لا تسأل لماذا أحرق بوشنيل نفسه؟
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
واشنطن- واصل الإعلام الأميركي تجاهله المتعمد لتبعات دعم إدارة الرئيس جو بايدن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على الداخل الأميركي، وكانت حالة إضرام الطيار آرون بوشنيل النار في نفسه حتى الموت أمام سفارة إسرائيل بواشنطن، احتجاجا على موقف بلاده من العدوان، آخر فصول هذه السياسة.
واستمر التجاهل منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي نتج عنه حتى الآن استشهاد ما يقرب من 30 ألف فلسطيني، وإصابة عشرات الآلاف الآخرين، مع دعم أميركي كامل لإسرائيل سواء في جانب التسليح أو في المحافل الدولية وأهمها مجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية.
ولا يتناول الإعلام الأميركي، في أغلبه، تبعات دعم إدارة جو بايدن العدوان الإسرائيلي في الداخل الأميركي، ويخفف من تأثير الحراك المجتمعي الذي شمل عديدا من مراكز صنع القرار الحكومية، وكبريات الجامعات الأميركية.
ومع اتهام منتقدي السياسات الإسرائيلية والمطالبين بوقف دعم واشنطن للعدوان على غزة بـ"معاداة السامية" أو التعاطف مع ما يسمونه "الإرهاب"، انتقل الإعلام الأميركي ليمهد إلى أن بوشنيل ربما كان "مريضا نفسيا أو مختلا عقليا".
وأصبح من الصعب على الإعلام الأميركي التقليدي، خاصة داعمي إسرائيل داخله، أن يصدقوا أن الناس العاديين قد يهتمون فقط بالقتل الجماعي ومعاناة الرجال والنساء والأطفال في قطاع غزة، من دون أن يكونوا من "أعداء السامية أو إرهابيين" كما يصفونهم.
Why did he do it?
Four major news outlets have almost the exact same headline for the self-immolation of 25-year old Aaron Bushnell. Not one of them mentions the words "Gaza" or "genocide," the reason for Aaron’s protest, or the word "Palestine," his last words spoken. pic.twitter.com/MdRCFsptzD
— Assal Rad (@AssalRad) February 26, 2024
4 وسائلوغردت خبيرة الشؤون الدولية أسال أراد -عبر منصة إكس- مستغربة من موقف 4 من كبرى شبكات الأخبار الأميركية والعالمية. ورصدت كلا من صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، ووكالة رويترز، وشبكة "سي إن إن"، التي اختارت جميعا أو اتفقت على عدم طرح سؤال "لماذا أحرق آرون بوشنيل نفسه؟"، عند تغطيتها الخبر.
"لا تسأل لماذا فعل ذلك؟ 4 وسائل إخبارية رئيسية لديها العنوان نفسه تقريبا لحادثة إحراق آرون بوشنيل (25 عاما) نفسه، ولم تذكر إحداها كلمة "غزة" أو "الإبادة الجماعية"، أو سبب احتجاج آرون، أو كلمة "فلسطين"، أو كلماته الأخيرة.
جدير بالذكر أن بوشنيل، العامل في القوات الجوية، توجه -عصر الأحد الماضي- إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ولدى وصوله سكب بنزينا على رأسه وملابسه، وأضرم النار في نفسه وهو يصرخ "الحرية لفلسطين" مرارا وتكرارا حتى توقف عن التنفس، لتعلن شرطة واشنطن لاحقا مفارقته الحياة.
وقبيل إضرامه النار في نفسه، قال بوشنيل أمام السفارة "سأنظم احتجاجا عنيفا للغاية الآن، لكن احتجاجي ليس كبيرا بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم".
دعونا لا ننسَ
وفي الوقت الذي تجاهل فيه البيت الأبيض ووزارة الخارجية -حتى الآن- تناول هذه الحادثة أو التعليق عليها، علق المرشحان المستقلان لانتخابات الرئاسة المقبلة، بانتقادات مباشرة لسياسة الإدارة الأميركية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.
وقال المرشح كورنيل ويست -في تغريدة عبر منصة إكس- "دعونا لا ننسَ أبدا الشجاعة والالتزام الاستثنائيين للأخ آرون بوشنيل الذي مات من أجل الحقيقة والعدالة. أصلي من أجل أحبائه الأعزاء. دعونا نكرس أنفسنا من جديد للتضامن الحقيقي مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لهجمات الإبادة الجماعية في هذه الأوقات!".
Let us never forget the extraordinary courage and commitment of brother Aaron Bushnell who died for truth and justice! I pray for his precious loved ones! Let us rededicate ourselves to genuine solidarity with Palestinians undergoing genocidal attacks in real time!… pic.twitter.com/9F7dXOAYJt
— Cornel West (@CornelWest) February 26, 2024
في حين طالبت جيل شتاين، مرشحة الرئاسة عن حزب الخضر، بالصلاة من أجل آرون بوشنيل، قالت على منصة أكس "كل الرحمة إلى آرون بوشنيل. (لن أكون متواطئة في الإبادة الجماعية بعد الآن. فلسطين حرة)!، آمل أن تعمق تضحيته التزامنا بوقف الإبادة الجماعية الآن".
بوشنيل شخص طبيعي
وذكر بيان للقوات الجوية الأميركية -صدر أمس الاثنين- أن بوشنيل كان من مدينة ويتمان بولاية ماساشوستس، وعمل اختصاصي عمليات الدفاع السيبراني مع وحدة دعم الاستخبارات رقم 531 في قاعدة سان أنطونيو المشتركة.
وانضم بوشنيل للقوات الجوية مايو/أيار 2020، وتم تعيينه في الجناح الـ70 للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.
وفي الأيام التي سبقت وفاته، كتب بوشنيل وصية تتضمن تفاصيل رغباته النهائية التي شاركها مع أصدقائه المقربين.
وفي مؤتمر صحفي أمس الاثنين، قال المتحدث باسم البنتاغون الميجور جنرال بات رايدر إن وزير الدفاع لويد أوستن على علم بالوضع ويتابعه.
وأضاف رايدر "إنه بالتأكيد حدث مأساوي، ونقدم تعازينا لعائلة الجندي بالقوات الجوية"، ولم يقترب من أسباب الوفاة، أو لماذا أضرم بوشنيل النار في نفسه.
تزايد الاحتجاجات
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أضرم شخص النار في نفسه خارج القنصلية الإسرائيلية في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، في حين قالت الشرطة إنه "على الأرجح عمل احتجاجي سياسي متطرف".
وذكرت الشرطة ومسؤولو الإطفاء للصحفيين أنه "تم انتشال العلم الفلسطيني الذي كان جزءا من الاحتجاج في مكان الحادث، وتم استخدام البنزين لإشعال النار".
ووقع حادث مماثل في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي خارج مكتب القنصلية الإسرائيلية في مدينة أتلانتا، بولاية جورجيا، حيث أشعلت امرأة ملفوفة بالعلم الفلسطيني النار في نفسها عمدا في احتجاج سياسي واضح، وفقا للشرطة.
وقالت الشرطة إن المرأة، التي أصيبت بجروح خطيرة، أشعلت النار في نفسها بعد أن سكبت البنزين على جسدها. وأصيب حارس أمن بحروق عندما حاول إخماد الحريق، حسب الشرطة.
وعلى الجانب الآخر، أشارت عدة وسائل إعلام عند تناولها خبر إضرام بوشنيل النار في نفسه -اعتراضا على تواطؤ بلاده في المجازر الإسرائيلية- إلى ضرورة الاتصال أو إرسال رسائل نصية مجانية إلى خطوط ساخنة تساعد في مواجهة أفكار الانتحار للحصول على دعم عاطفي مجاني وسري على مدار 24 ساعة في اليوم طوال أيام الأسبوع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العدوان الإسرائیلی الإعلام الأمیرکی الإبادة الجماعیة النار فی نفسه
إقرأ أيضاً:
خواطر رمضانية
#خواطر_رمضانية
د. #هاشم_غرايبه
وانقضى شهر الرحمات والمغفرة، ومرت أيامه سريعة كما كل الأوقات الجميلة، فهنيئا لمن اغتنم الفرصة ففاز الفوز العظيم بالعتق من النار.
كان هذا الشهر موسم حصاد الأرباح، إذ يضاعف فيه أجر الأعمال الصالحة، ولعل أكثر ما يقبل المؤمنون عليه فيه هو تلاوة القرآن.
حقيقة أنها من اجل الأعمال الصالحة، وقد حضنا عليه نبي الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم، لما يعلمه من جزيل نفع ذلك لحياة الأمة وصلاح أمرها، قبل نفع الفرد بأجر عند الله عندما يجد القرآن شفيعا له يوم لا ينفع المرء مال ولا بنون.
القرآن ليس مجرد كتاب هداية يفصل شؤون الدين فقط، بل هو أعظم نعمة منّ الله بها على عباده المؤمنين، فهو مصدر موثوق للمعرفة الكاملة والعلم الصحيح، ومرجع صادق لأحوال الأمم السابقة، ودليل شامل لكل ما ينفع المرء ويسعده، ولكل ما يضره ويشقيه، لذلك فهو منهاج حياة الأفراد والأمم.
لهذا كله أراد الله تعالى لعباده المداومة على قراءة القرآن في رمضان وفي غيره، لكننا للأسف نجد من المسلمين كثير تلاوة وقليل تدبر وتفكر فيما تلوه.
هنالك مقولة لـ “علي عزت بيغوفيتش”: المسلمون هذه الأيام يقدسون القرآن كمصحف، فيبجلونه ويزينونه، لكنهم لا يقدسونه كمنهج”.
الحقيقة أنه مصيب فيما قاله، فاستعماله يقتصر على تلاوته في رمضان بقصد كسب الحسنات، ويتنافسون في عدد الختمات، لكنك لا تجد من يتوقف عند كل آية محاولا اسقاط المضمون على الواقع، ولا التدبر في أحوال الأشخاص والأقوام اللذين أورد الله قصصهم، لأجل أخذ العظة مما جرى معهم.
هم يعظمون القرآن، لكنهم يريدونه طقوسيا وليس منهاجا يتبع، يحتفظون به في المساجد ودور التحفيظ، ويفتتحون به المؤتمرات، ويتنافس قراؤه على جمال تجويده، ويذيعونه على مكبرات الصوت في بيوت العزاء، لكنهم لا يتفكرون في مضمون ما يسمعونه أو يتلونه، ولا يطبقونه في حياتهم اليومية ولا يعتمدون منهجه كدستور ناظم لشؤون حياتهم، بل يعتمدون دساتير الغرب ، ويلتزمون بتعليمات المستعمر ومقررات هيئاته ويطبقون مبادئ فلاسفته ومنظريه.
وهذا هو هجران القرآن: “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا” [الفرقان:30].
قد يقول قائل: ها هم الأمم المتقدمة لا يقرؤون القرآن، بل لا يعترفون به، ومع ذلك فهم يحققون النجاح والازدهار والتقدم، فيما نحن نلتقط من ورائهم فتاتهم.
غير المؤمنين اعتمدوا على التجربة والخطأ في تدبير شؤون حياتهم، وعانوا كثيرا من تنكبهم لمنهج الله القويم، فظلموا غيرهم وأنفسهم كثيرا وعدلوا قليلا، وسبب شقائهم أنهم خالفوا فطرة الخير والاحسان الكامنة في كل نفوس البشر مؤمنهم وكافرهم، أكثر مما اتبعوها، لذلك فحياتهم ضنكة لأنها تشبه حياة الأنعام: تعيش ليومها ولمتعها الآنية تأكل وتشرب وتتمتع بالجنس.
كيف يطمئن المرء ويهنأ باله إن كان يعلم يقينا أنه سيموت حتما، وبلا انذار، وسيترك كل ما حازه من علم وجاه وأموال وبنين وراءه، ويمضي الى واقع مجهول لا يعلم مصيره فيه، ولكي يعزي نفسه يحاول أن يقنع نفسه أنه ماض الى الفناء وليس الى دار حياة أخرى، يحدد مصيره فيها من نعيم أوشقاء بناء على محصلة أعماله الدنيوية، لكنه يفشل في اقناع نفسه قبل اقناع غيره بصحة ظنه هذا، فليس له دليل واحد على صحته، فلم يحدث أن عاد أحد بعد الموت لينبئ بما وجده، بل كل الأدلة المنطقية توحي بالعكس.
واولها أنه لو كان وجود البشر بالصدفة وبلا خالق، لوجدت احتمالات كثيرة لنماذج متعددة لمخلوقات بشرية وغيرها، لكنك لا تجد إلا صورة واحدة محددة لكل مخلوق منذ الأزل رغم مروره بمراحل تطور، لكنها جميعها في الاتجاه ذاته.
ولا يمكن لمتفكر في الطبيعة البشرية المتحكمة في سائر المخلوقات التي سخرت جميعها لنفعها، لا يمكن أن يتصور أن ذلك بلا تكليف ولا مسؤولية، فكل ما في الواقع ينبئ أنه على قدر ما يتحقق من تميز أو نفع لمخلوق، كلما كانت المتطلبات اكثر، ومسؤوليته أكبر.
لذلك من المنطقي لمن تتاح له فرصة للسيادة والتميز على غيره أن يكون وراءه حساب.
السعادة تحققها الطمأنينة، لذلك: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا” [طه:124].
كل عام وانتم بخير، ونلتقي ان شاء الله بعد إجازة العيد.