أصبح الأمريكيون يفكرون في الفلسفة بأنفسهم، وهكذا الحال مع البراجماتية، فقد يتساءل المرء عما إذا كانت فلسفة مُصممة خصيصًا لرجال العمل.

بالنسبة للبراجماتية، كل ما هو صحيح يكون مُفيدًا، وكل ما هو مفيد يكون صحيحا، إنها لا تزال فلسفة أكثر دقة بعض الشيء والتي اقترحها مخترعوها الأمريكيون، بيرس وجيمس وديوي، الذين جعلوها فلسفة العلم أو حتى فلسفة الديمقراطية.

ونشأت الفلسفة البراجماتية وتطورت في أمريكا الشمالية في أواخر القرن التاسع عشر، وقدم تشارلز س. بيرس، الفكرة، ولا سيما لجيمس، خلال اجتماعات نادي الفلسفة في كامبريدج «ماساتشوستس».

جون ديوي

وكتب «بيرس» مقالًا باللغة الفرنسية، بعنوان «العصر السعيد» في مجلة «Revue Philosophique» في يناير ١٨٧٩، ذكر فيه مبدأ البراجماتية: «فكر في التأثيرات العملية التي نعتقد أنه يمكن أن ينتجها موضوع تصورنا». واستخدم ويليام جيمس هذا المبدأ لبناء نظرية الحقيقة في عمل بعنوان «البراجماتية» (١٩٠٧)، الناتج عن سلسلة من المؤتمرات، وطور جون ديوي نظرية نفعية أدت إلى ظهور عمل جماعي لـ«مدرسة شيكاغو»: «دراسات في النظرية المنطقية» (١٩٠٣).

والبراجماتية الأمريكية، هي تعبير عن منهج أكثر من كونها تعبيرًا عن مجموعة من المذاهب، لأن البراجماتيين ليسوا جزءًا من هؤلاء الفلاسفة المحترفين الذين أدانهم «شوبنهاور» في عصره: «بيرس، عالم فلك ورائد في المنطق الحديث، وأبو السيميائية، وجيمس، هو أول عالم نفس حديث عظيم، وديوي، هو أبو التربية الحديثة، والمتحدث باسم الفكر الليبرالي في أمريكا».

و«جيمس»، على الرغم من إنكاره لذلك، عبر عن نفسه بشكل أخرق إلى حد ما في تعبيره إلى حد الإشارة إلى أن البراجماتية تعترف بقيمة الأفكار فقط إذا كان لها تطبيق عملي، ومن جهة أخرى، يبدو واضحًا أن روح البراجماتية تكمن في التجريب، مما يجعلها فلسفة العلم بامتياز، لا فلسفة النتائج، بل فلسفة منهجها.

عالم الفلك بيرس

يستبدل «بيرس» شك «ديكارت» الحدسي بالشك الحقيقي للعالم والحدس الذاتي بالاختبار الموضوعي للأفكار، ووفقًا للمنهج البراجماتي، فإن الفكرة هي فرضية تولد خطة عمل. التنفيذ جزء جوهري من اختباره: تجربة الفكرة وتطبيقها هما شيء واحد.

ويشير البراجماتيون، بحسب «بيرس»، إلى أن «ديكارت» يستبدل الحدس بالتجربة. على سبيل المثال، يخبرنا الحدس أن الجسم يجب أن يكون صلبًا. يجعل الإجراء من الممكن تحديد المقصود بالصلابة، وفي الوقت نفسه، إثبات أنها صلبة: الشيء الصلب الذي لا يخدش بعدد معين من الأشياء، بينما يدهس هذه الأشياء بنفسه.

ووفقًا لهذا النهج، لا يتم اكتساب أي شيء على الإطلاق، ورغم أن البراجماتي يعترف بوجود أفكار تبدو مستقرة، إلا أنه يؤكد أن لا شيء يضمنها ضد التغيير.

جيمس أول عالم نفس حديث

يرى «جيمس»، أن البراجماتية هي نظرية الحقيقة، خاصةً فيما يتعلق بالحقائق الراسخة، واقترح بشأنهم صيغة مضحكة: «الحقيقة تحيا بالدين».. بالدين حتى تواجه بالحقائق وتجد نفسها مؤكدة أو لا.

لكن البراجماتية لا تهتم بالحقيقة في حد ذاتها، بل بعملية التحقق منها.

والخبرة دائمًا لها الكلمة الأخيرة. التجربة هي عملية مستمرة، حتى عندما تكون مضطربة، لأن هناك استمرارية من الوضع المضطرب حتى اكتشاف ما كسر وحدته، ثم من هذه الملاحظة إلى تصور المشكلة، ومن تحديد المشكلة إلى وضع الفرضية بهدف حلها، وأخيرًا من تجربتها إلى حل المشكلة وإعادة الوضع إلى سابق عهده.

هذا الوصف لعملية التجربة يُعيدنا إلى مشكلة الحقيقة وعلاقتها بالواقع. إن الفرضيات المتحققة تصبح حقائق، مؤقتة بحكم تعريفها، إلا إذا منحها الزمن نوعًا من الخلود الذي يجعلها تتجه نحو الحقيقة، وهي الحقيقة نفسها قيد الإنشاء.

البراجماتية، هي طريقة لتوضيح المعاني، لكنها لا تقل تفوقًا في تنظيم السلوك الذي يتم تحديده من خلال العلاقة بين الوسائل والغايات.

وعلى هذا النحو، يمكن للبراجماتية أن تقترح تطبيق منهجها في الأخلاق والسياسة. حتى أن «ديوي» دافع عن فكرة أن المنهج البراجماتي هو القاعدة الذهبية للديمقراطية.

بالنسبة لـ«ديوي»، لا يتم فرض النهاية الديمقراطية من الخارج. إنها ليست فكرة مثالية مُحددة مُسبقًا يمكن تحقيقها بأي وسيلة. إن الغاية، المثالية، هي نتائج الوسيلة، لأن فرض غاية على سلوك الإنسان يدينها: فالديمقراطية دائمًا تجريبية، إنها اختبار مستمر. لا توجد ديمقراطية مثالية، ولا يوجد شكل مثالي للحكومة الديمقراطية. ولا يكفي أن نقول إن الغاية تبرر الوسيلة، إذا كنا نعني بذلك أن قيمة الفعل تكمن في نيته. ويبقى الوضع المثالي للبراجماتية عندما يُحدد أن الأهداف الديمقراطية تتطلب أساليب ديمقراطية لتحقيقها، يُعطي «ديوي» الأسبقية للمثل الأعلى، أو حتى للغاية على الوسيلة.

يُعبر هذا المثل المنفتح عن إيمان البراجماتيين بإمكانيات الطبيعة البشرية مما يعني، وفقًا لـ«ديوي»، أن مهمة الديمقراطية هي إلى الأبد مهمة خلق تجربة أكثر حرية وإنسانية يشارك فيها الجميع ويساهم فيها الجميع. فالبراجماتية، نهج فلسفي مخصص للعلم والديمقراطية.

 أندريه بوير: أستاذ جامعى مُهتم بقضايا التنمية البشرية، يكتب عن أساس الفلسفة البراجماتية والعلماء الأمريكيين الذين أسسوا لها.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أندريه بوير الفلسفة أمريكا الشمالية ماساتشوستس بيرس

إقرأ أيضاً:

بيان مهم من الجبهة الديمقراطية-جامعة الخرطوم

بيان مهم
جماهير شعبنا الأبي:
بعد اندلاع عدوان مليشيا الدعم السريع على الشعب السوداني في الخامس عشر من أبريل ودعايته الحربية الكاذبة التي تؤيدها أحزاب الحرية والتغيير بتصوير هذا العدوان أنه مجرد صراع بين جنرالين مزيّفين فيه حقيقة أن هذه الحرب ضد الشعب السوداني وتهدف إلى تهجيره و احتلال أرضه.
ومنذ صباح الغدر والخيانة يُعاني الشعب السوداني مآسي عديدة بدأت في الخرطوم حيث عمل الجنجويد على قتل و نهب واغتصاب شعبنا وتشريده و ممارسة أبشع أنواع الجرائم في حقه في كل أنحاء السودان ففي الجنينة مارست مليشيا الجنجويد جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية في حق السودانيين العزل، وفي الجزيرة ارتكبوا مجازر و اقتحموا و روّعوا معظم القرى منتهكين بذلك الأعراض والأرواح. كما قامت مليشيا الجنجويد الإرهابية بقتل وتهجير المزارعين حتى أصبح الشعب السوداني يواجه خطر المجاعة بسبب مهاجمة مليشيا الجنجويد للمشاريع الزراعية في الجزيرة، سنجة، الدندر، وغيرها، ونهب ومصادرة المحاصيل والآليات الزراعية تنفيذاً لتعليمات كفيلها الإقليمي وماحدث في الجنينة والخرطوم والجزيرة وغيرها ماهو إلا عملية تغيير للتركيبة السكانية بغرض احتلال تلك الأراضي وتهجير سكانها قسرياً،كما مارست مليشيا الجنجويد سلوكها الإرهابي المعتاد منذ القِدم حيث عملت على تدمير البنية التحتية والاقتصادية باحتلالها للمؤسسات ونهبها للبنوك بل حتى منازل المواطنين بحثاً عن الديمقراطية المزعومة.
جماهير الشعب السوداني:
إن التوصيف الدقيق لهذة الحرب هي احتلال أو “استعمار كلاسيكي” تطمح به الإمارات العربية كوكيل للمشروع الصهيو أمريكي في المنطقة الذي يسعى للسيطرة على مقدرات و ثروات الشعب السوداني وتحطيم جيشه واستبداله بمليشيا أُسرية تضمن من خلالها الإمارات وحلفائها استمرار نهبهم لموارد السودان وثرواته لمئات السنين كما فعلت بريطانيا سابقاً.
تنفذ مليشيا الدعم السريع الإرهابية هذا المشروع الرامي لتكوين إمارة أُسرية و رهن مواردها لذراع الامبريالية الإقليمي الإمارات التي تهدف إلى احتلال البلاد بالمفهوم الحديث، وتهجير ملايين السودانيين قسرياً من مناطقهم.
تعاون المليشيا في مشروعها بل وتتفق معه قوى الظلام الجديدة التي سقطت كعادتها أخلاقياً، بل أنها باتت توفر غطاء سياسي للدعم السريع وحليفاً سياسياً له بموجب إعلان أديس أبابا فالحرية و التغيير أو “تقدم” بابت الذراع المدني لمليشيا الجنجويد وتمارس وظيفتها في التضليل و تزييف الحقائق وتعمل على تبرير أفعال المجموعات الإرهابية من تقتيل وتنكيل ونهب واغتصاب وتشريد للشعب السوداني.
نرى ونعمل بما وجب علينا وعلى شعبنا محاصرة عناصر الحرية والتغيير وحليفها العسكري، سياسياً وأخلاقياً وعزلهم و إفشال مؤامراتهم على الشعب السوداني.
تقف الجبهة الديمقراطية بجانب شعب السودان وقواته المسلحة وصغار جنودها وضباطها ضد مشروع مليشيا الدعم السريع وتتفق مع حلها عسكرياً و سياسياً، ومحاسبة من أسسها ودعمها في جميع مراحلها ” النظام البائد، جنرالات لجنته الأمنية، والحرية والتغيير” .
ونقولها بصوت صامد إن السودان لن يتحول إلى مزرعة أو منجم للإمارات، وفي سبيل ذلك يدفع السودانيون رفقة المؤسسة العسكرية الغالي والنفيس لإنهاء هذا العدوان الغاشم.
جماهير شعبنا الأبي:
إن مايتعرض له الشعب السوداني من انتهاكات واحتلال هو نفس الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني والعدو واحد والمقاومة واجبة بكل الطرق و الوسائل الممكنة حتى تحقيق النصر.
يقاتل السودانيين في معارك التحرير دفاعاً عن حقهم في الحياة ويقدمون أرواحهم فداءً للأرض والعرض في معارك تقصد بها المليشيا استهداف السودانيين وتشريدهم بل إبادتهم جماعياً أن استطاعت ذلك …
إن احتفالات جماهير شعبنا بتقدم قواته المسلحة تؤكد أنه لا مكان بيننا بعد الأن لمليشيا الدعم السريع وحليفها السياسي، و تعبر عن هزيمة كبيرة لمشروع الاحتلال الإماراتي للسودان .
الجبهة تُحَيّ نضال الجنود في الخرطوم والجزيرة و سنار و بابنوسة وأبطال الهجانة بالفرقة الخامسة وفي كل محاور القتال، كما تحي رفاقنا أبطال المشتركة في الفاشر وهم يبذلون كل أنواع التضحيات دفاعاً عن المدينة والمواطنين ودفاعاً عن كل أراضي السودان.
وفي ظل كل هذا التقدم والانفتاح العسكري نحي انتصارات جنود وضباط القوات المسلحة ونضالاتهم في مقاومة وإفشال المشروع الصيهو أمريكي الذي ترعاه وتنفذه الإمارات عبر مليشيا الجنجويد.
-يداً بيد مع جنود القوات المسلحة.
-النصر لأرضنا وشعبها وجنودها.
-عاش الشعب السوداني حراً أبياً.
-عاش السودان وعاشت سيادته.
‏‎لا تصالحْ
‏‎..ولو منحوك الذهب
‏‎أترى حين أفقأ عينيك
‏‎ثم أثبت جوهرتين مكانهما
‏‎هل ترى..؟
‏‎هى أشياء لا تشترى
‏‎لا تصالح على الدم.. حتى بدم
‏‎لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
‏‎إنها الحربُ
‏‎قد تثقل القلب
‏‎لكن خلفك عار العرب
‏‎لا تصالحْ
‏‎ولا تتوخَّ الهرب
الجبهة الديمقراطية-جامعة الخرطوم
1 أكتوبر 2024 م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مصرع نحو 80 شخصاً بانقلاب سفينة في جمهورية الكونغو الديمقراطية
  • الأفكار المتدنية
  • مسرحية عن بعد.. وسؤال التجريب في المسرح المغربي
  • أندريه زكي في احتفال المستشفى الأمريكي بطنطا: نقدم خدماتنا للجميع دون تمييز
  • عاجل- «الحسيني» يفجر مفاجأة مدوية.. حسن نصر الله جريح ولم يقتل.. ما الحقيقة الكاملة؟
  • منتدى محاكم دبي يستعرض الأفكار التطويرية
  • مناقشات عن "السوشيال ميديا وحرب الأفكار" في أنشطة الثقافة بالقليوبية
  • مرحبا باليسار علي لسان الجبهة الديمقراطية-جامعة الخرطوم
  • بيان مهم من الجبهة الديمقراطية-جامعة الخرطوم
  • هل الأفكار المهاجرة يتم توطينها أم تأتي اختيارًا ؟