طور باحثون من جامعة كامبردج البريطانية جهاز استشعار مصنوع من الإيروغيل أو ما يعرف بـ "الهلام الهوائي" (مواد صلبة تتكون من مادة هلامية استُبدل المكون السائل إلى الغاز)، للكشف عن التركيزات المنخفضة التي تصل إلى ثمانية أجزاء في المليار لأحد المركبات العضوية المتطايرة والتي تعرف باسم "الفورمالدهايد"، وهو ما يتجاوز بكثير حساسية معظم أجهزة استشعار جودة الهواء الداخلي.

وتعد المركبات العضوية المتطايرة مصدرا رئيسيا لتلوث الهواء الداخلي، مما يسبب عيونا دامعة وحرقانا فيهما وفي الحلق، وصعوبة في التنفس عند المستويات المرتفعة، ويمكن أن تؤدي التركيزات المرتفعة إلى نوبات لدى المصابين بالربو، كما أن التعرض لفترات طويلة قد يُسبب بعض أنواع السرطان.

منظمة الصحة توصي ألا يتعدى معدل الفورمالدهايد في هواء المكاتب والمنازل 0.1 جزء في المليون (صورة بالذكاء الاصطناعي) لماذا التركيز على "الفورمالديهايد"؟

و"الفورمالدهايد" أحد هذه المركبات العضوية المتطايرة، وينبعث من الأدوات المنزلية بما في ذلك منتجات الخشب المضغوط وورق الحائط والدهانات وبعض الأقمشة الاصطناعية.

وبالنسبة للجزء الأكبر تكون مستوياته المنبعثة من هذه الأدوات منخفضة، ولكن يمكن أن تتراكم بمرور الوقت، خاصة في "المستودعات"، حيث من المرجح أن يتم تخزين الدهانات وغيرها من المنتجات التي ينبعث منها هذا المركّب.

كما أنه، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة حتى عند التركيزات المنخفضة منه، وتزداد المخاطر مع المستويات المرتفعة التي حذر منها تقرير صادر عن مجموعة "حملة يوم الهواء النظيف" في بريطانيا عام 2019.

ووفق هذا التقرير، تجاوز"الفورمالدهايد" الحد السموح به من قبل منظمة الصحة العالمية لدى 13% من المساكن في المملكة المتحدة، لكن تحليل الدم للأسر التي تقطن هذه المساكن أظهر وجود المركب في دماء خُمس عدد هذه الأسر.

وتوصي المنظمة بمتوسط تركيز في الهواء الداخلي بمقدار لا يتعدى 0.1 جزء في المليون، أو 100 ميكروغرام لكل متر مكعب على مدى 30 دقيقة.

وبسبب الخطورة التي يمثلها هذا المركب حتى عند المستويات المنخفضة منه، كانت هناك ضرورة لإنشاء مستشعر لمراقبة جودة الهواء، مع التركيز على اكتشافه حتى عند المستويات المنخفضة للغاية، وهو ما نجح فيه الباحثون وأُعلن عنه في الدراسة المنشورة بدورية "ساينس أدفانسيس".

كيف تعمل المستشعرات الحالية؟

ولا تحقق مستشعرات جودة الهواء الداخلي المتوفرة حاليا الانتقائية العالية عند المستويات المنخفضة لمركب الفورمالدهيد، وتعمل وفق مجموعة من مبادئ الكشف المختلفة مثل:

المقاومة الكهربائية: تعتمد أجهزة الاستشعار المستندة لهذا الأسلوب على تغيير مقاومتها الكهربائية عند تعرضها لغازات معينة، ومن ثم يُربط التغير في المقاومة بتركيز الغاز المستهدف. التأين الضوئي: تستخدم المستشعرت المعتمِدة على هذه الطريقة الضوء فوق البنفسجي لتأين جزيئات الغاز، مما يؤدي إلى تكوين أيونات موجبة الشحنة، ثم يُكشف عن الأيونات وقياس تركيزها. المستشعرات الضوئية: تقيس المستشعرات الضوئية امتصاص الضوء أو تشتته بواسطة الغازات الموجودة في الهواء، ويمكنها اكتشاف الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون والجسيمات من خلال تحليل التغيرات في شدة الضوء. الحساسات الكهروكيميائية: تعتمد هذه الحساسات على التفاعلات الكيميائية عند الأقطاب الكهربائية لإنتاج إشارة كهربائية تتناسب مع تركيز الغاز المستهدف، وهي تستخدم عادة للكشف عن الغازات مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين . أجهزة استشعار الحالة الصلبة: تستخدم أجهزة استشعار الحالة الصلبة مواد شبه موصلة للكشف عن الغازات، وتُقاس التغيرات في التوصيل الكهربائي بسبب امتصاص الغاز لتحديد تركيز الغاز. "الهلام الهوائي وهو المادة الأساسية في المستشعر يتميز بالمسامية السطحية التي تسمح للغازات بالتحرك إلى الداخل والخارج بسهولة (ساينس أدفانسيس) 3 مزايا للمستشعر الجديد

تحتاج آلية عمل هذه المستشعرات المتاحة طاقة عالية، كما أنها ليست حساسة للمستويات المنخفضة للغاية من المركبات، هذا فضلا عن أنها لا تحقق انتقائية عالية لمركب بعينه.

وتجاوز المستشعر الجديد هذه السلبيات الثلاث، وتحولت إلى ثلاث مزايا تمنحه الأفضلية، كما كشفت الدراسة الجديدة.

ووفق ما جاء في البيان الصحفي الذي أصدرته جامعة كامبردج، فإن هذه المزايا تحققت على النحو التالي:

الحساسية: يُظهر المستشعر المعتمِد على "الهلام الهوائي" الذي طوره الباحثون حساسية أعلى بكثير مقارنة بأجهزة الاستشعار التقليدية، حيث يمكنه اكتشاف الفورمالدهيد بتركيزات منخفضة تصل إلى ثمانية أجزاء في المليار، وهو ما يتجاوز بكثير حساسية معظم أجهزة الاستشعار الموجودة. الانتقائية: صُمم المستشعر ليكون انتقائيا للغاية للفورمالدهيد، وهذا يسمح لها بتمييز هذا المركب عن المركبات العضوية المتطايرة الأخرى بدقة أكبر، مما يوفر تقييما أكثر دقة لجودة الهواء الداخلي. كفاءة الطاقة: على عكس أجهزة الاستشعار التقليدية التي غالبا ما تتطلب عناصر تسخين أو تستهلك طاقة كبيرة، يعمل المستشعر المعتمِد على "الهلام الهوائي" بفعالية في درجة حرارة الغرفة ويستهلك الحد الأدنى من الطاقة، وهذا ما يجعله أكثر كفاءة في استخدام الطاقة ومناسب للتطبيقات التي يمثل فيها استهلاك الطاقة مصدر قلق، مثل الأجهزة القابلة للارتداء أو أنظمة المراقبة المستمرة. تصميم مدعوم بالذكاء الاصطناعي

ونجح الباحثون في تحقيق هذه المزايا الثلاث عبر تصميم مبتكر للمستشعر الجديد ودعمه بالذكاء الاصطناعي، واعتمد على سبع خطوات فصلها الأستاذ بمركز كامبردج للغرافين والباحث الرئيسي بالدراسة توفيق حسن، في البيان الصحفي الذي أصدرته الجامعة، وهي:

1- اختيار المادة: فالباحثون اختاروا "الهلام الهوائي" مادة أساسية لجهاز الاستشعار الخاص بهم، وذلك لأنها مواد مسامية للغاية ذات بنية مفتوحة تسمح للغازات بالتحرك إلى الداخل والخارج بسهولة. 2- تصميم هيكل الهلام الهوائي الهندسي: فقد صُمم شكل الثقوب الموجودة في الهلام الهوائي بدقة، وهذه الهندسة أمر بالغ الأهمية لأنها تحدد قدرته على التقاط جزيئات معينة. 3- دمج الغرافين والنقاط الكمومية: استخدم الباحثون الغرافين (وهو شكل ثنائي الأبعاد من الكربون) لإنشاء عجينة، وطبعوا خطوطا ثلاثية الأبعاد من هذا الغرافين ولصقوها على هيكل "الهلام الهوائي"، ثم جففوا عجينة الغرافين بالتجميد لتشكيل الثقوب فيه، كما دمجوا أشباه موصلات صغيرة تسمى "النقاط الكمومية" في بنيته، وتعمل هذه الخطوة على تعزيز حساسية المستشعر. 4- الاختبار والتحسين: اختبر الفريق تركيبات وهياكل مختلفة من "الهلام الهوائي" لتحسين الحساسية للفورمالدهيد"، وقاموا بتعديل عوامل مثل حجم وتوزيع المسام في الهلام الهوائي لتعظيم قدرة المستشعر على اكتشاف جزيئات المركب. 5- معايرة المستشعر: بمجرد تحسين بنية "الهلام الهوائي"، عاير الباحثون المستشعر لاكتشاف الفورمالدهايد على وجه التحديد، واستخدموا خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتدريب المستشعر على التعرف على "البصمة" الفريدة لجزيئات المركب من بين المركبات العضوية المتطايرة الأخرى. 6- تقييم أداء المستشعر: قيّم الباحثون أداء المستشعر واختبروا قدرته على اكتشاف المركب المطلوب بتركيزات مختلفة، ووجدوا أنه يمكنه اكتشافه بتركيزات منخفضة تصل إلى ثمانية أجزاء في المليار، مما يدل على حساسيته العالية. 7- تطوير التطبيقات: استكشف الباحثون بعد ذلك التطبيقات المحتملة لتكنولوجيا أجهزة الاستشعار الخاصة بهم، وتصوروا أجهزة استشعار مصغرة يمكن دمجها في الأجهزة القابلة للارتداء أو أنظمة الرعاية الصحية لمراقبة جودة الهواء الداخلي في الوقت الفعلي. الحساسية والانتقائية وكفاءة الطاقة ثلاث مزايا للمستشعر الجديد عن البدائل المتوفرة حاليا (شترستوك) 4 شروط للتطبيق العملي

وتبدو النتائج الأولية التي توصل لها الباحثون في تجاربهم على المستشعر الجديد جيدة للغاية، لكنها ليست كافية لمنحه جواز مرور للتطبيق العملي، كما يقول أستاذ الهندسة الكيميائية بجامعة بني سويف المصرية مصطفى عبد القادر.

ويرى عبد القادر في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت"، أن هناك أربعة شروط رئيسية ينبغي تحقيقها حتى يمكن الجزم بصلاحية المستشعر للتطبيق العملي، وهي:

الأداء المتسق عبر الظروف البيئية المختلفة، وهذا يتطلب مزيدا من التحقق والاختبار للتأكد من موثوقية المستشعر وحساسيته العالية في سيناريوهات العالم الحقيقي المختلفة. التأكد من استقرار أدائه على المدى الطويل، وهذا يحتاج إلى دراسات لاحقة لضمان موثوقيته بمرور الوقت. دراسة قابلية التوسع، فقد يحتاج الباحثون إلى دراسات تتعلق بالتكلفة وقابلية التصنيع لتسهيل اعتماد تكنولوجيا الاستشعار على نطاق واسع في بيئات العالم الحقيقي. ضمان تقديم بيانات المستشعر للمستخدمين النهائيين بشكل سهل وفعال، وقد يتطلب ذلك دراسات لاحقة لتطوير خوارزميات سهلة الاستخدام لتحليل بيانات المستشعر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المرکبات العضویة المتطایرة أجهزة استشعار عند المستویات

إقرأ أيضاً:

إنجاز علمي غير مسبوق في مجال تجديد الكبد وعلاج أمراضه

الجديد برس| حقق فريق بحثي من جامعة كيو اليابانية اختراقا علميا في تطوير “عضيات الكبد”، ما يمهّد الطريق لعلاجات تجديدية واختبارات دوائية أكثر فاعلية. يعد الكبد مركز عمليات الأيض في الجسم، ويتحكم بوظائف أساسية مثل تحويل المغذيات إلى طاقة وتخزين الدهون وإزالة السموم. غير أن أمراضا مثل الكبد الدهني المرتبط بخلل التمثيل الغذائي (MASLD) تهدد هذه الوظائف لدى أكثر من ثلث سكان العالم. لذا، تعد “عضيات الكبد” (نماذج مصغرة ثلاثية الأبعاد للعضو) أداة واعدة لتسريع البحث وتطوير العلاجات. وتمكّن الفريق من تحقيق تكاثر هذه العضيات، التي تحاكي تركيب ووظائف الكبد، بمعدل مليون مرة خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 4 أسابيع، مع الحفاظ على وظائف الكبد الحيوية، في إنجاز وصفه الباحثون بأنه “الأقرب حتى الآن لتمثيل الكبد الحقيقي داخل المختبر”. وأوضح البروفيسور توشيرو ساتو، الباحث الرئيسي في الدراسة، أن زراعة عضيات كبدية لطالما شكّلت تحديا بسبب تعقيد وظائف الكبد وارتفاع متطلباته الطاقية. فعادة ما تفقد الخلايا الكبدية قدرتها على العمل بعد أسبوع أو اثنين، وتتحول إلى خلايا شبيهة بخلايا القناة الصفراوية. لكن فريق ساتو، بقيادة ريو إيجاراشي ومايومي أودا، تمكّن من استخدام خلايا كبدية بشرية بالغة ومجمدة، مأخوذة من مرضى، وزراعتها في المختبر بعد معالجتها ببروتين الإشارة “أونكوستاتين إم” (تنتجه الخلايا المناعية، ويلعب دورا مهما في تنظيم الالتهاب ونمو الخلايا وتجديد الأنسجة)، ما أدى إلى تكاثر غير مسبوق للعضيات دون فقدان وظائفها. وبعد تحفيز الخلايا بهرمونات تنظم وظائف الكبد، بدأت العضيات بإنتاج مركبات رئيسية مثل الغلوكوز واليوريا (الشكل الرئيسي للتخلص من النيتروجين الزائد في الجسم) وأحماض الصفراء والكوليسترول والبروتينات مثل الألبومين، الذي وصل إلى مستويات تماثل ما ينتجه الكبد الطبيعي. كما شكّلت العضيات شبكات من القنوات الدقيقة لنقل أحماض الصفراء، ما يدل على تطور بنيوي متكامل. واختبر الباحثون هذه العضيات من خلال زرعها في فئران تعاني من فشل كبدي ونقص مناعي، فتمكنت العضيات من استبدال خلايا الكبد التالفة واستعادة الوظائف الحيوية. ويمثل هذا تطورا واعدا في مجال الطب التجديدي، خاصة في ظل الطلب المرتفع على زراعة الكبد ونقص الأعضاء المتوفرة. ويأمل الباحثون أن يساهم هذا النهج في استخدام الخلايا المجمدة لتكوين عضيات قابلة للزرع، ما يفتح باب الأمل أمام المرضى المنتظرين لزراعة الكبد. وعلى صعيد آخر، يُتوقع أن تحدث هذه العضيات ثورة في اختبار أدوية الكبد. إذ تعدّ أكثر استقرارا وكفاءة من الخلايا الكبدية التقليدية، التي تُحصد من متبرعين وتفقد وظائفها بسرعة. ونجح الفريق أيضا في تعديل الجينات داخل العضيات لمحاكاة اضطرابات وراثية مثل نقص إنزيم “أورنيثين ترانسكارباميلاز” (وهو ضروري في دورة اليوريا في الكبد)، ما يعزز من قيمة العضيات في دراسة أمراض الكبد الوراثية. ويؤكد ساتو أن التحدي المقبل يتمثل في توسيع قدرة العضيات على التكاثر لتصل إلى مليارات الخلايا، ودمج أنواع مختلفة من الخلايا الكبدية في العضية الواحدة، لتقريبها أكثر من الكبد الحقيقي.

مقالات مشابهة

  • المنزلية والتجارية.. أسعار أسطوانات البوتاجاز بالجيزة
  • دواء شائع للسكري قد يكون سلاحا ضد نوع مميت من السرطان
  • الجوازات.. خطوات إصدار تصريح دخول العاصمة المقدسة للعمالة المنزلية
  • إنجاز علمي غير مسبوق في مجال تجديد الكبد وعلاج أمراضه
  • احذر.. غرامة 1500 جنيه عقوبة قيادة سيارة تنبعث منها رائحة كريهة
  • احذروا مراتب وأغطية أسرة الأطفال فيها مواد كيميائية تفرزها عند نومهم
  • تصدروا المشهد في الربع الأول من العام! إليكم أكثر الأدوات الاستثمارية ربحاً في الأسواق.
  • انطلاق اجتماع محلية النواب لمناقشة الأدوات الرقابية
  • خطوة متقدمة نحو تحسين تشخيص الأمراض النفسية باستخدام الجينات
  • دراسة: مواد كيميائية ضارة بالدماغ تفرزها مراتب الأطفال أثناء نومهم