يمانيون:
2025-01-27@04:40:58 GMT

الإنسان بين الضآلة والجبروت!

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

الإنسان بين الضآلة والجبروت!

عبد العزيز البغدادي

مثلما أن الجزء من الكل، فإن الكل ليس سوى مجموع الأجزاء، ينطبق هذا على الكون في علاقته بالمجرات والأجرام والكواكب والنجوم وكل تفاصيل الكون الأرحب واللامتناهي، كما ينطبق على (الأرض) وطن الإنسان المتعاظم الذي يتفنن في ابتكار كل أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة وفي تلويث هذا الوطن الذي ملأه بالويلات والآثام، ومن الغريب أن هذا الكائن الضئيل المسمى إنساناً يمتلك من القدرات العقلية الهائلة المكتشفة ومنها قدرته على ابتكار أسلحة الدمار الشامل وكل فنون القتال المعروفة بما تنشره من آلام وفظائع وغير المعروفة أو مكتشفة انطلاقاً من مضمون الآية الكريمة : (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) ولا ندري إلى أين ستوصلنا هذه القدرات والملكات المستخدم معظمها في فنون التوحش، ومن المحزن أن هذا الإنسان الجبار عاجز عن رؤية حجمه قياساً بحجم الكون أو حتى بحجم وطنه (الأرض) الذي نرى كثيراً من الأغبياء يبحثون لهم عن هويات تبعدهم عن الوطن الصغير إلى وطن أصغر خدمة لبعض الأهواء المعتلة وتقصيهم عن رؤية آيات الجمال الطبيعي وتعدد المناخ وما تخلقه القدرة الكونية أو أي قدرة وفقاً لمختلف التصورات والعقول والأفكار والأفهام .


هذا الكائن يتفنن في صناعة أسباب الموت أكثر من تفننه في صناعة أسباب الحياة وتطويرها بما يحقق التوازن بين المادي والمعنوي.
الإنسان – كما قيل – عالم بذاته، فيه يختصر وطنه (الأرض) من بحار وجبال وأنهار وسهول وصحار ووديان وبراكين، ومُخُّه يشبه الكون – كما يقول بعض علماء الكونيات أو علم الكون، وفي عالمه تكمن كل المتناقضات، ومن خلال نشاطه – وأقصد هنا الإنسان الأكثر نشاطاً وحركة وتأثيراً، ومصدر كل ذلك تفاعل عوامل الخير والشر داخله كتفاعل عناصر الأرض، ومدى تغلب الخير والوئام والسلام أو التوتر والقلق والحروب الفتاكة، يلخص ما يؤول إليه تأريخ الإنسان منذ وَجِدَ، صراعٌ مستمر، إما اعتداءً أو دفاعاً استخدم فيه في بداية تأريخه قوته البدنية الطبيعية، ثم بدأ بتطويع الطبيعة في خدمته وتحقيق أغراضه ومطامعه بدءاً باستخدام الأحجار ثم الأخشاب والحديد في البناء وصناعة آلات الحرب البدائية، أي أنه صنع منها ما يخدم الحياة والموت معاً وتفنن في وسائل وأساليب القتال، ببساطة يبدو الإنسان موطن الخير والشر تحركه الغريزة والعقل، أو الغريزة قبل العقل لأنه الكائن الذي يجمع بينهما في ذاته، حيث يعرَّف بأنه حيوان عاقل، وحين يوصف بالعاقل فهذا لا يبعده عن الشر لأن العقل مثلما هو مصدر الخير هو كذلك مصدر الشرور التي لا يقوى على فعلها واتقائها أقوى الوحوش المفترسة، فعقل الإنسان ابتكر أسلحة صيد قادرة على قتل عدد كبير من الطيور بطلقة صيد واحدة تحتوي على كمية كبيرة من الشظايا أو المفرقعات، أي أن الشظية الواحدة تقتل طائراً في السماء بهمسة زر بندقية الصيد تفوق قوة الأسد العاجز عن الطيران للامساك بالطير، الإنسان المميز بالعقل المفترس بات أشرس من أكثر الحيوانات افتراساً بأنيابها ومخالبها، وقادر على إبادة سكان مدينتين بل سكان الأرض إن أراد بهمسة زر مفتاحه داخل حقيبة الموت المحفوظ بجيب رئيس من رؤساء الدول التي يُطلق عليها العظمى قد لا يكون بكامل قواه العقلية .
ومن أهم مزايا هذه الدول احتكار أسلحة الدمار الشامل مع حريتها وقدرتها على تدمير العالم باسم الشرعية الدولية وعلى صناعة الحكام الدمى في الدول الصغيرة، منها من تحكم باسم الديمقراطية والعلمانية، ومنها من تحكم باسم الدين والخرافات والعقائد الفاسدة بكل أشكالها، تحكم شعوباً يتم تجهيلها وتدجينها وتدوير عجلة التخلف بأبشع الأدوات والوسائل وكل أنواع العصبيات المريضة التي يجهل أصحابها أو يتجاهلون ضآلة هذا الكائن الذي يُدعى الإنسان، والأغلبية هم الجهلة ولكن القرار غالبا بيد جزء من المتجاهلين يدفعهم ذلك لتغليب الغريزة وتجاهل أهمية العقلانية واحترام العلم فيقربهم من خانة المجرمين أو المتنمرين وينشط نزعة الشر لديهم، فالجهل مصدر الشر والعلم مصدر الخير – كما يرى كثير من الفلاسفة، ولذلك فإن غالبية الحكام من الأشرار، وإلا فما الذي يدفعهم لتجهيل الشعوب وتدجينهم وتحويلهم إلى مجرد قطعان مطبوعين على السمع والطاعة عكس ما تدعو إليه الآية الكريمة  (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)؟
والنتيجة المحزنة أول من يجني ثمارها الحاكم الذي تغلبت غرائزه على عقله فافترست غريزة روحه شهوة التسلط – أحط أنواع الشهوات عند من يعقل، هذا النهج الغرائزي للإنسان يتجلى في استخدام عقله الجبار في ابتكار أبشع أساليب الوحشية وكيل السباب والشتائم على الحيوانات والوحوش المسكينة لاستخدامها غريزة الافتراس مع تدبيج الخطب والمواعظ باسم الفضيلة والإنسانية عن الوحشية والتوحش مخاطباً غيره بفعل الخيرات واجتناب المنكرات، وهذا حال كل من يقولون ما لا يفعلون !!،
هو العدل عنوان كل تقي * ومحرابه المستطاب النقي

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

جلال برجس: غجر «معزوفة اليوم السابع» يمثلون المهمشين في الأرض والمدينة السباعية ترمز لصراعات الإنسان الداخلية  (حوار)

فى عالم الأدب العربى يبرز اسم جلال برجس كأحد الأسماء اللامعة التى تجاوزت حدود الكتابة لتسجل حضوراً قوياً فى الرواية والشعر وأدب المكان، إذ يمتلك قدرة كبيرة على خلق عوالم غنية بالكلمات تتدفق بالحنين والحكايات، موثقة ذاكرة المكان بتفاصيله المدهشة. أعماله الأدبية لا تقتصر على سرد القصص، بل تجسد الصراع الإنسانى والوجدانى، لتكون بمثابة مرآة تعكس قضايا المجتمع الأردنى والعربى.

الشاعر والروائي الأردني: المعرض فرصة للتواصل مع القارئ وإثراء الحوار الثقافي

وبمناسبة مشاركته فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، تحدّث «برجس» عن روايته الأحدث «معزوفة اليوم السابع» التى تُعدّ تجربة سردية متميزة تجمع بين الرمز والتأويل والتأمل فى مستقبل الإنسان.

ماذا يمثل لك الوجود فى معرض القاهرة الدولى للكتاب؟

- المعرض حدث ثقافى استثنائى، يتيح لى فرصة التفاعل المباشر مع القارئ العربى، وهو بالنسبة لى إضافة مهمة، إنه أكثر من مجرد فعالية لبيع الكتب، بل ملتقى ثقافى يجمع بين الكُتاب والقراء من مختلف أنحاء العالم، ما يعزز فكرة السياحة الثقافية، ويعطى دفعة قوية للحراك الثقافى العربى.

بم تفسر استخدام المدينة الخيالية والأحياء السبعة كمكون أساسى فى بناء الرواية؟.. وهل تحمل هذه الأحياء رمزية معينة؟

- المدينة المكونة من سبعة أحياء تُعد عنصراً أساسياً فى بناء رواية «معزوفة اليوم السابع»، فهى تمثل إطاراً رمزياً يحمل دلالات متعددة، هذه الأحياء السبعة ليست مجرد مساحات جغرافية، بل هى انعكاسات للعالم الداخلى للشخصيات، حيث تجد فى كل حى ما يميزه عن الآخر؛ ربما شجرة، أو طائر، أو لون جدار. تركتُ للقارئ حرية تأويل هذه الرموز، لأنها تمثل مراحل مختلفة من أزمة الإنسان فى زمننا الراهن، حيث التغيرات المتسارعة تُفضى إلى مناطق مجهولة، أنتظر القارئ ليقدم تفسيراته الخاصة التى تتماشى مع تجربته الشخصية.

أترى أن هذا الرمز يعكس الواقع المعاصر مع الوباء الذى تصاب به البشرية؟

- حاولت من خلال هذه المدينة أن آخذ القارئ فى رحلة إلى المستقبل، لكن ليس بلغة الروايات التقليدية التى تستشرف المستقبل، بل من خلال رؤية تعتمد على إسقاطات الحاضر، هذه المدينة الخيالية ما هى إلا انعكاس لما قد يحدث إذا استمرت البشرية على هذه الشاكلة، وبالتالى فإن المستقبل ليس سوى امتداد للحاضر بأزماته وتحولاته.

كيف تتعامل مع عنصر الزمن فى رواية «معزوفة اليوم السابع»؟

- الزمن فى الرواية ليس مجرد أرقام، بل هو حدث وتحوُّل، حيث تتكشف الأحداث من خلال تأثير الزمن على الإنسان، لا من خلال تعاقب الأيام فقط، أرى الزمن من خلال الأثر الذى يتركه على الكائن البشرى، والتساؤل الكبير الذى تطرحه الرواية هو: ما هو الزمن؟ وبالتالى نجد فى الرواية إسقاطاً على الواقع الحالى وتأثيراته العميقة على النفس البشرية.

ماذا عن تبرير الرواية العلاقة بين الهامش والمركز عبر شخصيات الغجر؟

- الغجر فى «معزوفة اليوم السابع» يمثلون كل الفئات التى وقع عليها الظلم فى هذا الكون، هم الجوهر العميق للهامش الإنسانى الذى تم استبعاده من المركز، وبالتالى، فإن وجودهم فى الرواية يُبرز بوضوح العلاقة المتوترة بين الهامش والمركز، حيث لم يكن من قبيل المصادفة أن تكون الحدود الفاصلة بين المدينة ومخيم الغجر هى النفايات، وهى إشارة عميقة ترمز إلى التهميش والإقصاء الاجتماعى. وكان لدىّ تساؤلات كبيرة عن الغجر مثل دينهم، حيث لا يدفنون موتاهم مع المسلمين ولا المسيحيين، ولماذا يسكنون الخيام بدلاً من البيوت؟ وما علاقتهم بالموسيقى؟ عندما دخلت فى علاقة معهم وذهبت إلى خيامهم، اكتشفت أنهم يرون الكتاب شراً والمعرفة لعنة.

ما دلالة التداخل بين الخيال والواقع فى الرواية؟ وكيف يعكس هذا التداخل قضايا الهوية والذاكرة الجمعية؟

- فى هذه الرواية لم أسعَ إلى تقديم صورة فوتوغرافية للواقع، بل اخترتُ أن أذهب إليه جلال برجس، استخدمتُ الخيال للخروج من قيود الواقع ولإسقاط أبعاد جديدة عليه، هذه المقاربة تختلف عن أعمالى السابقة التى كانت تستشرف المستقبل من خلال قراءة الحاضر، هذه الرواية بمثابة محاولة لاستخراج الأمل من عمق الألم.

كيف تعكس الرواية أزمة الإنسان فى مواجهة الموت والدمار؟

- تناولت الرواية مفهوم الموت من زاوية مختلفة، حيث يرتبط الموت هنا بخيارات الإنسان المصيرية، إما الفناء وإما الخلود، إن الرواية تتناول المنظومة الإنسانية بكاملها، وتسعى لفهم ما يحدث لها وما قد يحدث فى المستقبل.

أيمكن اعتبار الرواية دعوة لإعادة النظر فى القيم الإنسانية والتضحية الفردية فى مواجهة الظروف القاسية؟

- بالتأكيد، الرواية ليست فقط دعوة لإعادة النظر فى القيم، لكنها أيضاً محاولة لاستفزاز الإنسان، ودفعه للتفكير فى مآلات الأمور، أسأل القارئ بشكل مباشر: ماذا فعلت لتتفادى الواقع الحالى؟ وماذا ستفعل لمواجهة ما هو قادم؟

كيف تشكلت كتاباتك الأولى فى ظل الظروف الاجتماعية والسياسية للأردن؟ وما تأثير هذه الظروف على أعمالك الأدبية؟

- الكتابات الأولى لى كانت نتاجاً تفاعلياً مع الواقع الاجتماعى والسياسى، وخلال فترة من الأزمات والتحديات كنت شاهداً على التغيرات السياسية والاجتماعية التى أثرت بشكل كبير على الناس، وكنت مهتماً بالبحث عن الأبعاد الإنسانية لهذه الظروف.

تلك التأثيرات ألهمتنى فى خلق شخصيات مليئة بالصراعات الداخلية، سواء على مستوى الهوية أو الانتماء، وعملت على تصوير حياة الأفراد المهمشين، وكأننى كنت أروى قصصهم من خلال كتاباتى، محاولاً تسليط الضوء على محنهم ومعاناتهم فى ظل هذه الظروف، فى النهاية كانت أعمالى الأدبية محاولة لفهم الواقع بشكل أعمق، والتعبير عن القضايا التى تتعلق بالهوية والظلم والتهميش فى المجتمع.

مسئولية الكاتب تشكيل الوعي الجمعي للمجتمع وليس مجرد رواية القصص.. وأردت تقديم رؤية جديدة للواقع المعاصر باستخدام أدوات الخيال

ما الدور الذى يلعبه الكاتب فى تشكيل الوعى الجمعى العربى من خلال أعماله الأدبية؟ وكيف تعكس رواياته هذه المسئولية؟

- الكاتب فى رأيى لا يقتصر دوره على تقديم القصص أو الأعمال الأدبية فحسب، بل هو مسئول عن تشكيل الوعى الجمعى للمجتمع، من خلال تسليط الضوء على القضايا التى تؤثر فيه، والروايات مرآة للواقع، كلما كانت الرواية قادرة على التعبير عن آلام وآمال الناس، كان لها دور فى توجيه الفكر الجمعى للأمة. فى أعمالى، حاولت أن أتناول قضايا مثل التهميش والعنصرية والهوية، بحيث تكون الرواية ليست فقط قصة تُروى، بل أداة لإيقاظ الوعى وإثارة الأسئلة، ومن خلال شخصيات الروايات وصراعاتهم يعكس العمل الأدبى واقعاً اجتماعياً يعانى منه الكثيرون، وبالتالى تعكس الرواية مسئولية الكاتب فى خلق فضاء للحوار والنقاش حول القضايا التى تمس المجتمع بشكل عام.

الأسلوب الأدبي

لا أعتبر نفسى انتقلت من الشعر إلى الرواية، فأنا أرى أن الاثنين متلازمان، الشعر والرواية يكملان بعضهما البعض، وأرى أن كثيراً من الروائيين الناجحين بدأوا رحلتهم من عالم الشعر، الشعر يمنحنى القدرة على ابتكار شعرية الحدث الروائى، وإضفاء العمق الجمالى على النص.

مقالات مشابهة

  • فيديوهات مخلة والاعتداء علي قيم المجتمع.. اليوم محاكمة وحش الكون
  • الإنسان الوحيد الذي يعيش بعضو مزروع من حيوان
  • اليوم التالي في غزة بين نرجسية الاحتلال وداعميه وقوة الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة!
  • وزير الأوقاف: الوطن سيظل يتدفق منه الخير والعطاء رغم التحديات والأزمات
  • أولى جلسات محاكمة «وحش الكون» بتهمة التحريض على الفسق.. غدًا
  • جلال برجس: غجر «معزوفة اليوم السابع» يمثلون المهمشين في الأرض والمدينة السباعية ترمز لصراعات الإنسان الداخلية  (حوار)
  • تؤثر على الاتصالات والطيور وصحة الإنسان ... عاصفة مغناطيسية تضرب الأرض خلال ساعات
  • العالم الزاهد.. وزير الأوقاف يُصلي على الأرض دون «سجادة» في معرض الكتاب
  • خطيب مسجد الشرطة: إذا أراد الإنسان معرفة نعمة الأمن فلينظر إلى من فقدها| فيديو
  • "من حديث القرآن عن الإنسان".. في جناح مجلس حكماء المسلمين بمعرض الكتاب