لوبوان: كارثة إنسانية في السودان وسط لامبالاة دولية
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
قالت مجلة لوبوان الفرنسية إن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث تتزايد جيوب المجاعة، في وقت أجمعت فيه المنظمات الإنسانية على انتقاد إدارة الأزمة، وبدأت فيه الاشتباكات تتوسع في جميع أنحاء البلاد، ولم تعد مجرد مواجهة بين مجموعتين مسلحتين.
وفي مستهل تقريره للمجلة، نبه كابوسين غرابي إلى أن الصحفيين الأجانب ممنوعون من دخول البلاد التي قتل فيها حتى الآن 4 صحفيين سودانيين منذ بداية الصراع بسبب قيامهم بالتحقيق في موضوع الصراع الدائر.
وأشار إلى أنه اعتمد في تقريره على لاجئ سياسي سوداني في فرنسا يدعى توما، لديه اتصالات بالسودان.
فر توما، وفقا للمراسل، من الحرب الأهلية في بلاده منذ 6 سنوات، وهو يعيش على إيقاع صمت عائلته التي تعيش في ضواحي الخرطوم، منذ انقطاع الوصول إلى الإنترنت في السودان لعدة أسابيع، وهو في قلق دائم خوفا من تلقي خبر إصابة أحد أقاربه.
واليوم -كما يقول الكاتب- وردت رسالة على واتساب كتب فيها إسلام الذي يعيش في منطقة باري وسط العاصمة "كل يوم تتجمع مجموعة من الجنود بالقرب من المنزل، ويطلقون نيران المدفعية الثقيلة على وزارة الدفاع، وردا على ذلك، يتساقط وابل من القذائف على الحي. جيراني ماتوا. آه، لو تعلمون مدى خوفي!".
وضع كارثي
وعلى بعد بضعة كيلومترات في منطقة كرري، تتجمع عائلة توما في منزل عمها، على مساحة بضعة أمتار مربعة، وقد أُغلقت المدارس والمستشفيات وفقد الجميع وظائفهم، وهم يعيشون مختبئين منذ أشهر، ولا يخرجون إلا لبضع دقائق في اليوم للعثور على الطعام، ثم يعودون ليتحصنوا، مرعوبين من إطلاق النار والنهب.
وأشار الكاتب إلى أن الإقامة في الخرطوم أمر صعب، بعد أن أصبحت مدينة أشباح وهجرها سكانها بنسبة 70% منذ بداية الصراع، ولم يبق إلا من ليس لديهم خيار آخر، بسبب كثرة المخاطر وصعوبة المغادرة التي تحتاج إلى العثور على سيارة وعبور نقاط التفتيش.
ومع أن مستقبل السودان بدا مبشرا في أبريل/نيسان 2019، فإن الآمال بدأت تتلاشى منذ 2021، بسبب التوازن السياسي الهش، ليبدأ صراع بين معسكرين على السلطة والمال، معسكر القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومعسكر قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، وتنطلق حرب الأشقاء بين الجنرالات المتحالفين سابقا، فتزرع الخوف في جميع أنحاء البلاد.
إذا كان الصراع يدمر ويفقر البلاد، فإن الأخطر هو أن مستقبل البلاد أصبح على المحك، بسبب هجرة الأدمغة لأسباب سياسية واقتصادية، وموت الشباب وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، مما يعني حاجة البلاد إلى عقود من الزمن للتعافي من الصراع الحالي
والنتيجة -كما يقول الكاتب- هي الأزمة السياسية والإنسانية غير المسبوقة التي يمر بها السودان، الذي أصبح "أسوأ مكان للعيش على وجه الأرض في الوقت الحالي"، كما يقول بعض العاملين في المجال الإنساني، بعد أن تم تهجير 8 ملايين شخص من ديارهم، في أكبر أزمة نزوح في العالم، إضافة إلى هجرة 1.5 مليون إلى البلدان المجاورة رغم هشاشتها الاقتصادية.
وتنتقد الجمعيات الإنسانية إدارة الأزمة من حيث التمويل أولا، حيث تم توفير أقل من 40% من الميزانية اللازمة في عام 2023، حسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لأن كثيرا من الصراعات الدولية وعديدا من الأزمات الكبرى في جميع أنحاء العالم قد خنقت السودان، بل إن العاملين في المجال الإنساني يتوقعون جفاف الأموال بشكل أكبر عام 2024، "مع معاناة 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي وظهور جيوب من المجاعة".
بعد مختلف
وذكرت المجلة أنه في الأسابيع الأخيرة، اتخذت المعارك بعدا مختلفا، ولم تعد مجرد مواجهة بين مجموعتين مسلحتين، إذ بدأت المليشيات المحلية تتطور، لا سيما في كردفان ودارفور، خاصة أن بعض السكان يتسلحون للدفاع عن أنفسهم، مما ينشر العداء والاستياء والدمار والعنف والكراهية، لتنتشر جرائم الحرب في جيوب معينة ومستشفيات معينة.
وإذا كان الصراع يدمر ويفقر البلاد، فإن الأخطر هو أن مستقبل البلاد أصبح على المحك، بسبب هجرة الأدمغة لأسباب سياسية واقتصادية، وموت الشباب وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، مما يعني حاجة البلاد إلى عقود من الزمن للتعافي من الصراع الحالي.
وختم الكاتب بأسئلة لا يرى لها جوابا رغم بصيص من الأمل: هل سيتمكن البلد من الخروج من الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي تطارد العاملين في المجال الإنساني على الأرض؟ وهل سيتمكن السودان من تجنب حرب أهلية واسعة النطاق يقال إنه على حافتها؟
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
عمران في قلب الأزمة الإنسانية يوثق فراغ سلة الغذاء بشرق السودان
واستعرضت حلقة (2025/3/17) من برنامج "عمران"، الذي يقدمه الإعلامي سوار الذهب، أوضاعا إنسانية مأساوية يعيشها بعض السكان في شرقي السودان.
وقام فريق البرنامج برحلة ميدانية إلى المناطق النائية في الشريط الممتد من ساحل البحر الأحمر إلى حدود إثيوبيا، والتي يسكنها قبائل البجا.
وبدأت الرحلة من محطة هيا، وهي محطة تاريخية لسكة الحديد في السودان والتي أصبحت محطة رئيسية للربط بين عدة ولايات بعد تقطع الطرق في السودان جراء الحرب.
وقد وصف مقدم البرنامج هذه المناطق بأنها "من أكثر مناطق السودان فقرا"، مشيرا إلى أنها "منسية ومهملة منذ سنوات طويلة".
وتعيش هذه المناطق حالة من العزلة، حيث يضطر السكان للسفر لمسافات طويلة للوصول إلى الخدمات الأساسية، ويستغرق السفر إلى بعض المناطق يومين سيرا على الأقدام أو باستخدام الحمير.
حالات إنسانية مؤلمة
وكشفت الحلقة عن أزمة غذائية حادة تعاني منها المنطقة، حيث يعتمد السكان تقليديا على الزراعة ومنتجات الألبان، لكن الجفاف والحرب أديا إلى انعدام الأمن الغذائي.
وقد أوضح البرنامج أن السكان اضطروا للنزوح من مكان إلى آخر بحثا عن مصادر المياه في ظل شح المياه وانقطاعها لسنوات طويلة.
وأشار البرنامج إلى أن أهالي البجا "تعودوا لسنوات طويلة على المرعى وعلى منتجات الألبان، وبالتالي أصبحوا بعد النزوح لا يستسيغون منتجات المدينة مثل اللحوم والدواجن وغيرها"، مما فاقم من مشكلة سوء التغذية.
إعلانووثق فريق البرنامج حالات إنسانية مؤلمة، أبرزها طفل في السابعة من عمره يعاني من سوء تغذية حاد ويزن 8 كيلوغرامات فقط، ويعاني من شلل في اليدين والرجلين نتيجة ولادة منزلية صعبة.
وأوضح طبيب الأطفال الذي تمت مقابلته أن الطفل "لم يتلق العلاج اللازم طوال السنوات السبع الماضية".
كما وثق البرنامج حالة شاب آخر وصفه مقدم البرنامج بأنه "يبدو كهيكل عظمي نائم على السرير"، وأوضح أنه بقي راقدا لمدة شهر كامل دون أن يتمكن من الذهاب إلى المستشفى.
وقال المقدم "يكفي أن نرى صورة الأم التي ترى ابنها يموت أمامها يوما بعد يوم، وهي لا تجد ثمن المواصلات لكي تصل إلى المستشفى".
الوضع الغذائي
وقدم البرنامج إحصائيات مقلقة عن الوضع الغذائي في السودان، حيث ذكر أنه "على الرغم من أن السودان يوصف بأنه سلة غذاء العالم العربي، فإن هذه السلة أصبحت شبه خاوية"، مشيرا إلى أن المساحات المستغلة للزراعة في السودان قليلة جدا مقارنة بالمساحات الخصبة الصالحة للزراعة.
وذكر البرنامج أن إنتاج السودان من الحبوب سنويا كان يبلغ 7 ملايين طن، وبعد الحرب انخفض هذا المعدل إلى مليوني طن فقط، مما تسبب في أزمة غذائية كبيرة وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي.
وأضاف أن "هناك 17 مليون إنسان في أرض السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي"، وأن "عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد والمؤدي إلى الوفاة بلغ 700 ألف طفل".
وكشف البرنامج أن مستشفى هيا يخدم حوالي 600 ألف نسمة من حدود سواكن إلى قرابة بورسودان، ولكنه يعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية، حيث أشار مقدم البرنامج إلى أن هناك طبيب أطفال واحدا فقط يخدم كل هذه المنطقة الواسعة.
وفي ختام الحلقة، قام فريق البرنامج بالتعاون مع وزارة الصحة بتقديم مساعدات طبية عاجلة لمستشفى هيا، حيث تم توفير مجموعة من الأدوية التي يحتاجها المرضى، وتم التنسيق لإقامة أسبوع طبي مجاني لكل مواطني المنطقة.
إعلان الصادق البديري17/3/2025