الدكتوراه للباحثة المتوفية في الأزهر

وأضاف الهواري -خلال كلمته بمؤتمر كلية الدراسات الإسلامية بالقاهرة، الذي عُقِد صباح اليوم بمركز الأزهر للمؤتمرات حول (التَّغريب في العلوم العربيَّة الإسلاميَّة)- أنَّ خطورة التَّغريبِ تظهر  في أنَّه يختبئ وراء أبواب مشروعة، فإعمالُ الفكرِ مشروعٌ، وتنويرُ العقولِ مشروعٌ، والنَّقدُ البنَّاءُ مشروعٌ، وتجديدُ النَّظرِ والرَّأيِ مشروعٌ، ولكن خلفَ هذا التَّنويرِ والتَّفكيرِ والنَّقدِ والتَّجديدِ المشروعِ يقفُ هذا التَّغريبُ الممنوعُ متدثِّرًا بعباءةِ العلمِ أحيانًا وثيابِ الحرِّيَّةِ أحيانًا وزيِّ الإصلاحِ أحيانًا أخرى، وما إلى ذلك من شعاراتٍ برَّاقةٍ انخدعَ بها كثيرون.

وأوضح الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني أنَّ من تأمَّل الواقع الآن يتوقَّفُ أمامَ إلحادٍ يزاحمُ الإيمانَ، وشكٍّ يزاحمُ اليقينَ، وهشاشةٍ وضعفٍ تقابلُ الرُّسوخَ والثَّباتَ، واضطرابٍ وقلقٍ يقابلُ السَّكينةَ والسَّلامَ، ولا تخطئُ عينٌ ما نعاني ويلاتِه من أنماطِ تفكيرٍ غريبةٍ، وأنماطِ استهلاكٍ عجيبةٍ، وأفكارٍ دخيلةٍ مريبةٍ، وتقليدٍ مذمومٍ دون مراعاةٍ لخصوصيَّةٍ ثقافيَّةٍ ولا لهُويَّةٍ دينيَّةٍ، وتهميشٍ مقصودٍ لمكوِّناتِ هُويَّتِنا من عقيدةٍ، ولغةٍ، وقيمٍ، وتاريخٍ، حتَّى وصلَ الأمر ببعضِ الشَّباب إلى أن يُقلِّدَ حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّة!

وأشار إلى أنَّ المجتمعاتِ الَّتي تتوقَّفُ عند الأوجاعِ والآلامِ دون أن تتجاوزَها مجتمعاتٌ يوشكُ أن يطويَها الزَّمنُ، وإنَّ من الصَّوابِ أن تسعى المجتمعاتُ إلى وضعِ علاجٍ ناجعٍ لأمراضِها في ضوءِ ما تملكُه، وأنَّ الوعيَ بمخاطرِ التَّغريبِ، وإدراكَ وسائلِه، ومعرفةَ مؤسَّساتِه خطوةٌ ضروريَّةٌ، ولكنَّها ليست خطوةً أخيرةً؛ بل هي بدايةٌ لطريقِ تصحيحٍ طويلٍ، ندركُ فيه الواقعَ، ونستلهمُ الماضي، ونخطِّطُ للمستقبلِ.

وتابع: من الواجبِ ونحن نواجهُ التَّغريبَ الَّذي يهدِّدُ المجتمعاتِ المسلمةَ أن نتذاكرَ أسسًا ضروريَّةً، منها: أنَّ التَّمسُّكَ بهويَّتِنا ومكوِّناتِها ضمانةٌ حقيقيَّةٌ ضدَّ أيِّ اختراقٍ، وستبقى محاولةُ فرضِ النَّموذجِ الغربيِّ بتفاصيلِه في المجتمعاتِ المسلمةِ في ميادينِ العقيدةِ، والفكرِ، والتَّعليمِ، والإعلامِ، محاولةً فاشلةً، فما تزالُ هويَّتُنا سَدًّا منيعًا حافظًا ما لم نفرِّطْ فيها، ومنها: أن نوقنَ أنَّ الإسلامَ لا ينادي بالانغلاقِ ولا بالجمودِ، بل إنَّ الإسلامَ يقرُّ التَّعدُّديَّةَ، ويحترمُ الاختلافَ، ويدعو إلى التَّعارفِ المثري، ولكنَّه لا يُلغي الخصوصيَّاتِ ولا الهويَّاتِ، ومنها: أنَّ الإسلامَ يقدِّمُ نموذجًا تربويًّا متفرِّدًا شاملًا يُعنى بالعقلِ والقلبِ، والمادَّةِ والرُّوحِ، والدُّنيا والآخرةِ، في توازنٍ وتكاملٍ وتناغمٍ فريدٍ، وذلك في مقابلِ نموذجِ حضارةِ اللَّذةِ والشَّهوةِ والمادَّةِ فحسب.

واختتم الدكتور محمود الهواري بأنه إذا كانت أدوارُ الأزهرِ الشَّريفِ متعدِّدةً فإنَّ من أهمِّ أدوارِه أن يحافظَ على تواصلِ الأجيالِ، وأنَّ الأجيالَ لا تتواصلُ ما لم يكن بينها رباطٌ وثيقٌ ينتقلُ من جيلٍ إلى جيلٍ، يفيدُ منه، ويبني عليه، وهذا هو التُّراثُ الَّذي يُعنى الأزهرُ الشَّريفُ بنقلِه ومدارسته، وأنَّ الوصولَ إلى وعيٍ فكريٍّ آمنٍ فريضةٌ دينيَّةٌ، وضرورةٌ مجتمعيَّةٌ، ومسئوليَّةٌ تضامنيَّةٌ، يجب أن يسعى لتحقيقِها الجميع.

مقالات مشابهة

  • ملتقى الأزهر: الانصراف عن منهج الله بات ظاهرة بين بعض الشباب
  • الأمين المساعد لـ البحوث الإسلامية: العداء للأمَّة عمره أكثر من أربعة عشر قرنا
  • وكيل الأزهر الأسبق: ارتداء فنان بدلة رقص عار على مصر وتاريخها
  • مجمع البحوث الإسلامية: الأزهر والداخلية شريكان في بناء وعي الشخصية المصرية
  • الضويني يزور معهد روضة بدر الأزهري لمتابعة الارتقاء بالمنظومة التعليمية
  • البحوث الإسلامية: افتتاح معرض الكتاب الدائم ومقر لجنة الفتوى بجامعة الأزهر
  • عاجل | أبو عبيدة: فلسطين وشعبها لن ينسوا الوقفة المشرفة من الإخوان باليمن وتلك العزيمة الصلبة التي تبشر بخيرية الأمة
  • وكيل الأزهر يعتمد نتيجة رواق العلوم الشرعية والعربية بنسبة نجاح 79%
  • اليمن.. نارُ الكرامة التي لا تنطفئ
  • بنسبة 79%.. وكيل الأزهر يعتمد نتيجة رواق العلوم الشرعية والعربية