أمريكا لا تريد وقف الحرب في غزة لماذا؟! -1
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
ليس غريبا ولا مفاجئا أن تعمد الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام حق النقض -الفيتو- في مجلس الأمن الدولي وذلك يوم الثلاثاء 20 فبراير الجاري ضد مشروع القرار الجزائري الداعي إلى وقف فوري للحرب في قطاع غزة لدواع إنسانية، وذلك في ثالث مرة تستخدم فيها واشنطن حق النقض ضد مشروع قرار لوقف الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي.
فمنذ بدأت الحرب وبدأت الدعوات لوقف القتال بعد تجاوز وتوحش أعمال القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بشرا ومباني ومرافق، وعلى نحو إدانة العالم على نحو غير مسبوق بل وانتقده الرئيس الأمريكي بايدن ذاته، وإن كان بأخف الكلمات حيث وصفه بأنه «مفرط»، ورغم ذلك الوصف الرقيق لأعمال القتل والهمجية الإسرائيلية التي بلغت حد التوغل في استخدام الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، والتي فاقت ما تم استخدامه في جنوب إفريقيا حسبما قال مندوب جنوب إفريقيا ذاته أمام محكمة العدل الدولية في مرافعته ضد إسرائيل، فإن بايدن أيَّد استمرار الحرب في قطاع غزة وتمسك حتى الآن باستمرار الحرب التي دعت حركة حماس إلى وقفها أكثر من مرة دون جدوى.
وبالنظر لتأثير ووزن الولايات المتحدة عسكريا وسياسيا فإن كلمتها مسموعة بالنسبة لقضايا الحرب والسلام خاصة عندما تكون ذات صلة بمصالحها بشكل أو بآخر أو أنها تمثل حماية لإسرائيل، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:
أولا، لعل السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا تعارض الولايات المتحدة وقف القتال في قطاع غزة؟ وهل الأمر مجرد تعاطف وتأييد لإسرائيل بعد هجوم حماس عليها في السابع من أكتوبر الماضي؟ وهل هو رغبة أمريكية في الانتقام من حماس وبالطبع من إيران بحكم العلاقات الوثيقة بينهما، وكذلك إظهار الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل مهما كلفها ذلك سياسيا وتسليحيا وماليا ودعائيا وهو كثير، وبالقطع غير مسبوق لا بالنسبة للولايات المتحدة ولا بالنسبة لإسرائيل منذ قيامها، ومن جانب آخر فإنه إذا كانت واشنطن قد اعتادت دعم ومساندة إسرائيل في حروبها خاصة منذ حرب عام 1967 وما بعدها بسبب الانقسام الدولي والتنافس الأمريكي السوفييتي في مرحلة الحرب الباردة والموقف العربي العام المؤيد للسوفييت فهل يمكن أن تتحمّل الولايات المتحدة المسؤولية القانونية في هذا المجال، خاصة أنها تعارض، بل وتعاقب الدول التي تمد بالسلاح دولا أخرى متورطة في حروب أو تكون على علاقة غير ودية أو معادية للولايات المتحدة وتحركها رغبة الانتقام؟ وإذا كانت واشنطن تدرك منذ البداية أن إسرائيل تحركها رغبة الانتقام سواء من حركة حماس بوجه خاص أو من الفلسطينيين بوجه عام إلى حد ممارسة الإبادة الجماعية، فإن الأمر يدخل في الواقع في إطار مخطط محدد ومعد سلفا لتفريغ الأراضي الفلسطينية من السكان بقدر الإمكان ووفق مخطط مرحلي ويتركز في هذه المرحلة في قطاع غزة، بمعنى التخلص من أكبر قدر من الفلسطينيين في القطاع خاصة وأن غزة مثلت وتمثل تهديدا أمنيا لإسرائيل وعائقا حقيقيا للتوسع الإسرائيلي وهو ما ظهر بوضوح في مطامع إسرائيل واليمين الإسرائيلي في الاستيلاء على قطاع غزة وإعادة احتلاله، أو بالسيطرة الأمنية عليه بشكل مباشر أو غير مباشر كما جاء في وثيقة نتانياهو بشأن إدارة غزة بعد انتهاء الحرب.
وبالنظر لحقيقة وعمق الارتباط الأمريكي الإسرائيلي وتدخل واشنطن في جوانب متعددة في إسرائيل فإن التأثير الأمريكي في قرار استمرار أو وقف الحرب هو في الواقع تأثير عملي عميق ليس فقط بحكم الصداقة والاستشارات الأمريكية المتكررة ولكن أيضا بحكم المشاركة الأمريكية في وضع وإدارة وتوجيه المخطط الإسرائيلي بل والسياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين حاضرا ومستقبلا بوجه خاص وتجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط بوجه عام.
وبالطبع فإن المصالح الأمريكية الإقليمية والدولية هي أيضا تؤدي دورا مهما ومؤثرا في هذا المجال والمصالح الأمريكية هنا تشمل مصالح الرئيس (حاضر ومستقبل الحاكم) وحاضر ومستقبل الدولة الأمريكية وفق رؤيتها الاستراتيجية لمصالحها ولعلاقاتها مع دول العالم الأخرى في الحاضر والمستقبل.
ثانيا، إنه في الوقت الذي تشكل فيه مصالح الدولة كل متكامل بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية حيث يتولى رئيس الدولة ومؤسساتها التنفيذية مهمة التعبير عنها وفق المسؤوليات الدستورية والتشريعية التي يحددها القانون لكل منها، فإن مسؤولية رئيسة وكبيرة تقع على عاتق الرئيس بحكم مسؤوليته الكبيرة في عملية صنع القرار.
وفي إطار علاقات التحالف العضوي بين أمريكا وإسرائيل والخصوصية والتميز في العلاقات التي تعد فيها إسرائيل «دولة أولى بالرعاية» فإن من المفارقات ذات الدلالة أن الخلاف بين بايدن ونتانياهو حول حل الدولتين الذي يريده بايدن ويرفضه نتانياهو بشدة هو خلاف لصالح إسرائيل من وجهة نظر بايدن، فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي بلينكن قي الأيام الماضية أن حل الدولتين يتيح فرصة استثنائية لاندماج إسرائيل في المنطقة وكان ذلك أملا إسرائيليا على مدى العقود الماضية ولا يزال ذلك أملا حتى الآن، ولكن المشكلة أن نتانياهو يريد أن يحدد الصيغة التي يتم من خلالها ذلك وهي الصيغة التي تقوم -حسبما أعلن هو مؤخرا- على أساس المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة ودون إملاء أو تدخل دولي من جانب الأمم المتحدة، ويعني ذلك ببساطة إدخال الفلسطينيين في دوامة التفاوض دون ظهير داعم لهم وليكونوا طرفا ضعيفا أمام إسرائيل وهذه شروط لا يمكن أن تساعد على نجاح أي اتفاق ممكن ثم الفشل في تحقيق السلام والأساس الذي ينبغي أن يقوم على أساس حل الدولتين.
ونظرا لأن بايدن يدرك جيدا أن ذلك يحقق مصلحة إسرائيل العملية في النهاية فإنه يخاطر بالخلاف مع نتانياهو الذي يفكر من منظور مصلحته الشخصية في الاستمرار في الحكم لأطول فترة ممكنة وتعويق إقامة الدولة الفلسطينية طالما استمر في الحكم حسبما صرح قبل أيام حيث تفاخر بما نسبه لنفسه.
ثالثا، أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن قناعة بايدن بحل الدولتين لا يأتي فقط من انحياز أمريكا لإسرائيل على حساب تفتيت المنطقة وإضعاف قواها والتخلص من أي تهديد من جانب حركة حماس لإسرائيل وبالطبع ضد المصالح الفلسطينية والعربية على طول الخط، وفي حين يتمنى بايدن النجاح في تحقيق حل الدولتين أو على الأقل إرساء أسسه قبل أن يغادر البيت الأبيض في 20 يناير القادم إذا لم ينجح في انتخابات الرئاسة فإن توعد ترامب المرشح المنافس له بالانحياز «لإسرائيل وضد العرب بنسبة 100%» وأنه لن يعتذر ولن يبرر ما يقوم به وذلك بلغة تحمل تحديا واضحا لمنافسه بايدن على مستوى الناخبين الأمريكيين، فإن ذلك يضيف سببا آخر لمبالغة بايدن في الانحياز لنتانياهو سواء بالمبالغة في دعمه عسكريا بحشد أضخم قوات عسكرية برية وبحرية وجوية في المنطقة بعد السابع من أكتوبر الماضي من ناحية، والمبالغة أيضا في الدعم المالي والتسليحي والسياسي لإسرائيل داخل الأمم المتحدة وخارجها ليحافظ على ارتباط نتانياهو به في فترة الانتخابات الرئاسية الحرجة.
وعلى ذلك فإن تأييد بايدن لاستمرار الحرب في غزة، وكذلك تأييده لاجتياح رفح بشروط هو في الواقع تأييد لسياسة نتانياهو الهمجية ولأعمال الإبادة الجماعية والثمن هو الدم الفلسطيني الذي تسفحه القوات الإسرائيلية على مدى أكثر من 145 يوما حتى الآن والذي لا يمكن أن يحقق سوى العنف واغتيال فرص السلام وهو ما لا يمكن أن يحقق مصالح نتانياهو ولا إسرائيل في الحاضر ولا في المستقبل، وليت بايدن اقتنع بذلك ولعله يتمكن من إقناع نتانياهو بحل الدولتين قبل أن يعصف به ترامب إذا نجح في الانتخابات القادمة.
وفي النهاية فإن الدم الفلسطيني والعربي كان دوما أداة وثمنا ندفعه نحن العرب لتحقيق مصالح إسرائيل والغرب منذ عقود وإذا كانت واشنطن تطيل زمن الحرب في غزة وهي بذلك تكون شريكا لإسرائيل في القتل والإبادة الجماعية، فهل تتحمّل المسؤولية وتدفع الثمن؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة حل الدولتین فی قطاع غزة إسرائیل فی الحرب فی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
بلال الدوي: مصر الدولة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على السلام
قال الكاتب الصحفي بلال الدوي، إنّ إسرائيل لم تحترم أي معاهدة أو هدنة، ومصر الوحيدة التي أجبرتها على السلام.
وأضاف الدوي، خلال لقائه على قناة «إكسترا نيوز»، أنّ “إسرائيل لم تعترف بالهدنة في لبنان رغم موافقتها وتوقيعها عليها، ولم تحترم الهدنة، لأن إسرائيل لديها مخطط تريد تنفيذه فى الأراضي اللبنانية”.
وتابع: “إسرائيل لم تنفذ أي هدنة أو أي اتفاق على مدار تاريخها إلا مع مصر وهي اتفاقية كامب ديفيد، لأن مصر دولة قوية وقادرة على صيانة أمنها واستقرارها وسلامة أراضيها، وبالتالي أرغمت إسرائيل على السلام”.
وأوضح أن التهديدات تشير إلى وجود مخطط للشرق الأوسط، حيث يريدون الفوضى الخلاقة كما يقولون.
وتابع: «هذا المخطط نجح في بعض الدول، وفشل في بعض الدول وفي القلب منها مصر، وسبب فشله في مصر لأن هناك عمودا فقريا للدولة المصرية وهي القوات المسلحة المصرية والجيش الوطني العظيم المنتصر، إضافة إلى أنّ مصر لديها مؤسسات وطنية وشرطة ومواطن مصري واعٍ، واحنا بنقول لدينا معركة وعي، وهناك إيجابيات حققتها الدولة المصرية».