ورحل ناظر مدرسة جبر الخواطر
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
يظل الدكتور هانى الناظر أستاذ الأمراض الجلدية، حالة إنسانية خاصة جدًا فى تاريخ مهنة الطب لن تتكرر، فهذا الرجل الطيب الخلوق حجز لنفسه مساحة فى قلوب ووجدان الناس لم ينافسه فيها أحد وستبقى لسنين طويلة شاهدة على أن العمل الطيب وجبر الخواطر من أحب الأعمال وأعظم القربات إلى الله عز جل، فى زمن اشتدت فيه الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم.
الدكتور هانى الناظر الذى رحل عنا الخميس الماضى بجسده فقط وبقى بروحه كانت له فلسفة خاصة جدًا فى التعامل مع البشر فتحت له آفاقا إنسانية رحبة لم يصل إليها غيره من الأطباء، وهو ما جعل كثير من الناس يتسائلون عند رحيله ما الذى بينك وبين الله ليحبك الناس كل هذا الحب، ما الذى بينك وبين الله ليحزنوا عليك كل هذا الحزن ويشيعونك بالآلاف و يدعون لك بالرحمة فى صلواتهم بالملايين.
هذه الفلسفة لخصها الناظر فى «جبر الخواطر» تلك العبادة التى يغفل عنها كثير من الناس، وكشف عن سر إيمانه العميق بها فى أحد منشوراته على حسابه بالفيس بوك قبل حوالى عامين وأشار فيها إلى أن الله جبر خاطره فعاش بين الناس جابرا للخواطر.
يقول الناظر:
عندما التحقت بكلية الزراعة وأثناء دراستى سنة اولى كنت احلم ان يكون تخصصى هو علوم الأراضى ولكن تقديرى فى نهاية العام لم يسمح لى بالالتحاق بهذا القسم فشعرت بحزن واضطررت مرغما للالتحاق بالشعبة العامة بالسنة الثانية ورضيت بما قدره الله لى وشكرته واستكملت دراستى وكان تقديرى فى البكالوريوس مرتفع يسمح لى بأن أعمل معيدا بإحدى كليات الزراعة، ولكنى التحقت بالجيش، وأثناء فترة خدمتى قررت أن أستكمل دراستى بكلية الطب حيث كان فى ذلك الوقت يسمح لخريجى الزراعة بالالتحاق مباشرة بالسنة الأولى بكلية الطب، وعندما سألت عن شروط الالتحاق عرفت أن كلية الطب تقبل من خريجى الزراعة تخصص الشعبة العامة فقط دون بقية التخصصات فقلت لنفسى سبحان الله رغم حزنى على التحاقى بهذه الشعبة إلا انى رضيت بقضاء الله فجبر خاطرى وكتب لى أن أصبح طبيبا.. واليوم بعد كل هذه السنوات ها أنا أسعى لجبر خاطر المرضى ومساعدتهم والتخفيف عنهم فأنال من دعائهم ما يسترنى ويشرح صدرى.
هذا الرجل الذى تشرفت بصداقته قبل حوالى عشرين عاما، عندما كان رئيسا للمركز القومى للبحوث وكان بحق نموذجًا فريدًا يحتذى به فى الإدارة، وكان المركز فى تلك الفترة متوهجها وفى أعظم حالاته، وكانت لدى الناظر خطط ورؤى طموحة للنهوض بالبحث العلمي، وكان مهتم جدا بالتواجد الإعلامى للمركز والباحثين كنوع من الدعم المعنوى المحفز على الإبداع والتميز، وبالفعل استحوذ المركز وقتها على اهتمام ودعم جميع وسائل الإعلام.
وخلال هذه الفترة من التوهج تم ترشيح الناظر عام ٢٠٠٩ للحصول جائزة الدولة التقديرية للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة فى العلوم الأساسية، ولكنها للأسف حجبت عنه بتحريض من وزير التعليم العالى فى ذلك الوقت، ورغم المحاولات التى بذلها نخبة من كبار أساتذة البحث العلمى لرفع الظلم عن الدكتور هانى الناظر، إلا أن ذلك الوزير أصر على عناده وحرمانه من الجائزة وهو لايعلم أن الجائزة الأكبر كانت من عند الله فى صورة حب جارف من ملايين البشر داخل مصر وخارجها.
فبعد أن تحرر الناظر من أعباء المنصب تفرغ لمهنته الأساسية كاستشارى أمراض جلدية، بنى بينه وبين المرضى جسورا من المودة والمحبة وفتح صفحته على الفيس بوك للاستشارات المجانية والعلاج بدون مقابل ترسيخا لفلسفته فى جبر الخواطر والتخفيف عن المرضى، وتجاوزت أعداد المتابعين له الملايين، ورغم ذلك لم يبخل على أى مريض بالرد سواء بالنصح أو العلاج، وحتى فى عيادته الخاصة بالدقى ثم المهندسين كان على نفس القدر من العطاء، ودودا بشوشا محبا للجميع.
رحم الله الدكتور هانى الناظر وأسكنه فسيح جناته.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أستاذ الأمراض الجلدية وزير التعليم العالي الدکتور هانى الناظر جبر الخواطر
إقرأ أيضاً:
قرأ كتابين.. وأفتى!
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"الوصية لطلبة العلم أن يتفقَّهوا في الدين، وأن يتعاونوا على البِرِّ والتقوى، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن ينشروا العلم بين الناس، أينما كانوا" الشيخ ابن باز.
*****
لا شك أن طلب العلم أمر مفيد للإنسان، والتفكر بالتعلم والدراية والمعرفة، ولعل أهم العلوم التي يحسن البدء بها والتفكر بها ودراستها هي العلوم الشرعية، من خلال الدراسة والقراءة لطلبة العلم ومشايخه الثقات، وفي ذلك خير كثير للمسلم، إذ قال تعالى: "وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الأنعام: 155)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (مُتفق عليه).
وطالب العلم الشرعي من ذوي الثقة يرجع إليه العديد من الناس للسؤال عما يجهلون من أمور دينهم، وفي هذا فضل عظيم ففيه تيسير للناس ونشر للعلم بطريقة عملية، وبالطبع لن يأتي الناس إلا الموثوق به أخلاقيا و علميا ولا نزكي على الله أحدا، وهنا أركز على المكانة العالية التي يفترض أن يتبوأها طالب العلم الشرعي اجتماعيًا بين عامة الناس، وبما يكلفه ذلك من مسئولية جسيمة؛ حيث العديد من الناس يربط بعض أمورهم الهامة من أحوال خاصة وما يتعلق بالعبادات و كذلك في مسائل المواريث ومصالحهم الدنيوية كأعمال التجارة والتعاملات وفقا لأجوبة الشيخ طالب العلم حول الحلال والحرام في هذه الأمور، وحتى مع تطور وسائل الاتصالات ما تزال مكانة طالب العلم الشرعي راسخة.
إنما وبناءً على ما سبق ونظرًا لأهمية الفتوى أو المشورة الشرعية، فهنا يفترض وجود شيخ أو طالب علم على كفاءة في تقدير الموقف ذو الصلة ببعض الأمور، حتى تكون الفكرة لديه واضحة ومن خلال هذا الوضوح بإمكانه تحديد الصح والخطأ والحلال والحرام، أي يتحرى الصحة فيما يقول، ويقوم بقياس الوضع بشكل دقيق، حتى يتيقن من الإجابة عن أي سؤال أو طلب فتوى، أو يلجأ للاعتذار على طريقة كفى الله المؤمنين القتال، ويقول المثل الشائع: من قال لا أدري فقد أفتى!
طالب العلم الشرعي الموثوق والذي يجتهد لخدمة دينه وخدمة الناس من خلال إبداء المشورة الشرعية، تجده ينفتح على طل جديد من متطورات العلم والتكنولوجيا ووسائل العصر المعاصر، حتى تكون لديه نبذة و فكرة تامة عما يجري من تطورات وذلك من خلال تواصله مع المختصين حتى يستطيع ربط ما يحصل مع مسائل الشرع ويتتبع مُستحداث العلم أيضا من خلال المختصين الثقات، وهذا ديدن طالب العلم الشرعي، حتى تكون الأمور في محلها ومتثبتة وواضحة للجميع وحتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود عبر البحث العلمي البحث.
يتذكر المتابعون ما حصل عندما تم تحريم "الستالايت" في بداية ظهوره؛ بل ووصم من يضع الستالايت بمنزله بأبشع الصفات، وكذلك الهاتف النقال الذي به الكاميرا، وما حصل بشأنه، وأيضا ما حدث حول قيادة المرأة للسيارة وتبعات ذلك، لك أن تتصور طالب علم يحرم كل ما سبق ثم تجده يحللها بعد ذلك، ليس بسبب فتوى علمية شرعية، إنما بسبب قرارات حكومية أتاحت هذه الأمور للناس وأهمها قيادة المرأة للسيارة!
القصة ليست هكذا فقط؛ بل عندنا في الكويت هناك من يُحرِّم "القرقيعان" وهي عادة تتجدد في رمضان تتعلق بالأطفال؛ حيث يقوم الأطفال بالتجول عبر البيوت القريبة بأهازيج يغنونها حاملين أكياسا حيث يأخذون القرقيعان من أهل البيوت والقرقيعان عبارة عن حلويات ومكسرات متنوعة، وتوقيت هذه العادة في منتصف الشهر الكريم بعد صلاة التراويح. وحدث أنه في السنوات الماضية وحتى الآن على ما اظن أن بعض طلبة العلم الشرعي حرَّموا هذه العادة لأسباب عديدة، وأيضا العديد من طلبة العلم الشرعي اعتبروا الموضوع لا يخرج عن اللهو المباح، وما تزال الاختلافات حول ذلك!
طالب العلم الشرعي يفترض فيه سعة الأفق، وفهم الأمر الواقع وتطورات الحياة، و التيقن من أي مسألة بسؤال المختصين بها علميا حتى تتكون الصورة أمامه كاملة، لأن هناك الكثير من المسائل المعقدة التي تحتاج البحث من خلال مختصيها وعلمائها الثقات الذين يعينون طالب العلم الشرعي بإعطاء نبذة وفكرة واضحة لا لبس فيها، حتى يتمكن من خدمة دينه و تنوير الناس السائلين، ليس معقولا أن يأتي حديث عهد بالعلم الشرعي ويجيب عن المسائل الشرعية ذات الجدل، وبدون أساس علمي فقط بناء على قاعدة سد الذرائع ودرء المفاسد!
لا أن شك بلادنا تفتخر بطلبة العلم الشرعي الثقات، الذين كانوا وما يزالون هم شمعة الأمة ونبراسها، وهم القدوة للذين يقومون بخدمة الناس بمسائل دينهم، ويتعبون على التعامل مع المسائل المعاصرة لخدمة الدين والناس، نفع الله بهم وزادهم علما.
قال العلامة السعدي رحمه الله: "من تعلم علمًا، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه، فإن انتشار العلم عن العالم من بركته، وأجره الذي ينمى".
رابط مختصر