هكذا حول الاحتلال سجونه إلى مقابر أحياء.. قصص وأرقام صادمة
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
رام الله– يوثق الفلسطينيون يوميا ما ترتكبه إسرائيل وجيشها من الجرائم التي تندرج تحت بنود حرب الإبادة، آملين أن تتم محاسبة دولة الاحتلال يوما ما، ومن هذه الجرائم ما تم تسجيله بحق الأسرى في السجون الإسرائيلية.
وتفاقمت الانتهاكات بحق الأسرى بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، بحسب شهادات من أفرج عنهم من داخل "مقابر الأحياء" كما يفضل الأسرى وصفها، لا سيما وأنها أصبحت مغلقة في وجه منظمات حقوق الإسان الدولية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي التي أوقفت إسرائيل زيارة مندوبيها للسجون منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى اليوم.
يقول رئيس نادي الأسير عبد الله الزغاري -في مقابلة مع الجزيرة- إن الأشهر الأخيرة شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومخالفات خطيرة للاتفاقيات الدولية التي تحمي الأسرى في زمن الحرب.
وأوضح أن كافة الممارسات التي ينفذها جيش الاحتلال ومصلحة السجون الإسرائيلية ضد الأسرى هي "انتهاكات غير إنسانية وغير أخلاقية، وتشبه تماما تعامل الجيش الألماني النازي مع أسرى الحرب العالمية الثانية، وتعامل جنود الاحتلال الأميركي مع أسرى سجن غوانتنامو وأبو غريب"، معتبرا أن ما يجري في السجون الإسرائيلية يعبر عن حجم العنصرية في ذهنية الاحتلال على كافة المستويات.
وأشار إلى أن كل ما يقوم به الاحتلال من سلوك عدواني في الضفة هو نزعة انتقامية بحتة، ويظهر ذلك من خلال طريقة الاعتقال، حيث يقتحم جنود الاحتلال المنازل بعد أن يقوموا بتفجير الأبواب والدخول لغرف نوم الأسرى وعائلاتهم والاعتداء الفوري على كافة الأفراد والشخص المراد اعتقاله.
يقول الزغاري إن عدد الأسرى في سجون الاحتلال ارتفع بشكل كبير منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث بلغ إجمالي المعتقلين الآن نحو 9 آلاف أسير، عدد كبير منهم اعتقلوا بعد "طوفان الأقصى". وأضاف أن النسبة الأكبر من الأسرى الذين اعتقلوا تم تحويلهم للاعتقال الإداري، ويبلغ عددهم 3400، كما تجاوز عدد الأسيرات الـ90 أسيرة، والأطفال نحو 250 طفلا حتى الآن.
وتبدأ رحلة معاناة الأسرى والأسيرات وتعذيبهم والتنكيل بهم مع اللحظة الأولى للاعتقال، حيث يقوم جيش الاحتلال بمحاصرة منزل المواطن أو المواطنة الفلسطينية، وهو ما حصل مع الأسيرة حنين المساعيد من مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين في بيت لحم، والتي اعتقلت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأفرج عنها ضمن صفقات الإفراج عن الأسرى خلال الحرب الحالية.
تقول المساعيد لمراسل الجزيرة إن قوات جيش الاحتلال قامت بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول بمداهمة منزلها بشكل همجي وقاموا بجمع أفراد عائلتها في غرفة ومن ثم أخذ هاتفها الجوال وقالوا إن هناك أمرا باعتقالها، حيث لم تكن تتوقع أن تتعرض للاعتقال وكانت تتوقع أن تكون المداهمة للتفتيش كباقي المنازل وكما يحدث كل يوم، لكنها تفاجأت بإبلاغهم لها أن هناك أمر اعتقال باسم حنين المساعيد.
وعن عملية النقل للمعتقل، تقول المساعيد "عقب اعتقالي من منزلي اقتادوني إلى سيارة شرطة إسرائيلية، وكانت بجانبي مجندة تحمل هاتفها وتضع أغاني عبرية بصوت عال وتضع مكبر الصوت على أذني كتعذيب نفسي، كما أنها وضعت لاصقا على عيني وكنت مربوطة الأيدي لمدة 4 ساعات وهذا كان أصعب شيء".
وأضافت "بعد ذلك اقتادوني إلى مركز التوقيف بسجن يسمى الشارون، وهذا توقيف 4 أيام، وكان من أصعب السجون حيث كانت السجانات يضربن الأسيرات ويأخذن الأغطية منا عند السادسة صباحا، وكان الطعام وجبة باليوم فقط، وكانت الأسيرات يتعرضن للتعامل الوحشي جدا حيث لم يكونوا يحترموننا، وبعد انقضاء الأيام الـ4 قاموا بنقلنا بالبوسطة إلى سجن الدامون وهذا فيه كل الأسيرات".
وأكدت المساعيد أن أصعب ما كان في السجن هو عزل الأسيرات عن العالم الخارجي بشكل كامل.
وعن اعتقال النساء الفلسطينيات وما يتعرضن له، يقول رئيس نادي الأسير إن نسبة الاعتقالات للنساء ارتفعت خصوصا بين الفتيات القاصرات وطالبات الجامعات والأسيرات المحررات اللواتي تعرضن لتعذيب ولمعاملة سيئة وإهمال مقصود بحقهن، مضيفا أن هناك نقصا في توفير احتياجات خاصة للنساء حيث عايشن ظروفا قاسية داخل غرف السجون في ظل وجود نقص الملابس والعلاج والأغطية والغذاء بهدف إذلال الأسيرات.
ولفت إلى التعتيم الإعلامي على ما تعايشه الأسيرات من غزة كما الأسرى، موضحا أن الشهادات التي تم توثيقها تشير لتعرضهن للضرب والشتائم والتهديد بالاغتصاب، مما يستدعي تحركا فوريا من المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان الأخرى.
الضرب بوحشية
يقول الأسير جعفر عبيات الذي أفرج عنه قبل أيام من سجن مجدو بعد أن أمضي 17 عاما في سجون الاحتلال، إن الأسرى يتعرضون لأبشع صور التنكيل والاضطهاد بعد أن بدأت الهجمة عليهم في الأيام الـ3 الأولى من الحرب بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبحسب عبيات، ففد تمثلت الانتهاكات بالهجوم على الأسرى في غرفهم ومصادرة كل ما يملكونه من ملابس وحاجيات وطعام وأغطية، كما تم سحب أجهزة التلفاز والراديو وكل الكراسي والطاولات، وتركهم في الغرف من دون شيء تقريبا مشيرا إلى أن كل هذه الإنجازات حصل عليها الأسرى في إضرابات ونضال داخل السجون من قبل الحركة الأسيرة على مر سنوات طويلة، حيث أعادت سلطات الاحتلال السجون لسنوات الخمسينيات من القرن الماضي.
من ناحية ثانية، قال أسير أفرج عنه في شهر يناير/كانون الثاني الماضي وفضل عدم الكشف عن هويته، إن الأسرى يعيشون في سجن النقب -الذي وصفه بأنه "مسلخ مثل سجن غوانتنامو"- معاناة، نتيجة البرد القارس وقلة الأكل والشرب وعدم وجود مياه للاستحمام وعدم وجود أغطية.
وذكر أنه تعرض للضرب مع الأسرى في غرفهم على مدار أيام متواصلة وصولا لليوم الذي استشهد فيه الأسير ثائر أبو عصب لمجرد أنه سأل أحد الحراس: هل هناك وقف إطلاق نار؟ رد عليه الحارس مهددا: سأريك، واستدعى وحدات قامت باقتحام غرفة أبو عصب وضربه بعصا من حديد على وجهه، وبعد يومين علم الأسرى باستشهاده.
وشهدت الأشهر الأخيرة إجبار سلطات الاحتلال الأسرى الفلسطينيين على التعري وإعطائهم أرقاما بدل أسمائهم في محاولة لإذلالهم وقهرهم، إلى جانب قيام جنود الاحتلال بتناقل فيديوهات للاعتداءات على الأسرى عبر مواقع التواصل للتفاخر بجرائمهم.
يقول الأسير المحرر جميل الدرعاوي -من قرية العبيدية إلى الشرق من بيت لحم- والذي أفرج عنه بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني الماضي بعد اعتقال دام 18 عاما إن الأوضاع في سجون الاحتلال صعبة جدا من كافة النواحي بدءا من الاعتداء المتواصل وسحب حاجيات الأسرى ومرورا بمنع الزيارات والطعام وانتهاء بمنع العلاج.
وأضاف أن الأسرى الذين لديهم أمراض مزمنة كانوا يعانون من الإهمال الطبي، واليوم أصبحت معاناتهم مضاعفة خصوصا مرضى السكري والضغط والأمراض الأخرى، بعد أن أوقف الاحتلال منحهم الدواء والعلاج والمتابعة الطبية، إلى جانب منع زيارات الصليب الأحمر لهم منذ بدء الحرب.
ومن بين الأسرى الذين تعرضوا للتعذيب والتنكيل الأسير كمال أبو عرب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، الذي اعتقل قبل 20 شهرا وأفرج عنه بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني الماضي.
يقول أبو عرب إن من أبرز محاولات إذلال الأسرى هو العد الصباحي والمسائي، حيث يدخل الحراس ويقومون بإحصاء الأسرى عبر إعطاء كل أسير رقما بدل اسمه، ومؤخرا وبعد الحرب يقوم الحراس بإجبار الأسرى على الركوع ومن يرفض يتم الاعتداء عليه بوحشية مما أدى لاستشهاد 7 أسرى.
وعن توفر الطعام يوضح أبو عرب أن الطعام سيئ للغاية وقليل من حيث الكمية. ومما أسهم بانتشار المزيد من الأمراض منع سلطات الاحتلال الأسرى من الاستحمام إضافة إلى مصادرة ملابسهم مع الإبقاء على لباس واحد فقط حيث يضطر الأسرى لغسله ولبسه وهو مبتل، وفق أبو عرب.
صمت دولي
يقول رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري إن نادي الأسير قام بتسجيل حالات اعتداءات بهدف امتهان كرامة الأسرى من خلال إجبارهم على تقبيل العلم الإسرائيلي والوقوف للنشيد الإسرائيلي.
وبرأيه فإن المنظومة الدولية الحقوقية والإنسانية فشلت فشلا ذريعا كونها لم تتمكن من الضغط على الاحتلال لوقف جرائمه بحق الأسرى، واكتفت بإصدار تقارير وبيانات إدانة خجولة ضد إسرائيل، "ونحمل بالأساس الصليب الأحمر المسؤولية في هذا الجانب لأنهم أصحاب الاختصاص في مجال متابعة أوضاع الأسرى وضمان التزام الدولة المحتلة بالاتفاقيات الدولية".
وختم الزغاري بالقول إن شهادات الأسرى حول ما تعرضوا له في سجون إسرائيل من التعذيب والإهانة والإهمال تظهر الحاجة الملحة للتدخل الفوري من قبل المؤسسات الدولية لوقف هذه الانتهاكات وإلزام الحكومة الإسرائيلية باتفاقيات حقوق الإنسان وأهمها اتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي الأسرى في زمن الحرب.
من جهته أوضح المتحدث الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي زياد أبو لبن، في معرض رده على أسئلة الجزيرة، أن اللجنة لم تقم بزيارة السجون كما كان معتادا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول حتى الآن، مؤكدا أن استئناف الزيارات هو أقصى سلم أولوياتهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السابع من أکتوبر تشرین الأول فی سجون الاحتلال نادی الأسیر الأسرى فی أفرج عنه أبو عرب بعد أن
إقرأ أيضاً:
قطعة من جهنم.. هكذا يعمق الاحتلال عذابات الأسرى في رمضان
غزة- "كان نفسي أنام ليلة شبعان"، بهذه الكلمات يختصر محمد فلنة ظروف الحياة البائسة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وزادت قساوة بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فلنة (60 عاما) من سكان رام الله بالضفة الغربية، وهو أحد الأسرى المبعدين للقطاع، وتحرر في إطار صفقات التبادل مع المقاومة الفلسطينية ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، التي انتهت منتصف الليلة الماضية.
دخل السجن شابا يافعا وحكم عليه الاحتلال بالمؤبد، ليخرج منه وقد اشتعل رأسه شيبا، ويقول للجزيرة نت إن "كل سنوات السجن من معاناة وألم وفراق عن الأهل والأحبة، أقل بكثير مما عايشناه خلال شهور الحرب على غزة بما فيها شهر رمضان الماضي".
كانت الـ 15 شهرا من الحرب على غزة "قطعة من جهنم"، بحسب وصف فلنة، "وجاء شهر رمضان ولم تأت معه الرحمة، فهذا العدو المجرم لا يعرف الرحمة، وضاعف من تعذيبنا، حتى أنني كنت أتمنى أنام ولو لمرة واحدة شبعانا طوال شهور الحرب".
خلال سنوات سجنه الطويلة، قضى فلنة 34 رمضانا متنقلا بين سجون مختلفة، لا يتذكر أنه عانى خلالها مثلما عانى ورفاقه الأسرى خلال شهر رمضان الماضي، الذي جاء في خضم العدوان المروع على غزة، ويقول "إننا كأسرى لم نسلم من هذه الحرب، وذقنا ويلات من التعذيب الجسدي والنفسي".
ولم تعد السجون ما قبل 7 أكتوبر كما بعده، فكل شيء اختلف، و"الاحتلال كان يعاملنا وكأننا من نفذنا عملية طوفان الأقصى"، بحسب المحرر فلنة.
إعلانوعلى مدار سنوات اعتقاله، شارك في فعاليات احتجاجية وإضرابات انتزع بفضلها الأسرى "جزءا من حقوقهم الإنسانية"، ويقول إن "كل هذه الحقوق تبخرت بعد حرب غزة، وصادرت قوات الاحتلال كل شيء، حتى الأغطية والملابس وملاعق الطعام، وكثير من الأسرى كانوا ينامون على الأرض بلا فرشة".
ويتابع "في شهور رمضان قبل اندلاع الحرب كانت لنا كأسرى طقوس، نخرج للفورة (ساحة السجن) من الصباح وحتى قبيل موعد أذان المغرب، ومن بعد العصر تبدأ كل مجموعة في إعداد طعام الإفطار من سلع وخضار توفرها مصلحة السجون في الكانتينا (مقصف السجن)، ونشتريها من أموالنا بأسعار مضاعفة ولكنها كانت متوفرة".
ومع مغيب الشمس، يضيف فلنة "ندخل الغرف، وكل واحدة بها 6 أسرى، ونحضر مائدة الإفطار، ونصلي التراويح ونقرأ القرآن". وبعد لحظة صمت عابرة وتنهيدة، يضيف "كان هذا كله قبل أن يمنعونا من كل ذلك وحتى المصاحف سحبوها من الغرف".
بعد الحرب على غزة انقلبت حياة الأسرى الاعتقالية رأسا على عقب، وفق فلنة، وأطلقت دولة الاحتلال العنان لمصلحة السجون لتعذيبهم بصنوف غير مسبوقة. وبينما الواقع على هذه الحال، حل عليهم شهر رمضان المبارك من العام الماضي، وفيه ضاعف الاحتلال من معاملته الوحشية، إلى جانب الاقتحام، وكان يتعمد تأخير الطعام لساعتين وأكثر بعد موعد الإفطار.
ماذا كان إفطاركم داخل السجون؟ سألته الجزيرة نت، فأجاب بكثير من الحزن والغضب "لم يكن إفطارا، كان أي شيء إلا أكلا يصلح للإنسان. قليل جدا من الطعام السيئ وكان السجانون يتعمدون أن يقدم لنا غير مطبوخ جيدا".
ومثلما خسر فلنة نحو 30 كيلوغراما من وزنه خلال شهور الحرب على غزة، يؤكد الأسير المحرر ضياء الآغا الملقب بـ "عميد أسرى غزة" وقضى نحو 33 عاما في الأسر، أن كل أسير داخل سجون الاحتلال في فترة الحرب خسر ما بين 30 إلى 50 كيلوغراما من الوزن، بسبب ما وصفها بـ "سياسة التجويع" التي تمارسها مصلحة السجون، حيث الطعام قليل وردئ.
إعلانويتفق الآغا، الذي تحرر من سجنه في الدفعة الأخيرة قبل نحو أسبوع، مع فلنة في وصف رمضان من العام الماضي بأنه "الأصعب"، ويقول للجزيرة نت "الاحتلال مارس ضدنا فنونا من التعذيب سواء باقتحام الغرف والاعتداء علينا بالضرب المبرح، أو بالحرمان من الطعام والشراب وحتى الاستحمام".
وفي ليلة عيد الفطر الماضي، يقول فلنة إن "قوات القمع اقتحمت غرفتنا، وقيدت أيادينا من الخلف، واعتدى الجنود علينا بالضرب وهم يصرخون ويتضاحكون ويستهزئون بنا، هذا هو احتفال العيد.. كل عام وأنتم بخير".
من جانبه، يقول الأسير المحرر المبعد إلى غزة إسماعيل الردايدة للجزيرة نت "نحن لا نفقد الأمل وسط ظلام الزنزانة، الأسير الفلسطيني يعيش على أمل الحرية ليستطيع مجابهة جبروت السجن والسجان، ونعلم أننا إذا استسلمنا لليأس فإننا نحقق للعدو غايته ونتحول إلى بقايا بشر داخل مقابر، ومجرد أشباح بلا روح".
يبتسم الردايدة، وهو يتذكر أنه كان ينام إلى جوار جدار الغرفة في سجن رامون ويطيل النظر بها ويتخيلها، صحنا من الدوالي (ورق العنب محشو بالأرز)، الذي كان المفضل بالنسبة له، خاصة في شهر رمضان، وخصيصا تعده له والدته التي وافتها المنية بعد اعتقاله ولم يحظ بفرصة إلقاء نظرة الوداع عليها.
أكثر ما كان يشتاق إليه الردايدة في سجنه خلال شهر رمضان هي "لمة الأهل والعيلة". وعلى مدار ربع قرن قضاها محكوما بالسجن المؤبد، يقول "كانت شهور رمضان الأشد قسوة من بين شهور العام، ففي رمضان تستعيد ذكريات الطفولة والشباب، ومائدة الإفطار مع الأهل، والسهرات بعد صلاة التراويح".
ويضيف "مع مرور الزمن تأقلمنا على أجواء رمضان داخل السجون، غير أن رمضان الماضي كان قاسيا، نصوم ساعات طويلة ونفطر ولا نشبع بسبب سياسة التجويع، والغرف مظلمة طوال الوقت، وتعمدت قوات الاحتلال مضاعفة أعداد الأسرى داخلها من 6 إلى 12، وربما أكثر، وسحبت المصاحف والفرش والأغطية وأدوات الطعام البسيطة".
إعلانمن ناحيته، يقول مدير دائرة التوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة -للجزيرة نت- إن إدارة سجون الاحتلال "لا تحترم قدسية شهر رمضان ولا تراعي طقوسه الدينية، ولا تتيح للأسرى حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية، بل تعرقل ذلك عمدا وتفرض قيودا على قراءة القرآن جهرا والصلاة الجماعية.
ويعاني الأسرى الأمرين في شهر رمضان، ما بين مطرقة الحرمان والشوق والحنين للأهل، وسندان ظروف الاحتجاز الصعبة وما يتعرضون له من تعذيب قاسٍ واعتداءات وضرب وتنكيل، إضافة إلى سوء الطعام وقلته، كما ونوعا، وتردي الأوضاع الصحية مع استمرار سياسة الحرمان من العلاج والإهمال الطبي المتعمد، يضيف فروانة.
ووفقا له فقد "اشتد كل هذا وأكثر بعد 7 أكتوبر، ما جعل حياة المعتقلين جحيما"، ويرجح أن رمضان هذا العام، سيكون مختلفا من حيث اشتداد الظروف قساوة وفظاعة المعاملة، مع استمرار التحريض الإسرائيلي الرسمي على الأسرى؛ في ظل انقطاع زيارات الأهل والقيود المفروضة على زيارات المحامين وعدم السماح لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة السجون ورفض الاحتلال تزويده بأعداد معتقلي غزة وأسمائهم، ما جعل الآلاف منهم خلال الحرب في عداد المختفين قسرا.