لجريدة عمان:
2024-11-23@11:19:05 GMT

معرض الكتاب وتعدّديّة المواطنة

تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT

المتأمل في معرض الكتاب يجد التّعدّديّة واضحة تماما من حيث المعارف، فهناك عشرات الكتب المتناقضة ذات اليمين وذات اليسار، في اللّاهوت والفلسفة والأديان والاجتماع والمذاهب وفروعها المتعدّدة والمتناقضة في بعض كليّاتها، والعديد من جزئيّاتها، كما يجد الرّؤى الّتي طرحت قديما، وكأنّ أصحابها على قيد الحياة، يشاركوننا رؤاهم وفلسفاتهم واجتهادهم، وهناك من الرّؤى الحديثة المبنية عليها، والشّارحة لها، وهناك من الرّؤى الجديدة، والّتي تقدّم رؤيتها التّفكيكيّة والنّقديّة من جهة، ورؤيتها الإصلاحيّة والتّفسيريّة التّحليليّة من جهة ثانية.

كما أنّ هناك تعدّديّة من حيث دور النّشر ذاتها، فمنها من تميل إلى الماضي والتّراث، ومنها من تحمل روحا دينيّة أو مذهبيّة تعرض ما عندها، ومنها من تقدّم أدبًا روائيّا وساخرا وناقدا في صورة شعريّة أو قصصيّة أو روائيّة، ومنها المتخصّصة جوانب التّرجمة والفلسفة والنّقد الفكريّ، ومنها من تحمل زوايا علميّة طبيعيّة وتأريخيّة وقانونيّة وتخصصيّة بحتة.

كذلك توجد تعدّديّة واضحة من حيث الفعاليّات المقامة، فليست على نسق واحد، فهناك ذات الصّبغة الدّينيّة، وأخرى ذات الصّبغة الفكريّة النّاقدة، وثالثة ذات البعد السّياسيّ أو الاجتماعيّ، كما يسايرها عوالم الموسيقى والرّسم والمسرح والفنّ والإبداع.

هذه التّعدديّة لازمتها تعدّديّة من حيث الزّوار، ومحبّي الفن والقراءة والكتابة، فكل في فلك يسبحون، حيث تجد عوالم من النّاس، منهم من يغريه الأدب وشاعريّته، والموسيقى وجماليّتها، والمسرح وصوره الرّمزيّة والواقعيّة، والرّحلات وفوائد تجاربها، ومنهم من يشدّ رحاله إلى الماضيّ والتّأريخ والإنسان، ومنهم من يأخذه عقله إلى الفكر والفلسفة والنّقد والكلام والمناظرات، ومنهم من يشبع روحه بالسّلوك والتّصوّف والعرفان، ومنهم من يكمل تخصّصه العلميّ طبّا أو قانونا أو علوم نفس واجتماع وغيرها.

الصّورة الجميلة ليست هذه فحسب، بل كلّ في عالمه بلا صراع ولا إقصاء، وكلّ يشبع رغباته في حريّة مطلقة بلا استبداد ليقصيّ حرّيّات غيره، فيجد ما طاب له، ويؤانس من يماثله ويخالفه، ويحاور معرفيّا ومنطقيّا من يوافقه ويعارضه، لتبقى الذّات واحدة متساوية، والميولات والتّوجهات عوارض مكمّلة لا مستبدة قامعة.

هذه الصّورة الجميلة في معرض الكتاب هي صورة مصغرة لما في الوطن الواحد، فالوطن لا يمكن بحال أن يكون على صورة واحدة، ولا يمكن للمجتمع أن ينصهر في هويّة مغلقة، وإلّا حدث التّنافر والتّضاد، وقاد إلى الصّراع والاحتراب، فإذا همش المركز الهامشَ شعر بالمظلوميّة، وإن شعر بذلك تقوى في داخله، فيظهر قوّته متى ما ضعف المركز، ويكون حينها يدافع عن مظلوميّته، وهي تحوي في داخلها السّخط والحقد والكراهيّة، فبعدما كانت مسكونة باطنا بقوّة المركز، تتحوّل إلى أداة عمليّة ناقمة فعلا للآخر بلا تفريق بين أحد، ما دام خيطه متصلّا بالمركز ولو على مستوى الهويّة الإجرائيّة العامّة.

والعكس صحيح، إذا ما شعر الكل بوجود مساحة واسعة للإبداع والحريّة، وإفراغ الفكر والنّقد، وإبداء المواهب والطّاقات المختلفة، وكان المركز حافظا للجميع، وساعيا في الحفاظ على سعة دائرة الحريّات؛ هنا يشعر الكل بمكانته الذّاتيّة كمواطن في دولة قطريّة ينتمي إليها ولادة أو تجنسا، فتضيق دائرة الهامش، وتتسع دائرة المواطنة، ويكون الاختلاف طريقا إلى التّهذيب والإصلاح، والتّعدديّة طريق إلى النّماء والجمال، فلا يشعر أحد من حيث المواطنة أنّه نشاز في المجتمع، لأسباب هويّاتيّة دينيّة أو مذهبيّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة، كما لا يشعر بالنّبذ لاختلافات فكريّة أو مواهبيّة أو إبداعيّة، فيشعر أنّه من المركز كذات لا كهويّة، فتتسع دائرة المركز بشكل كبير رخاء أو شدّة.

ما نراه في معرض الكتاب أيضا؛ ندرك جماليّة التّدافع الفكري، واختلاف الفكر ليس مجاله الفتوى والقضاء، وإنّما الفكر يدفع بالفكر، والنّقد يواجه بالنّقد، وما نراه في المعرض من كتب حاولت أن تقيّد كتابة ومعنى لشيء بسيط ممّا يسبح في الفضاء من أفكار متشعبة ومتناقضة، والإنسان لا يملك ولو كانت لغته ذات اشتقاقات كثيرة كالعربيّة؛ إلّا أنّها محدودة بما في العالم من معان وخيالات وأفكار متضاربة ومتناقضة ومتعدّدة، حاول أن يقرّبها الإنسان، ويخلّدها في كتاب مقروء، أو فيلم مرئيّ، أو تمثال وصورة ذات رمزيّات متباينة، أو قصيدة ورواية ذات مخيال واسع.

قد يطرح في الوطن الواحد أيضا العديد من الأفكار، ويقدّم المبدعون العديد من المواهب، لترى نفسك في عوالم لا عالم واحد، فكلّما وسعنا هذه العوالم؛ كلّما وسعنا دائرة الإبداع، وكلّما توسعت دائرة الإبداع توسعت قوّة المركز، حيث قوّته في التّعدّديّة والعوالم المتفاعلة فيما بينها، وإذا ما ضيّقت وصهرت في عوالم محدودة؛ ضاق بذاته يوما بعد يوم، ليدخل في دائرة الاستبداد، ويغلق سعته وفق رؤية واحدة، أو رؤى محدّد ضيّقة ومنغلقة.

لهذا معرض الكتاب هو درس آخر في المواطنة، حيث المواطنة الّتي لا يخيفها الاختلاف، ولا تهاب من التّعدّديّة، بل ترى ذلك عنصر ثراء لها، والمركزيّة بقوانينها الإجرائيّة حافظة لهذه التّعدّديّة، حينها يكون الوطن ليس كالأمس، والمستقبل ليس كاليوم، فبقدر ما تحافظ على ما وصلت إليه من تقدّم معرفيّ وماديّ، إلّا أنّ فضاء العالم اليوم متحرّك بصورة كبيرة جدّا، فيتحرّك الوطن معه، وإلّا بقيّ في نقطة جامدة، ليستيقظ يوما ما وقد أدرك العالم علما ومدنيّة تقدّمه بسنوات زمنيّة طويلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: معرض الکتاب ومنهم من من حیث

إقرأ أيضاً:

العالم الدكتور عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب الدولي بالكويت: القاهرة صاحبة الفضل في تشكيل رؤيتي الفكرية والثقافية

وقع اختيار معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته السابعة والأربعين لهذا العام على شخصية العالم الجليل الدكتور عبد الله الغنيم المتخصص وأحد مؤسسي علم المخطوطات وذلك لإسهاماته وإنجازاته في مجالات البحث العلمي والثقافة.

واستعرض الدكتور الغنيم خلال جلسة حوارية أقيمت في قاعة كبار الزوار ضمن فعاليات النشاط الثقافي المصاحب للمعرض مسيرته العلمية ومحطات من حياته كان لها الأثر الكبير في تشكيل رؤيته الثقافية والفكرية بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين وزملائه و أقربائه.

أدار الجلسة الدكتور البدر الذي استعرض مساهمات الدكتور الغنيم لا سيما إسهاماته في رئاسة مركز البحوث والدراسات الكويتية حيث قاد العديد من المبادرات التي تهدف إلى توثيق تاريخ الكويت وتراثها الثقافي والحضاري.

وتحدث الدكتور الغنيم عن مسيرته الحافلة في مجالات البحث العلمي والتأليف إضافة إلى إسهاماته في توثيق التراث الكويتي وتعزيز الهوية الثقافية، مؤكدا أهمية الكتاب والمعرفة في بناء المجتمعات.

وقال الدكتور الغنيم أن بحوثه و دراساته تندرج في ثلاث مسارات رئيسية يربط بينهما جميعا التراث العربي بعناصره الموسوعية المختلفة.

وقال ان المسار الأول هو (جغرافية شبه الجزيرة العربية) والثاني (التراث الجغرافي العربي بوجه عام والجانب الطبيعي بوجه خاص) والثالث (المخطوطات الجغرافية العربية فهرسة وتحليلا وتحقيقا).

وأكد ان الجزيرة العربية بتنوع اشكال سطحها وطبوغرافيتها استهوته منذ أن كان في العاشرة من عمره وفي رحلاته الى الحج مع والده حيث كانت الأولى سنة 1957 والثانية في السنة التي تلتها مبينا انه كان ينظر في الطريق الى رمال الدهناء وجالات نجد وحرات الحجاز.

وقال انه جمع في تلك الفترة كل ما يمكن الحصول عليه من معلومات حول تلك الأرض وزاد ذلك بعد أن أنهى دراسته الثانوية وانتقل للدراسة الجامعية في القاهرة. مؤكدا أن البيوت الثقافية في القاهرة خاصة بيت العلامة والمحقق المصري محمود محمد شاكر، والذي عرف بدفاعه الشرس عن الحضارة العربية الإسلامية.

فكان أول منهل ينهل منه علوم المخطوطات أثناء دراسته بجامعة القاهرة

و أشار الغنيم إلى أول بحث ينشر له وحمل عنوان (الدحلان في شبه الجزيرة العربية) وقد نشر في مجلة رابطة الأدباء بالكويت عام 1969 وهو العام الذي تخرج فيه من الجامعة.

و أضاف أن رسالة الماجستير كان موضوعها (الجغرافي العربي أبو عبيد البكري مع تحقيق الجزء المتعلق بالجزيرة العربية من كتابه المسالك والممالك) مبينا انه قرأ من أجل تلك الدراسة معظم ما كتبه القدماء و المحدثون عن جزيرة العرب أو عن المملكة العربية السعودية.

وقال أن عمله في الماجستير أثمر عدة كتب منها كتاب (مصادر البكري ومنهجه الجغرافي) ويشتمل الكتاب على دراسات تفصيلية تتعلق بالجزيرة العربية كما جاءت في كتابي (المسالك والممالك) و(معجم ما استعجم للبكري).

وعن دراسته للدكتوراه قال انه هدف إلى هدفين رئيسين اولهما (دراسة اشكال سطح الارض في شبه الجزيرة العربية بالاعتماد على التراث العربي القديم ومعالجة ذلك وفق منظور عصري) وثانيهما (جمع المصطلحات الجغرافية العربية في هذا الشأن واقتراح ما يمكن استخدامه في كتاباتنا الحديثة).

وأشار الدكتور الغنيم إلى دراساته الميدانية الإقامة في العديد من الدول من أجل البحث العلمي والاطلاع على أحدث المصادر الجيومرفولوجية ذات العلاقة بالصحاري والمناطق الجافة.

وقال أنه كان يبحث عن العلاقات السببية بين نشأة شبه الجزيرة العربية من الناحية الجيولوجية والأشكال الأرضية الماثلة أمامنا الآن ويحاول الربط أيضا بين تلك الاشكال والنشاط البشري.

وأشار الدكتور الغنيم الى العديد من الأسماء الذين كان لهم الفضل في مسيرته وتتلمذ على يدهم منهم إلى جانب العلامة المصري محمود محمد شاكر أيضا علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله،

وهو الصحفي وعالم الانساب والمحقق البارع والكاتب والشاعر، كان رحمه الله عضوا فاعلا في العديد من مجامع اللغة العربية بالقاهرة وعمان ودمشق والأردن والعراق، وهو مؤسس مجلة اليمامة السعودية المتخصصة في مجال تاريخ وآداب الجزيرة العربية.

بعث للدراسة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1939 وعاد عقب اندلاع الحرب العالمية.

والمرحوم محمد رشاد عبد المطلب أحد أعلام معهد المخطوطات العربية المفهرسة وغير المفهرسة، وهو أحد أبرز العاملين بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، إذ التحق به بعد عام واحد من تأسيس المعهد بموجب قرار جامعة الدول العربية سنة 1947. وقد استمرت خدمة الأستاذ رشاد بالمعهد عبر بعثاته في جلب المخطوطات و فهرستها و إتاحتها للباحثين قرابة ثلاثة عقود.

وحظيت المحاضرة بتفاعل كبير من الحضور الذين أعربوا عن تقديرهم للدور الكبير الذي لعبه الدكتور الغنيم في إثراء المشهد الثقافي الكويتي والعربي.

كما تطرق الدكتور الغنيم الى مركز البحوث والدراسات الكويتية وعن الوثائق التاريخية واهميتها مشيرا إلى فترة الغزو العراقي على الكويت وجمع عدد كبير من الوثائق في تلك الفترة التي توصلوا من خلالها إلى العديد من الحقائق مبينا أن هناك العديد من الكتب التي صدرت بناء على تلك الوثائق.

ويأتي اختيار الدكتور عبد الله الغنيم شخصية المعرض في دورته الـ47 تقديرا لعطاءاته الثقافية والعلمية الممتدة على مدار عقود ودوره في إثراء المكتبة الكويتية والعربية بمؤلفاته القيمة.

يذكر أن الدكتور عبد الله الغنيم محاضر وباحث مميز في مجال الفكر الجغرافي العربي وجيومرفولوجية شبه الجزيرة العربية وقد درس في هذين الموضوعين سنوات عدة تسنم خلالها مناصب مختلفة.

وشغل الدكتور الغنيم العديد من المناصب سابقا فكان رئيسا لقسم الجغرافيا ثم عميدا لكلية الآداب بجامعة الكويت و ترأس تحرير مجلة دراسات الجزيرة العربية والخليج التي تصدرها من جامعة الكويت وعمل مديرا لمعهد المخطوطات العربية ووزيرا للتربية ووزيرا للتعليم العالي.

وغاص الدكتور الغنيم في أعماق تاريخ الكويت وتراثها الحضاري بعد توليه رئاسة مركز البحوث والدراسات الكويتية منذ عام 1992 حتى الآن.

مقالات مشابهة

  • خالد بن محمد بن زايد: «فن أبوظبي» يعزز المشهد الفني في الإمارة
  • خالد بن محمد بن زايد يزور معرض «فن أبوظبي» في نسخته الـ16
  • خالد بن محمد بن زايد يزور معرض «فن أبوظبي» في نسخته الـ16
  • هيئة الكتاب تشارك بإصدارات متنوعة في معرض الكويت الـ 47
  • هيئة الكتاب تشارك بإصدارات متنوعة في معرض الكويت الدولي الـ٤٧ (صور)
  • العالم الدكتور عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب الدولي بالكويت: القاهرة صاحبة الفضل في تشكيل رؤيتي الفكرية والثقافية
  • هيئة الكتاب تشارك بإصدارات متنوعة في معرض الكويت الـ٤٧
  • هيئة الكتاب تشارك بإصدارات متنوعة في معرض الكويت الـ47
  • نائب رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات
  • نائب رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب بكلية الدراسات الإسلامية للبنات