الاستبداد.. بقلم: أ.د. بثينة شعبان
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها البشرية في العصر الحديث هي أنها لم تكرّس الوقت والجهد اللازمين للكشف عمّا ارتكبه الإنسان الأبيض القادم من الغرب بحقّ الشعوب الأصلية، ولم تؤرخ تاريخاً حقيقياً ودقيقاً لما ارتكبه من جرائم الإبادة والتعذيب والحصار ونهب الثروات وتطوير أسلحة الدمار الشامل بحق الشعوب في المستعمرات من إفريقيا إلى آسيا إلى أميركا اللاتينية رغم أن آثاره واضحة، ومن تدمير لثقافات الشعوب واستخدام الإعلام لتزييف الحقائق وغسل الأدمغة وتدمير القيم الإنسانية وخاصة في دفن لغات الشعوب الأصلية واستبدالها بلغة المستعمر التي مازالت اللغة السائدة لسكان المستعمرات السابقة، بل أصبح بعض سكان المستعمرات يتغنون بما فعله الغربي في بلادهم والحضارة التي أشادها على جماجم أبنائهم والمتاحف الزاخرة بآثار منهوبة من هذه المستعمرات ناهيك عن الثروات المسروقة التي تمّ استخدامها لبناء أوطان المستعمِر وإبقاء الشعوب المنهوبة في فقر مدقع لقرون، بل كانت هذه الجرائم وعلى مدى قرون، مثار إشكال وجدل بين سكان المستعمرات أنفسهم فمنهم من أصبح ذهنياً ووجدانياً تابعاً للسيد ومطيعاً، أولاً من الخوف وبعد ذلك بحكم العادة، يدافع عنه ويعتبر بقاءه مرتبطاً بقوة السيد، ومنهم متمردون على الإرث الاستعماري برمّته ولكن من دون عمل جدي ومجدٍ لتأريخ هذا الإرث وتشكيل موقف وطني ومن ثمّ أممي من هذا الإرث يُحسب له حساب.
قد تكون هذه بعض الأسباب التي لم تحسم المكانة الحقيقية للبلدان على الخريطة التاريخية والإنسانية والأخلاقية، وقد يكون خوف وصمت وتأرجح وفقر الشعوب المضطَهدة من الطغيان الغربي أحد أسباب عدم التوصل إلى هذا الحسم، الأمر الذي أوصل العالم اليوم إلى درجة غير مسبوقة من الطغيان تمارسها الدول الغربية دعماً لإرهابيين قتلة ينفذون حرب إبادة يومية منذ خمسة أشهر بحق المدنيين العزل في غزة على مرأى ومسمع العالم الذي يدّعي التحضر من دون أن نشهد ثورة في الرأي العام ووقفة صادقة شامخة ومؤثرة فعلاً في مجرى الأحداث، ولا نشهد حتى قولاً يليق بهول ما يجري إذا ما استثنينا اليمن، الذي نفخر جميعاً أنه أصل العرب والعروبة وقد برهن أنه يستحق بجدارة أن يكون الأصل والجذر والمتكأ.
بعد خمسة أشهر من شن الغرب برمّته حرب الإبادة على أناس عزّل أبرياء مُحاصَرين منذ 75 سنة وبعد استشهاد أكثر من خمسين ألف امرأة وطفل، وتهجير أكثر من مليون إنسان وارتكاب أبشع المجازر بحق الأطباء والإعلاميين وحتى اقتلاع الأشجار وقتل الحيوانات واستهداف الأغذية والمنظمات التي كانت تُسمّى إنسانية كي يموت السكان جوعاً، تستمر حرب الإبادة وكأن العالم برمّته لا يسمع ولا يرى ماذا يحدث لإخوته في الإنسانية، وتتمادى الولايات المتحدة وأخواتها في الغرب بإرسال المليارات من كل أنواع الأسلحة الفتاكة لتمكين أدواتهم الصهاينة من الاستمرار في ارتكاب هذه الإبادة البشعة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، على الأقل في القرون الأربعة الماضية، ويظن الآخرون في الشرق والجنوب والغرب وفي كل مكان أنهم في منأى ومأمن عمّا يحدث غير مدركين أن هذه الاستهانة بالبشر تنطبق عليهم جميعاً مع اختلاف التوقيت واللحظة المناسبة.
أهل فلسطين ولبنان واليمن والعراق الأبي لا يدافعون عن فلسطين فقط وسلامة الفلسطينيين بل يدافعون عن عالم يريدونه حراً من الاستبداد الغربي الاستعماري ويتصدون للطغيان الغربي الذي عاث فساداً في كل بلداننا التي كانت مستعمَرة ومن ثمّ غيّر أدواته من دون أن يغيّر أهدافه باستهدافه لنا والاستهانة بنا وقتلنا جميعاً حينما تطلبت مصالحه ذلك.
سكان المستعمرات الذين يعبّرون عن إعجابهم بما أنجزه الغرب لشعبه يجب أن يتذكروا أن هذا الإنجاز بُني على جماجم أبنائهم ونهب مقدراتهم، وأن الغرب يعامل أبناءه بطريقة مختلفة تماماً لن يعامل الآخرين بمثلها، وأكبر دليل على ذلك المهاجرون في فرنسا من المغرب العربي الذين هم اليوم في الجيل الثاني والثالث ومع ذلك ما زالوا مواطنين من درجة ثانية أو ثالثة ولم ولن يتمّ منحهم مكانة الأوروبي الأبيض.
ولكنّ العدوان على غزة برهن شيئاً آخر أكثر خطورة على الأسرة الإنسانية؛ وهو أن الولايات المتحدة تمسك الشأن الدولي بيدها فتعاقب من تريد وتفرض على الدول الأخرى أن يعاقبوا من تعاقبه وأن يقطعوا الصلات مع من تقطع الصلات معه، وأن يتبعوا تصنيفها بالخير والشرّ والإرهاب وغيره، وإذا ما حاول البعض استصدار أي قرار في مجلس الأمن لإعادة الحق إلى نصابه فإن الفيتو الأميركي له بالمرصاد، وهذا أخطر ما كشفه هذا العدوان أن الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد خطفت الإرادة الدولية واستبدّت بها وحوّلت الشعوب جميعها إلى عبيد يتبعون ما تقرّه الإدارة الأميركية التي تعلن مشاركتها الفعلية في حرب الإبادة ويختبئون وراء خوفهم المزدوج من فعل شيء أو لا فعل شيء، وهذه هي حال العالم اليوم، ولكنّ هذا الصمت والموت السريري لأي حركة عالمية في وجه استبدادٍ لم يسبق له مثيل في عصرنا الحديث يحوّل الجميع إلى عبيد غير قادرين على فعل شيء، وكل ما يقومون به هو أن يلووا رؤوسهم درءاً لها من أن تقع بهم الواقعة في المرة القادمة.
في هذا السياق والتحليل فإن الأحرار الوحيدين اليوم هم المقاومون لهذا الاستبداد الغربي الذين يتظاهرون ضده في الغرب ويرفعون أصواتهم في وجه المذيعين الغربيين ويقولون لهم: «عار عليكم، أوقفوا حرب الإبادة، فلسطين حرّة»، ومع أن الشرطة تكمّ أفواه هؤلاء وتخرجهم من القاعة مكبلين بالأصفاد كي يستأنف المذيع الحوار مع نفسه فلا شك أن جميع السامعين يعرفون أن هذا هو الحق وقد تتحرك ضمائرهم ولا يبقون جالسين حين يعلمون أن قتل كل طفل فلسطيني بريء وامرأة فلسطينية بريئة هو انتهاك لكرامتهم الإنسانية ووعد لهم أنهم قد يواجهون المصير نفسه إذا ما تجرّؤوا على التعبير عن آرائهم، ولهذا فإن صمتهم المطبق سيُحكِم الاستبداد حول أعناقهم ويجعلهم عبيداً لا حول لهم ولا قوة في أي شأن هم بصدد تنفيذه.
ومن هذا المنظور فإن مساندة فلسطين اليوم هي أول خطوة ضرورية لمواجهة نظام الاستبداد السياسي القائم على إطلاق يد المخابرات الغربية السائد حالياً في الغرب التي تدير الإعلام والأحزاب والبرلمانات والسياسيين حالياً في الغرب، وتحدّي العبودية التي فرضها هذا النظام الغربي المستبد على البشرية برمّتها من خلال التحكم بالقرار الدولي والترهيب لأي شخص أو بلد يمكن أن يتحدى أو حتى يعترض على قرارهم هذا؛ فإمّا أن تختار شعوب الأرض الحرية وتكون مستعدة لدفع أثمانها وإمّا أن تبقى في ربقة العبودية لطغاة الغرب، مثل رئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن وتتلقى أي ضربات قد يقرّر الطاغية توجيهها لها. هذه هي أكبر معركة تحرّر تخوضها البشرية في القرن الحادي والعشرين ولا شك أن نتائجها ستكون مهمة للجميع، فهل تستمر دول العالم الكبرى بالتزام الصمت تجاه الاستبداد الغربي والارتعاد من الخوف، أم تسارع كما سارع بعض الذين استوعبوا الدرس، مثل الرؤساء الكولومبي والبوليفي والفنزويلي والبرازيلي، إلى الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ؟ إنها ليست مسؤوليتهم تجاه أنفسهم ولا حتى تجاه بلدانهم فقط، ولكنها مسؤوليتهم المهمّة والأكيدة تجاه مستقبل البشرية ومستقبل هذا الكون الذي أورثنا إياه الخالق العظيم لنكون خليفة له في الأرض، فهل نثبت أننا نستحق ذلك؟
جريدة الوطن السورية
أ. د. بثينة شعبان 2024-02-27sanaسابق وزارة الصحة الفلسطينية: ارتفاع عدد ضحايا عدوان الاحتلال المتواصل لليوم 144 على قطاع غزة إلى 29878 شهيداً و70215 جريحاً انظر ايضاً ثلاثة مستويات للتهديد – بقلم: أ. د. بثينة شعبانتواجه البشرية برمّتها اليوم ثلاثة مستويات للتهديد المباشر الذي يؤرق أصحاب الضمائر الحرة والذين يعبرون …
آخر الأخبار 2024-02-27فيتسو: إرسال قوات من الناتو إلى أوكرانيا سيؤدي إلى تصعيد كبير 2024-02-27روسيا تعتزم فرض قيود على صادرات البنزين لمدة ستة أشهر 2024-02-27إصابة فلسطيني واعتقال 41 آخرين خلال اقتحام قوات الاحتلال مناطق بالضفة الغربية 2024-02-27البرلمان الهنغاري ينتخب رئيساً جديداً للبلاد 2024-02-27مباحثات روسية كوبية لتعزيز التعاون الأمني 2024-02-27رئيسي يؤكد ضرورة استخدام جميع الطاقات لضمان حقوق الشعب الفلسطيني 2024-02-27الدفاع الروسية: إسقاط 3 مسيرات جوية أوكرانية فوق بريانسك وبيلغورود 2024-02-27بوليانسكي: (إسرائيل) وأوكرانيا تشنان معركة ضد الإنسانية 2024-02-27المقاومة اللبنانية تستهدف قاعدة ميرون للمراقبة الجوية التابعة للاحتلال الإسرائيلي في جبل الجرمق بدفعة صاروخية كبيرة 2024-02-27استشهاد ثلاثة فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال في طوباس
مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر قانوناً يقضي بالإعفاء من غرامات رسوم الري وبدلات إشغال أملاك الدولة واستصلاح الأراضي الزراعية 2024-02-17 الرئيس الأسد يصدر قانوناً خاصاً بإحداث وحوكمة وإدارة الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة 2024-02-14 الرئيس الأسد يصدر مرسومين بزيادة الرواتب والأجور المقطوعة للعاملين المدنيين والعسكريين وزيادة المعاشات التقاعدية بنسبة 50 بالمئة 2024-02-05الأحداث على حقيقتها استشهاد 14 مواطناً جراء انفجار لغم من مخلفات إرهابيي (داعش) في بادية الرقة 2024-02-25 تدمير وإسقاط سبع طائرات مسيرة للإرهابيين بريفي حماة وإدلب 2024-02-25صور من سورية منوعات مؤسسة (روستيخ) الروسية تصنع أطرافاً اصطناعية بمواصفات خاصة للأطفال 2024-02-25 روسيا تطور سفينة أبحاث جديدة لدراسة القطب الشمالي 2024-02-25فرص عمل التربية تعلن عن مسابقة ملء شواغر الإشراف الاختصاصيّ والتربويّ في مديرياتها 2024-02-04 التربية: مسابقة لملء شواغر الإشراف الأول الاختصاصي والتربوي في الإدارة المركزية 2024-01-30الصحافة الاستبداد.. بقلم: أ.د. بثينة شعبان 2024-02-27 موقع كندي: التجارة بأعضاء الفلسطينيين جريمة من سلسلة جرائم “إسرائيل” تدر عليها أرباحاً هائلة 2024-02-27حدث في مثل هذا اليوم 2024-02-2727 شباط 2004 – قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم المسجد الأقصى خلال صلاة الجمعة ما أدى إلى إصابة 24 شخصاً بينهم نساء 2024-02-2626 شباط 2015- تنظيم “داعش” الإرهابي يبث فيديو يتضمن عملية تدمير لتماثيل تعود للحقبة الآشورية داخل متحف الموصل في العراق 2024-02-2525 شباط – اليوم الوطني في الكويت 2024-02-2424 شباط 1971الرئيس الجزائري هواري بومدين يعلن تأميم قطاع المحروقات من الشركات الأجنبية 2024-02-2323 شباط 1893- رودولف ديزل يحصل على براءة اختراع محركات الديزل 2024-02-2222 شباط 1958- الإعلان عن قيام الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: حرب الإبادة فی الغرب
إقرأ أيضاً:
هل من نهاية لنفق الطغيان الطويل؟
21 ديسمبر، 2024
بغداد/المسلة:
علي مارد الأسدي
يفترض أن تحدث عمليات التغيير الكبرى والثورات الإصلاحية الحقيقية، التي تقوم بها الشعوب المقهورة، في الدرجة الأولى، بالضد من الركائز الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تنشأ وتحمي وتدعم التسلط والطغيان والفساد، سواء كانت هذه الركائز متخفية تحت قبعة أو غترة أو شروال أو عمامة.
لكن ما نشهده في معظم البلدان الإسلامية هو عكس ذلك تمامًا. فالشعوب تسعى لإسقاط طغاتها الذين جاء بهم انقلاب عسكري في العادة، متذرعة بأسباب مقنعة، كعدم تطبيقه للقوانين المدنية التي وضعها بنفسه. ومع ذلك، وبعد معاناة طويلة، نجد أن هذه الشعوب هي نفسها من تستبدل طاغيتها الأوحد بطاغية آخر أو عدد من صغار الطغاة المنتخبين شكليًا، الذين يتسلحون بشرعيات مزيفة، سواء كانت دينية أو قبلية أو قومية.
وسرعان ما يعيد هؤلاء الطغاة المشهد ذاته، إذ يتحولون، مع حاشيتهم، إلى محميات فوق الدستور والقانون الذي شرعوه بأيديهم.
هذا الواقع يعني، ضمنيًا، أن النقمة ضد الدكتاتور الأوحد لم تكن بسبب طغيانه أو افتقاده للشرعية، بل لأنه متفرد بالسلطة، يرغب في الاستئثار بمغانمها وحده، أو على الأغلب مع أسرته، ولا يقبل أن يشاركه أحد في فساده واستبداده!
الثورة الحقيقية التي لم تأت بعد هي تلك التي تجتث عوامل الفساد والطغيان من جذور المجتمع، لكي تحرر الإنسان من نفسه قبل كل شيء، وتعيد له إنسانيته وحريته وكرامته المسلوبة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts