على وَقْع مشاهد «الخذلان»، والاكتفاء بـ«الفُرجة» على شعب يُباد، باتت كلمة «الجوع» اختصارًا مخلًا لمشاهد مرعبة وقاسية ومؤلمة، قادمة من قطاع غزة، حيث أصوات الجياع المستغيثين تصرخ في كل مكان!
أكثر من مائة وأربعين يومًا، على أبشع جريمة إبادة جماعية في التاريخ المعاصر، كان فيها «الصمت الخجول»، أقوى أسلحة بعض «القادة العرب»، بعد أن فقدوا مدافع «الحناجر الفارغة»، التي كانت أهم أسباب زعاماتهم العنترية.
ورغم أن العرب عبر التاريخ هم أهل البلاغة في المعاني، والفصاحة في الألفاظ، خصوصًا في الأزمات، إلا أن بعض الزعماء، اختفت «طلقاتهم الصوتية»، مع استمرار العدوان الفاشي على غزة، ويبدو أنهم اكتفوا بالتضامن بالقلب، كأضعف الإيمان!
طيلة أربعة أشهر والنصف، على وَقْع استمرار جرائم «الصهاينة»، أصبحنا نَحِنُّ إلى «زمن الخطابات الجميل»، لسماع تلك الخُطب التي ترَبَّت عليها أجيال، حتى لو «أُعيد تدويرها»، لتكون صالحة للاستهلاك الشعبي.. لكن ذلك لم يحدث، ربما حرصًا على «التطبيع» أو «السلام الدافئ»!
وبالحديث عن أولئك الذين لهم باع طويل في الخطب البلاغية والإنشائية ـ على امتداد سنوات حكمهم الطويلة والممتدة ـ كنَّا نأمل سماع دويّ تلك الخطب الحنجورية، التي تدغدغ مشاعر الشعوب المغلوب على أمرها، لكنها للأسف اختفت تمامًا، من أدبيات قاموس «سلاح الردع» في مواجهة «الكيان الصهيوني»!
ربما ما يحدث في غزة المكلومة، لم يكن محركًا أو دافعًا، لقريحة بعضهم، حتى تكون مُلْهِمة لتصريح، أو بيان فصيح، يُدَوِّي صداه في آذان حملة المباخر والأفاقين، المتحولين الآكلين على كل الموائد في جميع العصور، ليتحدثوا عن الزعيم المُلْهَم والمُلْهِم.
هؤلاء الأفاقون، كانوا «يَرْجُون تجارةً لن تَبُور»، لكنهم اختفوا تمامًا، مع اختفاء ما قد يستندون إليه من خُطب رنَّانة وتصريحات مُدَوِّية، لوصف ما يَرَوْنَه من بلاغته وفصاحته وحكمته، وفحوى رسائله التي تعد آية من آيات الإبداع والجمال الأدبي، والفني أيضًا، وكذلك ما يملكه من قدرةٍ على التعبير، وقاموس مفرداته التي يُصنع منها عبارات كالسهام، قادرة على إصابة العدو وشلِّ حركته وتدميره!
ويبقى الجمهور العربي «المتفرج»، ومالك المسرح الحقيقي، شاهدًا على غياب موسم «طوفان الخُطب الحماسية المزلزلة»، التي يغلب عليها النزعة الإنشائية، ولا تقدم رؤية أو حلًّا في مواجهة فاجعة الأمة الكبرى ومصيبتها العظمى.
أخيرًا.. في مسرحيته الشعرية الرائعة «الحسين ثائرًا» يقول الراحل عبدالرحمن الشرقاوي، على لسان سبط النبي الأعظم محمد: «أتعرف ما معنى الكلمة؟، مفتاح الجنة في كلمة، دخول النار على كلمة، قضاء الله هو الكلمة.. الكلمة مسئولية وهي حصن الحرية، الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة».
فصل الخطاب:
سُئل الإمام عليّ: «ما يُفسِدُ أمرَ القوم يا أمير المؤمنين»؟، قال: «وَضْعُ الصغير مكان الكبير، والجاهل مكان العالم، والتابع فى القيادة».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: غزة تموت جوعا العدوان الإسرائيلى الزعماء العرب محمود زاهر التطبيع عبدالرحمن الشرقاوي
إقرأ أيضاً:
سفاجا.. صفارات الزمن تحكي تاريخًا من الكفاح والأمل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في قلب الصحراء الشرقية، على ضفاف البحر الأحمر، تتربع مدينة سفاجا، المدينة التي لا تزال صفاراتها تدوي في أرجاء الذاكرة، لتحكي تاريخًا من الكفاح والأمل، تاريخًا يمتزج فيه عرق العمال برائحة الفوسفات، ونغمات صفارات الإنذار بأصوات السفن الراسية في الميناء.
من صفارة العمل إلى صفارة الخطر.. سفاجا في ذاكرة الوطن
لم تكن صفارات سفاجا مجرد أدوات لتنظيم العمل، بل كانت لغة المدينة، لغة يتحدث بها العمال والبحارة، لغة تُعلن عن بداية يوم جديد، أو تُحذر من خطر قادم. فصفارة العمل كانت تدوي في الصباح الباكر، لتوقظ المدينة من سباتها، وتدعو عمال المناجم والميناء إلى بدء يومهم الشاق. أما صفارة الخطر، فكانت ترتفع في حالات الطوارئ، لتنذر السكان بقدوم خطر ما، سواء كان غارة جوية، أو عاصفة بحرية، أو حريقًا في أحد المصانع.
مياه عدن وخنادق الأبطال.. صفحات من تاريخ سفاجا لا تُنسى
شهدت سفاجا صفحات مشرقة من تاريخ الكفاح الوطني، ففي حرب الاستنزاف، كانت سفاجا بمثابة خط الدفاع الأول عن جنوب البحر الأحمر، حيث تصدى رجالها الأبطال للغارات الجوية الإسرائيلية، وقدموا أرواحهم فداءً للوطن. كما كانت سفاجا بمثابة نقطة انطلاق للعديد من العمليات البحرية، التي استهدفت المدمرة الإسرائيلية إيلات، وغيرها من الأهداف المعادية.
سفاجا.. عندما كانت الصفارات لغة المدينة
في الماضي، كانت صفارات سفاجا هي الوسيلة الرئيسية للتواصل بين سكان المدينة، فكانت صفارة العمل تُعلن عن بداية يوم جديد، وصفارة الغداء تُعلن عن وقت الراحة، وصفارة نهاية اليوم تُعلن عن انتهاء العمل. أما في حالات الطوارئ، فكانت صفارات الإنذار تُطلق لتحذير السكان من خطر قادم.
تاريخ سفاجا.. بين صدى الصفارات ورائحة الفوسفات
لطالما ارتبطت سفاجا بصناعة الفوسفات، حيث كانت المدينة بمثابة مركز رئيسي لتصدير الفوسفات المصري إلى مختلف أنحاء العالم. وقد ساهمت هذه الصناعة في ازدهار المدينة، وتوفير فرص عمل للعديد من سكانها. ولكن في الوقت نفسه، تركت هذه الصناعة آثارًا سلبية على البيئة، حيث تسببت في تلوث الهواء والماء.
سفاجا.. حكايات من زمن مضى، رواها لنا التاريخ
لا تزال سفاجا تحتفظ بذاكرة حية لتاريخها العريق، ففي أزقة المدينة القديمة، يمكن للمرء أن يسمع صدى صفارات الزمن، وأن يشم رائحة الفوسفات، وأن يتخيل حياة العمال والبحارة في الماضي. وفي متحف سفاجا، يمكن للزائر أن يتعرف على تاريخ المدينة، وأن يشاهد صورًا ومقتنيات أثرية تحكي قصصًا من زمن مضى.
سفاجا ليست مجرد مدينة ساحلية عادية، بل هي مدينة ذات تاريخ عريق، مدينة تحمل في ذاكرتها قصصًا من الكفاح والأمل، قصصًا رواها لنا التاريخ، ورواها لنا صدى الصفارات التي لا تزال تدوي في أرجاء المدينة.
20241121055708578 فوسفات-ابوطرطور-بالوادى-الجديد-5 62-144333-most-famous-tourist-places-safaga_700x400 caption