الجزيرة:
2024-09-19@02:50:13 GMT

أطفال غزة والموت جوعًا بين الشرع والواقع

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

أطفال غزة والموت جوعًا بين الشرع والواقع

تتوارد الأخبار يوميًا بعد الحصار الخانق والقاتل على أهل غزة، بوفاة حالات تموت جوعًا، في ظلّ تقاعس وتخاذل دولي مخجل، بل والأنكى من ذلك أن تسهم دول في إقامة جسر بري يعين الكيان الصهيوني، بينما الحصار بالتجويع والقتل يعانيه أهل غزة: أطفالًا، ونساء، وشيوخًا وعجائز، مع الأسف.

فالإنسان في غزة إما أن يموت قتلًا بأسلحة ورصاص الاحتلال، أو بمنع الدواء عنه إن أُصيب أو جرح، أو يموت جوعًا بمنع الطعام عنه، وكثير من حالات الوفاة تجويعًا ليست عن فقر، أو قلة ذات اليد، بل لديهم المال ليشتروا ما يأكلون ويشربون، ولكن الطعام والشراب ممنوعان من باب إماتتهم عطشى وجوعى.

وهو ما دفع بالكثيرين للسؤال عن حكم هذا القتل بالتجويع، وحكم من يعاون عليه، أو يؤيد ما تقوم به حكوماتهم تجاه هؤلاء المظلومين المقهورين والمقتولين تجويعًا، وحكم خذلان هؤلاء، هل يعد مشاركة في الجريمة أم لا؟

سمى العرب الموت جوعًا: بالموت الأغبر، والموت ‌الأغبر: وهو الموت جوعًا، لأنه يغبر في عينيه كل شيء

تعوذ النبي من الجوع

إن نظرة الإسلام للجوع، هي نظرة الرفض والبغض، فضلًا عن أن تكون عقوبة لأناس برآء، فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من الجوع، فروى عنه الصحابة أنه "كان يستعيذ من سوء القضاء، وشماتة الأعداء، ودرك الشقاء، ‌وجهد ‌البلاء"، فقالوا عن شرح معنى تعوذه من (جهد البلاء)، أنه القتل صبرًا. فقال أنس- رضي الله عنه -: قتل الصبر جهد البلاء. وقال- صلّى الله عليه وسلم-: "جهد البلاء: أن تحتاج إلى ما في أيدي الناس فيمنعوك.

وكان- صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من الجوع، فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع". وسمى العرب الموت جوعًا: بالموت الأغبر، والموت ‌الأغبر: وهو الموت جوعًا، لأنه يغبر في عينيه كل شيء. وورد عنه- صلى الله عليه وسلم- النهي عن عقوبة الناس بالقتل صبرًا، أي: بمنع الطعام والشراب عنهم حتى يموتوا.

موقف الشريعة من المشاركة في القتل جوعًا

لقد تحدث القرآن الكريم عن جريمة القتل، سواء كانت لإنسان أو حيوان، أو لأي كائن حي- ما دامت بغيًا في الأرض وظلمًا- بأنها جريمة، يعتبر في حكم الشرع مجرمًا مشاركًا فيها، كلُّ من شارك، ولو بتأييد، أو خذلان إن كان قادرًا على منع الجريمة،: فقد ذكر لنا القرآن الكريم في قصص من مضوا، قصة ناقة نبي الله صالح، ومن قاموا بقتلها، فعلى الرغم من أن القائم بالجريمة شخص واحد، ومعروف ومعلوم، وأشار إليه القرآن الكريم بفعله، لكنه عند حديثه عن الجريمة لم يستثنِ أحدًا ممن كان يقدر على منعها، فقال تعالى: (إذ انبعث أشقاها. فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها. فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها) الشمس: 12-14.

فالضمير هنا في التكذيب وذبح الناقة، ضمير جمع، رغم أن من ذبحها هو شخص واحد، وقال عنه القرآن: (إذ انبعث أشقاها)، ولكن عند الحديث عن الجريمة والعقوبة، فجاء بالجمع، لأن هناك من حرّض، وهناك من ذبح، وهناك من هلل لما يفعل المجرم، وهناك من صمت صمتًا شجعه على الإقدام على جريمته.

وقال- صلى الله عليه وسلم- عن حالة القتل بالتجويع، وعن شهود الفعل، أو الصمت عنه تحديدًا: "إذا رأيتم الرجلَ ‌يُقْتلُ ‌صَبْرًا ‌فلا ‌تحضروا مكانَه، فإنه لعله يقتلُ ظلمًا فينزل السُّخْط فيصيبكم".

وقال أيضًا عمن يقبل بالجريمة ولا ينكرها، حتى لو لم يكن أحد من حضروها أو شهدوها، أو كانوا طرفًا في الفعل، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا عُمِلَتِ الخطيئةُ في الأرض، كان من شهدها وكرهها – وفي رواية – فأنكرها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضِيها، كان ‌كمَن ‌شَهِدَهَا". أي: إن الرضا عما يجري للناس بالقتل بالتجويع، أو التبرير أو القبول، يعد مثل القاتل في الإثم، فما بالنا بمن يعين ويساعد بشكل جلي.

موقف الفقه الإسلامي من القتل بالتجويع

اعتبر الفقه الإسلامي وجل الفقهاء القتل بالتجويع أحد صور القتل العمد، إذا تعمد القائمُ بذلك فعلَه، وهو يعلم أن الأمر سيؤول إلى الموت، فنجد في كتب المذاهب عند حديثها عن صور القتل- أو في كتب الفقه الجنائي الإسلامي المعاصرة، عند تقسيمها أنواع القتل، ما بين المباشر، والقتل بالتسبّب، وغيره- يذكر منها: من حبس عنه الطعام أو الشراب، عن عمد، مع وجودهما، وإمكانية أن يتناولهما الممنوع عنه، لولا منع السلطة أو الإنسان له، فهو في نظرهم يعد قاتلًا. والخلاف يدور بينهم، هل هو قتل عمد يوجب القصاص، أم الدية؟، بحسب اختلافهم حول مدى معرفة ويقين القاتل بالتجويع من نجاعة فعله.

فنجد الإمام النووي يقول في أحد أهم متون الفقه الشافعي: (لو حبسه/ ومنعه الطعام والشراب والطلب حتى مات، ‌فإن ‌مضت ‌مدة ‌يموت ‌مثله ‌فيها -غالبًا جوعًا أو عطشًا – فعمد، فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد، وإن كان بعض جوع وعطش وعلم الحابس الحال فعمد).

ويقول الفقهاء كذلك عمن يقتل الناس بالتعرية في البرد: (لو حبسه وعَرَّاهُ حتى مات بالبرد، فهو كما لو حبسه ومنعه الطعام والشراب).

ويقول الخطيب الشربيني أحد شراح متن النووي: (ولو حبسه ومنعه الطعام والشراب، أو أحدهما، ومنعه أيضًا الطلب لذلك حتى مات بسبب المنع، فإن مضت عليه مدة يموت مثله، أي: المحبوس فيها غالبًا، جوعًا أو عطشًا فعمد، لظهور قصد الإهلاك به. وتختلف المدة باختلاف حال المحبوس قوة وضعفًا، والزمان حَرًّا وبردًا، لأن فقد الماء في الحر ليس كفقده في البرد).

الماوردي يرسي قواعد منع القتل بالتجويع

أما الإمام الماوردي الفقيه والسياسي الكبير، وقاضي القضاة، فقد فصل تفصيلًا كبيرًا في حق الجائع والعطشان، في أن ينال حقه من الطعام والشراب، وهل يحق له محاربة من منعه عنه، وإلى أي مدى يحق له ذلك، فقال في كتابه (الحاوي الكبير): (وإن لم يأذن له مالك الطعام في الأكل، فلم يخلُ المضطر من ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يقدر على أخذ الطعام منه بغير قتال، فله أن يأخذ الطعام جبرًا، ولا يتعدى الآخذ إلى قتاله، وفي قدر ما يستبيح أخذه منه قولان: أحدهما: قدر ما يمسك به رمقه. والثاني: ما ينتهي به إلى حد الشبع، ويأكله في موضعه، ولا يحمله. والحال الثانية: ألا يقدر على أخذه، ولا على قتاله عليه، فمالك الطعام عاصٍ بالمنع، ومعصيته إن أفضت إلى تلف المضطر أعظم. والحال الثالثة: ألا يقدر المضطر على أخذه إلا بقتاله عليه، فله أن يقاتله عليه، وهل يجب عليه أن يقاتله حتى يصل إلى طعامه أم لا؟ على وجهين ممن أريدت نفسه هل يجب عليه المنع منها؟: أحدهما: يجب عليه أن يقاتله؛ ليصل إلى إحياء نفسه بطعامه، كما يجب عليه أكل الميتة لإحياء نفسه بها. والوجه الثاني: أن القتال مباح له، وليس بواجب عليه؛ لأن مالك الطعام لا ينفك في الأغلب من دين أو عقل يبعثه كل واحد منهما على إحياء المضطر بماله، فجاز أن يكون موكولًا إليه، وخالف أكل الميتة في الوجوب؛ لأنه لا سبيل إلى إحياء نفسه إلا بها، فإذا شرع في قتاله توصل بالقتال إلى أخذ ما يتعلق به الإباحة من طعامه. وفيه ما قدمناه من القولين: أحدهما: يقاتله إلى أن يصل إلى أخذ ما يمسك الرمق، فإن قاتله بعد الوصول إلى إمساك الرمق كان متعديًا. والقول الثاني: يقاتله إلى أن يصل إلى قدر الشبع، ويكون القتال بعد الوصول إلى إمساك الرمق مباحًا، وليس بواجب وجهًا واحدًا، وقتاله بعد الوصول إلى قدر الشبع عدوان).

ثم تحدث الماوردي عن إذا حارب الجائع من أجاعه، وكان مسلمًا، فأدى ذلك إلى هلاك أحدهما، فما حكمه؟ فقال: (فإن لم يصل بالقتال إلى شيء من طعامه حتى تلف أحدهما، نظر، فإن كان التالف رب الطعام كانت نفسه هدرًا لا تضمن بِقَوَد ولا دية؛ لأنه مقتول بحق، كمن طلب نفس إنسان، فقتله المطلوب دفعًا كانت نفسه هدرًا، وإن كان التالف المضطر كانت نفسه مضمونة على ربّ الطعام؛ لأنه قتل مظلومًا، ثم نظر فإن علم رب الطعام بضرورة المضطر ضمنه بالقَوَد، وإن لم يعلم بضرورته ضمنه بالدية؛ لأنه مع العلم بها عامد، ومع الجهل بها خاطئ).

والمفترض أن يقوم بفرض إطعام المراد قتله تجويعًا هنا: القانون، والمجتمع الدولي بقوانينه التي تُفرض على من يضرب حصارًا على شعب، وقد كان حديث الفقهاء قديمًا عن حالات أفراد لا تصل إليهم سلطة السلطان أو الحكم، لكن الفقهاء أعلوا الجانب الإغاثي والحقوقي وقتها بما يتحقق به حفظ حياة الناس.

والأصل عند الفقهاء في موقفهم في هذه المسألة: أن حبس الآدميين عن الطعام والشراب يعتبر قتل عمدٍ موجبٍ للقصاص منهم عن طريق القانون، وذلك لما ثبت في الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها؛ لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، فدل على أن هذا يعتبر قتلًا، وأنه إذا منعت النفس من طعامها ومن شرابها حتى مضت المدة المؤثرة فإن هذا يعتبر إزهاقاً للروح، وقتل عمدٍ موجبٍ للعقوبة في الدنيا والآخرة.

تلك نظرة الشريعة والفقهاء لمن يقتل الناس بالتجويع، والحال ما بين موقف شرعي واضح، وواقع سياسي  تعيشه الناس، دون فعل شيء يذكر لمنع هذه الإبادة الجماعية لشعب، ما بين القتل المباشر، والقتل بالتجويع، فرأينا نظرة الفقهاء القدامى أكثر تقدمًا وإنسانية من نظرة مدّعي التنوير والحرية وحقوق الإنسان المعاصرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم الطعام والشراب الموت جوع ا من الجوع یجب علیه یصل إلى إن کان

إقرأ أيضاً:

في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلّم.. لا قُدّسَت أمةٌ لا يأخذُ الضّعيف فيها حقّه غير مُتعْتَع

ذات مرة جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه، حتى قال له: أُحرِجُ عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه، وقالوا: ويحك تدري من تكلم؟! قال: إنّي أطلب حقي، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: "هلّا مع صاحب الحق كنتُم؟!".

ثم أرسل إلى خولة بنت قيس رضي الله عنها فقال لها: "إن كان عندك تمرٌ فأقرضِينا حتى يأتينا تمرُنا فنقضيك"، فقالت: "نعم، بأبي أنت يا رسول الله"، فأقرضته، فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال الأعرابي: "أوفيت، أوفى الله لك"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولئك خيار الناس، إنه لا قُدست أمةٌ لا يأخذُ الضعيف فيها حقه غير مُتَعْتَع".

وقد عنون له ابن ماجه الذي أخرج الحديث بسند صحيح في السّنن حين رواه في كتاب الصّدقات بقوله: "باب لصاحب الحقّ سلطان".

لقد ربّى رسول الله صلى عليه وسلم جيلا كاملا على أن يكونوا أحرارا في مواقفهم، أحرارا في قناعاتهم، أحرارا لا يخضعون إلا لله تعالى، يعلنون مطالبتهم بحقّهم دون مواربة أو تردّد أو خوف أو وجل، وينصرون الحقّ دون اعتبارٍ للشخص ضعيفا كان أم قويا، غنيا أم فقيرا، صاحب جاه ومنصب أم من الطبقات المسحوقة؛ فحريتهم تقتضي خضوعهم للحق وحده يدورون معه حيث دار، فالعبرة بالحق حيث يكون ولا عبرة لمن يدعيه.

ما أعظم المجتمع حين يكون مجتمعا يقف إلى جانب الحقّ لا إلى جانب القوّة والسلطان، فالضّعيف فيه إن كان صاحب حقّ يأخذ حقّه في ذلك المجتمع ولو كان من رئيس الدولة غير متَعتَع، ومعناها كما يقول السّندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: "غَيْرَ مُتَعْتَعٍ؛ بِفَتْحِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصِيبَهُ أَذى يُقْلِقُهُ وَيُزْعِجُهُ".

من أراد أن يعيش ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يتحسس الحرية في نفسه، حريته هو من قيود الطغاة والمجرمين، وعمله من أجل تحرير الإنسان من الخضوع لأغلال الرقّ كلّها، وعندما يكون الفرد حرا فإنّه يكون قادرا على صناعة أمة لها قداسة ومكانة، فلا قداسة لأمة يعلو فيها الظلم وتكمم الأفواه وتخرس الأصوات ويحسب صاحب الحق ألف حساب قبل أن يطالب بحقّه.

كلّ أمّةٍ أو مجتمع أو جماعة ولو وصفت نفسها أنّها إسلاميّة لا يستطيع الضعيف أن ينال فيها حقه غير متَعتَع ولا يكون لصاحب الحقّ فيها مقالا؛ هي أمة لا قداسة فيها أو لها، وهي جماعة تنكبت درب نبيها ونهج أسوتها وقدوتها
في المجتمع الذي يتربى على الحرية يغدو صوت صاحب الحقّ مرتفعا، وارتفاع صوت صاحب الحقّ ليس منّة من حاكم أو مكرمة ملكية أو رئاسيّة، بل هو فطرة إنسانيّة رسّخها التشريع الإسلاميّ وحرس حماها التّبيلغ النّبويّ.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه كما أخرج البخاريّ في صحيحه: "أنَّ رَجُلا تَقَاضَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأغْلَظَ له فَهَمَّ به أصْحَابُهُ، فَقالَ: دَعُوهُ، فإنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالا، واشْتَرُوا له بَعِيرا فأعْطُوهُ إيَّاهُ وقالوا: لا نَجِدُ إلَّا أفْضَلَ مِن سِنِّهِ، قالَ: اشْتَرُوهُ، فأعْطُوهُ إيَّاهُ، فإنَّ خَيْرَكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاء".

ويقول ابن حجر العسقلاني في تعليقه على الحديث في "فتح الباري": "فإنّ لصاحب الحق مقالا؛ أي صولة الطّلب وقوّة الحجّة".

ولا يمكن أن يكون لصاحب الحقّ صولة في الطلب وقوة في القول وإقداما في العرض إلّا في المجتمع الذي أحاط حماه بسياج من حريّة حقيقيّة؛ لا مجرد شعارات زائفة يرددها التلاميذ في الطابور الصباحيّ.

هكذا صاغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم المجتمع من جديد بعد أن كان معجونا بالاستبداد وملفوفا بالقمع ومتسربلا بالظلم؛ فنسجه من جديد جاعلا العدل سُداه والحريّة لحُمتَه.

إنّ كلّ أمّةٍ أو مجتمع أو جماعة ولو وصفت نفسها أنّها إسلاميّة لا يستطيع الضعيف أن ينال فيها حقه غير متَعتَع ولا يكون لصاحب الحقّ فيها مقالا؛ هي أمة لا قداسة فيها أو لها، وهي جماعة تنكبت درب نبيها ونهج أسوتها وقدوتها، وإنّ ذكرى ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلّم ينبغي أن تكون مناسبة تتحسس فيها الأمة قدرة الضعفاء فيها على نيل حقوقهم، وتراجع فيها الجماعات الإسلاميّة مساحات الحريّة الممنوحة داخلها لرفع الأصوات من أصحاب الحقوق، فهذا أحد أهم المعايير لمدى تحقق الولادة الحقيقيّة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم في قلوبنا ونفوسنا وأرواحنا وواقعنا المتشابك وأعمالنا اليوميّة.

x.com/muhammadkhm

مقالات مشابهة

  • بالتجويع والحصار والقصف.. تعرف على خطة الاحتلال لتصفية شمال غزة
  • وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم ييعث حيًا.. خطبة الجمعة القادمة
  • في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلّم.. لا قُدّسَت أمةٌ لا يأخذُ الضّعيف فيها حقّه غير مُتعْتَع
  • لا يمثل إلا نفسه.. مشيخة الطريقة التجانية تتبرأ من شيخ إمبابة- بيان رسمي
  • مشيخة الطرق التيجانية تتبرأ من صلاح الدين التيجاني: مسلم عامي غير عالم
  • إيران تتهم الاحتلال بـ”القتل الجماعي” بعد انفجار أجهزة اتصال لحزب الله في لبنان
  • فضل الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم
  • المفتي سوسان: ما أقدم عليه العدو هو قمة الإجرام وهو اعتداء على كل لبنان
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا في باكستاني لتهريبه الهيروين إلى المملكة
  • تنفيذ حُكم القتل قصاصاً بمواطن قتل زوجته في مكة المكرمة