الموسوعة العمانية للناشئة.. والعمل الموسوعي المستدام
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
21 فبراير 2024م.. افتتح معرض مسقط الدولي للكتاب دورته الثامنة والعشرين، وفيه دشنت «الموسوعة العمانية للناشئة»، كان مشهدًا فخمًا يليق بها، فهو يدل على اهتمام الدولة والمجتمع بالإنتاج العلمي الرصين، كما أنه مؤشر على قدرة المثقف العماني على إنتاج المعرفة، فقد قام بالعمل باحثون عمانيون متمكنون، سواء في التخطيط ووضع الرؤى والأهداف، أو في التنفيذ والكتابة والتحرير والتصميم.
العمل الموسوعي العماني.. تطور خلال الدولة الحديثة؛ بحثًا ومنهجًا، مضمونًا وإخراجًا، ولا غرو؛ فهو نتيجة عمل تراكمي خَبِره العمانيون طيلة العهد الإسلامي، ولعله من أقدم الأعمال الموسوعية على المستوى العربي، فينسب إلى جابر بن زيد الأزدي (ت:93هـ) أنه ألّف كتابًا بعنوان «الديوان»، في عشرة أجزاء، لكنه مفقود، بيد أن كثيرًا من آرائه حفظت في كتب اللاحقين؛ من العمانيين وغيرهم، ويكفي دليلًا على موسوعية أعماله أن الجزائري إبراهيم بولرواح جمع ما تبقى منها في مجلدين كبيرين بعنوان «موسوعة آثار الإمام بن زيد الفقهية». وأما أقدم عمل موسوعي وصلنا عن عمانيين ما قام به الخراساني أبو غانم بشر بن غانم (ق:2هـ)، حيث بلغت مدونته 11 جزءًا، أخذت موضوعاتها أسماء متعددة، مثل: «الغانمية» و«مدونة أبي غانم» و«الديوان المعروض» و«كتاب الصلاة» و«كتاب الشغار»، وقد حُقق بعض أجزائها، وتوجد في مركز الندوة الثقافي ببَهلا نسخة لها كاملة مرقونة، ومراجعة بقلم سعيد بن خلف الخروصي (ت:2017م).
ثم تتابعت الأعمال الموسوعية للعمانيين؛ منها: كتاب يُذكر لمحمد بن محبوب الرحيلي (ت:260هـ) بلغ 70 جزءًا، ولابنه بشير كتاب «البستان» في 70 جزءًا كذلك، و«جامع ابن جعفر» الموصوف بـ«قرآن الأثر»، في 10 أجزاء، لمحمد بن جعفر الإزكوي (ت:280هـ)، و«بيان الشرع الجامع للأصل والفرع»، في 72 جزءًا، لمحمد بن إبراهيم الكندي (ت:508هـ)، و«المصنف»، في 42 جزءًا، لأحمد بن عبدالله الكندي (ت:557هـ)، و«قاموس الشريعة الحاوي لطرقها الوسيعة»، في 90 جزءًا، لجميّل بن خميس السعدي (ت:1278هـ)، و«منهج الطالبين وبلوغ الراغبين»، في 20 جزءًا، لخميس بن سعيد الشقصي (حي:1059هـ)، و«منهاج العدل» لعمر بن سعيد ابن معدّ البَهلوي (ت:1009هـ)، وهو مخطوط في أربع قطع كبار، يُحقق الآن من قِبَل مركز الندوة الثقافي، ومن المتوقع أن يخرج في سبعة أجزاء، ومع أنه في علوم الشريعة، إلا أنه مكتنز بالتاريخ الاجتماعي لحقبة النباهنة التي لم يُسد كثير من ثغراتها المعرفية حتى الآن، ومن المؤمل أن يكشف «منهاج العدل» عن جانب مجهول من التاريخ العماني.
حوالي 1400 سنة تواصل العمل الموسوعي بعمان، وقد رصدته بالتتبع التاريخي دراسة «الإنتاج الفكري العماني: دراسة تحليلية للمؤلفات العمانية الموسوعية» لموسى المفرجي وخلفان الحجي، ضمت مسردًا بالأعمال الموسوعية العمانية التي عدد أجزائها أربعة وأكثر. وقد شهد العمل الموسوعي في الدولة الحديثة بسلطنة عمان نقلة نوعية، واكبت التحولات الكبرى التي حصلت في مختلف جوانبها، فظهر العمل الموسوعي المنهجي؛ وكان باكورته «موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب»؛ وهي من قسمين: «معجم أسماء العرب» و«سِجلّ أسماء العرب»، أنجزت في المدة 1985-1995م. وقد تواصلت الأعمال الموسوعية على المستوى المؤسسي العلمي والأهلي، وبما قام به الباحثون المتخصصون الذين سخّروا حياتهم للإبداع في مجالهم العلمي.
يأتي مشروع الموسوعة العمانية ليشكّل نقطة تحوّل مهمة في العمل الموسوعي، والذي حظي برعاية كريمة من مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق -أدام الله مجده- منذ أن كان على رأس وزارة التراث والثقافة. وبعد جهود علمية كبيرة صدرت «الموسوعة العمانية» في 11 جزءًا عام 2014م، لتدشّن في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة عشرة، ولضمان استدامة العمل الموسوعي أصبح المشروع عام 2020م دائرة في المنتدى الأدبي باسم الموسوعة العمانية، وكانت «الموسوعة العمانية للناشئة» هي العمل الموسوعي الأبرز بعد «الموسوعة العمانية».
عام 2016م.. انطلقت «الموسوعة العمانية للناشئة»، فباشر فريق العمل التخطيط لها وفق الأسس العلمية، ونفذت بالتزام المعايير الموضوعية في كل مراحل بنائها، حتى دشنت هذا العام أثناء حفل افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب. كانت لحظة معبّرة؛ شهدت قطف ثمرة يانعة أخرى غُرست شجرتها العلمية قبل حوالي عقدين. حضر حفل التدشين مع راعي الحفل معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية؛ معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام غارس شجرة العمل الموسوعي المؤسسي المستدام، ولفيف من مسؤولي الدولة والمهتمين بالثقافة. لحظة مبهجة لنفوس فريق العمل الذي بذل جهودًا مضنيةً لتخرج الموسوعة في حلة بهية، وملهمة لمواصلة الأعمال الإبداعية في المنتدى الأدبي الذي يتمتع بعناية كريمة من لدن صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم وزير الثقافة والرياضة والشباب، وإشراف السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل الوزارة للثقافة.
العصر الرقمي.. أدى إلى أوسع تشظٍ معرفي شهدته البشرية حتى الآن، في كافة مجالات الحياة، ولم يستثنِ أية مرحلة عمرية، وكان نصيب الناشئة منه هو الأخطر، فهذه مرحلة من طبيعتها أن يسعى الإنسان إلى الاستقلال نفسيًا عن الأسرة لتتلقاه الحياة بمصائدها، وكان في السابق تحتضنه المؤسسات المجتمعية كالبيت والمدرسة والمسجد، إلا أنه لطبيعة العصر تعددت وسائل التواصل بين البشر، فانفتحت أبواب مصادر المعرفة على مصاريعها، وانساح سيل تأثيرها التربوي على الشباب، مما عمّق لديهم أزمة التشظي المعرفي والخلل التربوي. ولذلك؛ تأتي «الموسوعة العمانية للناشئة» لتسهم في تقليص التأثير السلبي من هذا التشظي الرقمي، ولتعظيم القيم الأخلاقية والمعرفية، بالإضافة إلى المادة العلمية الوفيرة والجذابة عن عمان وإنسانها.
«الموسوعة العمانية للناشئة».. تقريب للمعارف التي وثقتها الموسوعة الأم إلى عقول الشباب، وقد ضمت مداخل كثيرة من عناصر الثقافة العمانية بكل أوجهها؛ قديمًا وحديثًا، فشملت عمان والإنسان، والدين والأدب، والأساطير والقصص الشعبي، والتراث المادي وغير المادي، والحضارة والثقافة، ومؤسسات الدولة الحديثة وأجهزتها، والبيئة الطبيعية وجيولوجية الأرض، ومملكتَي الحيوان والنبات، فخرجت في ستة مجلدات؛ كل مجلد خُصص لحقل جامع من الثقافة العمانية؛ وهي: عمان.. التاريخ والحاضر - أعلام من عمان - الأرض العمانية - المملكة النباتية - المملكة الحيوانية - التراث الثقافي. لم تتوزع مادتها في المداخل بحسب الترتيب الألفبائي كما في الموسوعة الأم، لأن موسوعة الناشئة توجهت أساسًا إلى صنّاع المستقبل؛ وهم المرحلة العمرية ما بين سن التاسعة والسابعة عشر، ولذلك؛ صُمم جميع مداخلها بأسلوب مناسب لمدارك هذه المرحلة، فقُسِمّت المداخل بحسب المحاور الستة المذكورة.
العمل الموسوعي.. يقوم على التحديث الدائم، فتُحدَّث الموسوعات عادةً كل عشر سنوات، سواء بتجديد المنهج البحثي وما ينتج عنه من إعادة نظر في المعلومات، أو بإضافة معلومات جديدة أفرزتها الدراسات اللاحقة، و«الموسوعة العمانية للناشئة» اتخذت سبيلًا وسطًا، فانطلقت من مواد الموسوعة الأم وجددت كذلك في أسلوبها العلمي، وأضافت مواد جديدة بأسلوب سهل مشفوع بالمواد غير النصية كالصور المعبرة والجداول والخطوط البيانية والخرائط. وقد تحلى جيد الموسوعة بمدخل وافٍ عن السلطان قابوس بن سعيد (ت:2020م) -طيّب الله ثراه-، غطى جوانب من حياته الشخصية ومشروعه الوطني العظيم في بناء الدولة الحديثة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معرض مسقط الدولی للکتاب الدولة الحدیثة بن سعید
إقرأ أيضاً:
جناح الإمارات في "COP29" يروي مسيرتها في العمل المناخي
يروي جناح دولة الإمارات الذي يحمل شعار "نسرع العمل معاً" في مؤتمر الأطراف "COP29"، مسيرة مٌلهمة تمتد لعقود من العمل المناخي وقيادة الجهود الدولية لتحقيق الاستدامة وخفض الانبعاثات، بما يسهم في الحفاظ على كوكب الأرض من أجل الإنسانية جمعاء.
ويجسد الجناح الوطني في “COP29”، الذي تنطلق فعاليات برنامجه التفاعلي اليوم الأربعاء، وتستمر حتى 22 نوفمبر(تشرين الثاني) الجاري، التزام الدولة الراسخ بدفع الجهود الجماعية والتعاون لتسريع العمل في التحول العالمي في مجال الطاقة والحفاظ على هدف الحفاظ على حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.ويقدم الجناح من خلال تنظيم نحو 67 برنامجاً نوعياً، طيفاً متنوعاً من الفعاليات والجلسات وورش العمل؛ لتبادل الأفكار والمشاركة في إيجاد حلول للتحديات المناخية الأكثر إلحاحًا، بمشاركة 49 جهة من الإمارات وسبع جهات عالمية، ونحو 238 متحدثاً من قادة الفكر وخبراء المناخ والمسؤولين الحكوميين وقادة القطاع الخاص والأكاديميين والشباب.
ويُعرف الجناح زوار “COP29” بجهود الدولة في تحقيق التنمية المستدامة، وإستراتيجياتها التي تسعى إلى ترسيخ التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، إضافة إلى سجل الدولة الحافل في ترسيخ التعاون الدولي لمواجهة تداعيات وآثار التغيرات المناخية.
وقالت ميرة عبدالله المطوع، رئيس جناح دولة الإمارات في “COP29”، إن الجناح يستعرض رحلة الدولة مع العمل المناخي، مع تسليط الضوء على اتفاق الإمارات التاريخي وإرث مؤتمر الأطراف “COP28” والإنجازات التي أحرزتها الدولة في ملف التنوع البيولوجي وتمويل المناخ، إضافة إلى التزام الإمارات بالحياد المناخي، وبناء مرونة الغذاء والمياه وحماية الأفراد من آثار التداعيات السلبية لتغير المناخ.
وينظم الجناح محادثات تفاعلية تشمل مواضيع حشد التمويل المناخي لدول الجنوب العالمي، واستعراض التقدم الذي أحرزته الإمارات في مجالات الطاقة المتجددة، ودفع جهود خفض الكربون في القطاعات التي يصعب الحد من انبعاثاتها، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل نظم الغذاء ومعالجة تحدي ندرة المياه والتقدم في الشراكات العالمية؛ مثل مهمة الابتكار الزراعي للمناخ "AIM for Cilmate" ومبادرة القرم.
وتتضمن قائمة المحادثات التفاعلية التي يشهدها الجناح “التعاون بين الإمارات ورابطة الدول المستقلة ”، وجهود تمكين الشباب لصياغة سياسات مناخية شاملة، والتخطيط لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2026، الذي ستستضيفه الإمارات والسنغال، والتخطيط للمدن الدائرية المستدامة، وحشد التمويل لاستعادة التنوع البيولوجي.