لم يعد الصمت محتملا.. قصة قصيرة من وحي المعركة
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
بعد خمسين يوما من الاعتقال المهين، أفرج عنّا قبل يومين، لننتقل من عالم أسود شديد الحلكة دون أية فرجة من نور، تقف بين المهانتين مهانة، وبين العسرين عسرا، فقط جاء اليسر عندما تمّ إبلاغنا بفكّ قيدنا، انتقلنا إلى عالم أقلّ سوادا بقليل، نلتقط فيه نفسا بين موتتين؛ موتة من القصف بكلّ أنواعه الجهنميّة، جوّا وبحرا وبرّا، وموتة من المجاعة وانتشار الأوبئة وفقر الدم والمناعة وفقر كلّ مقوّمات الحياة.
بعد يومين تمكنّا أنا ورفيقة دربي في الحبسة من الالتقاء، وصلت ذات المدرسة التي وصلت إليها حيث ينزح إليها النازحون والفارّون من لهيب أسلحة الدمار الشامل، كان ذلك في يوم بارد ماطر، السماء تكتظّ بغيوم سوداء تحجب الشمس وتقف بشدة وحزم أمام كل من يحاول التسلل من أشعتها الدافئة، تماما كحاجز عسكريّ لئيم، وغرف المدرسة على ثلاث طبقات مكتظة بالنساء والأطفال المرعوبين والخائفين على أرواحهم، وكلّ منهم له قصة في فراره من بيته ووصوله إلى هذا الملجأ القسريّ، أغلبهم قد فقد عددا من عائلته واعتصم من تبقّى منها في هذه المدرسة.
المهم في ساحة المدرسة التي تطلّ عليها هذه الجماهير المحشورة في غرفها التقيت أنا شهد مع ناريمان، وكانت فرصة لأخرج ما تراكم في صدري من قهر كأنه كتل صخرية أثقلت صدري وسحقت قلبي بكلّ ما فيه من حزن وكرب لا يعلم حجمه إلا الله.
بعد عناق طويل أفرغت فيه كثيرا من شحنات قلبي، انفلت لساني من عقاله:
- اتفقنا في السجن يا روحي أن نتكلّم.
- أعترف لك أن الموضوع ليس سهلا، لم أتخيّل نفسي كيف سينظر لي أهلي، الناس، كيف سأنظر أنا لنفسي في المرآة، هل تتحمّل نفسيتي هذا الوصف الذي سأُنعت به؟..
ارتسم على وجهي ذات الألم وهاجت عواصف عاتية في صدري، انهمرت عيناي بالدموع ورأيت دموعها كالمطر.
- وهل الصمت هو البديل؟ هل نصمت على جريمتهم؟ هل نذعن لتهديداتهم؟
- لم أقل هذا، الصمت فظيع، سيقتلني كمدا وقهرا. " ثم هزّت راسها بعنف وتابعت: والبوح أشدّ وطئا وألما.
- يا خيّتي باختصار، الكلام نتضرّر منه نحن شخصيّا، بينما الصمت تتضرّر منه قضيّتنا وسنفتح الباب على مصراعيه على هذه الجريمة لأنهم سيقولون: تخشى الفلسطينيات على أنفسهن من فضح ممارساتنا معهنّ، سوف يُمعنون في هذه الجريمة وتصبح ديدنهم، أنا مقتنع تماما رغم كل تهديداتهم لنا بأنه لا بدّ من التضحية بالشأن الخاص لخدمة الشأن العام.
- أنا معك، لكن بصراحة..
وطال صمتها مع المزيد من البكاء والنشيج..
- بصراحة ماذا؟ والله إنّي لأعرف ماذا يعتمل في عقلك. تخشين على فرصك في الزواج، ثقافة مجتمعنا تظلمنا كثيرا.
- لا أريد أن أزيد خسارة على خسائرنا الكبيرة، خسرنا بيوتنا وكثيرا من أهلنا، أحوالنا وأموالنا كلّها أكلتها هذه الحرب المجنونة، لم يتبق لأحدنا إلا ما نحمل من شرف ودين وضمير حيّ.
- أنت إنسانة مؤمنة والله سبحانه وعدنا أن يجعل لنا مخرجا إذا كنّا على تقوى الله، "ومن يتق الله يجعل له مخرجا".
- الحمد لله، تربينا على أن نكون حريصين على تقوى الله.
- ومن تقوى الله يا سيّدتي أن نعرّي الظالمين ونكشف ظلمهم للناس "لا يحبّ الله بالجهر من السوء من القول إلا من ظلم"، وتعلمين أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
- اسمعي أحكيلك أنا مقتنعة بما تقولينه ولكنّي نفسيّا لست قادرة، أنا كلما مرّ شريط ما فعلوا بي أكاد أستفرغ أمعائي، أشعر بسكاكين تضرب نصالها في قلبي، قولي لي كيف يتخيلّني الناس وأنا أتحدّث عن الاغتصاب الهمجي؟ كيف كبّلوا يدي من الخلف ثم.. لا لا أستطيع أن أكمل، مجرّد إعادة الشريط عذاب ما بعده عذاب.
- لا داعي للتفاصيل نحن نوثّق شهادتنا على أصولها في مؤسسة حقوقية ونطوي الصفحة.
- بهذه البساطة نطوي الصفحة، ليتني أستطيع ذلك.
وضعت راحة يدي على كتفها برفق وقلت بحماسة هادئة:
- يا عزيزتي دعي الحديث لي، نحن أمام هدف نبيل، خاصّة أنّهم ادّعوا على رجال مقاومتنا أنهم اغتصبوا نساءهم يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وثبت كذبهم ولم يستطيعوا الإتيان بدليل واحد، نحن الآن الدليل القطعي على أنّهم ارتكبوا هذه الجريمة، نحن أمام هدف عظيم يستحقّ منّا هذه التضحية.
- أنا جاهزة توكّلي على الله، لن يضيّعنا الله.
- رنّ هاتفي فإذا به الصحفي الذي رتّبت معه على عقد مؤتمر للإفصاح عن الأمر.
- اليوم الثانية بعد الظهر ستأتي الصحافة ووكالات أجنبية، جاهزة؟
- نعم جاهزة ومعي المعتقلة الثانية التي حدثتك عنها.
- عظيم جدا.
- وسيأتي مندوب عن الأمم المتحدة لتسجيل الشهادة.
- التوقيت جدا مناسب، "نتنياهو" بالأمس يتشدّق بأن جيشه هو أكثر الجيوش أخلاقية في العالم.
- بالفعل لم يعد الصمت محتملا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الفلسطينيات إسرائيل فلسطين غزة نساء معتقلين سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
قتلى بغارات إسرائيلية وواشنطن تضغط على لبنان.. قاسم: لم تنته المعركة
أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم الخميس، “مقتل 3 أشخاص في غارة إسرائيلية على سيارة في يحمر الشقيف جنوبي البلاد”.
وتعليقا على الاستهدافات الإسرائيلية، أكد مسؤول منطقة البقاع في “حزب الله” اللبناني الدكتور حسين النمر، “أن إطلاق الصواريخ المشبوهة أعطى إسرائيل ذريعة للاعتداء على لبنان، وإن كانت تل أبيب لا تحتاج إلى ذرائع”.
وأفاد النمر، بأن “العدوان على لبنان هو برسم الدولة اللبنانية رئاسة وحكومة، ويجب أن تتصرف على هذا الأساس”.
وأكد “أن “حزب الله” ملتزم باتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل من موقع الحكمة لا من موقع الضعف”، ودعا الدولة اللبنانية “لتولي التعامل مع الخروقات الإسرائيلية”.
وأعلن الجيش اللبناني مساء أمس الأربعاء، أن “قوات إسرائيلية توغلت في منطقة اللبونة صور وأقدمت على شق طريقَين”، وأفادت بأن “ذلك يندرج في سياق الخروقات الإسرائيلية المتمادية لاتفاق وقف إطلاق النار واعتداءاته على سيادة لبنان”.
وذكرت قيادة الجيش، “أنه وعلى أثر ذلك توجهت دورية من الجيش إلى موقع التوغل وأغلقت الطريقين بسواتر ترابية”، وأضافت أن “وحدة أخرى من الجيش قامت بإزالة شريط شائك كان الجيش الإسرائيلي قد وضعه سابقا في بلدة عيترون – بنت جبيل”.
إلى ذلك، أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون، “ضرورة أن يعمل رعاة اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل على الضغط عليها للالتزام به، حفاظا على صدقيتهم، ولوقف الأعمال العدائية”.
ووفق الرئاسة اللبنانية، “بحث رئيس الجمهورية مع المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لو دريان، أجواء زيارته المرتقبة إلى فرنسا يوم الجمعة المقبل”.
وقال الرئيس عون، خلال استقباله اليوم لو دريان إن “الإصلاحات تعد أولوية، بالتوازي مع إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل، وسيستمر العمل على إعادة الثقة في الداخل اللبناني”، ولفت إلى أن “الإجراءات التي ستتخذ على الصعيد الإداري تحمل رسالة إيجابية إلى الداخل اللبناني والخارج”.
نعيم قاسم: المخطط الأمريكي في المنطقة كبير وخطير جدا
قال أمين عام حزب الله اللبناني نعيم قاسم في كلمة بمناسبة يوم القدس العالمي يوم أمس الأربعاء، “إن المخطط الأمريكي في المنطقة كبير وخطير جدا من خلال استخدامه لأداة الإجرام الإسرائيلي”.
وأضاف قاسم، “أن المخطط هو تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين واحتلال أراض من الدول المجاورة وتقسيم دول المنطقة”، قائلا: إن “هدف العدو الإسرائيلي هو التحكم بالشرق الأوسط الذي يريدونه على شاكلتهم”.
وصرح بأن “حجم التضحيات كبير لأن المقاومة تريد إسقاط هذا المخطط، مؤكدا أنها وستسقطه”، وذكر أن “الحزب لن يقبل باستمرار الاحتلال مع الإفراج عن الأسرى ولا محل للتطبيع والاستسلام في لبنان”.
وأوضح “أن إسرائيل وبعد 75 عاما من الاحتلال الإسرائيلي لغزة والقدس لم تتمكن من شرعنة شبر واحد من فلسطين”.
وقال أمين عام حزب الله اللبناني إن “إسرائيل لم تحقق أهدافها في إنهاء المقاومة ولم تتمكن من الوصول إلى الليطاني”، وبين أن “محور المقاومة مدين لإيران بكل أشكال الدعم المادي والمعنوي والسياسي”، ولفت إلى “أنهم في مرحلة دور الدولة في تطبيق الاتفاق وعليها أن تقوم بمسؤوليتها في الوصول إلى الإنسحاب وتحرير الأسرى”، وقال: إن “المستقبل في المنطقة للمقاومة وواثقون بأن النصر حليفنا ونخوض حاليا جولة ولم تنته المعركة”.
واشنطن تضغط على بيروت لإبرام اتفاق مع “تل أبيب“
قال مصدر لبناني لصحيفة “الشرق الأوسط”، “إن الولايات المتحدة تدفع لبنان لاتفاق مع إسرائيل، يكون “أقل من التطبيع وأكبر من اتفاقية الهدنة”.
وأوضح المصدر أن “المقصود به يكمن في ضبط الحدود على نحو لن يسمح لـ”حزب الله” باستخدام سلاحه”.
وأكد أن “واشنطن تدرك جيدا وجود استحالة أمام لبنان لتطبيع علاقاته بإسرائيل، وهي تضغط عليه بعدم اعتراضه على الخروق الإسرائيلية شرطا للتوصل إلى اتفاق”.
وأكد المصدر أن إسرائيل “تعطل الجهود الحكومية لسحب سلاح الحزب، بمواصلة خرقها اتفاق وقف النار، ولا يرى في المقابل جدوى للحملات السياسية التي استهدفت رئيس الحكومة نواف سلام على خلفية موقفه من سلاح “الحزب”.
وتأتي هذه المعلومات “قبيل زيارة مرتقبة لنائبة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للشرق الأوسط مورغن أورتاغوس إلى بيروت، بعد انتهاء عطلة عيد الفطر، في ظل رفض رسمي لبناني لتطبيع العلاقات اللبنانية- الإسرائيلية”.
ودخل “اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، لمدة 60 يوما، حيز التنفيذ في 27 نوفمبر2024، وكان من المفترض أن يستكمل الجيش الإسرائيلي انسحابه من المناطق، التي احتلها في جنوب لبنان، بحلول فجر 26 يناير الماضي، وفق مهلة محددة في الاتفاق بـ60 يومًا، إلا أن إسرائيل لم تلتزم بالموعد، وأعلنت واشنطن لاحقا تمديد المهلة باتفاق إسرائيلي لبناني، حتى 18فبراير الماضي، وفي هذا التاريخ، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن القوات الإسرائيلية ستظل موجودة في “منطقة عازلة” بلبنان، في 5 نقاط مراقبة على طول الخط الحدودي”.