بقلم: فالح حسون الدراجي ..

رغم أن قلبي مفطور من شدة الحزن والأسى على رحيله، فإني لن أتحدث بلغة الحزن والفجيعة على فراق أعز وأغلى أصحابي، طارق الحارس، فأبو سنان المحب للفرح والمرح والنكتة لا يحب لغة الدمع والأحزان قط.. لذلك قررت اليوم أن انعي رحيله بما يحب ويرغب، وأقصد استذكار علاقتنا الأخوية النبيلة، وبعض مواقفه الودودة البهيجة.

في صيف عام 1997 على ما أتذكر، وبينما كنت أتمشى في العاصمة الأردنية عمان.. أوقفني أحد الشباب العراقيين.. وبعد التحية، قال لي بثقة: أقدم لك نفسي، اسمي طارق الحارس.. وأتمنى أن يكون اسمي قد مرّ عليك من قبل ..!

قلت له-: أتشرف بك ..

قال: أنا صحفي ولي عدة كتابات في الشأن الرياضي خصوصاً كرة القدم ..

رحبت به، وقلت له: هل تؤمرني بشيء .. أنا بالخدمة؟

قال: أنا أعرف أنك تعمل في جريدة الزمان، فهل بالإمكان مساعدتي وإيجاد مكان فيها، سواءً بالعمل أو بالنشر ؟

قلت له: أظن أنك تعرف أن جريدة الزمان تأسست منذ فترة قصيرة جداً، وأن الأمور المالية غير واضحة فيها بعد، كما أن صفحتها الرياضية غير مهمة لدى صاحب الصحيفة كما يبدو، والتعيينات صعبة حالياً، خاصة لصحفي رياضي غير معروف ..

قاطعني وقال ضاحكاً: لكن لديّ ثلاث نقاط تحبها

وأجزم بانك ستساعدني كثيراً لو تعرف هذه النقاط لاسيما وأن علاقتك بمؤسس الجريدة سعد البزاز طيبة كما يقولون..

وقبل أن أجيب عليه، قال: أولاً أنا شروگي ومن أبناء مدينة الثورة، وأنا أعرف كم أنت منحاز لهذه المدينة الكادحة والطيبة.

قاطعته ضاحكاً وأنا أقول: وجهك ياطارق احمراني يلمع، وشكلك أبد مو مال شروگي ولا مال الثورة ..!

فضحك وقال: والعباس آني شروگي، (فرطوسي)، جدي اسمه (بدن)، وجدتي اسمها (حدهن)، وبيتنا بمدينة الثورة قطاع، (22) وكنت العب بفريق المنتظر بالمدينة، واخوانك حتماً يعرفونني ..

ثم أكمل حديثه قائلاً : أما النقطة الثانية، فهي أني أكره صدام حسين وأمقته

جداً، فهو أعدم أخي (طالب) مثلما أعدم أخاك (خيون) وقد تركت العراق قبل شهرين هارباً من جوره وظلمه وطغيانه، ولم أعد أطيق الحياة في ظل نظامه الدموي ..

وقبل أن يكمل النقطة الثالثة، قلت له: إن هذه الميزة ليست استثنائية، فأنت تعرف أن أكثر من تسعين في المائة من أبناء الشعب العراقي يكرهون صدام حسين ويمقتونه.

لكن طارق الحارس تجاوز ملاحظتي هذه، وأكمل قائلاً: اما النقطة الثالثة، فهي إعجابي بك، ومحبتي الأخوية الصادقة التي لا تضاهيها محبة أخرى .. وقبل أن أعلق على قوله، نظر لي مبتسماً وقال: و (أرجو أن لا تگلي هاي مو ميزة استثنائية لأن تسعين بالمية من أبناء الشعب العراقي يحبوني ) ..!

فضحكت وقلت له: ( لا خويه اطمئن ماراح أگلك).

وأكمل طارق حديثه قائلاً: والله يا أبو حسون ظروفي المادية في عمان صعبة، وعودتي إلى العراق باتت مستحيلة بعد أن قدمت أوراقي إلى مفوضية الأمم المتحدة..لذلك ارجو منك أن تقف معي في موضوع العمل في جريدة الزمان ..

قلت له: إنت شمخلص ؟

فقال مازحاً: والله مخلص جگاير ..!

فضحكنا.. لكنه استدرك قائلاً: آني خريج كلية الآداب / اللغة الألمانية ..

قلت له مطمئناً: يصير خير
وفي اليوم الثاني اتصلت برئيس التحرير في مقر إقامته في لندن، وحكيت له قصة طارق الحارس، وما دار بيننا، ورجوته ان يمنح فرصة لهذا الشاب الوطني المبدع.. فوافق البزاز على استكتابه في الصفحات الرياضية، بنظام القطعة والمكافأة وليس بنظام التعيين ..

وكان اول موضوع رياضي كتبه طارق الحارس لجريدة الزمان، تحقيق جميل عن منتخبنا الوطني بكرة القدم، الذي كان يزور عمان آنذاك، وقد نال هذا التحقيق الصحفي إعجاب الكثيرين، أولهم كان البزاز وهكذا صار طارق واحداً من أسرة الزمان ..مثلما صار واحداً من مجموعتي الودودة، التي ضمت عدداً من الأصدقاء الأعزاء جداً، والتي كانت أشبه بالأسرة الواحدة .. كما أصبح طارق منذ تلك اللحظة، أعز وأقرب الأصحاب إلى قلبي، حتى صرنا نقضي كل يومنا معاً في عمان، ولا نفترق إلا آخر الليل .. وعندما غادرت عمان مع اسرتي إلى أمريكا في تلك الليلة، كان طارق واحداً من مجموعة الاحبة التي ودعتني عند بوابة المطار، وكان بكاؤه وصراخه خلفي، وأنا أعبر بوابة المغادرة ملفتاً لانتباه الجميع ..

ولم ينقطع حبل التواصل بيني وبين طارق، حتى بعد رحيله مع أسرته إلى أستراليا قبل حوالي ربع قرن، فكنا نتحدث دائماً عبر الاتصالات التلفونية، أو الفيس بوك، أو في اللقاءات الشخصية كلما تتاح لنا الفرصة.. وكان آخر لقاء بيننا تم قبل حوالي خمس سنوات، عندما صادف وجودنا معاً في العراق، وزارني أبو سنان بمقر جريدة الحقيقة في بغداد .. وحين ودعته عند باب الجريدة، احتضنني، وكان معنا الصديق عباس غيلان، فرأيت دمعة تنزلق على خده.. قلت له وأنا أحاول تلطيف الأجواء : لماذا تبكي يا أبا سنان، وأستراليا لا تبعد سوى شمرة عصا عن بغداد، حيث بامكانك المجيء إلى هنا لتراني كل حين ..

فابتسم طارق وأجابني بـ ( قفشة) وهو المعروف بمثل هذه القفشات قائلاً:

شمرة عصا ها؟ إي خطية مو على أساس أستراليا صايرة بين شارع مريدي وسوگ العورة، مو بآخر قارات الكرة الأرضية ؟!

وكان هذا اللقاء هو آخر لقاء بيني وبين هذا الكائن الخرافي، المدجج بالعشق والجمال والطيبة والنقاء والشجاعة والحب للعراق ولكل الفقراء، ولأصدقائه جميعاً دون استثناء .. أما آخر اتصال بيننا، فكان قبل أسبوعين، عندما قال لي: أنا في العراق الان، بل وفي بيتنا بمدينة الثورة، فمتى ستأتي لأراك يافالح، ( مو روحي طگت عليك والعباس).

قلت له: قريباً (راح أجي) وستراني .. فانتظرني ..!

فقال: طبعاً راح أنتظرك ..!

لكنّ طارق رحل إلى مثواه في مقبرة وادي السلام، ولم ينتظرني .. وهذه أول مرة يواعدني فيها، ويخلف بوعده! ..

فالح حسون الدراجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات قلت له

إقرأ أيضاً:

"مبررة وفعالة".. الحكومة الألمانية تدافع عن العقوبات على روسيا

دافعت الحكومة الألمانية المنتهية ولايتها عن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا على خلفية حرب الأخيرة على أوكرانيا.

وقالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، كريستيانه هوفمان، في برلين إن هذه الإجراءات "مبررة ومعقولة وفعالة".

ورفضت هوفمان التعليق على التصريحات التي أدلى بها رئيس حكومة ولاية سكسونيا ونائب رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي ميشائيل كريتشمر، الذي انتقد الرفض القاطع من جانب ألمانيا ودول أوروبية أخرى لتخفيف العقوبات ضد روسيا.

"Den Weg zurück zu russischem Gas sehe ich überhaupt nicht" – @larsklingbeil über Forderungen aus der Union, zu russischem Gas zurückzukehren. pic.twitter.com/vw1BaMmdb4

— Caren Miosga (@CarenMiosgaTalk) March 30, 2025

وقال كريتشمر في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ): "هذا أمر عفا عليه الزمن تماماً ولا يتناسب مع ما يفعله الأمريكيون في الوقت الحالي... عندما تدرك أنك تضعف نفسك أكثر من الشخص الآخر، فعليك أن تفكر فيما إذا كان كل هذا صحيحاً".

ودافعت متحدثة باسم وزارة الخارجية أيضاً عن العقوبات، وقالت: "روسيا لديها القدرة على إنهاء هذه الحرب التي كانت السبب وراء فرض العقوبات في المقام الأول".

وقالت متحدثة باسم وزارة الاقتصاد الألمانية رداً على استفسار بشأن واردات مستقبلية محتملة من النفط الروسي لمصفاة شفيت في ولاية براندنبورغ إنه لا توجد مساع من هذا القبيل، مضيفةً أن ألمانيا بذلت جهوداً كبيرة لتصبح مستقلة عن الطاقة الروسية، مشيرةً إلى أنه لا توجد أيضاً خطط لاستيراد الغاز عبر خطوط الأنابيب الحالية.

The co-head of Germany’s Social Democrats party and frontrunner to become the next finance minister dismisses swirling speculation over reviving pipeline gas deliveries from Russia https://t.co/eFgOGYF5bD

— Bloomberg Economics (@economics) March 31, 2025

وكان رئيس حكومة ولاية براندنبورغ، ديتمار فويدكه، أبدى حديثاً ترحيبه المبدئي بعودة محتملة للنفط الروسي إلى شفيت بعد تحقيق السلام في أوكرانيا، وقال: "سأكون سعيداً بالطبع إذا تمكنا من العودة إلى العلاقات الاقتصادية الطبيعية مع روسيا".

مقالات مشابهة

  • ناقلة النفط الروسية "إيفينتين" في قبضة الجمارك الألمانية
  • مصطفى شعبان: الدراما المصرية قدمت موسما متميزًا وكان هناك تنوع كبير
  • «فرحة العيد» فعاليات احتفالية في متحف عُمان عبر الزمان
  • الخارجية الألمانية: يجب الوقوف بجانب أوكرانيا دون أي تردد
  • لطيفة تنعي إيناس النجار «اخر مره شوفتك امبارح وكان عندي أمل»
  • "مبررة وفعالة".. الحكومة الألمانية تدافع عن العقوبات على روسيا
  • بسبب انخفاض الدولار.. أستراليا تتوقع تضرر عائدات تصدير الموارد والطاقة
  • أستراليا تعلق على تواجد سفينة صينية بالقرب من سواحلها
  • أحمد حسن: جوزيه مدرب عنيد.. وكان المحرك الرئيسي للقرارات داخل الأهلي
  • أستراليا تتجه لحظر التلاعب بالأسعار في السوبر ماركت وألبانيزي يهدد بغرامات قاسية