الاستعداد لرمضان.. «الأوقاف» تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
حدد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة المقبل 20 شعبان 1445 هـ، الموافق 1 مارس 2024، بعنوان «مجالس العلم وتلاوة القرآن والاستعداد لرمضان».
وجاءت كلمات الخطبة كالتالي: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا}، ويقولُ سبحانَهُ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
موضوع خطبة الجمعة القادمةفإنَّ مجالسَ العلمِ مِن أطيبِ المجالسِ وأزكاهَا، وأشرفِهَا قدرًا عندَ ربِّ العالمين، ففِي رحابِهَا يُتدارَسُ العلمُ النافعُ، الذي يزكِّي العقولَ، ويبنِي الوعيَ، ويرشدُ إلى الطريقِ المستقيمِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، وقالَ العلماءُ: التعلمُ قبلَ التعبدِ، ليكونَ التعبدُ على هدَى، وقالَ الحسنُ البصريُّ (رحمَهُ اللهُ): “العاملُ على غيرِ علمٍ كالسّالِكِ على غيرِ طريقٍ، والعاملُ على غيرِ علمٍ يفسدُ أكثرَ مِمَّا يصلحُ، فاطلبُوا العلمَ طلبًا لا تضرُّوا بالعبادةِ، واطلبُوا العبادةَ طلبًا لا تضرُّوا بالعلمِ.
وقد رفعَ اللهُ (سبحانَهُ وتعالَى) شأنَ العلمِ والعلماءِ في كتابِه العزيزِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ}، ويقولُ سبحانَهُ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبابِ}، ويقولُ سبحانَهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، ولم يطلبْ اللهُ تعالَى مِن رسولِهِ ﷺ أنْ يسألَهُ الاستزادةَ مِن شيءٍ إلّا مِن العلمِ، حيثُ يقولُ (جلَّ وعلَا): {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.
موضوع خطبة الجمعة القادمةومجالسُ العلمِ مِن أرقَى صورِ مجالسِ الذكرِ، حيثُ يقولُ سیدُنَا عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ (رضي اللهِ عنه): “إذا مررتُم برياضِ الجنةِ فارتعُوا، قِيلَ: يا رسولَ اللهِ وما هي رياضُ الجنةِ؟ قال: حلَقُ الذكرِ”، ويقولُ عطاءُ الخراسانيُّ (رحمه اللهُ): “مجالسُ الذكرِ هي: مجالسُ الحلالِ والحرامِ”، وقد سمَّى اللهُ سبحانَهُ أهلَ العلمِ بأهلِ الذكرِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (مَن خَرج في طَلبِ العِلم فهوَ في سَبِيلِ اللهِ حتى يَرجِعَ)، ويقولُ سهلُ التسترِيُّ (رحمه اللهُ): «مَن أرادَ أنْ ينظرَ إلى مجالسِ الأنبياءِ فلينظرُ إلى مجالسِ العلماءِ».
وهي طريقُ الجنةِ، ومِن أسبابِ تنزلِ المغفرةِ، وبها تتحققُ وراثةُ الأنبياءِ، حيثُ يقولُ نبیُّنَا ﷺ: «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ».
وعن أبي هريرةَ (رضي اللهُ عنه) أنَّهُ مرَّ بسوقِ المدينةِ، فوقفَ عليهَا، فقالَ: يا أهلَ السوقِ، ما أعجزَكُم! قالُوا: وما ذاكَ يا أبَا هريرةَ؟ قال: ذاكَ ميراثُ رسولِ اللهِ يقسَّمُ، وأنتُم ها هنَا لا تذهبونَ فتأخذونَ نصيبَكُم منهُ. قالُوا: وأينَ هو؟ قال: في المسجدِ. فخرجُوا سراعًا إلى المسجدِ، ووقفَ أبو هريرةَ لهُم حتى رجعُوا، فقالَ لهُم: ما لكُم؟ قالوا: يا أبا هريرةَ، فقد أتينَا المسجدَ فدخلنَا فلم نرَ فيهِ شيئًا يُقسَّمُ. فقالَ لهُم أبو هريرةَ: «أمَا رأيتُم في المسجدِ أحدًا؟» قالُوا: بلَى، رأينَا قومًا يصلونَ، وقومًا يقرءونَ القرآنَ، وقومًا يتذاكرونَ الحلالَ والحرامَ، فقالَ لهُم أبو هريرةَ: «ويحَكُم! فذاك ميراثُ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم».
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
ومع اقترابِ شهرِ رمضانَ المباركِ ينبغَي أنْ نهيئَ قلوبَنَا لاستقبالِ نفحاتِهِ واغتنامِ أنوارِهِ وبركاتِه، بتلاوةِ القرآنِ الكريمِ ومجالسِ العلمِ، فهو شهرُ القرآنِ الكريمِ، حيثُ ربطَ اللهُ تعالى بينَ صومِ رمضانَ والقرآنِ الكريمِ، في قولِهِ سبحانَهُ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، بلْ إنَّ ليلةَ القدرِ العظيمةَ كان سببُ تفضيلِهَا هو نزولُ القرآنِ الكريمِ فيهَا، يقولُ سبحانَهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
موضوع خطبة الجمعة القادمةولا شكَّ أنَّ فضلَ مجالسِ تلاوةِ القرآنِ ومدارستِهِ ومجالسِ العلمِ ومذاكرتهِ عظيمٌ وخيرهمَا عميمٌ، يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ)، ويقولُ (صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ): (إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، من هُم؟ قالَ: هم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ)، ويقولُ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ): «خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ»، ويقولُ ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ».
فمَا أجملَ أنْ نتعرضَ لنفحاتِ شهرِ رمضانَ المباركِ بالاستعدادِ لهُ بمجالسِ العلمِ وتلاوةِ القرآنِ، فيهَا تُطهرُ القلوب، وتزكَّى النُفوس، ويُؤسّسُ الوعيُ الرشيدُ.
اللهُمَّ بلغنَا رمضانَ واحفظْ أوطانَنَا وارفعْ رايتَهَا في العالمين.
اقرأ أيضاًالأوقاف: الخميس المقبل بدء توزيع 20 طن لحوم إطعام على الأسر الأولى بالرعاية
مسابقة الأوقاف 2024.. موعد بدء تقديم الأوراق
انطلاق قافلة المساعدات الغذائية من وزارة الأوقاف لأهالينا في غزة (فيديو)
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة اليوم الجمعة موضوع خطبة الجمعة القادمة خطبة خطبة الجمعة غدا خطبة الجمعة اليوم مباشر الخطبة الجمعة الخطبة الجمعة اليوم خطبة الجمعة وزارة الاوقاف موضوع خطبة الجمعة سبحان ه
إقرأ أيضاً:
«صناعة الأمل».. نص خطبة الجمعة غدا 3 يناير 2025
نص خطبة الجمعة.. أعلنت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة غدا 3 يناير 2025، بعنوان: «فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل)»، لافتة إلى أن هذه الخطبة تهدف إلى ترسيخ الإيمان بأن الفرج قريب مهما اشتدت الأزمات، وأن الخير دائمًا أقرب مما نتخيل.
وأشارت الوزارة، إلى أهمية تعزيز الثقة بالله والتمسك بالأمل كوسيلة لتحقيق الطمأنينة النفسية والاجتماعية، وتُعد صناعة الأمل من القيم الأساسية التي يحتاجها المجتمع لمواجهة التحديات اليومية.
ويأتي هذا التوجه بالتزامن مع التحديات التي تواجه المجتمع، حيث تسعى الوزارة إلى استخدام المنابر الدينية لتقديم رسائل إيجابية تدفع نحو البناء والعمل.
خطبة الجمعة غدا نص خطبة الجمعة 3 يناير 2025الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، الذي إذا قال للشيء كن فيكون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
«فما ظنكم برب العالمين»
«صناعة الأمل»
خطبة الجمعة غداالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كَمَا تَقُولُ، وَلَكَ الحَمْدُ خَيْرًا مِمَّا نَقُولُ، سُبْحَانَكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، إلهًا أَحَدًا فَرْدًا صَمَدًا، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَهَذِهِ رِسَالَةُ أَمَلٍ وَتَفَاؤُلٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَعَ بِدَايَةِ عَامٍ جَدِيدٍ، وَاسْتِقْبَالِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ المُبَارَكَةِ، أَبْشِرْ أَيُّهَا النَّبِيلُ بِأَيَّامِ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ تَشْهَدُ فِيهَا جَمِيلَ اللُّطْفِ الإِلَهِيِّ وَعَجِيبَ التَّدْبِيرِ الرَّبَّانِيِّ، وَإِلَيْكَ هَذِهِ البُشْرَيَاتُ القُرْآنِيَّةُ هِدَايَةً لِنَفْسِكَ وَسَكِينَةً لِرُوحِكَ: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون}.
أَيُّهَا النَّاسُ {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} كَرِيمٌ، مُنْعِمٌ، بَرٌّ، لَطِيفٌ، لَا يَزْدَادُ عَلَى كَثْرَةِ الحَوَائِجِ إِلَّا جُودًا وَسَخَاءً وَإِكْرَامًا! فَكَمْ مِنْ بَلِيَّةٍ كَشَفَهَا، وَكَمْ مِنْ دَعْوَةٍ أَجَابَهَا، وَكَمْ مِنْ سَجْدَةٍ قَبِلَهَا، وَكَمْ مِنْ كُرْبَةٍ فرَّجَهَا، وَكَمْ مِنْ مِسْكِينٍ أَعْطَاه، وَكَمْ مِنْ فَقِيرٍ أَغْنَاه، وَكَمْ مِنْ يَتِيمٍ آوَاه، وَكَمْ مِنْ مَرِيضٍ شَفَاه، فَتَفَاءَلُوا بِالخَيْرِ تَجِدوُه، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الوَعْدِ الإِلَهِيِّ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».
أَيُّهَا السَّادَةُ، {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} هَذِهِ رِسَالَتُهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْكُمْ فِي ثَنَايَا سُورَةِ الشَّرْحِ {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العسر يُسْرًا} وَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى المَعِيَّةِ بَدَلًا مِنَ البَعْدِيَّة، وَالتَّأْكِيدِ بَدَلًا مِنَ الانْفِرَاد، تَأَمَّلُوهَا تَنْشَرِحْ صُدورُكُمْ، وَتَسْمُوا أَروَاحُكُمْ، وَيَعْظُمُ يَقِينُكُم بِكَرَمِ رَبِّكُمْ.
وَيَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ المُكَرَّمُ، اعْلَمْ أَنَّ الأَمَلَ شَمْسُ الحَيَاةِ، بِهِ سَكِينَةُ القَلْبِ وَطُمَأْنِينَةُ الرُّوحِ، وَرَاحَةُ الفُؤَاد، فَتَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِالأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ وَحُسْنِ الظَّنِّ، اسْجُدْ لِرَبِّكَ سَجْدَةً، وَأَثْنِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِ الجَمَالِ وَالجَلَالِ، وَابْثُثْ فِي دُعَائِكَ آمَالَكَ وَطُمَوحَاتِكَ وَأُمْنِيَّاتِك، فَإِنَّ رَبَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَانْطَلِقْ مِنْ صَلَاتِكَ لِتُحْيِيَ الأَمَلَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ جَابِرًا خَوَاطِرَهُمْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَابْتِسَامَةٍ حَانِيَةٍ، وَرَحْمَةٍ بِالصَّغِيرِ، وَمَسْحَةٍ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ، وَدَعْوَةٍ لِمَرِيضٍ، وَرِقَّةٍ لِمُصَابٍ، وَلُطْفٍ بِمَحْزُونٍ، لِيَسْرِيَ الأَمَلُ فِي تِلْكَ النُّفُوسِ كَمَا يَسْرِي المَاءُ فِي الوَرْدِ. مِنْ هُنَا تُصْنَعُ الحَضَارَةُ، وُيُبْنَى الإِنْسَانُ.
لِيَكُنْ عُنْوَانُكَ أَيُّهَا الكَرِيمُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الأَمَلَ وَالتَّفَاؤُلَ وَاليَقِينَ فِي الجَبْرِ والرِّزْقِ وَالعَافِيَة، فَمِنَ المِحَنِ تَأْتِي المِنَحُ، وَمِنَ الشِّدَّةِ يَخْرُجُ الفَرَجُ، وَمِنَ الظُّلْمَةِ يُشْرِقُ النُّورُ، فهَا هُوَ الجَنَابُ الأَنْوَرُ -صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- الذي عَاشَ اليُتْمَ بِكُلِّ مَرَاحِلِهِ وَأَطْوَارِهِ، وَفَقْدَ الأَحِبَّةِ بِكُلِّ جَوَارِحِهِ وَآلَامِهِ، وَأُخْرِجَ مِنْ وَطَنِهِ الَّذِي أَحَبَّهُ بِكُلِّ كَيَانِهِ، قَادَهُ الأَمَلُ وَاليَقِينُ فِي مَدَدِ رَبِّ العَالَمِين لِيَدْخُلَ مَكَّةَ فَاتحًا مُنْتَصِرًا قَدْ تَزَيَّنَ بِالعَفْوِ وَالمَرْحَمَةِ، لِيَفْتَحَ بَابَ الأَمَلِ لِلْبَشَرِ وَقَدْ حُصِّنَتْ دِمَاؤُهُمْ، وَأَعْرَاضُهُم، وَأَمْوَالُهُمْ، لِيَمْنَحَ البَشَرِيَّةَ الأَمَلَ وَالحَيَاة.
وَإِذَا كَانَ شَهْرُ رَجَبٍ الأَصَبّ بِدَايَةَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ المُقَدَّسَةِ فَاجْعَلْهُ بِدَايَةَ أَمَلٍ جَدِيدٍ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - سُبْحَانَهُ- بِصُنُوفِ الخَيْرِ مِنَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَبِرِّ الوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ وَجَبْرِ الخَوَاطِرِ وَسَائِرِ الصَّالِحَاتِ، وَالبُعْدِ عَنْ كُلِّ عَمَلٍ يُغْضِبُ اللهَ -جَلَّ جَلَالُهُ-، {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}، وَلْيَكُنْ حَادِيكَ قَوْلَ اللهِ -سُبْحَانَهُ-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّ الإِنْسَانَ غَالٍ عِنْدَ رَبِّهِ، عَزِيزٌ عِنْدَ نَفْسِهِ، لَا يَحْمِلُهُ طَلَبُ الرِّزْقِ أَنْ يُورِدَ نَفْسَهُ المَهَالِكَ، فَإِذَا كَانَ اللهُ - سُبْحَانَهُ- أَمَرَ عِبَادَهُ بِالسَّعْيِ فِي الأَرْضِ طَلَبًا لِلرِّزْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، فَإِنَّهُ -جل جَلَالُهُ- نَهَى نَهْيًا شَدِيدًا مُؤَكَّدًا عَنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ لِلْهَلَاكِ وَالإِتْلَافِ، فَقَالَ - سُبْحَانُهُ-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
أَيُّهَا الشَّبَابُ، كَيْفَ يَقْبَلُ إِنْسَانٌ لِنَفْسِهِ أَنْ يُرَخِّصَهَا أَوْ يُذِلَّهَا أَوْ يُعَرِّضَهَا لِلْمَهَالِكِ، فَيُقْدِمُ عَلَى الهِجْرَةِ غير الشَّرْعِيَّةِ مِنْ وَطَنِهِ، يَسْبَحُ بِقَوَارِبِ المَوْتِ بَحْثًا عَنْ ثَرَاءٍ مَوْهُومٍ، وَقَدْ حَفَّ نَفْسَهُ بِمَخَاطِرِ الغَرَقِ وَإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَإِذْلَالِ الكَرَامَةِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي أَمَرَهُ الإِسْلَامُ أَنْ يَصُونَهَا وَيُحَافِظَ عَلَيْهَا؟! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نفسَهُ، قَالُوا: كيف يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ».
أَيُّهَا الشَّابُّ النَّبِيلُ، تَفَكَّرْ- قَبْلَ أَنْ تُقَرِّرَ هِجْرَةً إِلَى الهَلَاكِ- فِي أُمِّكَ وَأَبِيكَ إِذَا احْتَرَقَتْ قُلُوبُهُمَا بِفَقْدِكَ! ضَعْ أَمَامَ عَيْنَيْكَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ: «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- لَا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ»، أَيُّهَا الشَّابُّ، اعْتَزَّ بِنَفْسِكَ، فَأَنْتَ فَرْحَةُ أَهْلِكَ، وَأَمَلُ وَطَنِكَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بقُوَّةِ تَدْبِيرِكَ وَعِظيمِ عَفْوِكَ وَسَعَةِ حِلْمِكَ وَفَيْضِ جُودِكَ وَكَرَمِكَ أن تُفِيضَ عَلَى حَيَاتِنَا الرِّزْقَ وَالخَيْرَ وَالبَرَكَةَ.
اقرأ أيضاً«صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان».. نص خطبة الجمعة غدا 13 ديسمبر 2024
«الحياء خير كله».. نص خطبة الجمعة غدا 29 نوفمبر 2024
«وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. نص خطبة الجمعة غدا 4 أكتوبر 2024