د. يوسف عامر يكتب.. بين الخوف والخشية
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
قَد يرَى البعضُ «الخوفَ» أمراً سلبياً، والحقُّ أنَّ «الخوفَ» شعورٌ طبيعىٌّ نفسىٌّ ليس فى ذاتِهِ سلبياً، وإنما يُوصفُ بالسلبيَّةِ أو الإيجابيَّةِ طبقاً لما يترتبُ عليهِ من آثارٍ، فيكونُ إيجابياً إذا كانَ خوفاً مِن اللهِ تعالى يَمنعُ صاحبَهُ من الطغيانِ والبغىِ وارتكابِ الآثامِ، أمَّا إذا قعَدَ بصاحبِهِ عن نُصرةِ حقٍّ فى استطاعتِهِ أنْ يَنصره، أو دَحضِ باطلٍ فى قُدرتِهِ أنْ يَدحضَهُ فيكونُ حينئذٍ أمراً سلبياً نهَى الشرعُ الشريفُ عنه.
والخوفُ فى صورتِهِ الإيجابيَّةِ الأولَى واجبٌ شرعاً، قالَ السادةُ العلماءُ: قَد فرَضَ اللهُ سبحانه على العبادِ أنْ يخافوهُ فقال تعالى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وقالَ تعالى: {وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]؛ وذلكَ لأنَّ هذا الخوفَ هو أساسُ الِاستقامةِ..
وقد يستشكلُ البعضُ أمْرَ الشرعِ بالخوفِ وهو شعورٌ طبيعىٌّ خارجٌ عن نطاقِ سيطرةِ الإنسانِ وتحكمِهِ، ونقولُ: نعَم... الخوفُ فى ذاتِهِ أمرٌ طبيعىٌّ خارجٌ عن قدرةِ الإنسانِ، والأمورُ الطبيعيةُ الخارجةُ عن سيطرةِ الإنسانِ خارجةٌ فى ذاتِها عن نطاقِ التكليفِ، لكنِ المرادُ هنا أسبابُ الخوفِ لا الخوفُ ذاتُهُ، فعلَى الإنسانِ إذاً أنْ يُحصّلَ أسبابَ هذا الخوفِ، فيَعرفُ عقوبَةَ التقصيرِ والمعصيةِ والغفلةِ، فبهذا يتحققُ فيهِ الخوفُ مِن اللهِ تعالى.
وليسَ الخوفُ من اللهِ تعالى كلمةً مدَّعاةً يلوكُها الإنسانُ بفمِهِ دونَ أثَرٍ فى القلبِ، بل لا بُدَّ لها مِن حقيقةٍ وأثرٍ فى سلوكِهِ، ومِن هنا قيلَ: لا يُعدُّ خائفاً مَن لم يكنْ للذنوبِ تاركاً. وقال بعضُ الصالحين: صِدْقُ الخوفِ هو الورَعُ عن الآثامِ ظاهراً وباطناً.
وهذا معناهُ أنَّ الخائفَ مِن اللهِ تعالى لا يكونُ منهُ إفسادٌ فى النطاقِ الشخصىِّ أو العامِّ، بل هو شخصٌ صالحٌ لا يتأخرُ عن عملِ الصالحاتِ، فخوفُهُ من الله يحضُّهُ على العملِ الصالحِ قبلَ انقضاءِ أجلِهِ، وهذا يُفهمُ مِن قولِ بعضِ العارفين: الخوفُ ألَّا تُعلّلَ نفسَك بعَسى وسَوف. أى: الصالحُ لا يَتلكّأُ ويُؤخّرُ التوبَةَ والعملَ الصالحَ.
ومِن الخوفِ «الخشيةُ»، ولكنَّ الخشيةَ نوعٌ خاصٌّ من الخوفِ، فهى خوفٌ يخالطُهُ تعظيمٌ كما قالَ العلماءُ، وهذا التعظيمُ لا يحصلُ إِلَّا بعدَ عِلمٍ بمَن يُخشَى منه، ولهذا خُصَّ العلماءُ بالخشيةِ فى قولِ اللهِ سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وكلمةُ (إنما) فى أولِ هذهِ الجملةِ القرآنيَّةِ الكريمةِ لها دلالةٌ، فهيَ تدلُّ على أنَّ العلماءَ هم الذين يخشونَ ربَّهم دونَ غيرِهِم، فهم الذين تحقّقتْ فيهم الخشيةُ، وهذا يتناسبُ مع وصفِهم بـ(العلماء)، فعِلمُهُم جعلَهُم على معرفةٍ بصفاتِ خالقِهِم سبحانه وتعالى، وما يَليقُ به سبحانَهُ من كمالاتٍ، وما يَستحقُّه من عبادةٍ وطاعةٍ، فتحققتْ بناءً على هذهِ المعرفةِ الخشيةُ مِن الله فى قُلوبِهِم.
ومفهومُ هذا أنَّ مَن لم يتحققْ بمعرفَةِ اللهِ تعالى، وجهلَ ما يليقُ بذاتِهِ وصفاتِهِ مِن كمالاتٍ، وما يَستحقُّه سبحانه مِن تَنزيهٍ وتقديسٍ وطاعةٍ وعبادةٍ، خرَجَ مِن دائرةِ الخشيةِ، فليسَ هو مِن أهلِها.
ويُفهمُ من هذا أنه يَنبغى أنْ يعرفَ كلُّ مسلمٍ مِن صفاتِ اللهِ تعالى ما يَحملُهُ على الخشيةِ، بل ينبغى أن يصلَ كُلُّ ذِى عِلمٍ إلى اللهِ تعالى بعلمِهِ.
وإذا رأينا إنساناً يستعملُ ما مَنحَهُ اللهُ تعالى من علمٍ فيما يَضرُّ ولا ينفعُ نعلمُ أنه حُجبَ بمعلوماتِهِ عنِ اللهِ تعالى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: قناة الناس سماحة الإسلام م ن الله
إقرأ أيضاً:
أوقاف الفيوم تنظم أمسية دعوية بمسجد البرمكي الكبير
عقدت مديرية أوقاف الفيوم، برئاسة الدكتور محمود الشيمي وكيل الوزارة، أمسية دعوية بمسجد البرمكي الكبير التابع لإدارة أوقاف مركز جنوب الفيوم.
يأتي هذا في إطار الدور التثقيفي ونشر الفكر الوسطي المستنير الذي تقوم به وزارة الأوقاف، ومديرية أوقاف الفيوم، لنشر الفكر الوسطي المستنير والتصدي للفكر المنحرف.
جاء ذلك تنفيذًا لتوجيهات الدكتور أسامة السيد الأزهري وزير الأوقاف، وبحضور الدكتور محمود الشيمي وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم محاضرًا، وفضيلة الشيخ سعيد مصطفى مدير إدارة أوقاف مركز جنوب الفيوم محاضرًا، وفضيلة الشيخ سيد علي حسن قارئا ومبتهلًا، وجمع غفير من رواد المسجد، وذلك تحت عنوان: "الخوف من الله وأثره في استقامة الفرد والمجتمع".
وخلال اللقاء أكد العلماء أن الخوف من الله (عز وجل) طريق السالكين والعارفين والواصلين، وهؤلاء هم أولياؤه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، حيث يقول سيحانه : ” أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ “،فالأولياء أخص صفاتهم التقوى التي هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فالمؤمنون خاشعون وجلون أرقاء القلوب ليسوا غلاظًا ولا قساة، حيث يقول الحق سبحانه: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ “.
العلماء: الخوف من الله طريق الصلاح والتقوى
وأشار العلماء إلى أن الخوف من الله طريق الصلاح والتقوى، وهو الحصن الواقي من الزلل، فمن خاف الله (عز وجل) لا يمكن أن يقدم على قتل النفس التي حرم الله، ولا يزني ولا يسرق، ولا يغش، ولا يكذب، ولا يخون، حيث يتحدث القرآن الكريم عن صفات عباد الرحمن فيذكر منها: “وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً *وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ”، ومن ثم فإنه يجب على الإنسان أن يراقب الله تعالى حق المراقبة في السر والعلن، في الرضا والغضب، في الصديق والعدو، في الصحة والمرض، في السعة والضيق , فهو سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى , حيث يقول (عز وجل): ” وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى”، ويقول سبحانه: ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”.