كان الموساد متتبعا دائما لأى نابغة مصرية يمكن أن تسهم فى نهضة الأمة، وهو ما يمثل خطرا على الكيان الصهيونى من وجهة نظر قادته، الذى يتعاملون كزعماء عصابة، فكان الهدف دائما هو الإجهاز على أى شخصية يمكن أن يتكئ عليها الوطن فى رفعته وبنائه، فكانت الدكتور سميرة موسى من أوائل أهداف الكيان الصهيونى لتحقيق هذه الغاية.

وشهد الثالث من مارس من عام ١٩١٧ مولد عالمة الذرة الدكتورة سميرة موسى فى قرية سنبو الكبرى بمركز زفتى بمحافظة الغربية بدلتا مصر، وكان لها ثمانى إخوة وأخوات، وبدأت علامات النبوغ تظهر عليها مبكرا.

وأسهم المناخ الذى نشأت فيه فى تكوين شخصيتها المؤثرة المميزة، حيث كان والدها حريصا على تعليم أبنائه ومهتما بالشأن العام فى وقت كان يموج فيه العالم بأحداث جسام أبرزها اشتعال الحرب العالمية الأولى، وكانت مصر لا تزال تقع تحت نير الاحتلال البريطاني.

ومن سنبو إلى حى الحسين فى العاصمة القاهرة، انتقلت "موسى" بصحبة أسرتها بهدف الالتحاق بمدرسة قصر الشوق فى حى العتيق، حيث كان يمتلك والدها فندقا صغيرا وفيما بعد انتقلت إلى مدرسة بنات الأشراف الثانوية التى أسستها نبوية موسى الناشطة النسائية، والتحقت فيما بعد بكلية العلوم فى جامعة القاهرة.

ظهر تميز سميرة موسى خلال سنوات دراستها، فأصبحت هى أول فتاة تحصل على المركز الأول فى الشهادة الثانوية فى عام ١٩٣٥، ولم يتوقف تميزها عند هذا الإنجاز، وإنما واصلت تفوقها لتصبح أول معيدة فى كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول‏ "جامعة القاهرة حاليا‏". 

وجاء تعيينها كمعيدة فى كلية العلوم بمساعدة من أستاذها وعميد الكلية آنذاك العالم المصرى الكبير مصطفى مشرفة، الذى دافع عن حقها فى التعيين رغم اعتراض بعض الأساتذة، ثم حصلت على الماجستير فى موضوع التواصل الحرارى للغازات.

تخصصت سميرة موسى فى الأبحاث النووية، وأسهمت فى تأسيس هيئة الطاقة الذرية فى مصر، وذلك بعد ٣ أشهر فقط من إعلان إسرائيل فى شهر مايو من عام ١٩٤٨.

ما ينبغى علينا نحو العلم 

كان للعالمة المصرية مقالة هامة بشأن أهمية العلم فى حياتنا العملية وضرورة الاتكاء عليه لتحقيق أى إنجاز، وتقول فى مقال لها تحت عنوان "ما ينبغى علينا نحو العلم" إنه "ليس منا من يجهل للعلم مكانة وأثره أو ينكر عليه دوره وخطره فى حالتى السلم والحرب، لذا فلست بحاجة إلى الإشارة إلى الخدمات التى أداها لنا العلم فى كل مرافق حياتنا فكانت ذاتها آيات كل تقدم لنا وارتقاء، إنما أود هنا أن أعالج ما يتطلبه العلم منا إن أردنا له أن يتم رسالته فى رفاهية الإنسانية وعلو شأنها".

وأضافت "موسى" فى مقالها المنشور فى شهر يوليو من عام ١٩٤٥ حينما كانت مدرسة فى كلية العلوم بجامعة القاهرة: "وما من شك أن نمو المعارف الإنسانية هو أهم بواعث هذا التحول الكبير، فلقد كان تفحص المواد ومحاولة إتقان الصنعة والجهد فى تذليل الصعاب والبحث عن وسائل المواصلات كان كل هذا مادة الدراسة الإنسانية الأولى التى تطورت إلى معرفة قوية، وانتهت إلى بحث علمى دقيق لاتزال أبوابه وستبقى مفتوحة للناس ما بقى لهم على ظهر الأرض من وجود".

جاءت النهاية فى منتصف شهر أغسطس من عام ١٩٥٢ بعد أقل من شهر على الحركة المباركة وثورة يوليو التى أزاحت الحكم الملكى عن مصر.

لقيت سميرة موسى مصرعها فى حادثة سيارة بمدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية. ففى صباح التاسع عشر من شهر أغسطس من عام ١٩٥٢ نشرت صحيفة "المصري" خبرا كان عنوانه "مصرع آنسة مصرية بأمريكا بعد أن أتمت دراستها بالجامعة" وجاء نصه كالتالى "قال المتحدث باسم السفارة المصرية فى واشنطن اليوم أن الآنسة سميرة موسى على الطالبة المصرية التى تتلقى العلم فى الولايات المتحدة قتلت فى حادث سيارة بعد أن أتمت دراستها فى جامعة أوكردج بولاية تنسى الأمريكية". وقال الكاتب الصحفى أحمد زكى عبد الحليم فى كتابه "نساء فوق القمة" تلقت الدكتورة سميرة موسى دعوة للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأتيحت لها فرصة إجراء أبحاث فى معامل جامعة سان لويس بولاية ميسورى الأمريكية، واستطاعت أن تحصل على نتائج أذهلت الأوساط العلمية فى أمريكا وأوروبا".

وأضاف "تلقت الدكتورة سميرة موسى عروضا لتبقى فى أمريكا، ولكنها فضلت أن تعود إلى بلدها وأن تواصل رسالتها العلمية والإنسانية من فوق أرض مصر، بدأت تستعد للعودة حيث دعيت إلى رحلة استجمام قبل العودة فقبلت الدعوة وركبت السيارة وفى منطقة مرتفعة اندفعت السيارة لتسقط فى الهاوية ومعها الدكتورة سميرة موسى بينما قفز قائدها واختفى إلى الأبد"، وعن تورط الموساد فى اغتيال النابغة المصرية يسرد الكاتب الصحفى جميل عارف وقائع هامة فى دراسته "الإرهاب الصهيونى فى مصر" قائلا "كانت موسى فى بعثة دراسية لاستكمال أبحاثها فى إحدى الجامعات الأمريكية وفى يوم ١٥ أغسطس ١٩٥٢ وهو اليوم المشئوم كانت تقود سيارتها فى طريقها لزيارة أحد المفاعلات النووية فى ضواحى سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا".

وأضاف "عارف": "كان بصحبتها مرشد من أصل هندى قيل أن إدارة المفاعل الذرى الذى كان مقررا أن تقوم بزيارته كلفته بإرشادها إلى طريق الوصول إلى مكان المفاعل، وبينما كانت سميرة موسى تمر بسيارتها فى طريق جبلى ظهرت أمامها فجأة سيارة نقل كانت مختفية عند إحدى منحنيات الطريق لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقى بها فى واد عميق من ارتفاع قدر بحوالى ٤٠٠ قدم".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: سميرة موسى عالمة الذرة من عام

إقرأ أيضاً:

محمد بن يزيد المبرّد

ولد الشاعر واللغوي والنحوي الكبير "محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي" في البصرة عام 210 للهجرة، ويعود محمد بن يزيد في جدوره إلى (مُقاعس) إحدى قرى الباطنة، سافر أهله إلى البصرة التي كانت في تلك الفترة عاصمة الفكر والثقافة والاقتصاد، حيث كانت البصرة تضم بين أروقة مساجدها عددا كبيرا من حلقات العلم، وكان علماء وأدباء البصرة قد تصدروا العلماء والأدباء، وصارت لهم رئاسة العلم في العالم الإسلامي، وكانت العديد من العائلات في شبه الجزيرة وبلاد فارس تهاجر للبصرة للاشتغال في التجارة، وتحصيل العلم ومجالسة العلماء.

كان محمد بن يزيد الأزدي حافظًا لأشعار العرب، ونبغ في علم النحو، وامتلك مهارة في المناظرة والحِجَاج، وكان لا يناظر أحد إلا غلبه، فلقبه أستاذه المازني بالمُبَرِّد أي المثبت للحق، وسبب في هذا اللقب أن المازني حين كتب كتاب "الألف واللام"، أخذ يناقش تلميذه محمد بن يزيد في كثير مما جاء في الكتاب، وكان المبرد يجيبه على كل ما يسأله، فلقبه بالمبرد. أي أن جوابه يُبَرد القلب، ويبعث فيه الطمأنينة. ويقدم السيوطي سببًا آخر لتسمية محمد بن يزيد بالمُبَرِّد، فيقول" لأنه كان يسكت مخالفيه بالحجة الدامغة، فكأن الحيرة والجهل نار تشتعل في صاحبها، فإذا جاءه برد اليقين والعلم تبرد به". أما المُصْحَفِّيُّ فيقول:" إن المبرَّد بفتح الراء، لحسن وجهه، ويقال رجل مُبَرَّد ومُقَسَّم ومُحَسَّن إذا كان حَسُنَ الوجهِ".

تعلم محمد بن يزيد الأزدي في طفولته القرآن والحساب وعلوم اللغة على يد معلمي الكتاتيب في البصرة، ووجدت أسرته فيه ذكاء متقد ولديه رغبة شديدة لتحصيل العلم، فجعلته يتفرغ للدراسة والقراءة على يد مجموعة من علماء البصرة من أمثال: بكر بن محمد بن عثمان البصري المازني، وصالح بن إسحاق البصري، وأبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان الجشمي وأبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وإبراهيم بن سفيان الزيادي، والعباس بن الفرج الرياشي. وقرأ على يديهم مجموعة من كتب النحو مثل كتاب سيبويه، وكتب الخليل بن أحمد الفراهيدي.

اشتهر المبرد أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي ببلاغته وحسن جوابه، ونجابة تصرفه في المواقف وكان المبرد يحب أن يستعرض مهاراته في الجدال وتقديم الحجج والأدلة على صحة رأيه، فيدخل في نقاشات نحوية كثيرة مع شيخ علماء الكوفة النحوي أبي العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني المعروف بلقب ثعلب، ويكنى بأبي العباس، وهو إمام المدرسة الكوفية في النحو، والمبرد إمام المدرسة النحوية البصرية، وكان ثعلب يتحاشى المبرد، ويتجنب الدخول معه في أي حوارات؛ لأن المبرد يمتلك مهارة الجدال ولديه سرعة بديهة في الرد، وكثيرا ما كان ينتصر عليه مما يسبب لثعلب الإحراج بين طلابه. وحكى أبو بكر بن السراج عن محمد بن خلف، قال: كان بين أبي العباس المبرد وأبي العباس ثعلب من المنافرة ما لا خفاء به؛ ولكن أهل التحصيل يفضلون المبرد على ثعلب، وفي ذلك يقول أحمد بن عبد السلام:

رأيت محمد بن يزيد يسمو... إلى الخيرات في جاه وقدر

جليس خلائف وغذيّ ملكٍ... وأعلم من رأيت بكل أمر

وكان الشعر قد أودى فأحيا... أبو العباس دارس كل شعر

وقالوا ثعلب رجلٌ عليم... وأين النجم من شمس وبدر!

وقالوا ثعلبٌ يفتي ويملي... وأين الثعلبان من الهزبر!

وبالإضافة إلى ما تميز به المُبرِّد من فصاحه وبيان، عرف عنه أنه صاحب خط جميل، قال عنه القَفْطِّي:" كان أبو العباس محمد بن يزيد من العلم، وغزارة الأدب، وكثرة الحفظ، وحسن الإشارة، وفصاحة اللسان، وبراعة البيان، وملوكية المجالسة، وكرم العشرة، وبلاغة المكاتبة، وحلاوة المخاطبة، وجودة الخط، وصحة القريحة، وقرب الإفهام، ووضوح الشرح، وعذوبة المنطق، على ما ليس عليه أحد ممن تقدمه أو تأخر عنه".

يعد كتاب المبرد الكامل في اللغة والأدب، أحد ركائز علوم اللغة العربية وأحد أسباب تطور علومها، قال عنه عبد الرحمن بن محمد بن خلدون:" وقد سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين: وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى ذلك فتبع لها وفروع عنها". وكان طلاب العلم يحرصون على دراسته ومناقشة ما جاء فيه من معلومات ودارستها، قال عن ذلك القاضي الفاضل: " طالعته سبعين مرة، وكل مرة ازداد منه فوائد". ولا يتخرج طالب العلم إلا بعد أن قرأ كتاب الكامل ووعى ما فيه من علوم ومعارف.

يكشف الكتاب الكثير من جوانب المبرد الثقافية، فالكتاب يعكس موسوعية المبرد وثقافته الواسعة، وذخيرته الفكرية، ليخلد هذا الكتاب وغيره من مؤلفات المبرد في التاريخ الإنساني، وتجعل من المبرد علامة فارقة في علوم اللغة العربية.

قرر المبرد التفرغ لتدريس طلاب العلم، فتعلم على يديه مجموعة كبيرة من محبي النحو والأدب العربي، وكانت الرحال تُشَقُ إليه، والنفوس المحبة للمعرفة تهفو إليه، وتخرج على يدي المبرد مجموعة كبيرة من العلماء ممن لهم إسهامات جليلة في الحقل المعرفي، من أبرزهم إبراهيم الزَجَّاج البغدادي النحوي، الذي يُعَد أحد أبرز علماء اللغة وصاحب وزير المعتضد بالله، عبيدالله بن سليمان بن وهب، وله مؤلفات أهمها كتاب الأنواء، وكتاب العروض، ووكتاب القوافي، وكتاب خلق الإنسان. وممن تعلم على يد المبرد محمد بن السَّري بن سهل ويعرف بابن السرَّاج، الذي تولى رئاسة العلم بعد المبرد، وكتب كتاب الأصول في النحو. ومحمد بن أحمد بن كِيسان أبو الحسن النحوي، أحد أبرز علماء النحو في بغداد جمع بين آراء المدرستين البصرية والكوفية، كتب كتاب المسائل على مذهب النحويين مما اختلف فيه البصريون والكوفيون، قال عنه أبو حيان التوحيدي: "ما رأيت مجلسا أكثر فائدة وأجمع لأصناف العلوم وخاصة ما يتعلق بالتحف والطرف والنتف من مجلس ابن كِيسان". وقال أبو بكر مجاهد عن أبي الحسن كيسان" أبو الحسن بن كيسان أنحى من الشيخين يقصد المبرد وثعلب". وممن نال شهرة واسعة من تلامذة المبرد أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل العسكري، شرح مؤلفات سيبويه والأخفش وكتب كتاب النحو المجموع على العلل وكتاب شرح الكتاب الأوسطي. ومن تلامذة المبرد النجباء إبراهيم بن محمد الكلابزي، الذي لمع نجمه في العلم والأدب وتولى قضاء الشام.

ترك المبرد أكثر من أربعين مصنفا بعضها لا زال موجودا طبع أكثر من مرة مثل كتاب المقتضب وكتاب المقصور والممدود وكتاب المذكر والمؤنث وكتاب طبقات النحويين البصريين وأخبارهم وكتاب شرح لامية العرب وكتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد. أما الكثير من كتب المبرد فلا تزال مفقودة.

توفي المبرد بعد حياة حافلة غنية بالعلم والمعرفة في عام 285 هـ ودفن في مقابر باب الكوفة ببغداد. قال عنه البحتري:

ما نالَ ما نالَ الأَميرُ مُحَمَّدٌ إِلّا بِيُمنِ مُحَمَّدِ بنِ يَزيدِ

وَبَنو ثُمالَةَ أَنجُمٌ مَسعودَة فَعَلَيكَ ضَوءُ الكَوكَبِ المَسعودِ

شَفَعَت خُراسانُ العِراقِ بِزَورَةٍ مِن زائِرٍ طَرِفِ اللِقاءِ جَديدِ

ذاكَ المُبارَكُ خِلَّةٌ وَلَرُبَّما مُنِيَ الجَليلُ بِأَشأَمٍ مَنكودِ

أما العالم الكبير ثعلب فلقد قال حين بلغه موت المبرد:

ذهب المبرد وانقضت أيامه... وليذهبن مع المبرد ثعلبا

بيتٌ من الآداب أضحى نصفه... خربًا وباقي النصف منه سيخرب

فتزدوا من ثعلب فبكأس ما... شرب المبرد عن قريب يثرب

أوصيكمو أن تكتبوا أنفاسه... إن كانت الأنفاس مما يكتب

مقالات مشابهة

  • بين العبقرية والمؤامرة.. هل كان اغتيا.ل سميرة موسى مدبرا
  • أحمد موسى: مفيش دولة عربية هتطبع مع إسرائيل وهي ما زالت تحتل فلسطينذ
  • أحمد موسى: إسرائيل تجهز للقيام بمحرقة جديدة داخل قطاع غزة
  • اعتقال شخص رفع العلم الصدّامي فوق منزله وسط بغداد
  • محمد بن يزيد المبرّد
  • في ذكرى ميلادها.. قصة اغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى
  • أخبار التوك شو| تعليق ناري من أحمد موسى على قرار نتنياهو بوقف إدخال المساعدات لقطاع غزة.. مصر تدين قرار إسرائيل بوقف إدخال المساعدات الإنسانية
  • أحمد موسى عن وقف المساعدات لغزة: إسرائيل عمرها ما التزمت باتفاق «فيديو»
  • لغز بلا أدلة.. اغتيال سميرة موسى العالمة التى سببت رعبا للغرب
  • إيران على خُطى إسرائيل لامتلاك النووي