التمويل السلوكي والقرارات المالية
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
التمويل السلوكي (Behavioral Finance) هو أحد علوم التمويل يهتم بدراسة تأثير السلوك البشري والعوامل النفسية على عمليات اتخاذ القرارات المالية. وهناك اختلاف بين التمويل التقليدي الذي يناقش الطريقة التي يجب أن يتصرف بها المستثمرون والتمويل السلوكي الذي يؤكد الطريقة التي يتصرف بها المستثمرون عند اتخاذ قرار التمويل.
وحقيقة الأمر أن المستثمرين يميلون للتمويل السلوكي لتأثرهم كثيرا بالعاطفة والعوامل الاجتماعية الأخرى مثل التفكير الجمعي المبني على الثقة بآراء الآخرين حتى لو كانت غير صحيحة ولا مبنية على أرقام منطقية أو مؤشرات مستقبلية واضحة مما يغير من قناعاتهم وطرق تفكيرهم للحصول على العائد المادي من الاستثمار سريعا متجاهلين مخاطر الاستثمار وارتداداته السلبية في حال حدوثها. وهنا ينبغي أن نعي جيدا (Money Does not Buy Happiness)؛ ويفترض التمويل السلوكي أن الأشخاص يتأثرون عند اتخاذ قراراتهم المالية بعوامل نفسية واجتماعية. وذكر دانييل كروسبي عالم النفس وخبير في التمويل السلوكي في مقاله بعنوان «الأخطاء الأربعة الأكثر شيوعا في اتخاذ القرارات» أننا لسنا مثاليين في اتخاذ القرارات المرتبطة بالاستثمار، ولهذا نشهد تزايد الأخطاء في اتخاذ القرار، وأن عقل الإنسان ليس مثاليا وفيه عيوب تؤدي بصورة طبيعية إلى انعطافات حادة في سلوكه.
لنفترض أن هناك استثمارا جيدا يظنه المحللون الماليون والمستثمرون ويحقق نموا مستداما، فإن المحللين لن يكونوا على استعداد لتقبّل فكرة النتائج السلبية للاستثمار بسبب انحيازهم التأكيدي (Confirmation Bias) مما يدفعهم للبحث عن المعلومات التي تؤكد وجهة نظرهم بأن الاستثمار جيد، ولا يمكن أن يتأثر بارتدادات سلبية أو متغيرات أخرى تؤثر على نموّه المستدام أو نتائجه الإيجابية؛ فالعوامل النفسية ربما تدفع سلوك المستثمرين لاتخاذ قرارات مالية غير معقولة وخاطئة أحيانا وهي أحد مسببات الفقاعات في الأسواق. أيضا هناك عامل آخر يؤثر على القرارات المالية للمستثمرين ويعرف بأسلوب القطيع الجمعي (Herd Mentality) وهي حالة تصيب سلوك المستثمرين الجدد نتيجة تجاهل التحليل الفني والمالي للاستثمار عبر اعتمادهم على آراء المستثمرين الآخرين عند اتخاذ قرار الاستثمار. وفي رأيي الشخصي أن عدم نجاح كثير من المنخرطين في مجال الاستثمار ليس بسبب عدم معرفتهم أو اطلاعهم على قواعد الاستثمار ومبادئه فالمصطلحات والمفاهيم الاستثمارية ليست المعضلة الحقيقية ولكن بسبب سلوكهم الاستثماري المتأثر بالتحيزات العاطفية والأخطاء الإدراكية. ولتجنب الوقوع في مثل هذه الأخطاء الاستثمارية غير الإرادية في كثير من الأحيان بات من الضروري أن تستحدث المؤسسات التعليمية في سلطنة عمان منهجا علميا لتدريس التحليل النفسي للشركات والسوق والعوامل النفسية والاجتماعية المؤثرة على القرارات المالية في الاستثمار وعدم الاكتفاء بتدريس مناهج التحليل الفني والمالي وذلك للأثر النفسي والاجتماعي للشخص الذي يؤثر في اتخاذ القرارات، ومن الكتب المفيدة في هذا المجال كتاب (The Psychology Of Investing).
إن السلوك غير العقلاني الذي يدفع الأشخاص لاتخاذ قرارات عاطفية أو اجتماعية ربما يؤدي لانعكاسات سلبية على قرارات التمويل، وأن التمويل السلوكي لا يزال قيد الجدل والبناء الفكري على مستوى النظرية والتطبيق، وينبغي مراجعة عدد من الأدبيات الحديثة في الإدارة المالية لضمان اتخاذ القرارات العقلانية وتحد من المخاطر المترتبة جراء اتخاذ قرار التمويل السلوكي، ولتحسين اتخاذ قرار التمويل المالي ودعمه بالإحصائيات والمؤشرات الدقيقة، ينبغي التأكد من وجود علاقة بين انفعالات الشخص ودافعيته تجاه اتخاذ القرارات واتخاذ القرار النهائي للتمويل، أي أنه من المهم دراسة المتغيرات التي تحيط بالأشخاص وأثرها على اتخاذ القرارات بحيث يتم التركيز على العوامل العاطفية والنفسية والاجتماعية.
ووفقا لدراسة بحثية اطلعت عليها حديثا تناقش التمويل السلوكي وأثره في اتخاذ القرارات المالية توصلت إلى نتائج باستخدام برنامج التحليل الإحصائي (SPSS) أبرزها وجود علاقة ارتباط بين المتغيرات المؤثرة على اتخاذ قرار التمويل السلوكي واتخاذه فعليا. وأوصت الدراسة بزيادة التواصل والتفاعل بين إدارات المؤسسات المعنية باتخاذ قرار التمويل السلوكي والمراكز البحثية والأكاديمية لزيادة فهم العوامل السلوكية لتحسين اتخاذ القرارات. وأرى أن وجود تنسيق وتكامل بين المؤسسات الأكاديمية ومتخذي قرار التمويل المالي أصبح ضرورة لفهم بعض المصطلحات المرتبطة بالتمويل السلوكي لترسيخ الفهم الجيد واتخاذ القرار الصحيح عند اتخاذ مثل هذه القرارات المهمة للمؤسسات؛ فهي تعد من أهم القرارات التي تحدد مستقبل المؤسسة والمخاطر المستقبلية على مستوى الأداء العام للشركة والأرباح أو الخسائر التي تواجهها وتحد من التحديات المالية التي ربما تعترضها منذ مرحلة اتخاذ قرار التمويل السلوكي حتى بدء ظهور نتائج القرار من حيث الجدوى والربحية والاستمرارية في المشروع الممول، وأقترح إنشاء وحدة مشتركة بين وزارتي الاقتصاد والمالية تعنى بدراسة التمويل السلوكي وأثره على اتخاذ القرارات المالية، مع أهمية أن تقوم مؤسسات التعليم العالي بتحديث بعض المساقات لتشمل دراسة سلوكيات الأشخاص ودورها في اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی اتخاذ القرارات القرارات المالیة فی اتخاذ القرار عند اتخاذ
إقرأ أيضاً:
دعاء الاستخارة والتيسير.. ردده قبل اتخاذ أي قرار
في لحظات الحيرة التي تتكرر في حياة المسلم، يبقى دعاء الاستخارة والتيسير من أعظم أبواب الطمأنينة واليقين، حيث يلجأ العبد إلى خالقه، طالبًا منه أن يختار له ما فيه الخير، ويصرف عنه ما فيه شر، في خطوة إيمانية تعبّر عن كمال التوكل والرضا بما يقدّره الله.
فحين تتعدد الخيارات وتتزاحم القرارات في شتى أمور الدنيا، تكون صلاة الاستخارة هي المنهج الرباني الذي وجه إليه النبي ﷺ، دعاءً وعبادةً وفعلًا يعبّر عن الثقة في علم الله وقدرته، بعد الأخذ بالأسباب والسعي والاجتهاد.
وقد بيّنت السنة النبوية دعاء الاستخارة بصيغة واضحة يرددها المسلم بعد أداء ركعتين من غير الفريضة، فيقول:
اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم.
ويستحب أن يدعو به إذا تحيّر في أمر مباح أو مُستحب، أما ما كان من المحرّمات أو الواجبات، فلا استخارة فيه، لأن الشرع قد بيّن طريقه سلفًا.
دعاء الاستخارة للتيسير
وإلى جانب دعاء الاستخارة، هناك أدعية مأثورة عن النبي ﷺ وأهل العلم، تُقال في طلب التيسير وتفريج الكرب، نرتبها كما يلي:
إني عبد الله والله لن يضيعني، الله الله ربي لا أشرك به شيئا، اللهم يسر ولا تعسر يا أرحم الراحمين
يا الله، لا تتركني لنفسي فأضعف، ولا إلى الناس فأتيه. اغنني يا الله بحاجتي إليك، ولا تجعلني غنيًا عنك فأفقر
اللهم احفظني من كل ما ينزل من السماء أو يخرج من الأرض، وكل ما يُرى عليها يا أكرم الأكرمين.
اللهم سخر لي الرزق والتوفيق في كل وقت وحين، وسهّل عليّ كل صعب، وكن معي في كل عسير.
يا رب، اجعل لي الخير في كل مكان أتواجد فيه، وفي كل اتجاه أسير نحوه.
اللهم يا مسهل الشديد، ويا ملين الحديد، ويا منجز الوعيد، ويا من هو كل يوم في أمر جديد، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق.
اللهم متعنا براحة البال وصلاح الحال وقبول الأعمال وأنعم علينا بصحة الأبدان واكفنا شر الإنس والجان.
اللهم يا ميسر كل عسير اسألك التيسير والبركة والتوفيق والقبول في جميع الأمور.
اللهم اجبر كسر قلوبنا واشرح صدورنا ويسر امورنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به
اللهم افتح لي بالخير واختم لي بالخير يا الله في جميع أموري.
اللهم إني اسألك اليسر والمعافاة في الآخر والأولى
اللهم الطف بي في تيسير كل عسير فإن تيسير كل عسير عليك يسير.
اللهم اسألك أن تيسر لي هذا الأمر وتجعل الخيرة في ذلك إنك على كل شيء قدير
اللهم سخر لي من يكون لي عونا على ما أريد من أمور الدنيا والآخرة.
يسر لي امري كله يا كريم اللهم يسر لي الخير حيث كنت يا رب
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي
اللهم بك استعين وعليك أتوكل اللهم ذلل لي صعوبة أمري وسهل لي مشقته.
كيف أعرف نتيجة صلاة الاستخارة
وفي السياق، أجابت دار الإفتاء إن صلاة الاستخارة ليس شرطا أن يرى بعدها رؤيا توضح له ما يفعله، بل نتيجتها تكون بتيسير الأمر الذي صلى المصلي بسببه الاستخارة؛ فإذا أقدم الإنسان على أمر ما واستخار فيه ربه، فوجده مُيَسَّرًا، ووجد أبوابه مفتوحة له، فإن فيه الخير إن شاء الله، وإن كان غير ذلك، ورأى فيه عُسْرًا، فإنه ينصرف عنه.
وأضافت دار الإفتاء أن الاستخارة من الأمور المطلوبة من المسلم وبخاصة في الأمور الهامَّة المصيرية مثل الزواج وغيره، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يفعلها ويعلِّم أصحابه كيف يفعلونها.
كيفية صلاة الاستخارة
وتتمثل طريقة صلاة الاستخارة في أداء ركعتين من النفل، تليها دعاء خاص يُقال بعد الصلاة، حيث يطلب المسلم من الله عز وجل التوفيق في أمره.
يبدأ الدعاء بعبارة: "اللهم إنني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم"، ثم يسمي الشخص حاجته سواء كانت تتعلق بالزواج أو أي قرار مصيري آخر.
وأكدت الدار أن الهدف من صلاة الاستخارة هو تفويض الأمر لله، حيث يُعبر المؤمن عن توكله على الله في تدبير شؤون حياته، فإذا كان الأمر خيرًا، فإن الله سيوفقه فيه، وإذا كان غير ذلك، فسوف يصرفه عنه ويُقدِّر له خيرًا منه، كما جاء في الدعاء: "فإن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه".