شكري: غض بصر بعض الأطراف عن تناول معاناة الفلسطينيين أمر مشين
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
صرَّح السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية المصرية، بأن سامح شكري وزير الخارجية شارك يوم ٢٦ فبراير الجاري في الحدث الجانبي رفيع المستوى الذي نظمته فلسطين حول أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك على هامش مشاركة وزير الخارجية في اجتماعات الشق رفيع المستوى لمجلس حقوق الإنسان، ومؤتمر نزع السلاح المنعقدة في چنيف.
وذكر المتحدث الرسمي باسم الخارجية، أن الوزير شكري تناول في كلمته حجم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، وما يتعرض له المدنيون الفلسطينيون من انتهاكات لحقوق الإنسان يومياً لما يقرب من خمسة شهور متعاقبة، مندداً بغض بعض الأطراف البصر اليوم خلال بياناتهم أمام مجلس حقوق الإنسان عن تناول المعاناة الإنسانية للفلسطينيين، وبأنه يعد أمراً مشيناً.
وقد أكد الوزير شكري على أن الوضع الراهن في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة في قطاع غزة، والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، هو نتاج لسياسات وممارسات الإحتلال الإسرائيلي الذي امتد لنحو خمسة وسبعين عاماً، وكذا فرض الحصار على قطاع غزة لحوالي ستة عشر عاماً، فضلاً عن إنكار وسلب الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وحق العودة للأراضي الفلسطينية.
وأضاف السفير أحمد أبو زيد، أن الوزير شكري نوه إلى الممارسات الإسرائيلية في غزة المخالفة لكافة أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما لها من أثر قانوني وإنساني على تفاقم الأزمة بين سكان القطاع، مشيراً إلى استمرار إسرائيل في ممارسة سياسات العقاب الجماعي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، وذلك من استهداف عشوائي، وحصار، وتدمير كامل للبنية التحتية، والتهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين، فضلاً عن إعاقة وصول المساعدات لسكان القطاع، واستخدام التجويع كأداة في حربها ضد القطاع، وعلى نحو زاد من مخاطر انتشار المجاعة وسوء التغذية، وتفشي الأمراض بين سكان قطاع غزة.
وفي سياق متصل، ذكر وزير الخارجية شكري أن الأزمة الإنسانية في غزة سلطت الضوء على أوجه قصور المنظومة الدولية في وقف معاناة أبناء الشعب الفلسطيني، وضرورة الضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، معرباً عن الأسف الشديد لوجود نهج إنتقائي وازدواجية في المعايير أمام وضع حد نهائي لهذة الأزمة، وتكرار عجز مجلس الأمن في إقرار وقف إطلاق النار على خلفية الفيتو الأمريكي. كما نوه للعراقيل المقيدة لدور هيئات الأمم المتحدة في معالجة أوضاع حقوق الإنسان في غزة، مشيراً إلى أن آليات مجلس حقوق الإنسان التي تتعامل مع الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة تعاني من صعوبات جمة أمام تنفيذ ولايتها، كونها لا تتلقى ذات الدعم أو الموارد اللازمة مقارنةً بالآليات الأخرى.
وأوضح السفير أبو زيد، أن الوزير شكري حذر كذلك من عواقب أية عملية عسكرية برية في مدينة رفح، الملاذ الآمن الأخير لحوالي ١،٤ مليون فلسطيني نازح، موضحاً التداعيات الإنسانية الكارثية التي ستلحق بالمدنيين الفلسطينيين في غزة إثر هذا الأمر، وكذلك الآثار الأمنية التي تهدد بتوسيع دائرة العنف وباستقرار المنطقة، وعلى نحو يشكل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين.
هذا، واختتم الوزير شكري كلمته مؤكداً الالتزام الراسخ لدى مصر بمواصلة تحركاتها لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة، وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة كاملة وكافية لاحتياجات الفلسطينيين في القطاع، مشدداً على ضرورة حل هذه الأزمة من جذورها، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وغير القابلة للتصرف، وذلك من خلال إرساء السلام العادل القائم على حل الدولتين، والذي يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، متصلة الأراضي والقابلة للحياة، على خطوط ما قبل عام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: حقوق الإنسان الوزیر شکری قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
السجون وذاتيّة الإنسان
انتشرت بعد الأحداث السّوريّة الأخيرة، وتغيير النّظام صور ومقاطع مرعبة ومخيفة حول سجن صيدنايا، وهو من السّجون المعدّة لاحتجاز السّياسيين وأصحاب الرّأي منذ عام 1987م، ويعتبر سجنا عسكريّا، وهو يذكرنا قريبا بمعتقل غوانتانامو، والّذي يقع في أقصى جنوب شرق كوبا منذ عام 2002م، ويعتبر من أكثر المعتقلات بشاعة، ويرون المساجين فيه أنّهم في درجة أدنى من الحيوانات، ففيه صنوف التّعذيب والإيذاء البدنيّ والنّفسيّ، ممّا لا يتصوّره إنسان في العالم، وتشرف عليه دولة الأصل أن تكون حامية لحقوق الإنسان ومواثيقه، بما فيها حقوق السّجين.
التّأريخ والواقع المعاصر يحدّثنا أنّه لا قيمة إنسانيّة للسّجين، فهناك نماذج عديدة سلّط الضّوء على بعضها كسجن جيتاراما في رواندا، وسجن إي دي إكس في أمريكا، وسجن ميندوزا في الأرجنتين، وسجن بلاك دولفين في روسيا، وهناك سجون شاهدة على بشاعة التّعذيب بعد خروج أصحابها منها، كسجن إيفين في إيران أيام الشّاه، وسجن القلعة أو الحربيّ في مصر أيام جمال عبدالنّاصر، بيد هناك سجون لا أحد يعرف أو يقترب منها، يُدرك ذلك من مذكرات من دخل فيها، وكتبت له الحياة من جديد، والّتي تحوّلت إلى مادّة خصبة للرّوايات الأدبيّة والأفلام السّينمائيّة تحكي بشاعة الإنسان ووحشيّته.
من المعلوم أنّ الكرامة الإنسانيّة لا تسقط حال الجرم أيّا كان نوعه وشدّته؛ فالجرم جانب عرضيّ لا يسقط كرامة ذاتيّة الإنسان، فالذّاتيّة مكرّمة منذ الولادة وحتّى الموت، فأسير الحرب لا تمتهن ذاته، وقتيل المعركة لا يمثل في جسده المعبّر عن ذاته، وكذا الحال بالنّسبة للسّجين بأي عرض جرميّ، ويشتد إذا كان السّجن لسبب رأي دينيّ أو سياسيّ أو اجتماعيّ أو ثقافيّ، وهذا ما اجتمع عليه العالم من خلال منظومة حقوقيّة إنسانيّة أقرّتها الأمم المتحدة، فقد نصّت في مادّتها أو المبدأ الأول فيها أنّه «يعامل كلّ السّجناء بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصّلة، وقيمتهم كبشر»، وفي مبدأها الثّاني «لا يجوز التّمييز بين السجناء على أساس العنصر أو اللّون، أو الجنس أو اللّغة أو الّدين، أو الرّأي السّياسيّ أو غير السّياسيّ، أو الأصل القوميّ أو الاجتماعيّ، أو الثّروة، أو المولد، أو أيّ وضع آخر».
وعليه الجانب الجرميّ جانب عرضيّ لا يرفع ذاتيّة وكرامة السّجين، ولا يتحقّق ذلك إلّا من خلال حكم قضائيّ مستقل، يعاقب بمقدار جرمه حسب ما ينصّ عليه القانون، وله حقّ الدّفاع عن ذاته، ولا يجوز حبسه على ذمّة التّحقيق إلّا بقدر ما يتوافق مع حقوق الإنسان، مع أحقيّة وجود محام للسّجين، وفي فترة زمنيّة معلومة، فلا معنى في بعض الدّول أن يبقى السّجين لأعوام بلا محاكمة، ولا يعلم مكانه، ولا يستطيع أحدّ التّواصل معه حتّى المقربين منه، خصوصا ما يتعلّق بسجناء الرّأي، وبالذّات السّياسيين، وفي هذا ينصّ المبدأ الخامس أنّه «باستثناء القيود الّتي من الواضح أنّ عمليّة السّجن تقتضيها، يحتفظ كلّ السّجناء بحقوق الإنسان، والحرّيّات الأساسيّة المبينة في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، وحيث تكون الدّولة المعنيّة طرفا في العهد الدّوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، والعهد الدّوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة، وبروتوكوله الاختياريّ، وغير ذلك من الحقوق المبيّنة في عهود أخرى للأمم المتحدّة».
ومع وجود هذه الوثيقة الجامعة والمفرّقة بين ذاتيّة السّجين وعرضه الجرميّ، بيد أنّ القرن العشرين، والّذي تطوّرت فيه نظريّة حقوق الإنسان بعد الحربين العالميتين، إلّا أنّ الواقع مؤلم جدّا، ففي هذا القرن، وحتّى يومنا هذا نماذج مؤلمة جدّا، وبشعة في الوقت ذاته، عن نماذج غير إنسانيّة في التّعامل مع السّجين، وللأسف لقد مارست الولايات المتحدة الأمريكيّة نماذج سيئة جدّا في هذا، خصوصا ضدّ السّياسيين في العالم، وهناك سجون سريّة أو أشبه بالسّريّة في دول نامية، لا توجد فيها مساحة لهيئات حقوق الإنسان، وإن وجدت فبقدر ما تريده السّلطة، وهي من تعيّن من يكون فيها، ولا تسمح أن تكون هذه الهيئات مدنيّة مستقلّة، لهذا في الواقع نحن أمام نماذج سيئة أسوأ بكثير من سجن صيدنايا.
ثمّ لولا الأحداث السّوريّة الأخيرة -كما أسلفت- لما أدرك العالم حول سجن صيدنايا، وقد كان السّوريّ لا يستطيع الحديث حول هذا الجانب، إلّا من تمكن من الخروج من البلد، ثمّ فيه زنازين سريّة من يدخلها لا يرى الشّمس بعدها، فإمّا أن يقتل مباشرة من دون محاكمة مستقلّة، أو يقتل قتلا بطيئا عن طريق التّعذيب بلا محاكمة أيضا، فتموت حكاياتها وحقيقة ما يجري فيها بمجرّد دخولها، هذا التّوحش غير الإنسانيّ نجد بعض النّفوس تميل إليه أيضا، ويظهر عند انعدام وجود نظام وقوّة تمنعه، وهو ما نراه أيضا في الأحداث السّوريّة الأخيرة، من اجترار بعضهم إلى الإعدام العشوائيّ الشّعبويّ دون محاكمات، وقد يكثر في هذه الأجواء قتل الشّبهة كما حدث في الثّورة الفرنسيّة.
هذا لا يعني عدم وجود إضاءات جيّدة من السّجون، غايتها الإصلاح لا التّشفيّ والتّعذيب، وتراعي منظومة حقوق الإنسان، وتمايز بين الذّات والجرم، وفق قانون واضح متفق عليه، ووفق قضاء مستقل، ووفق مراقبة مدنيّة من منظومة حقوق الإنسان وغيرها من مؤسّسات المجتمع المدنيّ، وهذا ما نرجوه أن يتمدّد في عالمنا العربيّ، ضمن رسالة إحياء الإنسان وتنميته.