لقد أمر الله حبيبه ومصطفاه، سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يتجه فى صلاته أولا إلى بيت المقدس، حتى لو كان الأمر يخالف هواه، لبيان مطلق الطاعة وحتى يكون الولاء والانتماء إلى الله سبحانه وتعالى وحده، وإذا كان هناك الكثير من الدروس والعبر نتعلمها من حادثة تحويل القبلة فى ليلة النصف من شعبان، فمن أولها: بيان منزلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند ربه، ولنتأمل قوله تعالى: "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها"، وهذا دليل على أن الله تعالى حول القبلة إرضاء لحبيبه، ولذا فإن عائشة - رضى الله عنها - قالت للنبي: "أرى أن ربك يسارع في هواك".
وقد جاء في تفسير الآية الكريمة: إن الله تعالى يرى تقلب وجه نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في السماء شوقا وانتظارا لنزول الوحي باستقبال القبلة وأن الله تعالى استجاب له بتوجيهه إلى قبلة يرضاها ويحبها وهي الكعبة المشرفة، وهذا بيان لفضله وشرفه - صلى الله عليه وسلم - حيث إن الله تعالى يسارع في رضاه.
ومن حكمة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، أن البيت العتيق هو قبلة أهل الأرض، كما أن البيت المعمور فوقه هو قبلة أهل السماء، واقتضت حكمة الله أن يجتمع الموحدون على قبلة واحدة فأمر خليله إبراهيم - عليه السلام - ببناء البيت العتيق، ليكون مثابة للناس وأمنا ومصدرا للإشعاع والنور الرباني ومكانا لحج بيته المعظم يأتيه الناس من كل فج عميق، ولتكون الريادة لهذه الأمة: "هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير".
وفى تمنى الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحويل القبلة إلى البيت الحرام فى مكة - حيث المولد والنشأة - دلالة عظيمة على حب النبى محمد لوطنه حبا جما، وتعلق قلبه به، فحب الأوطان فطرى في النفوس السوية.
وفى تحويل القبلة رمز وإشارة إلى ضرورة أن يتميز المسلم في عقيدته وعبادته، ولا بد أن نتحول كمسلمين، من الكسل إلى العمل ومن اللعب والإهمال إلى الجد والإتقان، ونتحول من كل قبيح إلى كل جميل.
وإن الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فى تحويل القبلة وفى رحلة الإسراء والمعراج، فيه ما يدل على ارتباط المسجدين، وبيان فضلهما، وأن أول بيت وضع للناس فى الأرض كان المسجد الحرام، وثانى مسجد هو المسجد الأقصى، وبينهما أربعين سنة فى البناء، وفي هذا دلالة على مكانة المسجدين عند الله تعالى، وارتباطهما فى نفوس المسلمين، وضرورة الحفاظ عليهما وعدم التفريط فيهما، وأن الذى يفرط فى أحدهما يوشك أن يفرط فى الآخر.
ويستحب الدعاء في ليلة النصف من شعبان، لأن العلماء قد أخذوا إشارة من استجابة الله للنبي صلى الله عليه وسلم فيها بتحويل القبلة، إلى أن هذا وقت يستجاب فيه الدعاء، ولذا كان بعض الصحابة والتابعين يحيون ليلة النصف من شعبان بالدعاء والتوبة، وهذا لا يتنافى مع كون باب التوبة مفتوحا دائما إلى أن تطلع الشمس من مغربها.
نسأل الله تعالى أن يرفع عن أمتنا الهم والغم والكرب والبلاء والغلاء، وعن سائر بلاد العالمين، وأن يحفظ مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: المسجد الأقصى المسجد الحرام تحويل القبلة صلى الله علیه وسلم تحویل القبلة الله تعالى
إقرأ أيضاً:
شروط نقل الأعضاء والحكم الشرعي فيها
قالت دار الإفتاء المصرية إن العلاج بنقل وزرع الأعضاء البشرية جائزٌ شرعًا، إذا توافرت فيه الشروط التي تُبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرَّمه الله تعالى، بل يكون هذا من باب إحياء النفس الوارد في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
الحكم الشرعي في نقل الأعضاءوأوضحت دار الإفتاء أنَّ الله تعالى قد خلق الإنسان، وكرَّمه وفضَّله على سائر المخلوقات، وارتضاه وحده لأن يكون خليفةً في الأرض؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].
وحرص الإسلام كل الحرص على حياة الإنسان والمحافظة عليها وعدم الإضرار بها جزئيًّا أو كليًّا؛ لذلك أمرت الشريعة الإسلامية الإنسان باتخاذ كل الوسائل التي تحافظ على ذاته وحياته وصحته وتمنع عنه الأذى والضرر، فأمرته بالبعد عن المحرمات والمفسدات والمهلكات، وأوجبت عليه عند المرض اتخاذ كل سبل العلاج والشفاء؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
ووردعن أسامة بن شريك قال: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ «نَعَمْ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» رواه أحمد.
وكشفت الإفتاء أنه يجوز أخذ عضو من الحيِّ إلى الحيِّ لإنقاذه من هلاك مُحَقَّق حالًا أو مستقبلًا، كما أنه يجوز أيضًا الأخذ من الميت إلى الحيِّ لإنقاذه من هلاك مُحَقَّق أو لتحقيق مصلحةٍ ضرورية له؛ لأن الإنسان الميت وإن كان مثل الحيِّ تمامًا في التكريم وعدم الاعتداء عليه بأي حال بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، وحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» رواه ابن ماجه.
الضوابط الشرعية لجواز نقل الأعضاء
يشترط في نقل الأعضاء مراعاة مجموعة من الضوابط الشرعية، وهي:
- الضرورة القصوى للنقل بحيث تكون حالةُ المنقول إليه المرضيةُ في تدهورٍ صحيٍّ مستمر ولا ينقذه من هلاك مُحَقَّقٍ إلا نقل عضو سليم إليه من إنسان آخر بينهما درجة قرابة حتى الدرجة الثانية، ويجوز النقل حتى الدرجة الرابعة إذا حالت ضرورة دون النقل من الدرجات السابقة، ويُقَدِّرُ ذلك أهل الخبرة الطبية العدول، شريطةَ أن يكون المأخوذ منه وَافَقَ على ذلك حال كونه بالغًا عاقلًا مختارًا.
- أن يكون هذا النقل محققًا لمصلحة مؤكدة للمنقول إليه من الوجهة الطبية، ويمنع عنه ضررًا مؤكدًا يحل به باستمرار العضو المصاب بالمريض دون تغيير، ولا توجد وسيلة أخرى لإنقاذه من الموت والهلاك الحال المحقق إلا بهذا الفعل.
- ألا يؤدي نقلُ العضو إلى ضررٍ مُحَقَّقٍ بالمنقول منه يضر به كليًّا أو جزئيًّا أو يمنعه من مزاولة عمله الذي يباشره في الحياة ماديًّا أو معنويًّا أو يؤثر عليه سلبيًّا في الحال أو المآل بطريق مؤكَّد من الناحية الطبية؛ لأن مصلحة المنقول إليه ليست بأولى من الناحية الشرعية من مصلحة المنقول منه؛ لأن "الضَّرَرَ لا يُزَالُ بالضَّرَرِ"، و"لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ في الإسلام"، ويكفي في ذلك المصلحة الغالبة الراجحة، والضَّرَرُ القليل المُحْتَمَلُ عادةً وعرفًا وشرعًا.
- أن يكون هذا النقل دون أي مقابل ماديٍّ أو معنويٍّ مطلقًا بالمباشرة أو بالواسطة.
- صدور إقرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بهذه الضوابط، وإعطاؤه لذوي الشأن من الطرفين المنقول منه العضو والمنقول إليه قبل إجراء العملية الطبية، على أن تكون هذه اللجنة متخصصةً ولا تقل عن ثلاثة أطباء عدول، وليس لأحد منهم مصلحة في عملية النقل.
- يشترط ألا يكون العضو المنقول مؤديًا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال.
- أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قُوَاهُ العقلية ودون إكراه ماديٍّ أو معنويٍّ، وعالمًا بأنه يوصي بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيث لا يؤدي النقل إلى امتهان لكرامة الآدمي.
- ألَّا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديًا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال كالأعضاء التناسلية وغيرها، وذلك كما هو الحال في نقل العضو من حيٍّ إلى حيٍّ تمامًا.
- أن يكون النقل بمركز طبي متخصص مُعْتَمَدٍ من الدولة ومرخَّصٍ له بذلك مباشرةً دون أي مقابل ماديٍّ بين أطراف النقل.