يوم المعلم العماني.. تطلعات وتجليات
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
غنية الحكماني
Alhakmania85@gmail.com
لم تحظ مهنة بهذه القدسية ومُمتهنها بهذا الشرف إلا لعظمة تلك المهمة الجليلة، فالخامس من أكتوبر من كل عامٍ هو يوم الاحتفال العالمي بالمعلم، وعُمان ارتأت أن يكون لها يوم خاص للاحتفال بالمعلم العماني وهو يوم الرابع والعشرين من فبراير من كل عامٍ، فتلك اللفتة العالمية والوطنية والإشادة العظيمة بالمعلم؛ اعترافا بفضله وقدره وسمو شأنه ومكانته، وتكريما لخدمته المتفانية في سبيل مخرجاتٍ طامحة واعدة وهمم وقادة رائدة، فالأمم تعقدُ به أمل تطورها ونهضتها وارتقائها، وبقدر الاهتمام بالمعلم والتبجيل له بقدر الصدق في الرسالة التربوية والولاء الوظيفي والانتماء المؤسسي، فله أحقية الاحتفاء بهذا اليوم الذي يزيد من رفعته واعتزازه وامتنانه، وتقليده أوسمة التميز والعرفان لحمله الأمانة الإنسانية وخدمة التنمية المستدامة.
ولا يقتصر دور المعلم على نقل معلومة أو بناء معرفة أو إكساب مهارة وباستخدام إستراتيجيات تعليمية وطرائق تدريس تحفيزية مختلفة فحسب بل تعددت أداوره وتشعبت مهامه، فهو يمسك زمام القيادة التربوية والنفسية والإرشادية والتوجيهية، وبمتابعة إشرافية مباشرة منه، طلبته هم أسرته الثانية التي يقف على مسؤولية تعليمها إلى جانب تربيتها ورعايتها، وصدق الإمام الغزالي حين قال : "حق المعلم أعظم من حق الوالدين، فإن الوالدين سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية، والمعلم سبب الحياة الباقية، فأبو الإفادة أنفع من أبي الولادة". ولا يوفي أجره شيئا، ولا يوزن عمله بمقدار ولا عطاؤه بمكيال، فهو يبذل منتهى إمكانياته وطاقة جهده في تنشئة جيلٍ يتمتع بسمات عالية في كافة جوانب التربية، مرسخا للقيم الفاضلة ومهذبا للسلوك وغارسا للأخلاق، ومعززا الثقة بالنفس وقوة الشخصية، وحريصا على تنمية روح الوطنية وقيم المواطنة وتأصيل المسؤولية والانضباط، منقبا عن المواهب الدفينة ونفخ روح التصقيل فيها، بالتشجيع على إبرازها ومشاركة لمسات إبداعاتها مع بيئات حاضنة لمختلف المستويات.
وفي عصر الانفجار المعرفي والتطور التقني والاكتشافات العلمية تكبر المهمة على كاهل المعلم، فهو في وسط تراكمات معرفية متجددة وقفزات تكنولوجية متسارعة، مما يتوجب عدم الاكتفاء بالمخزون الذاتي أو المنهاج المعتمد بل مواكبة آخر صرعات العلم الحديث في فضاء العولمة المعرفي، ومجاراة الركب المعلوماتي للحاق بقافلة التقدم الحضاري. فأصبحت الأمية الآن رقمية وتقاس بجهل استثمار تلك التقانة التكنولوجية في المجال التعليمي والتربوي، ولا مفر من التعامل مع تكنولوجيا الثورة الجديدة كالذكاء الاصطناعي وتقنياته المتعددة والخوض في غمار إمكاناتها المعززة وسد الفجوة الرقمية، فهي جزء رئيسي في العملية التعليمية ولمزيد من الكفاءة والتفاعلية والجاذبية، ومزيد من خيارات وأساليب تقييم الأداء، وحل المشكلات المعقدة إضافة إلى اختصار الوقت وتقليل الجهد وسرعة الإنجاز وخفض التكلفة، وتقديم الدعم الفوري والتغذية الراجعة، وقائمة من المزايا والاستفادات التي لا حصر لها مقابل بعض التحديات الدخيلة والمنعطفات السلبية التي تفرزها تلك التكنولوجيا.
لذا؛ أصبحت التربية النقدية والمحاكمة العقلية ضرورية أمام هذا الطوفان الجارف من كم المعلومات والحقائق والتطبيقات، وبتغييب المعلم للمنهجية النقدية يعني التعطيل الكامل للعقل المفكر وسد منافذ البحث والتحليل والتفسير، وتجميد خلايا التفكير وقتل القدرات العقلية، مما يؤدي إلى التسليم التلقائي والتشبث بمسلمات وقناعات سائدة، والاحتكام إلى مرجعيات سابقة والذود عن حياضها، والارتكاز على قوالب تفسيرية جاهزة، دون كشف اللثام عن وجه التزييف والمغالطات المنطقية، ودون تفعيل مبادىء السببية والبرهنة، باحثاً عن الحقيقة ممحصا عنها، مستخدما العقلية النقدية المبنية على التساؤل الحر والتحليل المستقل والشك المدحض، وثمة مقولة تقول: " اعطني تعليما عقلانيا أعطك شعبا يقود الحضارة". فتلك العقول الغضة النضرة المفكرة هي السبيل في إنجاح الشعوب وارتقائها سلم الحضارة، وبها تتم مجابهة التحديات وحل المشكلات وصناعة القرارات، باستخدام العقل كدليلٍ يرشدها ويلهمها.
أخيرا فالمدرسة بمنتسبيها دورها واعد فهي منطلق الهمم ومنبع القيم ومعبر القمم، والمحركة الأولى لعجلة التنمية في مختلف المجالات، وللمجتمع المحلي دور في إكمال مسيرة تشكيل وبناء الإنسان وصياغة الأهداف مع المؤسسة التربوية. تتعاضد جميع الأطراف في بناء تحتية المنظومة التعليمية وإضافة لبنات الرسالة وتطلعاتها، دعما للرؤية التي ترنو المؤسسة التعليمية جاهدة إلى تحقيقها. والتركيز بلا شك على المعلم في بلورة تصورات وسياسات التعليم، نفحاته هي من تبقى متيقظة في مستقبل الناشئة وبصمته تبقى متجذرة في أفهامهم متجسدة في مسالك حياتهم، فكل عام وشعلة المعلم متوقدة أبد الآبدين لا يطفئ توهج ديمومتها حائل، وتبقى شهادة الجميع مجروحة فيه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مشروعات جديدة لدعم الشباب العماني والحد من البيع العشوائي
شكلت أنشطة الباعة المتجولين في مختلف المواقع تحديا تنظيميا ورقابيا واجه المنظومة الحضرية لمحافظة مسقط.
ومع ما شكلته تلك الأنشطة من آثار سلبية على الصحة العامة والمظهر الحضاري والجمالي، سعت بلدية مسقط إلى إيجاد عدد من الحلول والمبادرات، منها مسار العامرات بعدد 15 عربة وبنسبة إنجاز 100%، ومسار مطرح بعدد 12 عربة ونسبة إنجاز 100%، بالإضافة إلى مسار بوشر بـ15 عربة بنسبة إنجاز بلغت 95%.
وتعمل البلدية مع عدد من الجهات الحكومية لإنشاء عدد من المشروعات الجديدة المخصصة لممارسي أنشطة الباعة المتجولين، وفق معايير محددة لاختيار المستفيدين، وتشجيعا منها للشباب العماني وللحد من ممارسة العمالة الوافدة لهذه الأنشطة بهدف تحقيق التوازن بين دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من جهة، وضمان الالتزام بالاشتراطات الصحية والقوانين المنظمة والحد من العشوائيات في تشغيل عربات الباعة المتجولين.
كما تقوم بلدية مسقط بجهود حثيثة في ضبط البيع العشوائي وتنظيم عمل الباعة المتجولين من خلال الحملات التفتيشية في الميادين العامة والأحياء والمناطق والمنشآت والمحلات التجارية والمصانع وغيرها تطبيقًا للقوانين واللوائح البلدية الخاصة بوقاية الصحة العامة وتنظيم الأسواق، وحرصا على صحة وسلامة أفراد المجتمع من الأضرار التي قد تنجم عن المواد المستخدمة وغير الخاضعة للاشتراطات الصحية.
ويقوم الباعة المتجولون ببيع بضاعتهم بطريقة عشوائية غير مستقرة في مواقع غير محددة مخالفين النظم والقوانين، وانتشرت هذه الظاهرة بشكل لافت في عدد من المواقع بمحافظة مسقط، على الطرق والأماكن العامة، وأمام المحلات التجارية، والأماكن الحيوية التي تكثر فيها تجمعات الناس، وتتنوع تجارة الباعة المتجولين المعروضة بين حلويات الأطفال والملابس والمواد الغذائية، والمشويات والأكلات الخفيفة، والمرطبات، ويكثر في الوقت الحالي وجود مركبات محملة بالفواكه والخضار والأسماك ويتم بيعها على المارة وعند تجمعات المراكز التجارية والحدائق والمتنزهات.
وتؤثر ظاهرة الباعة المتجولين بشكل سلبي على الاقتصاد المحلي المنظم كما توجِد نوعا من المنافسة غير المتكافئة، الأمر الذي يؤدي إلى أضرار اقتصادية للتجار القانونيين، إضافة إلى العشوائية التي تحدثها داخل المدينة وتشوه جماليتها بالتلوث البصري، والنفايات، إضافة إلى عرضها أحيانا لمواد فاسدة ومضرة بسلامة المستهلكين لعدم خضوعها للرقابة الصحية، وإهمال الاشتراطات الصحية مما يشكل خطرا على حياة العامة، فمعظم حالات التسمم الغذائي تعود لسوء تخزين الغذاء في أماكن غير مستوفية للاشتراطات المعتمدة، ويجعل المواد الغذائية عرضة للتلوث بسهولة، ويتسبب بدوره في حدوث أعراض مرضية خطيرة للمستهلكين جراء تناولهم لتلك الأطعمة الملوثة.
وتعد هذه الظاهرة ممارسة غير قانونية لنشاط تجاري في ملكيات عامة أو خاصة غير مخصصة لهذه الأغراض، ويقوم الباعة بطرق متنوعة وأساليب مختلفة بعرض سلعهم وبضائعهم فوق الأرصفة وبمحاذاة الطرقات والشوارع، في تجاوز للقوانين المعمول بها ودون الحصول على ترخيص بلدي، مما تترتب عنه عرقلة السير بفعل اكتظاظ الباعة والمارة، فضلا عن التهرب الضريبي والمنافسة غير القانونية للتجارة المنظمة، وتتمثل خطورة الباعة المتجولين أيضا في تجمهر عدد كبير من الناس، والذي يساعد على ارتكاب جرائم السرقة.
ويتم تنظيم نشاط الباعة المتجولين بالشكل الذي يسمح لهم بممارسة نشاطهم التجاري في إطار قانوني صحي وآمن وفقا لمجموعة من الشروط والإجراءات، وذلك بموافقة الجهات المسؤولة عن نوع النشاط ووقت مزاولته ومكان التجوال، عن طريق إصدار ترخيص بلدي بحسب ضوابط واشتراطات معينة والتي تمكّن الباعة من مزاولة أنشطتهم التجارية.