السعودية ومعوقات التطبيع القادم
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تمر المملكة العربية السعودية اليوم في مرحلة حرجة جداً أوقفت معها اتفاق التطبيع مع الصهاينة بسبب استمرار المجازر في غزة بوتيرة متصاعدة غير مسبوقة. اذ كشفت الجرائم في غزة عن وحش ضار يلتهم الضحايا ولا يشبع، حتى أن تصريحات الأمراء السعوديين خلال لقاءاتهم وعبر كلماتهم، مع أنهم يبدؤون دوماً بلوم حماس على تنفيذ عملية طوفان الأقصى، إلا أنهم في الشق الثاني من تصريحاتهم يلومون الصهاينة، ويدينون المجازر التي تنفّذ بأهل غزة.
إلا أن المملكة لم توقف العمل بالمشاريع التجارية مع الصهاينة، ويستمر الجسر الجوي الأميركي بالمرور فوق أراضيها لدعم الصهاينة بالسلاح، فيما تُعيق وصول المسيّرات والصواريخ اليمنية الموجهة لضرب الصهاينة في المناطق التي يستعمرونها في تل أبيب وميناء إيلات وغيرها. واليوم تمرر عبر أراضيها الشاحنات المعبأة بالأغذية والأدوية، عبر الممر البديل من البحرين والإمارات إلى معبر ابو سالم الأردني، فيما غزة محاصرة.
إذا كانت هذه هي الحال فما الذي يوقف توقيع الإتفاق؟
ما يهم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، هو المضي بمشروع 2030، والذي يريد من خلاله أن يأخذ السعودية نحو مسار اقتصادي واجتماعي مغاير تماماً للمسار القديم، وقد اتخذ خطوات جريئة، نحو وضع السعودية على هذا الطريق. كما بات من المعروف، أن هناك مكاسب تريد السعودية ضمان تحقيقها والحصول عليها من الولايات المتحدة، مقابل التطبيع مع الكيان، وهي:
اتفاقية أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة على غرار اتفاقية الناتو، تلتزم فيها الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة في حال تعرضها لأي هجوم.
تزويد المملكة بعقود طويلة الأمد لأسلحة متطورة تشمل طائرات F35، وأنظمة دفاع صاروخي متطورة مثل بطاريات THAAD.
بناء برنامج نووي سلمي يتضمن منشآت لتخصيب اليورانيوم داخل المملكة.
تقديم “اسرائيل” تنازلات بعدم ضم أراضي الضفة الغربية، وازداد التزام المملكة بهذه المطالب بالذات بعد أن شهد العالم المجازر الصهيونية في غزة. ويكرر المسؤولون في المملكة موقفهم بإقامة دولة فلسطينية على أراضي ال 67، وعاصمتها القدس الشرقية. وهنا يمكننا أن نستنتج أن السعودية تريد لعب دور استثنائي بما يتعلق بالقضية الفلسطينية وسحب البساط من تحت أرجل مصر ومحور المقاومة على حد سواء.
وبحسب ما ذكر توماس فريدمان في مقاله في صحيفة نيويورك تايمز، في آخر تموز/ يوليو الماضي، أي قبل طوفان الأقصى بأشهر، أن الشرط الأخير، هو من أهم الشروط التي أخبره إياها الرئيس الأميركي جو بايدن. كما صرح يومها تساحي هنغبي، وزير صهيوني بلا حقيبة، بأن “اسرائيل” ليس لديها قلق من احتمال تطوير السعودية قدرات نووية مدنية.
وأما أهم ما تريده واشنطن من التطبيع، تطبيع شامل على الطريقة، التي وقّعت بها اتفاقيات ابراهام السابقة. إضافة إلى وضع قيود على العلاقة المتنامية ما بين السعودية والصين، والتخلي عن تسعير النفط باليوان، والحد من التعامل مع شركات التكنولوجيا الصينية المتقدمة مثل هواوي، وعدم السماح بتواجد عسكري صيني في المملكة. وتنظر الولايات المتحدة بقلق للتعاون ما بين روسيا والسعودية في مجال الطاقة، وتريد وضع حد نهائي له.
بعد 3 أيام من عملية طوفان الأقصى، طلب السعوديون تعليق المحادثات الثلاثية. وفي 10 كانون الثاني/ يناير من هذا العام، عاد الحديث عن عوائق التطبيع مع السعودية، والتي أعلنت أن التوقيع على التطبيع لن يكون إلا بعد إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، وإقامة الدولة الفلسطينية. مع أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد زيارته إلى السعودية، قال إنه بعد أن ينتهي “النزاع”، ستتم متابعة الأمر، ولكن ما يظهر في التصريحات السعودية أنهم مصرّون على موقفهم. وفي سؤال للسفير السعودي حول عملية التطبيع، وعن موقف السعودية من حماس، كمنظمة تصنف إرهابية لدى الولايات المتحدة وبريطانيا و”اسرائيل”، أجاب أن المهم الآن: “أن يتحدد طريق عملي نحو دولة فلسطينية”، وأن “هناك دائماً مجال للتغيير”، وأن “المشكلة الحالية مع الحكومة الحالية في اسرائيل هو أن نظرتها متطرفة مطلقة، لا تسمح بتحقق توافق”. وبناء على ذلك لن يكون بالإستطاعة إنهاء النزاع.
ثمة مشكلة في التعابير المستخدمة من قبل السعوديين والإصرار على ان ما يجري هو نزاع، وكأنه نزاع قريتين نائيتين على بئر ماء يقع بين حدودهما. فالأمر أكبر من ذلك، والسعودية لا يمكنها أن تنأئ بنفسها عن المعرفة التي تحيط بها حول القضية الفلسطينية. ويتضح من تصريح السفير السعودي في بريطانيا أن عملية التطبيع كانت تسير على قدم وساق، واليوم أوقفت السعودية التوقيع على اتفاقية التطبيع في المرحلة الحالية، ليس لأسباب إنسانية فقط، ولكن بسبب تطرف الحكومة الصهيونية الحالية، بحسب السفير السعودي. وبالتالي فإن التوقيع في هذه المرحلة سيفقد البلد الدور الذي يرغب محمد بن سلمان السير به نحو تحقيق مشروع 2030 في منطقة تسودها النزاعات. كما أن التوقيع في هذه المرحلة، سيُضعف السعودية حتماً، وسيضعها في مرتبة ودور أقل بكثير من الدور الذي تلعبه الإمارات اليوم. وستخسر مكانتها وهيبتها بين الدول العربية.
من الواضح أن هناك أسباباً داخلية تمنعها من التوقيع قبل حل القضية الفلسطينية بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وتفعيل مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك الراحل عبد الله، والتي تم تعديلها خلال مؤتمر الجامعة العربية في بيروت في العام 2002. ومن الأسباب الداخلية، التي تعرقل توقيع أي اتفاق سلام، هو رفض الملك سلمان، الملك الحالي أن يتم توقيع هكذا اتفاق في عهده. والأمر الآخر، موقف الشارع السعودي في الداخل، والذي تقول تقارير متعددة أنه يغلي بسبب ما يحدث في فلسطين. علينا أن نعلم أنه منذ أن أُنشئت المملكة السعودية، كان معظم عناصر كادرها التعليمي والإداري والإستشاري، هم من الفلسطينيين، وهو إرث ترك أثراً عميقاً، وبالتالي إذ فإن المملكة ستكون على كف عفريت.
من المؤثرات الكبرى، التي تتعلق بتأجيل السعودية للتوقيع، والتي جاءت كنتيجة حتمية لذلك المنظر الذي لا يُنسى، عندما زارها دونالد ترامب في العام 2017، وبدأ بعرض لوح من الورق المقوى، وعليه صور الطائرات والأسلحة التي سيتم بيعها لها. قَدم ترامب يومها العروض بطريقة مثيرة للسخرية، ودفعت السعودية يومها مبالغ وصلت إلى 460 مليار دولار مقابل الإتفاقيات والعقود، ولكن لم تقم الولايات المتحدة بتزويد السعودية بطائرات F35، التي وعدت بها مع كافة امكانياتها العسكرية والتقنية بسبب اعتراض الصهاينة. وبعدها بدأ محمد بن سلمان مساراً آخر من العلاقات الدولية التجارية والتقنية وحتى العسكرية مع كل من الصين وروسيا. وشهدنا على توسيع المملكة لعلاقاتها وشركاتها في العالم، وأصبحت عضواً في مؤتمر شنغهاي، وشهدنا في آذار 2022 عودة العلاقات الإيرانية –السعودية بوساطة صينية وتم تبادل السفراء ما بين البلدين، أي أن السعودية أرادت دخول العام 2023 مع صفر مشاكل وهذا ما حدث.
استطاعت السعودية إعطاء نفسها دفعة متقدمة إلى الأمام من خلال بناء العلاقات الدولية مع مختلف الأطراف بدلاً من إبقاء العلاقات متمحورة فقط حول الولايات المتحدة، وبدأت بتنويع مصادر دعمها الأمني والتكنولوجي والتجاري، واستطاعت أن تضع لها موطئ قدم كقوة إقليمية فاعلة، وفي نفس الوقت استطاعت بناء شراكة مع الصين عبر دخولها ضمن مشروع “حزام وطريق”، كما أن دورها بات أساسياً في ممر البخور، أو ما يسمى الممر الكبير أو ممر بايدن، والذي اقترحه كخط للتجارة العالمية يمتد من الهند إلى ميناء حيفا، عبر إقامة قناة بن غوريون، مما سيهمش قناة السويس ويضع مصر في أسوء أوضاعها الإقتصادية. وهذا سيمكن السعودية من الحصول على المكانة الهامة التي تحتلها مصر في العالم العربي، وخاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
لم تنكر السعودية يوماً أهدافها وما تأمل تحقيقه من توقيع معاهدات التطبيع مع الصهاينة، وهي تعلم جيداً حاجة بايدن لهذا التوقيع في المرحلة الحالية كإنجاز يحققه، خاصة وأن الإنتخابات الأميركية باتت على بعد أشهر. في أيلول/ سبتمبر الماضي، كان مشروع التطبيع يسير على قدم وساق، وكانت الولايات المتحدة على قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هذا الإنجاز، وتسير نحو إنجاز ممر البخور، وبدأت كل من السعودية ومصر والإمارات ببناء معابد هندوسية على أراضيهم كبادرة حسن نية تجاه الشركاء الهنود القادمين مع البخور، ولكن “طوفان الأقصى” أطفأ جمرته، وبات الأمر على قائمة الانتظار.
-موقع الخنادق الاخباري – عبير بسّام
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة طوفان الأقصى التطبیع مع فی غزة
إقرأ أيضاً:
تقرير روسي: الولايات المتحدة تحاول منع حرب إفريقية كبرى جديدة
نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن انضمام صراع جديد إلى سلسلة الصراعات العسكرية، التي تشكل أهمية بالنسبة لنظام العلاقات الدولية القائم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن شرارة الصراع بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا اندلعت بعد دخول القوات الرواندية الأراضي الكونغولية.
وتضيف الصحيفة أن الولايات المتحدة عبرت على لسان وزير خارجيتها ماركو روبيو عن اهتمامها بوقف إطلاق النار.
في المقابل، تعول سلطات جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي الجانب الأضعف في الصراع، على ممارسة الغرب ضغوطات على رواندا وعدم الاكتفاء بالوساطة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وباتت مدينة غوما، وهي عاصمة إقليم شمال كيفو الكونغولي، يبلغ عدد سكانها 700 ألف نسمة تحت سيطرة متمردو حركة "23 مارس".
وقد أعلن ممثلو الحركة الأربعاء 29 كانون الثاني/يناير عن قمع آخر جيوب المقاومة من الجيش الكونغولي وميليشيات الماي ماي والوازاليندو المحلية.
وفي الوقت نفسه، يكشف موظفي بعثة الأمم المتحدة والصحفيون عن دعم الجيش الرواندي النظامي حركة "مارس 23".
وتظهر اللقطات المسربة مرافقة جنود يرتدون الزي الرواندي لجنودًا أسرى من جيش الكونغو الديمقراطية. تفسر السلطات الرواندية هذه المشاهد بعبور الجنود الكونغوليين الحدود، بالقرب من غوما واستسلامهم.
وأجرى وزير الخارجية الأمريكي محادثة هاتفية مع الرئيس الرواندي بول كاغامي. وبحسب وزارة الخارجية الأميركية، تدعو الولايات المتحدة جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار.
من جانبه، أعرب كاغامي عن ثقته في إمكانية إجراء حوار بناء مع دونالد ترامب، كما فعل مع سلفه جوزيف بايدن، الذي حاول إقناع كاغامي ونظيره رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي بالجلوس على طاولة المفاوضات في كانون الأول/ديسمبر 2024.
وباءت هذه المحاولة بالفشل بسبب رفض كاغامي، الذي باتت أسباب تهربه من المفاوضات واضحة وتتمثل في استعداد حركة مارس/آذار 23 لشن هجوم.
وكان من المقرر عقد تشيسكيدي وكاغامي، محادثات جديدة في قمة عبر الإنترنت تحت إشراف مجموعة شرق إفريقيا، التي تضم رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن لم تعقد المحادثات هذه المرة بسبب رفض تشيسكيدي الذي يعول على ممارسة الغرب ضغوطات على رواندا حماية لمصالحه هناك.
وأوردت الصحيفة أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تضم عشرات المجموعات العرقية، ويوجد حوالي مائة مجموعة متمردة، وكل منها تعتمد، كقاعدة عامة، على مجموعة عرقية معينة. ومع ذلك، تمكن تشيسكيدي من الحفاظ على النظام النسبي، وذلك من خلال الدبلوماسية الذكية المتمثلة في عقد اتفاقيات مع مختلف الفصائل والقبائل.
وتُعرف حرب الكونغو الثانية، التي استمرت من سنة 1998 إلى سنة 2003، باسم الحرب الأفريقية الكبرى، وشاركت فيها جمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا وزيمبابوي وناميبيا وتشاد وأنغولا والسودان من جهة، ورواندا وبوروندي وأوغندا من جهة أخرى، وهي ثلاث دول تجمعها نقطة مشتركة وهي اكتساب جماعة التوتسي العرقية ثقل سياسي كبير.
والجدير بالذكر أنه في التسعينيات اندلعت أيضاً حرب الكونغو الأولى نتيجة إبادة التوتسي المحليين على يد ممثلي جماعة عرقية محلية أخرى، وهي الهوتو.
وتعتبر الأحداث الحالية مجرد حلقة في سلسلة الصراعات بين البلدين. وفي حين يتهم كاغامي سلطات جمهورية الكونغو الديمقراطية بالمماطلة في نزع سلاح "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" وهي جماعة تنحدر من الهوتو وتتخذ من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية قاعدة لها.
وتفسر سلطات جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل تقليدي تصرفات الدولة المجاورة برغبتها في الاستيلاء على المنطقة الغنية بالمعادن الطبيعية وإحياء إمبراطورية التوتسي.
وبحسب الصحيفة فإن تدويل الصراع وتكرار السيناريو الواقع قبل عشرين عامًا لا يخدم مصلحة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبناء عليه، تحاول الإدارة الجديدة في البيت الأبيض المصالحة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بدلاً من الانحياز إلى أحد الجانبين.
وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة بأن المستقبل كفيل بإظهار مدى نجاح السياسة المعتمدة من قبل الغرب. كما من غير الواضح بعد ما إذا كانت حركة "مارس/آذار 23" تنوي التوقف عند هذا الحد أو المضي قدماً، مستغلة ضعف العدو.