الجزيرة:
2025-03-15@02:37:17 GMT

الاستعراب السنغالي.. أجنحة الضاد على ضفاف نهر صنهاجة

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

الاستعراب السنغالي.. أجنحة الضاد على ضفاف نهر صنهاجة

ذات مؤتمرٍ لرابطة العالم الإسلامي، أحال رئيس الجلسة الكلام لممثل دولة السنغال الأديب المستعرب الشيخ إبراهيم جوب (رحمه الله)، وقبل أن يمنحه الكلام، تساءل هل توجد ترجمة، فما كان من الشيخ السنغالي إلا أن افتتح كلامه بشطر من رائية الشاعر الجاهلي امرئ القيس "وهل أفنى شبابي غير هِرّ؟"

وتساءل: وكيف أحتاج الترجمة إلى اللغة العربية، وأنا الذي عشت بها وتلقيت تعليمي، وكان معلمي الشيخ الموريتاني يأخذ بلساني حتى أنطق الحاء فصيحا.

ضجت القاعة بالإجلال والتقدير للشيخ الذي ظل لعقود طويلة رئيس رابطة علماء السنغال، وأحد أكثر ألسنتها فصاحة وبهاء رونقا في الحديث والكتابة.

وليس الشيخ جوب إلا مثالا لأجيال من السنغاليين أخذت معارف اللغة العربية طرية عبر المدارس الإسلامية الأصلية التي كانت المصدر التعليمي الأوحد في بلاد "السنغال" قبل دخول المستعمر الفرنسي، الذي أدخل السنغال في ليل من الفرانكفونية أعاد بها تشكيل هويتها "الرسمية" على الأقل.

جمع من رواد اللغة العربية بالسنغال يخلدون يومها في العاصمة دكار (الجزيرة) العربية.. زاد في حقائب التجار المسلمين

وصلت اللغة العربية إلى السنغال غضة طرية في قوافل التجار المسلمين الذين كانوا الفاتحين الأوائل للقلوب قبل الأمصار الأفريقية، ثم تعززت بعد ذلك بجوار موريتانيا ذات التاريخ الحافل بخدمة اللغة العربية.

وقد كان "العلماء والتجار" الموريتانيون بشكل خاص أقرب الناس إلى السنغال، وكانت الضاد من أول وأهم ما يعبر ضفتي نهر السنغال جيئة وذهابا، ويتشابه النظامان التعليميان التقليديان إلى حد التماهي بين البلدين، مع اختلاف في المخرجات.

وتعتمد المدارس التقليدية في السنغال تعليما تراكميا يشمل على سبيل المثال:

– دراسة القرآن الكريم وحفظه، ويمتاز السنغاليون بالحرص على كتابة المصحف بخط اليد، ليكون بمثابة الإجازة، في حين يتجه النظام الموريتاني إلى دراسة مجموعة من المتون في الرسم والتجويد إضافة إلى برنامج تمريني في الحفظ والكتابة القرآنية قبل نيل الإجازة المسلسلة في حفظ كتاب الله وتجويده.

– وفي معارف الفقه، يدرس الجميع مختصرات كتب الأخضري، وابن عاشر، ومختصر الشيخ خليل، وتحفة الحكام لابن عاصم، وكتب أخرى في قواعد وأصول الفقه.

– وفي اللغة العربية، يدرس الطرفان كتب ابن مالك في النحو والصرف والمعجم وكتب السيوطي في البلاغة، إضافة إلى الديوان الستي (ديوان الشعراء الجاهليين الستة)، ومقامات الحريري التي تحظى بتقدير خاص لدى مختلف الشعوب المسلمة في غرب أفريقيا، حيث يعتبر حفظها دليلا على الفتوة والتمكن من ناصية الضاد.

المهتمون بنشر اللغة العربية يخلدون يومها في العاصمة دكار (الجزيرة)

كما احتلت كتب الشيخ أحمد بمب البكي السنغالي مكانا سميا في التعليم الديني في السنغال، وكان هذا الشيخ من علماء وشعراء بلاده، وإليه تنسب الطرفة الشهيرة عندما سأله أحد تلاميذه "بم توصيني"، وذلك بمد (ما)، فرد عليه الشيخ قائلا: أوصيك أن لا تمد (ما) إذا كان بعدها فعل.

وقد اشتهر من شعراء السنغال عدد كبير، من أهمهم الشيخ الحاج عمر تال، والشيخ أحمدو بمب بن حبيب الله، والترجمان الشهير محمدن ولد ابن المقداد، والشيخ إبراهيم انياس، والشيخ تيرنو حامد آن التلري وقد كان من أجلاء علماء وشعراء السنغال، وامتاز أدبه بقوة السبك وروح الفخر إذ يقول:

أنا شاعر البيضان والسودان.. ترب القصائد فارس الفرسان

وأنا المجـيـد سليقة وجـبلـة.. كاللـيـث عــند تـزاحم الأقـران

وقد كان الشاعر محمدن ولد ابن المقداد ذا مجلس عظيم يفد إليه الشعراء والعلماء الموريتانيون من كل حدب، وتنعقد فيه مجالس الإنشاء واللهو، كما كان قبلة للأمراء والسادة والشخصيات الكبيرة، وكان الشاعر الترجمان يدخل في سجالات بالفصحى واللهجة الحسانية الموريتانية مع نظرائه القادمين من الضفة الشمالية لنهر السنغال (موريتانيا)، حيث كان مبرزا في مختلف معارف وقيم عصره.

وفي السياق ذاته، تحولت قصائد الشيخين أحمدو بمب والشيخ إبراهيم انياس إلى أيقونات أدبية يشدو فيها ملايين المريدين في مختلف أنحاء غرب أفريقيا، حيث حولهما التصوف إلى تراتيل يشدو بها العباد والدراويش في حلقات الذكر ومواسم الصفاء الروحي.

وإذا كان ماضي تراث الاستعراب في السنغال مشرقا، فإن عواصف الاستعمار وأستار الفرانكفونية ضربت بجران راسخ على الإرث العروبي والإسلامي في السنغال، ومع ذلك ظلت المقاومة والاستعصاء الثقافي خصوصا في محاضنه التقليدية مستمرا، وأسس العلماء والمثقفون السنغاليون جمعيات وأندية متعددة من أجل حماية لغة القرآن ومعارفها من طوفان الفرانكفونية الجارف.

ويعود تأسيس بعض تلك المؤسسات إلى السنوات الأولى من قيام الدولة الوطنية، كما هي حال الاتحاد الثقافي الإسلامي: الذي تأسس سنة 1953، والاتحاد الوطني للجمعيات الثقافية الإسلامية في السنغال الذي تأسس هو الآخر سنة 1962، وجمعية المستعربين التي تأسست عام 1965، وكانت جزءا من الحزب الاشتراكي السنغالي الحاكم حينها.

وقبل هذه الجماعات والمؤسسات كانت المدارس الإسلامية التقليدية الركن الأساسي الذي آوت إليه العربية في غربتها تحت العباءة الفرانكفونية، وقد تعزز أداء هذه المدارس بعد أن تحولت إلى معاهد حملت اسم "المعاهد الأزهرية" في طوبى، ومعاهد الشيخ عبد الله انياس في كولخ، وقد كان للأساتذة الموريتانيين دور كبير في إسناد هذه المؤسسات التي خرجت عشرات الآلاف من المستعربين الذين يقودون اليوم نضالا حثيثا من أجل التمكين للغة القرآن.

نضال متواصل من أجل الترسيم

يذهب وزير التربية السنغالي الأسبق أبادير تام إلى أن 35% على الأقل من الشعب السنغالي يتكلمون اللغة العربية، وهناك من يرفع النسبة لتقارب نصف السكان.

ويمثل هؤلاء وقود النضال من أجل التمكين لهذه اللغة التي ترتبط في الوجدان السنغالي بالدين والقيم والمكانة الاجتماعية الرفيع، ويرتبط هؤلاء أساسا بالمرجعيات الدينية والطرق الصوفية، التي تعتبر المنهل والمورد الأساسي للغة العربية في السنغال.

ويعتبر المستعربون السنغاليون العشرينية المنصرمة سنوات فتح وتمكين للعربية، خصوصا بعد انتهاج سياسة التعليم الفرنسي- العربي الذي تنتمي إليه حتى الآن قرابة 700 مدرسة ابتدائية، و30 مدرسة ثانوية وأكثر من 110 مدارس إعدادية، وفق ما أدلى به رئيس قسم التعليم العربي بوزارة التربية السنغالية عثمان باه، في مقابلة مع الجزيرة نت.

رئيس قسم التعليم العربي بوزارة التربية السنغالية عثمان باه (الجزيرة)

وقال عثمان باه إن هذه المدارس تتقاسم التوقيت بين اللغتين العربية والفرنسية، حيث يدرس التلاميذ بالأولى معارف اللغة العربية والشريعة الإسلامية، في حين تدرس المواد العلمية الأخرى باللغة الفرنسية، ومن شأن هذا التعليم إقامة نظام ازدواجي يعزز اللغة العربية مع الزمن، من دون أن يقطع أمام الطالب السنغالي فرص الاندماج في نظام التوظيف السنغالي المفرنس بشكل شبه كامل.

وإضافة إلى ذلك، أقرت السنغال شهادة الثانوية العربية، فضلا عن فتح قسم للعربية في المدرسة الوطنية للإدارة (المسؤولة عن تكوين الموظفين الجدد)، وهو ما سيمكن المستعربين من الولوج إلى السلك الوظيفي، وخصوصا السلك الدبلوماسي حيث ترتبط السنغال بعلاقات وثيقة مع مختلف الدول العربية، ويبدو أن هذه البوابة الدبلوماسية سيكون مفتاحها مع الزمن بيد المستعربين.

ومع هذه الآفاق لا يزال المستعربون يشكون من ضعف تمثيلهم في التعليم العالي، فوفق السيد عثمان باه فإن عدم وجود جامعة حكومية باللغة العربية ما زال عائقا أمام مئات الآلاف من الشباب المستعرب، ليكون قسم اللغة العربية بجامعة الشيخ آنتا ديوب (كبرى الجامعات السنغالية)، وقسم اللغات الحية بجامعة ولاية تييس، من أهم المنافذ أمام الطلاب السنغاليين غير القادرين أو الراغبين في الهجرة إلى الدول العربية حيث توجد جاليات سنغالية متعددة.

رئيس قسم اللغة العربية بمدرسة تكوين المعلمين في السنغال شيخ صمبو (الجزيرة)

ويمثل هؤلاء المستعربون أساسا لقسم اللغة العربية بمدرسة تكوين المعلمين، حيث يتلقون تكوينا تأهيليا قبل اكتتابهم في هذه المدارس، حيث يدرسون تخصصات علمية وأكاديمية تعينهم على الاضطلاع بمسؤولية نشر لغة القرآن بين الأجيال السنغالية

ولا يزال عدد المدرسين محدودا، مقارنة مع الحاجة المتصاعدة، ويقدر رئيس قسم اللغة العربية بمدرسة تكوين المعلمين شيخ صمبو في حديث مع الجزيرة نت، عدد الأساتذة المستعربين بحوالي ألفي أستاذ يتولون تدريس اللغة العربية في المدارس الحكومية، في حين يصل حجم الاكتتاب السنوي إلى ما بين 50-80 مدرسا رسميا، ولكن عدد مدرسي اللغة العربية في المدارس الخاصة يقدر بالآلاف.

ويتفق مع رأي الأستاذ عثمان باه الدكتور يعقوب بجال رئيس فرع دكار من جامعة الشيخ أحمد بمب التي تشرط اللغة العربية للانتماء إلى كليات هذه الجامعة التي تحمل اسم أعظم وأشهر علماء اللغة والشريعة في بلاد السنغال.

رئيس فرع دكار بجامعة الشيخ أحمد بمبا، يعقوب بجال (الجزيرة)

ويصل عدد طلاب هذه الجامعة 5 آلاف حتى الآن -حسبما قال بجال للجزيرة نت- من بينهم 2080 وجّهتهم وزارة التربية السنغالية إلى هذه الجامعة الجديدة، ويسعى القائمون عليها إلى فتح بوابات جديدة أمام طلابها تمكنهم من إتقان 3 لغات على الأقل، (العربية، الفرنسية، الإنجليزية) عكس الفرانكفونيين الذين تنتهي مطامحهم عند إتقان لغة موليير أو التحدث بها بطلاقة على الأقل، حسبما يقول يعقوب بجال.

وبين الطموح والآمال والمخاوف والعقبات، تملك اللغة العربية أوراق قوة عديدة، وتجري رياح الزمن بما تشتهيه سفن المستعربين الذين ما زالوا يتنسمون عبق الضاد الذي حملته سفن الفاتحين والتجار المسلمين، راسما واحدة من أعمق العلاقات بين الغرب والشمال الأفريقي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قسم اللغة العربیة فی السنغال العربیة فی على الأقل رئیس قسم وقد کان من أجل

إقرأ أيضاً:

الصابئة المندائيون في العراق يحتفلون بعيد الخليقة أو البرونايا

بغداد اليوم -  بغداد

بدأ الصابئة المندائيون في العراق احتفالاتهم بعيد الخليقة أو "البرونايا"، فيه انبثقت الحياة وتجلت صفات الخالق، هكذا يعبر أبناء الطائفة عن عيدهم.

ويشهد هذا العيد طقوسا دينية عدة لطلب الغفران وبداية عهد جديد مع الخالق وتعزيز الوحدة والتآخي بين أبناء الطائفة.

تستمر الطقوس لخمسة أيام عبر الصلوات والتعمد بمياه الأنهار، وتعتبر الصلاة، وَالصوم، وَالصدَقة، والتعميد من أهم أركان هذه الديانة.

الصابئة المندائية هي ديانة غير تبشيرية ولا تؤمن بدخول أحد إليها، كما تحرم الزواج من خارج الديانة.

الكتاب المقدس الأهم عند المندائيين هو "كنزا ربّا" أي "الكتاب العظيم". ويحتوي على صحف الأنبياء الذين يؤمنون بهم كآدم وشيت وإدريس ويحيى. هناك أيضا كتب أخرى أقل أهمية.

وتنحدر اللغة المندائية، من الآرامية، لكن قليلين فقط يتحدثونها، حيث صار تداولها مقتصرا على رجال الدين خلال الطقوس التعبدية.

ويقدم الصابئة أنفسهم على أنهم أقدم الديانات التوحيدية، معتبرين أن جذورها تعود إلى آدم. ويؤمنون بأنبياء آخرين مثل شيت ونوح وإدريس وزكريا ويحيى. ويمثل يحيى آخر أنبيائهم.

استوطن الصابئة المندائيون تاريخيا في جنوب العراق، بمحاذاة الأنهار نظرا لأهمية الماء في عقيدتهم، ويتكلمون اللغة المندائية إضافة إلى اللغة العربية، ويعمل أغلبهم في صياغة الذهب والفضة.

وبسبب أعمال العنف واستهداف الأقليات التي شهدها العراق في السنوات الماضية، اضطر الكثير من الصابئة المندائيين إلى الهجرة إلى الخارج أو النزوح إلى مناطق أكثر أمنا مثل العاصمة بغداد.

ولا توجد إحصائيات دقيقة بأعدادهم لكن وبحسب باحثين شهدت تراجعا خلال السنوات الماضية.

ويشتق اسم الصابئة من كلمة "صبا" التي تعني التعميد أو الغطس في الماء، والذي يقام في عيد البرونايا، وأيضا في جميع الطقوس الدينية والمناسبات لدى أبناء الطائفة، كالأعياد وحفلات الزواج ومراسم دفن الموتى.

خلال الفترات القريبة، انتقل عدد كبير منهم إلى العاصمة العراقية بغداد التي أصبحت أكبر نقطة تركز لهم، ومنذ عام 2003، نزح بعضهم أيضا إلى مدن إقليم كردستان، سيما السليمانية وأربيل، فضلا عن وصول بعضهم إلى مركز الاغتراب الصابئي الممثل بدولة السويد.

يعاني المندائيون من الكثير من الشبهات العقائدية حول ديانتهم وطقوسهم، من قبيل أنهم يعبدون الكواكب، أو يبادرون إلى إزهاق أرواح الأشخاص المحتضرين.

للصابئة المندائيين قصة معراج أيضا. فهم يؤمنون أن النبي إدريس (دناخوخت) عرج به إلى السماء السابعة، كما عرج أيضا النبيان آدم ويحيي. غير أن عروج إدريس مختلف شيئا، فهو عاد إلى الأرض في حين لم يعد النبيان الآخران. 

 المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • الصابئة المندائيون في العراق يحتفلون بعيد الخليقة أو البرونايا
  • السلطات الموريتانية تعلن التغلب على تسرب الغاز من حقل بحري مشترك مع السنغال
  • استدعاء 5 لاعبين من روشن لمعسكر السنغال
  • "لغة القرآن".. انعقاد ملتقى الفكر الإسلامي بمسجد الحسين
  • محمد أبوزيد كروم: إبتزاز السلاح .. وحديث مناوي!!
  • السياحة الريفية بنجران تناغم بصري بديع يجمع جمال الطبيعة وأصالة التراث
  • «أدبي وعلمي».. جدول امتحانات الثانوية العامة 2025
  • الزراعة تبحث التعاون مع السنغال في مجال مستلزمات الإنتاج وصوامع الحبوب
  • لقي نجاحا واسعا.. الزراعة: تصدير تقاوى القمح المصرى إلى السنغال
  • الزراعة تبحث التعاون مع السنغال في مجال الميكنة الزراعية والأسمدة