الإسرائيليون لا يبالون كثيرا بغضب العالم
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
بعد أربعة أشهر رهيبة، لا تزال الحرب دائرة بين إسرائيل وحماس، وتبدو إسرائيل أكثر عزلة من أي وقت مضى. والاحتجاجات الحاشدة ضد إسرائيل في الجامعات الأمريكية وشوارع المملكة المتحدة في الأسابيع الأولى من الحرب مهدت الطريق أمام مقاضاة جنوب إفريقيا لإسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية.
لكن هذا الضغط العالمي لم يحرك الإسرائيليين إلا لماما. ففي استطلاع للرأي أجرته جامعة تل أبيب في منتصف يناير، ذهب أكثر من نصف المشاركين اليهود الإسرائيليين إلى أن إسرائيل تستخدم القدر المناسب من القوة، في حين رأى 43% غيرهم أنها لم تستخدم القدر الكافي من القوة. وفي استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي الأسبوع الماضي، عارضت غالبية اليهود الإسرائيليين اتفاقا سياسيا مفصلا لإنهاء الحرب، وعارض الثلثان المساعدات الإنسانية لغزة. وهذه البيانات مثيرة للقلق، رغم أنها تنعكس في اتجاهات سائدة بين الشعب الفلسطيني خلال الحرب، إذ تظهر استطلاعات الرأي دعما كبيرا لحماس ولهجمات السابع من أكتوبر.
تحتشد أغلب المجتمعات وراء المجهود الحربي. ولكن هناك أسبابا تجعل الإسرائيليين يبدون لا يتأثرون بالازدراء الدولي المتزايد، ناهيكم عن كارثة غزة الإنسانية، وهي أسباب تتجاوز الاحتشاد المعتاد في أزمنة الحرب.
أولا: إن الإسرائيليين ببساطة قد تحطموا في السابع من أكتوبر، فلا يزالون يعيشون هذا اليوم منذ أن حل عليهم، فضلا عن صدمة الحرب الموازية. وكثيرا ما يلوم الغرباء وسائل الإعلام الإسرائيلية على التغطية غير الكافية لمعاناة أهل غزة، لكن هذا اللوم لا يضع إصبعه على النقطة الأساسية، وهي أن الإسرائيليين انغلقوا على أنفسهم، فوسائل الإعلام ببساطة تركز على الإسرائيليين إلى حد المغالاة.
فساعات بث الأخبار مخصصة كل يوم لأخبار فردية عن جنود لقوا مصرعهم في الحرب، أو نازحين من الشمال أو الجنوب، أو شهود وناجين من السابع من أكتوبر أو أفراد أسرهم. وافتحوا المذياع في أي وقت، وستكون أكثر الأحاديث شيوعا هي هذه: «احكِ لنا عن ابنك/زوجك/أخيك الراحل الذي لقي مصرعه في غزة. من كان؟». فلا يكون الجواب مطلقا إن «أبي كان...» وإنما هو دائما «كان بابا». فإسرائيل مجتمع شخصي للغاية، والجميع يريدون أن يعرفوا الصفات الخاصة بالشخص المتوفى، والابتسامة الفائزة، وحياة الحفلة.
وبقية وقت الأخبار موزعة بين عناصر تخص الحرب والسياسة والميزانية والقضايا الاجتماعية المثيرة للخلاف. ويمكن دفن الأخبار الدولية، حتى المتعلق منها بإسرائيل، وسط هذا المزيج.
لا يعني ذلك أن الإسرائيليين لا يكترثون بالمواقف العالمية، فقد صدمتهم الاحتجاجات العالمية، وخاصة الجلسات التي عقدتها محكمة العدل الدولية، صدمة الغضب. ولم يخلصوا من ذلك إلى أن حرب إسرائيل قد تجاوزت الحدود، ولكنهم خلصوا إلى أن شكوكهم كانت في محلها، وأن العالم دائما ضدهم. وذلك يضخم إحساسهم بالتهديد الوجودي، وهو الخوف الذي كان كامنا قبل السابع من أكتوبر، واشتعل في أحشائهم اشتعالا منذ ذلك الحين، ومن المنطقي أن المواطنين العرب يظهرون وجهات نظر مختلفة جذريا تجاه الحرب في الاستطلاعات ولا يمكن تحليلها مع الاتجاهات اليهودية الإسرائيلية.
ومع ذلك، فإن شيئا ما يتغير في المواقف اليهودية الإسرائيلية تجاه الحرب، إذ تظهر استطلاعات معهد دراسات الأمن القومي للرأي تراجع الثقة في الحرب نفسها، فمن أعلى نسبة بلغت أكثر من ثلاثة أرباع السكان اليهود في نوفمبر، يعتقد الآن 58% فقط أن إسرائيل قادرة على تحقيق كل أهدافها الحربية أو معظمها. وفي استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي هذا الشهر، تعتقد الأقلية فقط، بنسبة 39% من جميع الإسرائيليين، أن هناك احتمالا كبيرا أو مرتفعا جدا لتحقيق «نصر مطلق»، كما وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
لكن قد لا يكون السبب في تغيير رأي الإسرائيليين هو جو بايدن، أو الأمير وليم، أو المحكمة الدولية، أو ليس هؤلاء وحدهم على أقل تقدير، ولكنني أعتقد أن الإسرائيليين قلقون بشأن ما يحدث في المنطقة من أخطاء.
يرى الإسرائيليون أن حماس لم تنته وأنها لا تزال تقاتل، وفيما أكتب هذه السطور، بعد ما يقرب من خمسة أشهر، تتعالى في صخب نغمات تطبيقات إنذار إطلاق الصواريخ في الجنوب، والتقارير التي تفيد بأن عقل حماس المدبر يحيى السنوار قد هرب من المدينة إلى سيناء برفقة الرهائن قد تكون صحيحة أو لا تكون، لكن المؤكد أنه لم يمت. وبعد نشوة عابرة نجمت عن تحرير الجيش الإسرائيلي لرهينتين في غارة عسكرية، أصبحت الأسر مذعورة من أن يموت أحباؤها قبل إطلاق سراحهم في صفقة لن تبرم أبدا. وهذه المخاوف المتعلقة بإنجازات الحرب تندمج في ديناميكية أخرى مهيمنة في الرأي العام: فخلافا لكثير من البلاد الأخرى، التي تلتف حول قادتها في أزمنة الحرب، تظهر جميع استطلاعات الرأي أن الدعم الإسرائيلي للحكومة انخفض بعد السابع من أكتوبر.
ثمة ثلاث مظاهرات تجري كل ليلة سبت منذ أسابيع، وهذه هي التي تحكي لنا القصة الآن. أكبرها هي التي تقودها عائلات الرهائن، إذ تحشد جموعا كبيرة من التيار السياسي السائد لمطالبة الحكومة بإعطاء الأولوية لإطلاق سراح الرهائن، مع تجنب توجيه رسالة مناهضة للحكومة بشكل علني. والثانية هي مجموعة متضخمة أفرزتها الحركة الضخمة المؤيدة للديمقراطية والمناهضة للحكومة في عام 2023. وهؤلاء المتظاهرون يدعون علنا وفي غضب إلى الإطاحة بالحكومة، ويملأ الآلاف منهم ساحة مركزية في تل أبيب أسبوعيا. وفي ركن بعيد في الساحة تقف المجموعة الثالثة، وهي مجموعة صغيرة من الناشطين يحتجون على الحرب، ويؤيدون وقف إطلاق النار ويعارضون الاحتلال الإسرائيلي ولا يعيرهم الكثيرون أي انتباه.
ومع ذلك، ظل المتظاهرون يجمعون قوة بعضهم إلى بعض، فأغلقوا بعض خطوط الطريق السريع الرئيسي خارج تل أبيب ليلا، وامتدت الاحتجاجات إلى القدس، أو إلى مقر إقامة رئيس الوزراء، أو إلى منزله الخاص في قيصرية، وأماكن أخرى.
وقد لا يغير الضغط الخارجي آراء الإسرائيليين بمفرده لكنه قد يؤكد صورة القيادة المتنامية لدى عامة الناس باعتبارها شرسة، فاسدة، عديمة الكفاءة إلى حد قاتل، متلهفة على التضحية بالديمقراطية وبالرهائن، وأنها تحول البلد والشعب إلى منبوذين على مستوى العالم. وفي مرحلة ما، مثلما صوتوا لصالح هذه الحكومة المدمرة فأوصلوها إلى السلطة، سوف يتعين على الإسرائيليين أن يتخلصوا منها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السابع من أکتوبر
إقرأ أيضاً:
عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب بعودة فورية للرهائن في غزة وتدعو لإنهاء الحرب
توجهت عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى العاصمة الأمريكية واشنطن مطالبين بإعادة جميع المختطفين إلى الوطن بشكل فوري، مشددة على ضرورة إنهاء المعاناة المستمرة التي يواجهها الرهائن في قطاع غزة.
وقالت العائلات في بيان لها، إنها جاءت إلى واشنطن لشكْر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الدور الكبير الذي قام به في التوسط من أجل التوصل إلى صفقة تبادل مع حركة حماس، معربة عن أملها في أن تواصل الإدارة الأمريكية الضغط على الحكومة الإسرائيلية لاستكمال الصفقة وضمان إعادة جميع الأسرى والمختطفين.
وأضافت العائلات أن الوقت قد حان للتركيز على إنهاء الحرب وتحقيق السلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، مشيرة إلى أن استمرار الحرب لن يؤدي سوى إلى مزيد من المعاناة والألم لجميع الأطراف، وطالبت بأن لا يُترك أي من الأسرى في غزة أو أي مكان آخر، وأن يتم العمل على إطلاق سراحهم بأسرع وقت ممكن.
وتأتي هذه التصريحات في وقت حساس، حيث تواصل الجهود الدولية السعي إلى التوصل إلى هدنة طويلة الأمد في المنطقة، بينما تؤكد العائلات على أن الأولوية يجب أن تكون لعودة المختطفين إلى وطنهم وعائلاتهم.
وتؤكد العائلات على أن هذه المطالب ليست مجرد دعوة للتفاوض، بل هي نداء إنساني يتطلب التفاعل السريع من جميع الأطراف المعنية لوضع حد لمعاناة الأسرى وإعادة لم شملهم مع أسرهم.
آدم بوهلر يشيد بدور الوسطاء في تسهيل اتفاق وقف إطلاق النار وضمان الاستقرار
أكد مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير كان نقطة تحول حاسمة في المفاوضات حول عودة الرهائن، مشيدًا بالدور الكبير الذي لعبته دولة قطر في تسهيل هذه العملية.
وقال بوهلر في تصريحات صحفية: "اتفاق وقف إطلاق النار أتاح عودة الرهائن، وقد لعبت قطر دورًا أساسيًا في تحقيق ذلك، دورها حيوي جدا وحاسم في هذه المفاوضات، وما تفعله الدوحة في هذه القضية يعتبر تاريخيًا"، وأكد أن الهدف الأسمى الآن هو ضمان خروج جميع الرهائن وضمان الاستقرار الطويل الأمد في المنطقة.
وأضاف بوهلر: "الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قوي ومختلف عن غيره من القادة، ولا يكتفي بالكلام فقط، لقد أظهر التزامًا حقيقيًا لتحقيق السلام، ونحن نعمل لتسهيل عودة الرهائن، ولكن الأهم هو إيجاد حل طويل الأمد للصراع في المنطقة".
وتطرق بوهلر إلى الوضع في الضفة الغربية، مؤكدًا أن "الناس في الضفة ينبغي أن يسمعوا كلمتهم"، مشيرًا إلى أن "الشعب الفلسطيني يريد حكومة تمثله وتدعمه".
وفيما يتعلق بحركة حماس، قال بوهلر: "ما فعلته حماس كان شنيعا ونحن ضد الإرهاب ولا يمكننا أن ندعم أي فعل كهذا، يجب ألا تمثل حماس سكان غزة أو الضفة الغربية، نحن بحاجة إلى شركاء حقيقيين مثل قطر للتعامل معهم".
وأوضح بوهلر أن قطر تتمتع بالشرعية اللازمة للقيام بدور الوساطة، مشيرًا إلى أن "قطر يمكنها فعل الكثير في هذه الوساطة الممتدة للصراع"، وأكد أن قطر أثبتت أنها شريك رئيسي في هذه المفاوضات وتستطيع أن تساهم بشكل كبير في إيجاد حلول دائمة للصراع.