من روتين الخطاب السياسي السوداني التحذير المتكرر من الفتنة العرقية. في بعض الأحيان يكون التحذير نبيلا ومشروعًا نظرًا للسياق المحدد الذي تم ذكره فيه.

لكن في كثير من الأحيان يأتي التحذير بشكل عشوائي أو تعسفي ويؤدي إلى نتائج عكسية، أي زيادة حدة الاستقطاب العرقي، لعدد من الأسباب.

أحيانا يتظاهر الكاتب فقط، ولا يقصد من التحذير من الفتنة أن يقوم الناس بما هو ضروري لتجنبها.

ولكن يكون هدفه الخفي التهديد بأنه هو أو جماعته سيصبون الزيت علي نار العرقية إذا لم ينصاع الشعب لإرادتهم أو إذا لم يقبل تحليلاتهم وتوصيات كتابهم باعتبارها الحكمة النهائية والحقيقة المطلقة.

لكن أسوأ أنواع الخداع باسم العرقية ياتي من الذين يقفزون صعودا وهبوطا صارخين ضد مخاطر الفتنة العرقية فقط عندما يكون بالإمكان استخدام كرت العرقية ضد الجيش أو ضد دعوات المدنيين لتسليح أنفسهم بغرض الدفاع عن حياتهم،ومنازلهم ومدنهم من هجمات الجنجويد.

وحتي لو أخلتفنا مع الجيش أو مع دعوات تسليح المواطنين فإن ذلك لا يخفي الكذب والأجندة الخفية عندما نلاحظ أن نفس الأصوات المتشوقة لدمغ الخصوم تلتزم الصمت البليغ المنضبط عندما يرتكب الجنجويد والمثقفون التابعون لهم ممارسات وتصريحات عنصرية صريحة وفجة واحيانا ترقي لدعوة لإبادة جماعية.

ليس كل من يحذر من الفتنة العرقية صادق إذ أن بعضهم صادق نبيل وبعضهم مستهبل لا يتورع عن اللجوء للفتنة العرقية لتحقيق أهداف سياسية لو تعثرت الطرق الأخري.
وفي استسهالهم وبراغماتيتهم لا يهمهم خطورة الأنفجار العرقي الذي قد تساعد سماجتهم في تعجيله.

معتصم اقرع

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (4)

المُبْتَدَأُ: -
مِن وِجْهَةِ نَظَرٍ مارْكِسِيَّةٍ تُعْتَبَرُ الحُرُوبُ الأَهْلِيَّةُ تَعْبِيراً عَن الصِراعاتِ الطَبَقِيَّةِ وَالتَناقُضاتِ الاِجْتِماعِيَّةِ الداخِلِيَّةِ داخِلَ المُجْتَمَعِ.
وَالخَبَرُ: -

(31)
للقائد الشيوعي الأممي ف. ايلتش لينين رأي واضح في تيار اليساريين الإصلاحيين فقد وصفهم بالانتهازيين، قائلاً: "الإصلاحيون هم انتهازيون يخونون مصالح الطبقة العاملة من أجل مصالحهم الشخصية أو من أجل تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل." مؤكدا أن "الصراع الطبقي هو المحرك الرئيسي للتغيير التاريخي، والإصلاحيون يحاولون تخفيف الصراع عوضا عن تعزيزه.".

(32)
لقد رأينا نحن في السودان؛ بأم أعيننا صدق هذا القول والتحليل؛ حين اعتلت سدة سلطة الانتقال؛ بعد انتصار ثورة 19 ديسمبر 2018م المجيدة مجموعة من الإصلاحيين ضعيفي البصر والبصيرة؛ وكيف أنهم قد فرطوا في أهداف الثورة وشعاراتها، وأضروا بمسارها الثوري؛ حينما ارتضوا شراكة العسكر في السلطة وها نحن نجني علقم غرسهم البائس. القائد الشيوعي الفذ؛ ثاقب البصر والبصيرة لينين؛ ظل يرى أن الإصلاحات قد تحسن ظروف الطبقات المسحوقة على نحو مؤقت، لكنها لا تقضي على اِسْتِغْلالُهُمْ من قبل الرأسماليين؛ قائلا: "الإصلاح هو تحسين ظروف العبودية، أما الثورة فهي تحرير العبيد."

(33)
نحن كشيوعيين؛ ملزمين بقضية نشر الوعي الطبقي؛ ومحاربة أي فكر أو عمل ينتج عنه تأثير معاكس؛ ويؤدي إلى تدهور الوعي الطبقي ومفاقمة الانقسامات القومية بما في ذلك أفكار اليسار الإصلاحي. من الوهم الاعتقاد بأن الطبقة العاملة أو الطبقات المسحوقة على العموم؛ يمكنها أن تجد حلولا لمشاكلها بالتحالف مع هذا الجناح أو ذاك من أجنحة الطبقات السائدة في حالة السلم فكيف بالله عليكم وهي تطحن في رحى حرب ضروس؟!!.

(34)
واجب الشيوعيين يحتم عليهم قول الحقيقة للطبقة العاملة والطبقات المسحوقة، والشرائح الاجتماعية الضعيفة؛ بأن لا تثق بأي جناح من أجنحة الطبقة السائدة، فجميعها دون استثناء بما فيها الأجنحة الإصلاحية؛ تسعى في النهاية فقط لخدمة مصالحها الطبقية؛ ووفقا لميزان القوى في اللحظة التاريخية المعينة.

(35)
طرفا الحرب الدائرة في السودان اليوم؛ يحاولان إخفاء أهدافهما الحقيقية باستعمال كافة أنواع الحيل والدعاوي الأخلاقية. لكن المصالح المادية لا الدعاوي الأخلاقية هي التي تحدد في واقع الأمر؛ ورغم عن ذلك نجد للأسف أن بعض القوى الإصلاحية تعتقد أن بإمكانها ممارسة الضغط على الطرفين لإيفاق الحرب. إن واقع الصراع الدامي الدائر لزهاء العامين حتى الآن يكذب هذا الاعتقاد؛ ويؤكد أن الطرفين لا يضعان أي قيمة لتلك الضغوطات أو المناشدات.

(36)
الحرب وفق تعبير ( كلاوزفيتز) هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. لقد عجزت أدوات طرفي الصراع (الجيش والدعم السريع) السلمية؛ عن حل تناقضات مصالحهما المادية فانتقلا إلى ممارسة السياسة بوسيلة أخرى أكثر عنفاً. فمن الحتمي عندما يصل الصراع بين طرفين لمرحلة الصراع التناحري؛ أن تتبلور قناعة لدى كل منهما بأن وجود الآخر بات يمثل تهديدا وجوديا له ولمصالحه.

(37)
وفي مثل هذه الحالة التي تطابق حالة طرفي الحرب الدائرة في السودان؛ لا يبقى لدعوات إيقاف إطلاق النار وحقن الدماء العاطفية؛ التي تطلقها بعض القوى الإصلاحية؛ أي تأثير وتظل فقط محض دعوات غارقة في النزعة السلمية والأوهام الدبلوماسية؛ خالية من الموقف الطبقي؛ والحلول الطبقية. وبتصاعد وتيرة التوترات بين القوى الرجعية نتيجة التنافس على السلطة، لحد عجز المنافسة السلمية عن تحديد هوية المهيمن بين القوى، تغدو الحرب هي الخيار الوحيد المتاح؛ خاصة عندما تغدو مصالح القوى الرجعية على المحك.

(38)
الحروب الأهلية ليست مجرد صراعات بين جماعات عرقية؛ أو دينية أو سياسية، بل هي انعكاس لصراع الطبقات الاجتماعية؛ وعلى وجه الخصوص هي صراع الفئات الاجتماعية المهمشة والمستغَلة ضد النخبة الحاكمة أو صراع النخب الرجعية الحاكمة التي تناقضت مصالحها وتعارضت مع بعضها البعض كما هو الحال في الحالة السودانية الراهنة.

(39)
وانطلاقا من هذا الفهم المادي فالدعوات الطيبة للحلول السلمية لمثل هذه الحروب، والمناشدات الخجولة لإيقافها بالحوار المفتقرة للموقف الطبقي، هو موقف مثالي ونهج طوباوي غير واقعي؛ إن المصالح المادية هي الموجه الأساسي للنزاعات والصراعات؛ عليه يجب علينا كشيوعيين أن نرى الواقع كما هو ونسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة؛ بقول الحقيقة المستندة على الصراع الطبقي.
يَتْبَعُ

تيسير ادريس

tai2008idris@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • مناصرة الجيش السوداني بين الكيد السياسي وفهم طبيعة الصراع
  • العكاري: مرحباً بالعجز المالي الذي يوجد معه إعمار واستقرار أمني
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (4)
  • سياسيون عرب ويمنيون: السيد القائد وجه التحذير الأخير قبل انتهاء المهلة
  • أردوغان: من يحاول بث الفتنة في سوريا لن ينجح وسنواصل دعمها للانتقال إلى حالة الاستقرار
  • خالد الجندي: قراءة القرآن بالتشكيل ضرورة لمنع تحريف المعنى «فيديو»
  • كيف يكون التعامل مع الأب الذي يسيء معاملة أبنائه ويفرق بينهم؟
  • الشرع: النظام الساقط خلف جراحات عميقة.. وهؤلاء يزرعون الفتنة
  • هل تلاحظون الصمت الذي ضرب على خيمة خالد سلك؟!
  • وزيرة التضامن: الطفل الذي يدخل الحضانة صغيرا يكون تحصيله ووعيه أكبر