كتبت رجانا حميّة في "الأخبار": لم يعد الهواء في مدينة بيروت صالحاً للتنفّس، وهو يتحوّل إلى «تبغ جديد» يفتك بسكانها، وفقاً لتعبير منظمة الصحة العالمية. وإذا كان التلوّث بات من «البديهيات» في العاصمة التي تغلّفها سحب سوداء بشكل دائم، إلا أن أخطر ما في الأمر أنه يتزايد عاماً بعد آخر، من دون أن تكون هناك حلول تقلّل من مخاطره.

آخر الدراسات حول نوعية الهواء «البيروتي» أجرتها الجامعة الأميركية (لم تنشر نتائجها بعد) بإشراف المديرة التنفيذية للأكاديمية البيئية في الجامعة نجاة صليبا، بيّنت أن التلوّث الذي تتسبّب به المولّدات الكهربائية الخاصة، وهو الأخطر بحسب صليبا لاحتوائه على نسبة عالية جداً من المواد المسرطنة، زاد ضعفين بين عامَي 2017 و2023. استند البحث إلى دراسة مقارنة بين عامَي 2010 و2023 ركّزت على ثلاث مناطق في العاصمة هي محيط الجامعة الأميركية ووسط بيروت ومحيط مدرسة تعليم التمريض في المقاصد (الطريق الجديدة). اختيرت الأخيرة كونها منطقة مكتظة سكانياً فيما اختير وسط بيروت ومحيط «الأميركية» لوجود عدد كبير من المولدات الكهربائية، إذ لكل مبنى مولده الخاص. وأظهرت النتائج في الأماكن الثلاثة أن تلوّث الهواء الناتج من المولدات الكهربائية الخاصّة تضاعف من 23% عام 2017 إلى ما بين 46% و50% عام 2023، وكان وسط بيروت الأكثر تلوثاً ضمن العيّنة (50%).
انهيار بالتغذية الكهربائية بسبب الأزمة المالية وما رافقه من تقنين قاسٍ أدّى إلى زيادة الاعتماد على المولدات الخاصة، وإلى استيراد فيول غير مطابق للمواصفات المطلوبة. ففي «بيروت الإدارية» تراجعت التغذية الكهربائية في السنوات الخمس الماضية من 3 ساعات تقنين يومياً إلى 21 ساعة. وبعدما كان وجود المولدات الخاصة في هذه الرقعة الجغرافية أمراً هجيناً، بات اليوم لكل مبنى مولد خاص به، فيما لا يزال الاعتماد على الطاقة النظيفة، وتحديداً الطاقة الشمسية، ضعيفاً جداً، «وأقصى ما يمكن أن نراه بعض الألواح الشمسية على الأسطح والشرفات، فيما تشير إحصاءات مؤسسة كهرباء لبنان إلى أن نسبة استهلاك الطاقة النظيفة لا تزال أقل من 1%».

مصادر التلوّث في لبنان
ثمّة مصادر ثلاثة أساسية لتلوّث الهواء: قطاع الطاقة (معامل الكهرباء والمولدات الكهربائية الخاصة) ووسائل النقل، وحرق النفايات والمكبات العشوائية. في لبنان، تتوافر كل العوامل المسهّلة لهذا التلوّث: في قطاع الطاقة، تسهم انبعاثات المعامل والمولدات الكهربائية في تسميم الهواء، ويعتمد قطاع النقل كلياً على مادتي البنزين والمازوت المتّفق أنهما مادتان ملوّثتان للهواء، فيما الحرق العشوائي للنفايات هو المشهد الكارثي الأكثر شيوعاً. والعوامل الثلاثة هذه أصبحت أسوأ بعد الأزمة المالية، لناحية الفيول الذي يستخدم في المعامل والمولدات الخاصة والنقل، ولناحية عجز البلديات عن متابعة ملفّ النفايات، ما أدى إلى انتشار المكبات العشوائية كالفطر في النطاقات البلدية، ويصل عددها اليوم إلى أكثر من 1500 مكب. ماذا أنتج كل هذا؟ هواء «برائحة وطعم»، أصبح مع السكان «مشاريع سرطان»، تقول صليبا. إذ كلما زاد التلوّث زادت نسبة خطورة الإصابة بالسرطان جراء تنشّق المواد الملوّثة. خطط وزارة البيئة
الأسوأ من كل ما سبق «أننا لا نعرف اليوم مستوى التلوث»، وفقاً لمستشار وزير البيئة الدكتور حسن دهيني. بسبب تعطّل محطات أجهزة قياس تلوّث الهواء الـ 23 التابعة للوزارة والموزعة في المناطق كافة، لعدم القدرة على صيانتها. وتراجع عدد الموظفين في الدائرة المعنية في الوزارة.
ولأن أسباب التلوث متشعّبة، وتشمل قطاعات عدة، لذلك فإن حل هذه المعضلة «مرتبط بالعمل على أكثر من قطاع للمعالجة». فماذا تفعل وزارة البيئة؟ يؤكد دهيني أن لا حلول سحرية وإنما «عمل على المدى الطويل»، وعلى أكثر من جهة. ففي ما يخصّ قطاع النقل، أدخلت البيئة ضمن موازنة 2022 رزمة حوافز لتشجيع «النقل النظيف» أو الأقل تلوثاً، شملت إعفاءات بنسبة 100% على السيارات الكهربائية و80% على السيارات المدمجة، إضافة إلى ما يلحقها من تخفيضات في التسجيل والمعاينة الميكانيكية. وجدّدت هذه الحوافز في موازنة العام الحالي. مع ذلك، يقرّ دهيني بأن هذه الحوافز لا تحلّ المشكلة لأن قطاع النقل متشعّب في الصلاحيات، و«من دون الدخول في تلك التشعّبات، لا يزال الحلّ الأوفر هو إطلاق شبكة نقلٍ عام نظيف أسوة بالدول المتطورة».
أما في قطاعي الطاقة والصناعة، فـ«يمكن العودة إلى القرار 16/1 الذي نص على تحديد معايير الانبعاثات في كل قطاع «وما هي الملوّثات التي يفترض أن يقيسها بشكلٍ دائم أو متقطّع، على أن تُحدّث هذه المعايير العام المقبل لتصبح أكثر صرامة». وفي هذا السياق، أصدر وزير البيئة ناصر ياسين تعميماً لتنظيم عمل المولدات الكهربائية الخاصة ومراقبتها بيئياً للتخفيف من انبعاثاتها (إلزامها بوضع فلاتر معيّنة)، و«تُعقد اليوم اجتماعات مع المدعين العامين البيئيين لتطبيق القرار، على أن تكون الأولوية لإلزام الملّوثين الكبار قبل الانتقال إلى العمل على مولدات الأبنية.
وفي سياق الخطط أيضاً، حصلت وزارة البيئة على هبة بقيمة 8.8 ملايين دولار «سنستخدم جزءاً منها لإعادة تشغيل شبكة رصد الهواء على الأقل في المدن والنقاط الكبرى الأساسية، والجزء الآخر لوقف الحرق العشوائي للمكبات».
صحيح أن لمثل هذه الخطط تأثيراً إيجابياً على نوعية الهواء، إلا أنّ دونها درباً طويلاً من «المعارك» والمستحيلات، من بينها أن تقنع ملوّثين عن سابق تصوّر وتصميم، يشكّلون مافيات، بالخضوع للقانون!

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: المولدات الکهربائیة

إقرأ أيضاً:

شُعبة المدارس الخاصة ترفع مذكرة عاجلة بمطالب القطاع لـ وزير التعليم

قرّر مجلس إدارة شُعبة المدارس الخاصة بغرفة القاهرة التجارية رفع مذكرة عاجلة إلى أيمن العشري رئيس غرفة القاهرة تتضمن بعض التوصيات التي تهم هذا القطاع لمخاطبة وزارة التربية والتعليم.

جاء ذلك خلال اجتماعه لمناقشة بعض الموضوعات في ظل التطورات والمستجدات على الساحة حاليًا.

وأشاد مجلس إدارة الشُعبة بدور الدولة في دعم قطاع التعليم وتشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة بإجراءات مهمة وغير مسبوقة لتحقيق التنمية المُستدامة.

وناقش مجلس إدارة الشُعبة عددًا من التوصيات التي من شأنها تطوير وتنمية قطاع المدارس الخاصة طبقًا للمستجدات التي حدثت في الفترة الأخيرة.

ومن بين هذه التوصيات " ضرورة تخفيف الأعباء المقررة على المدارس العربي واللغات لعدم قدرتها على مواجهتها والتخوف من فشلها في الوفاء بمتطلباتها – عدم التعاقد مع مُدرسي القطاع الخاص "المؤمن عليهم  أثناء العام الدراسي" – إعادة النظر في الرسوم والمتحصلات المالية التي تقوم بتوريدها المدارس الخاصة سنويًا والتي ارتفعت مؤخرًا بصورة جعلت المدارس الخاصة غير قادرة على توريدها ، ومن ثَمَّ تشكل عبئًا كبيرًا عليها – إعادة النظر في المعوقات التي تواجه إنشاء المدارس الخاصة ، وكذلك المعوقات التي تواجه المدارس القائمة في ظل توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بدعم الاستثمار والمستثمرين ، والدور التنموي الكبير للحكومة المصرية وما يقوم به الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل من جهود كبيرة وغير مسبوقة لدعم الصناعة والاستثمار ، وما يصدره من قرارات وإجراءات مُحفّزة ومشجعة لهذا القطاع بما يساهم في ارتفاع الناتج المحلي - ملاحظة نقص إنشاء مدارس جديدة على مدار آخر 5 سنوات وتوجه المستثمرين لإنشاء المدارس الدولية وعدم إنشاء مدارس اللغات لعدم الجدوى الاقتصادية". 

واختتم مجلس إدارة الشُعبة اجتماعه بأن قطاع المدارس الخاصة يساند الدولة في خطتها التنموية في قطاع التعليم والهدف في النهاية الصالح العام وتنمية التعليم في مصر.

مقالات مشابهة

  • عبد الله سلامة: رحلة الإسراء والمعراج إيمانية بعيدة عن العقل
  • شُعبة المدارس الخاصة ترفع مذكرة عاجلة بمطالب القطاع لـ وزير التعليم
  • شاب أردني يبيع هواء شارع الستين بدينارين (شاهد)
  • أبوظبي: هيئة البيئة توقف منشأتين صناعيتين لمخالفتهما نسب الانبعاث
  • البصرة تتنفس الهواء النقي في 2025.. استثمار الغاز ينهي التلوث النفطي
  • البصرة تتنفس الهواء النقي في 2025.. استثمار الغاز ينهي التلوث النفطي - عاجل
  • الاحتلال يخنق الضفة الغربية بـ898 حاجزا عسكريا
  • مشروع متكامل لتطوير أداء السد العالي وزيادة قدراته الكهربائية
  • حماية البيئة مسؤولية مشتركة
  • صناعة النواب: تعاون مصر مع فولفو لتصنيع السيارات الكهربائية يدعم البيئة