تدخل الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، بعد أن اتسم العامان الماضيان بالمأزق العسكري للقوات الروسية، التي كانت تعتقد أنها ستُسقط النظام في كييف وتفرض عملاءها في غضون أشهر أو أسابيع على بدء عدوانها، ولكن ونحن ندلف إلى العام الثالث لهذه الحرب باتت موسكو تعلّق آمالها على فقدان صبر أمريكا والغرب في دعم زيلنسكي، مستغلة هذا التردد الغربي والانقسام وسط صفوف الدول الغربية لتحقيق انتصارها السياسي، لاسيما مع انشغال واشنطن وعواصم الغرب بشكل عام في العدوان الإسرائيلي على غزة، بحيث باتت الأخيرة أشبه بفخ ليس للقوات الإسرائيلية، وإنما للغرب بشكل عام، فخ متعدد الجبهات، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً وأخلاقياً وأكاديمياً حتى.
في عواصم القرار الغربية تتصاعد المخاوف من إمكانية تراجع الدعم العسكري والأمريكي لكييف، مما يجعل أوروبا وحيدة في مواجهة روسيا ليس من حيث الكلفة العسكرية والاقتصادية، وإنما من حيث الانكشاف السياسي أمام قوة بوتين، بحيث يتجرأ على عواصم غربية أخرى، أو في أقل الأحوال يجعلها عرضة للابتزاز الروسي، مما يعني تزايد الفجوة بين الغرب وأمريكا، التي تتعالى فيها أصوات تطالب بالابتعاد عن أوروبا المكلفة مالياً وسياسياً وحتى عسكرياً لها دون مقابل كبير.
وبينما حددت موسكو شروطها ولا تزال مستمسكة بها وهي رضوخ أوكرانيا واستسلامها للقوات الروسية، فإن كييف مصرة على الصمود وعدم الرضوخ للإمبراطورية الروسية، التي أنعشها بوتين من جديد، منقلباً بذلك على العقيدة الأمنية والعسكرية التي صكّها غورباتشوف ويلتسين والمتضمنة هوية روسيا الأوربية، ليأتي بوتين ويعيد هوية روسيا الآسيوية كما أرادها ستالين ومن قبله، وهو ما دفع غورباتشوف إلى القول قبل وفاته بأن بوتين انقلب على كل إرثه.
الظاهر لنا حتى الآن بأن بوتين يحقق انتصارات على الأرض لكن مقابل خسائر بشرية هائلة، وحتى خسائر في المعدات التي بلغت أرقاماً خيالية من تدمير الطائرات والدبابات والمدفعية، واستنزاف خزائن السلاح الروسي، فقد قدّرت الأوساط الغربية عدد قتلى الروس بأكثر من 200 ألف قتيل، أما الأوكران فقد فشلوا في تحقيق انتصار على الأرض، لكنهم لم يستسلموا، مما جعل المعركة أشبه ما تكون بفخ ومأزق للطرفين، وتراوحت خسائر الأوكران بين 70 ألف قتيل بحسب تقديرات أمريكية، و60 ألفا وفقاً لتقديرات روسية، بينما أعلن زيلنسكي أول أمس في مؤتمره الصحفي أن عدد قتلى جيوشه بلغ 31 ألف قتيل، علماً أن أوكرانيا تعد ثلث روسيا سكانياً، وباتت عاجزة عن الحشد والتعبئة بعد كل هذه الخسائر، بينما روسيا التي تنتظر انتخاب شكلي لبوتين الشهر المقبل تواجه بالمقابل نفس مأزق الحشد بعد أن قتل أكثر من 200 ألف من قواتها، وهروب أكثر من مليون شاب من روسيا على خلفية التجنيد التي أطلقته موسكو.
الحقيقة الثانية المهمة في هذه الحرب فهي أنها تعتمد على سلاح وذخيرة الآخرين، فالقوات الروسية تعتمد على المسيرات الإيرانية، واليوم ثمة اتهامات أمريكية بتلقي موسكو صواريخ بالستية إيرانية، أما قذائف المدفعية الروسية فتأتيهم من كوريا الشمالية، بينما أوكرانيا تنتظر الدعم العسكري الغربي، حيث إن الاتحاد الأوربي تعهد بـ 54 بليون دولار للدعم، وهو بحاجة للغطاء الأمريكي الذي يواجه خلافاً داخلياً قد ينعكس سلبياً على الحرب في أوكرانيا، على الرغم من تخصيص 60 بليون دولار للحرب في أوكرانيا ولكن لا تزال بحاجة لتصديق الكونغرس الأمريكي، وما لم تحظ كييف بمثل هذه الأسلحة المتطورة، فإنها ستواجه مأزقاً وربما هزيمة أمام القوات الروسية.
ومع الإصرار الروسي على الاستسلام الأوكراني، ورفض الأخير ذلك، يبقى التعويل الروسي على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في أن تفرز رئيساً مثل ترمب، يعيد العلاقة مع روسيا إلى ما كانت عليه، ويتخلى بالتالي عن دعم أوكرانيا، وهو الذي سبق أن عبر غير مرة عن رغبته بالتخلي عن النيتو، وبأنه أصبح عبئاً على الأمن الأمريكي، وهنا سيدفع الأمريكي ثمناً باهظاً لا أقله من فقدان هيبته العالمية المرهونة بعقد الاتفاقيات والتسويات، إن هو استسلم لموسكو.
اليوم بعد عامين على الغزو الروسي ترسخت نظرية البعض في أن الحرب ستعزز تحالف بكين ـ موسكو مقابل تحالف الغرب، بحيث يتحول العالم إلى ثنائي التحالف، كما كان ثنائي القطبية خلال الحرب الباردة، والغرب اليوم يحاول أن يعالج اعتماده على الصين وثرواتها، قبل أن تدهمه ظروف مماثلة للغزو الروسي لأوكرانيا، فواجه يومها مشكلة علاج مصادر طاقته، وهي نقطة ضعفه الكبيرة أمام التحدي الروسي، ولذا فعلى أوروبا أن تستبق وضعاً صينياً مماثلاً.
وفي الوقت الذي نلمس يوماً بعد يوم تعزيزا وتعضيدا لحلف روسيا والصين، نرى ضعفاً وتمزقاً على صعيد الحلف الأوروبي ودوله، وخسارة حلفائهم، إن كان في العالم العربي أو غيره، وهو ما يتناقض مع ما يكسبه المعسكر الآخر من حلفاء جدد.
لقد كان الغزو الروسي لجورجيا 2004 ولضم القرم 2014 جرس إنذار للقوى الغربية، لم تدركه ولم تتعامل معه في حينه، لكن غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 شكل صدمة كهربائية لهذه القوى، وفي حال لم تتنبه له، فإن الصدمة القادمة ستكون مدمرة في ظل تنامي الحلف الروسي الصيني، وتراجع معسكر الغرب بشكل عام.
د. أحمد موفق زيدان – الشرق القطرية
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا تنقل الحرب إلى "قلب" روسيا
نقلت أوكرانيا الحرب إلى قلب روسيا، صباح السبت، بهجمات بطائرات بدون طيار، ذكرت السلطات المحلية أنها ألحقت أضراراً بمبان سكنية، في مدينة قازان، في منطقة تتارستان، على بعد أكثر من 600 ميل (1000 كيلومتر) من خط المواجهة.
وذكرت الخدمة الصحافية لحاكم تتارستان، رستم مينيخانوف أن ثماني طائرات بدون طيار هاجمت المدينة. وأصابت ست منها مبان سكنية. وأصابت واحدة منشأة صناعية وتم إسقاط واحدة فوق أحد الأنهار ، حسب البيان.وأظهر مقطع فيديو، طائرة بدون طيار تحلق فوق الطوابق العليا من مبنى شاهق.
В педерации в городе Казань весело и с огоньком готовятся отмечать новый год! Петарды и все для фейерверков им обеспечивают воины ВСУ!!!
2 ПЕТАРДЫ ПИЗДАНУЛИ В ЖК ЛАЗУРНЫЙ! С НАСТУПАЮЩИМ, ПИДАРЫ! pic.twitter.com/PxVvdPuPqC
ونقلت الوكالة عن الحاكم الإقليمي لمنطقة كورسك الروسية، المعين حديثاً ألكسندر خينشتاين، السبت، أن ضربة صاروخية أوكرانية على بلدة ريلسك الصغيرة في منطقة كورسك الحدودية الروسية، أسفرت عن مقتل خمسة وإصابة 12.
زيلينسكي يلتقي مدير المخابرات الأمريكية في كييف - موقع 24أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، أنه التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في كييف، في إعلان رسمي نادر عن اجتماع بينهما.
وقال خينشتاين إن 88 منزلاً في البلدة لا تزال دون تدفئة.
وذكر مسؤولون أن فعاليات كبرى، كانت مقررة نهاية الأسبوع، تم إلغاؤها لأسباب أمنية.وكتبت وزارة الدفاع على تطبيق تليغرام أن الهجمات بطائرات بدون طيار وقعت في 3 موجات من اتجاهات مختلفة.