طرحت استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية وحكومته، التساؤلات حول دلالات هذه الخطوة وسر توقيتها، خاصة وأنها تتزامن مع مباحثات لوقف العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة والمتواصل لليوم الـ144 على التوالي.

ووفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" قبل الرئيس محمود عباس استقالة الحكومة، وأصدر مرسوما بذلك، كما كلف اشتية بتسيير أعمال الحكومة لحين البت بتشكيل حكومة جديدة.



وتأتي هذه الاستقالة في وقت يعيش فيه الشعب الفلسطيني ظروف مأساوية واستثنائية، حيث يتعرض قطاع غزة لعدوان إسرائيلي منذ أكتوبر الماضي، وصلت حصيلته قرابة 30 ألف شهيد و70 ألف جريح.

كما تتعرض مدن ومخيمات وبلدات الضفة الغربية لاقتحامات شبه يومية، ونتج عنه استشهاد أكثر من 400 فلسطيني وإصابة نحو 4500 آخرين، إلى جانب اعتقال ما يزيد عن 7210 أسرى منذ أكتوبر الماضي.

ترتيبات ما بعد الحرب على غزة
وكانت هناك مطالبات بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط، وذلك لمواجهة العدوان الإسرائيلي والترتيب لما بعد انتهاء الحرب، والبدء في إعادة إعمار قطاع غزة المدمر.

رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي، يؤكد وجود معطيات جديدة تدفع إلى تشكيل حكومة "تكنوقراط" بترتيبات إقليمية وربما دولية، مضيفا أنه "لا يستبعد أن تكون حركة حماس جزء من هذه الترتيبات دون المشاركة في الحكومة الجديدة".

ويتابع الشوبكي في حديثه لـ"عربي21": "ربما تأتي حكومة تكنوقراط وإن لم يتم تأكيد ذلك، لكن هناك بعض المؤشرات على هذا الأمر، بحيث لا تكون حكومة ذات صبغة سياسة"، موضحا أنها ستكون ضمن جزء من ترتيبات لمواجهة التحديات الماثلة خلال المرحلة المقبلة، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا المالية والصحة والتعليمية والبنى التحتية بمرحلة ما بعد الحرب على غزة.



ويشير إلى أن "المعضلة تتمثل في كيفية إدارة الحكومة الفلسطينية لهذه الأزمات المتتالية، سواء في قطاع غزة مثل إعادة الإعمار وغيرها من الملفات المرتبطة بالعدوان، أو المشكلة التي سبقت الحرب وهي العجز المالي الذي تعاني منه السلطة بسبب القيود الإسرائيلية على نقل أموال المقاصة".

ويكمل الشوبكي قائلا: "السؤال الأهم، هو ما مقدار تأثير أي حكومة جديدة على مسار المشهد السياسي برمته؟ أظن أن التأثير محدود جدا، ونعم مهم أن يكون هناك طرح فلسطيني وأن يكون هناك ترتيبات فلسطينية داخلية، ولكن الأهم من ذلك ما هي مرجعية هذه الحكومة، وما هو الإطار السياسي الذي تتحرك من خلاله".

ولهذا يرى الشوبكي أنه "إذا ما كان هناك ترتيبات داخلية فلسطينية مع تنسيق على المستوى الإقليمي والعربي تحديدا، لا بد أن يكون ذلك أشمل من موضوع السلطة الفلسطينية والحكومة ويمتد ليصل منظمة التحرير الفلسطينية".

وينوه إلى أن "البرنامج المقدم من قبل الاحتلال بشأن التعامل مع الفلسطينيين، يتجاوز مسائل إدارة الشؤون اليومية للمواطن الفلسطيني، ويمتد إلى تهديد كل البنى السياسية والرؤية الفلسطينية المرتبطة بإمكانية أن يكون هناك دولة فلسطينية".

توقيت إعلان الاستقالة
من جانبه، يرى مدير مركز "يبوس" للدراسات الدكتور سليمان بشارات أنه "يمكن قراءة توقيت الإعلان عن استقالة اشتية في مجموعة من السياقات، أولها دولي وثانيها داخلي مرتبط بالمصالحة الفلسطينية، وثالثها مرتبط بحركة فتح".

ويبين بشارات في حديثه لـ"عربي21" أنه "فيما يتعلق بالسياق الدولي فقد طالبت واشنطن والاتحاد الأوروبي السلطة الوطنية الفلسطينية خلال فترة الحرب، بضرورة أن يكون هناك عملية تجديد للمؤسسات، وقد يكون الطلب شبه مباشر فيما يتعلق أيضا في موضوع الحكومة الفلسطينية، وبالتالي ربما تكون هذه استجابة فلسطينية وبالتحديد من السلطة لهذا المطلب".

وأما السياق الثاني وفقا لبشارات "فهو داخلي مرتبط بالحديث عن جهود المصالحة الفلسطينية، حيث تم الحديث سواء من قيادات حركة فتح، أو الإشارة إلى ذلك من قبل عضو المكتب السياسي لحركة حماس أسامة حمدان قبل يومين في مؤتمره الصحفي في بيروت، والذي قال بما معناه -إن هناك محادثات ومباحثات حول تشكيل حكومة، وأهم مهمة لها مرتبطة بالجانب الإنساني في قطاع غزة من ناحية الإغاثة وبرنامج الإعمار الكامل ما بعد الحرب"؟

ويتابع قائلا: "أما السياق الثالث يمكن قراءته بأنه ربما تكون الاستقالة خطوة استباقية من قبل حركة فتح ومن الرئيس الفلسطيني والسلطة، لقطع الطريق على محاولة الالتفاف على الطرح الفلسطيني الداخلي، تحديدا الذي ترغب به حركة فتح والسلطة".

ويوضح أنه "في الآونة الأخيرة تم الحديث عن أن هناك ربما جهود أو ضغوط وتحركات عربية اقليمية في مقدمتها الإمارات والسعودية تشير إلى امكانية الحديث عن طرح ادارة أو حكومة جديدة تتولى مسألة الإعمار والإشراف عليه وتكون مقربة من القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان".



ويؤكد أن "هذه إحدى القضايا التي قد تكون تركت مخاوف لدى السلطة الفلسطينية وحركة فتح، وبالتالي هي ذهبت إلى خطوة استباقية ربما تكون بالتنسيق مع الدول الاقليمية وبالتحديد مصر والأردن، لقطع الطريق على امكانية أن يكون هناك تشكيل جسم ربما يكون موازي للحكومة الفلسطينية أو يسبق هذه الترتيبات".

وينوه إلى أن "هناك رأي آخر يمكن أن يُفهم على أن الرئيس الفلسطيني وحركة فتح الآن باستقالة حكومة اشتية يخطون خطوة مسبقة للقاء الذي سيُعقد في موسكو بعد أيام ويجمع الفصائل الفلسطينية، وبالتالي حتى يتم سحب الذريعة من قبل الفصائل بشكل عام وحتى يعطيها نوعا من التحفيز لأن يكون هناك حوار جدي فيما يتعلق بتشكيل حكومة توافقية".

ويستكمل قائلا: "قد يكون هناك دافع آخر وهو محاولة ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي، بما يحقق الرؤية التي تضمن لحركة فتح والسلطة الفلسطينية استمرارية الحضور الأبرز في أي حكومة مقبلة وعدم الانتظار إلى ما ستؤول إليه هذه الحرب، وما قد يترتب عليها من نتائج وحجم وطبيعة الأوزان السياسية".

وحينما يتم الحديث عن تشكيل حكومة فلسطينية في رام الله، لا يقتصر ذلك على الموقف الفلسطيني ككل منها والدولي والاقليمي، بل يبرز هنا دور الاحتلال الإسرائيلي، والذي يطالب السلطة بالتنسيق الأمني في الوقت الذي يضيق فيه عليها اقتصاديا، حيث يمنع تزويدها بأموال المقاصة.

ترحيب إقليمي ودولي
كما أن الاحتلال الإسرائيلي يرفض أي وجود للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، بل حتى الوزراء المتطرفون مثل بن غفير وسمورتش يطالبون بحل السلطة وطردها، لأنها وفقا لرأيهم تدعم الارهاب؛ وهنا يبرز السؤال الأهم وهو كيف سيتعامل الاحتلال مع أي حكومة فلسطينية مُقبلة؟

ويرى الدكتور سليمان بشارات أن "الأمر سيبقى ضمن السياقات السياسية ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإنما وفقا للسياقات السياسية الفلسطينية والإقليمية والدولية، فإن حظيت أي من الحكومات التي سيتم تشكيلها بترحيب إقليمي ودولي هذا بطبيعة الحال سيجعل من الإسرائيلي لا أقول يرحب بها ولكن سيتعامل معها، لأن هذه معادلة ستكون لها ارتباطاتها الدولية".

ويعتقد أن "هذا الأمر ربما من المبكر الحديث به سيما أننا لا زلنا نتحدث عن أن أي تشكيل لأي حكومة حتى هذه اللحظة قد لا يكون واقعيا بالدرجة الكبيرة، حتى يتم وقف هذه الحرب وبناء عليها يكون هناك ترتيبات سياسية".

وخلص بالقول: "لهذا السبب أتوقع أن يبقى الدكتور اشتية رئيس حكومة تسيير الأعمال إلى حين انتهاء هذه الحرب وإلى حين وضوح ملامح المرحلة السياسية المستقبلية، وبالتالي يكون هناك تشكيل للحكومة بحيث أن تحظى بموافقة ومظلة اقليمية ودولية، وبالتالي يمكن لها أن تمارس أعمالها ومهامها بما فيها إعمار قطاع غزة، والشق السياسي وباقي الملفات سواء فيما يتعلق بالانتخابات أو غيرها من القضايا الأخرى".

رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، الدكتور بلال الشوبكي، "لا يظن أنه ستكون هناك معارضة من الاحتلال على الحكومة المتوقع تشكيلها، حيث ستتعامل إسرائيل معها على أنها مسألة لا أهمية لها من حيث تأثيرها على مجرى الأحداث".

وأضاف: "لكن السؤال الأهم ما إمكانية عمل هذه الحكومة في قطاع غزة؟ بالطبع هذه المسألة تُحددها نتائج هذه الحرب، بمعنى أن وجود أو بقاء الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، -وبالطبع بعيدا عن تقييم هذا الاحتمال وامكانية حدوثه،- إلا أنه في نهاية المطاف نحن نتحدث عن مسألة جوهرية وهي قدرة الحكومة على تنفيذ أنشطة وسياسات في القطاع، وهذه هي المعضلة التي قد تكون موجودة في حال وجود هذا الاحتمال".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الفلسطيني اشتية غزة الحكومة الحرب فلسطين غزة الحكومة الحرب اشتية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن یکون هناک تشکیل حکومة فی قطاع غزة فیما یتعلق الحدیث عن هذه الحرب حرکة فتح أی حکومة من قبل ما بعد

إقرأ أيضاً:

السلطة الفلسطينية تهاجم حماس عقب استئناف الاحتلال إبادة غزة

هاجمت رئاسة السلطة الفلسطينية، الثلاثاء، حركة المقاومة الإسلامية حماس، عقب استئناف الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الوحشية على قطاع غزة، وشنه غارات عنيفة، أنهت اتفاق وقف إطلاق النار الذي خل حيز التنفيذ في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي.

وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة خلال إدانته لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، إننا "ندين تصرفات حماس غير المسؤولة"، دون ذكر تفاصيل أخرى.

ورفضت حركة حماس التعليق على موقف السلطة، وقال القيادي في الحركة أسامة حمدان في رده على سؤال خلال مقابلة تلفزيونية: "الذي لم تحركه عملية الإبادة 15 شهرا بحق شعبه، لا يمكن أن يستمع إليه".

وفي بيان رئاسة السلطة، طالب أبو ردينة المجتمع الدولي وتحديدا الإدارة الأمريكية بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، مشيرا إلى أن "إسرائيل ارتكبت مجزرة بحق شعبنا تجاوز عدد شهدائها أكثر من ألف شهيد وجريح".

وذكر أن "هذه المجازر تدلل على ضرب إسرائيل لكل الجهود المبذولة من المجتمع الدولي، لتثبيت التهدئة والوصول إلى سلام يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة".



وجدد أبو ردينة مطالبة المجتمع الدولي بـ"إجبار الاحتلال وإلزامه وقف عدوانه بحق شعبنا في كل مكان، في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس".

وفي وقت سابق، دعا القيادي في حركة حماس عبد الرحمن شديد، الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى النفير العام والانتفاض غضبا وثورة، ردا على عودة حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

وأكد شديد في بيان، أن "نصرة غزة، ولا سيما في هذه الأوقات، واجب على كل فلسطيني مقتدر، من خلال المسيرات والوقفات الإسنادية والتضامنية، وتصعيد المواجهة في كافة النقاط".

ودعا المقاومة في الضفة الغربية إلى "تصعيد عملياتها البطولية ردًا على الحرب الشاملة، والمجازر التي يرتكبها الاحتلال ومستوطنوه بحق الشعب الفلسطيني".

وذكر أن "شعبنا ومقاومته سيفشلان كل مخططات الاحتلال الخبيثة بحق غزة"، مشددًا على أن "ما عجز الاحتلال عن تحقيقه بالتفاوض لن ينجح في فرضه بالحرب".

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف: التقوى تهذّب النفوس فلا يكون هناك نزاع ولا شجار ولا فرقة
  • صحف عالمية: حكومة نتنياهو على الحافة وبقاؤها مرهون بمواصلة الحرب
  • حكومة الاحتلال ستقيل رئيس الشاباك والمستشارة القضائية في هذا التوقيت
  • إعلام إسرائيلي: متظاهرون يحتجون على حكومة نتنياهو بسبب استئناف حرب غزة
  • السلطة الفلسطينية تهاجم حماس عقب استئناف الاحتلال إبادة غزة
  • استئناف العدوان على غزة.. دلالات التوقيت والأهداف
  • دلالات رفع الإقامة الجبرية عن المعارض الإيراني مهدي كروبي
  • بن غفير يعود رسميا إلى حكومة نتنياهو بعد استئناف الحرب على غزة
  • بهذا الموعد.. بدء التوقيت الصيفي 2025
  • تعقب الفصائل الفلسطينية على استئناف الحرب على غزة